مروّعة هي تلك الصور التي تبثها وسائل الإعلام العالمية عن الوضع في
ليبيا.. وسواء أكانت وسائل الإعلام تلك خاصة ومستقلة من التي تنفخ في
الأخبار، وتهوّل وتضخم الأحداث، أم كانت عمومية تابعة ومُنصاعة، وموجهة
لتلميع صور النظم وتجميلها مهما بلغت بشاعتها ودمويتها، أو تلك الخاضعة
لمقص الرقابة، والمتمرسة في تلفيق الوقائع وتصوير الأبرياء العزل
مجرمين وإرهابيين.. يبقى الأمر الأكيد أن الشعب الليبي يتعرض لإبادة
جماعية ولعملية تطهير عرقية، لا لشيء سوى لأنه كفر بدين الملك الاخضر،
ولأنه أحرق نسخا من الكتاب الأخضر المقدّس؟!..
أما القذافي الذي أصبح أشهر من نار على علم، بعد إصداره الأخير (زنقة..
زنقة)، أمسى لايحب الظهور كثيرا أمام كاميرات الصحفيين، رغم أن خطاباته
مكررة ولا تحمل أي جديد، فالفكر هو نفس الفكر، متناقض، ومفكك، وإرتجالي،
وغامض يكاد يكون هذيانا.. والرجل هو نفس الرجل أيضا، مكابر، متغطرس (
يترك مسافة كبيرة بينه وبين جماهيره المتواضعة التي تحضر خطاباته)،
تملؤه العزة بالإثم، مرتبك، وخائف (يتلفت بسرعة يمينا وشمالا)..
لكن الشعب الليبي لم يعد نفس الشعب الذي ألف الزعيم سماع تراتيله
بالولاء له، وتوسلاته بالرحمة والرأفة، ودعواته له بالبقاء وطول العمر!..
فالشعب الليبي قد تغير، وعقد العزم على تغيير الأدوار، وقتل الأخ
الخائن بنفس السلاح الذي قتل به تقدم ليبيا قبل أربعين سنة: (حكم الشعب)..
الشعب الذي كان يحكم بالإسم فقط في جماهيريته العظمى، التي ما كانت
يوما كذلك سوى في عيني طاغيتها الذي ينهب بخيراتها، ويرمي للشعب
بالفتات!..
القذافي إنتهى في قلوب الليبيين، ولن يفيده قتلهم جميعا في العيش من
بعدهم بسعادة، كما لن تفيده سيطرة قواته على تراب ليبيا شبرا شبرا، لأن
الوحدة ستظل تطوقه في وطن دمّره بكتائبه وابناءه الخضر، وبين شعب لن
يغرد بأمل وحماس في سماء ليبيا كما كان!
القذافي إنتهى وهو يعرف ذلك، بدليل خطاباته التي يوجهها إلى الخارج
لا إلى الداخل الليبي، في دعوات من حيث يشعر او لا يشعر صريحة للغرب
للتدخل العسكري في ليبيا أسوة بأفغانستان، ولم يستطع تشبيه الوضع في
ليبيا بالوضع في العراق،لأنه لم ولن يقرأ التاريخ جيدا... وخوفا يحمله
بين ثنايا اضلعه من سوء العاقبة وسوء النهايه، أما أفغانستان فذريعة
إحتلالها كانت طالبان والقاعدة، والقاعدة هي القطب السالب الذي حاول
جاهدا، جذب القطب الموجب الأمريكي به منذ بداية ثورة الشعب ضده!..
فأحيانا تكون أمريكا وفرنسا وبريطانيا هي التهديد الفعلي لأمن
وإستقرار ليبيا لأطماعها في النفط الليبي، وأحيانا تكون القاعدة وبن
لادن هما التهديد الذي يستوجب تدخل التهديد الأول لأنه أرحم في نظر
الزعيم؟!..
وبين هذا وذاك يظل العقيد مصابا بالوسواس يتخبط في التناقض، ومحتارا
في إختيار النهاية: أهي بين أيدي الثوار وهي الشعب الذي لن يرضى بغير
القصاص، أم بين أيدي الأمريكان وحلفائهم وبالتالي مواجهة نفس مصيرصدام
جرذ العفالقه المقبور؟!... والواضح أن أحلاهما أمَر!..
القذافي إنتهى وهو يعرف ذلك، لذلك قدّم ـ (ذليلا) ـ عرضا للمجلس
الإنتقالي المشكل من الأحرار ببنغازي، يدعوهم فيه إلى عقد مؤتمر شعبي
لمناقشة أمر تنحيه عن الحكم، فقوبل عرضه بالرفض ونودي (من بعيد) ان
يرحل من ليبيا...، وإلا...!..
القذافي إنتهى، وما رقصه إلا كرقص الديك المذبوح (على حد تعبير أحد
المعارضين الليبيين)، والمسألة مسألة وقت (ربما هو قصير) لنسمع سقوطه
لافظا آخر أنفاس الزعامة والديكتاتورية...متزامنة مع ضربات قوى التحالف
الموجعة...الموجعة حد العظم...بانتظار فجر جديد... |