
شبكة النبأ: بعد مضي خمسة ايام من
القصف بالطائرات والصواريخ لمواقع القذافي العسكرية، تفصل معلومات
طبيعة الخلاف حول الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة
وبريطانيا ودول أخرى، فالخلافات حول قيادة العمل العسكري بين المشتركين
بالحرب ضد القذافي زادت حدتها.
ويعتبر الخلاف حول زعامة قيادة الحرب على ليبيا أمر برز بعد بدأ
الحرب، وعلى مايبدو من هذا الخلاف ان قيادة الحرب في المنطقة أصبحت
موضع تنافس على عكس ما يتصور البعض من ان الحرب في منطقة الشرق الأوسط
بقيادة الولايات المتحدة أمر لايجدي بنتائج استراتيجية، ففي اجتماع
لقيادة حلف الناتو علقت التوترات بعض العمليات وبالتالي افشلت التوترات
نقل قيادة العمليات العسكرية ضد ليبيا الى الناتو.
وهناك سبب اخر زاد من حدة الخلاف وهو الغضب الامريكي البريطاني من
فرنسا التي استبقت الاحداث في بدأ العمليات العسكرية. مما ادت الى
انقسام تحالف فرض الحظر الجوي.
فقد تعمدت فرنسا منذ البداية ابعاد الناتو عن العملية العسكرية،
كذلك غضبت بريطانيا والولايات المتحدة من تصرف فرنسا المنفرد بالهجوم
الجوي دون تنسيق مع حلفائها فور قرار مجلس الامن.
ووصل التوتر الى حد مغادرة السفيرين الفرنسي والالماني لدى الناتو
لاجتماع قيادة الحلف في بروكسيل قبل نهايته بعدما اتهم الامين العام
للحلف اندرز فوغ راسموسين فرنسا لتعمدها عدم مشاركة الحلف في العملية
من البداية والمانيا لعدم مشاركتها في العملية.
اما تركيا، وهي عضو في الناتو لكن لديها تحفظات على التدخل العسكري
في ليبيا، فقد عطلت قرار نقل قيادة العمليات الى الناتو، وكانت انقرة
اعربت عن استيائها من عدم دعوتها لقمة باريس.
ويقول دبلوماسي غربي هناك توترات هائلة بين الامريكيين والبريطانيين
من ناحية والفرنسيين من ناحية اخرى. وان دول الناتو كانت تعمل لاسابيع
لترتيب العملية وقيادتها ومع اقترابنا تماما من التوصل لاتفاق في
الناتو عطلت فرنسا كل شئ فجأة، وهو ما اثار حيرتنا في البداية ... ثم
اتضح بعد ذلك ان ساركوزي اراد ان يعلن بدء الضربات وهو يخرج من اجتماع
باريس حيث يبدو متصدرا المشهد.
ولم يقتصر الخلاف على ما بين حلفاء العمل العسكري ولكن امتد داخل
بعض الاطراف، مثلما جرى في بريطانيا.
وفي أطار دعم القذافي واستغلال بعض الاطراف العربية والغربية من
الخلافات التي ذكرت فقد حذر خبراء من أن الانتقال إلى مرحلة ثانية من
العمل العسكري قد ينتج عنه التفاف عربي حول القذافي، لكن على المستوى
الغربي فإذا كان هناك بعض الشكوك في عزم القوى الغربية على أن تهب
لنجدة الشعب الليبي، فإن تلك الشكوك قد تبددت.
فتكتيكات القذافي كان يخطط لاستعادة بنغازي، ومن ثم يتحدى القوات
الغربية في أن تجبره على التخلي عن مكاسبه الميدانية، وبالتالي جرّ
القوات الغربية إلى قصف بنغازي والمدن الأخرى الذي سينتج عنه بالضرورة
سقوط قتلى من المدنيين. عند ذاك سوف يسعى القذافي إلى حشد تأييد العالم
العربي الذي سيبدو أمامه وكأنه يتعرض إلى عدوان إمبريالي.
أن القذافي يرحب بجمود عسكري على الأرض يبقيه في النهاية على رأس
السلطة، حيث سيكون من الصعب على القوى الغربية أن تحصر المواجهة في
ليبيا بين قوى الديمقراطية والدكتاتورية، لأنها لن تكون في وضع يؤهلها
لفعل الشيء نفسه في بلدان عربية أخرى.
فأن التعامل مع القذافي لن يكون نزهة، فقد استطاع أن يبقى في الحكم
42 سنة رأى خلالها بداية ونهاية العديد من الزعماء الأوروبيين. سنوات
حكمه اتسمت بدهائه السياسي الذي أبقاه كل تلك المدة. وبفضل التحذير
الإيطالي استطاع أن يخرج حيّا من الهجوم على مجمعه في طرابلس، ورغم كل
فظائعه استطاع البقاء في السلطة بل والحصول على دعم توني بلير.
أن القذافي يسعى إلى استعادة بنغازي لأن ذلك سيكتف الحلفاء ويجعل
خياراتهم ضده محدودة، فحالما تدخل قواته الأحسن تجهيزا وتدريبا من
الثوار سيختلط الحابل بالنابل وتصبح الدبابات وسط المدنيين وعندها ستقف
القوتان الجوية والصاروخية عاجزة عن فعل شيء.
وهناك سؤال يطرح نفسه من ذا الذي يجازف في الغرب بشن غارات جوية على
مناطق ممتلئة بالمدنيين؟ يتعتقد محللون عسكريون بأن أي غارة من هذا
النوع ستنتج عنها مذبحة كان منعها هو الغرض الأساس من فرض حظر الطيران.
وتعد تجربة الحرب على العراق عامل مقارنة مع الحرب على ليبيا ويعد
فقر التخطيط في الحرب على العراق أدى إلى نزاع دموي طويل، لذلك فإن
الحظر الجوي قد يساعد على تنقية الأجواء لكنه سيطلق يد قوات القذافي
البرية في المدن الليبية، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى جرّ
الحلفاء إلى حرب برية. وهنا يذهب محللون سياسيون مرة أخرى من إن أي حرب
برية على ليبيا سترفع من شعبية القذافي.
ويبرر خبراء عسكرية مخاوفهم إن بعض القادة نجحوا في عدم الظهور
بمظهر المنتصر مؤكدين أن الطريق الذي يسلكونه لن يكون منزلقا نحو حرب
أخرى شبيهة بحرب العراق، لكنهم عجزوا عن تقديم أجوبة مناسبة عن بعض
الأسئلة مثل ماذا لو لم يؤت فرض الحظر الجوي أُكله ووقعت المجزرة وظل
القذافي في السلطة؟
فيما يعتقد خبراء من إن الهجوم على الزعيم الليبي معمر القذافي يحمل
مخاطر خاصة للولايات المتحدة. فهناك احتمالا بتحول العملية إلى التزام
دائم شبيه بما قيّد أميركا بالعراق وأفغانستان.
ويعتقد محللون سياسيون يتعين على الرئيس باراك أوباما عدم التورط في
أحداث تقود إلى التزام دائم، فالولايات المتحدة بحاجة فورية إلى تقوية
أمنها القومي وهي غارقة في حربين عصيتين وهذا يكفي.
أن الأمر المُلحّ الذي كان يتمثل في التحرك لمنع القذافي من ارتكاب
مجازر ضد معارضيه، قد تم إنجازه من طرف بريطانيا وفرنسا وبدرجة أقل
جامعة الدول العربية، وتبعهم مجلس الأمن بقرار فرض حظر جوي على ليبيا
يسمح باستخدام القوة ضد القذافي.
مما ينبغي على الولايات المتحدة دعم القرار، فهي مطالبة بألا تقود
التحرك ضد القذافي، وأن الأزمة الليبية يجب أن تدشن مرحلة سياسة دولية
جديدة تكون أميركا جزءا منها ضمن تحالف دولي، لأن بريطانيا وفرنسا
تملكان إمكانات القيادة العسكرية، ويمكن لجامعة الدول العربية، وبالأخص
مصر والسعودية، المشاركة بقوات كبيرة.
فأن خطوة كهذه من شأنها أن تبعث برسالة واضحة لليبيين وباقي الشعوب
في المنطقة وللحكام المستبدين في كل مكان بأن المجموعة الدولية هي التي
تتحرك بقوة ضد منتهكي حقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته تحمي الحقوق
الوطنية للشعوب.
ويعتقد محللون سياسيون إن هذه المهمة لا تتعلق بمصالح الولايات
المتحدة، رغم أن أميركا وباقي دول العالم تستفيد من استقرار ليبيا، كما
أنها لا تتعلق بالنفط ولا حتى بملف الإرهاب، ولكن بوقف استهداف قتل
المعارضين والمدنيين من طرف قوات القذافي.
إن البيت البيض بدا مترددا تجاه الأزمة الليبية طيلة شهر كامل، لكن
أوباما حسم أمره في الأخير وكان حذره مفهوما؛ لأن التزام الولايات
المتحدة بعدم التدخل في أحداث ربيع الثورات العربية كان أكثر فائدة لها
من جميع تدخلاتها السابقة في المنطقة، ولم يحدث أي صدام مع أميركا،
وهكذا حرم أوباما ديكتاتوريين في الشرق الأوسط من تبريرهم المفضل وهو
الخوف من الولايات المتحدة، وهذا هو أهم سبب يحد من التدخل الأميركي في
ليبيا. |