ليبيا... في الذكرى الثامنة لغزو العراق

علي الأسدي

(الهجوم الصاروخي على ليبيا بدأ في 19/3/2011، ويبدو أنه جاء احتفالا بالذكرى الثامنة للهجوم الصاروخي الذي مهد لغزو العراق في 19 / 3 / 2003)

الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت ضد نظام القذافي الشهر الماضي في أكثر المدن الليبية من راس اجدير على الحدود التونسية حتى مساعد على الحدود المصرية / الليبية كانت سلمية الطابع تماما، وعندما قوبلت بالرفض والرصاص الحي تحولت الى مقاومة مسلحة ضد النظام وطالبت باسقاطه.

على عبدالله صالح هو الآخر وقف ضد مطالب مواطنيه اليمنيين المحتجين سلميا على سياساته القمعية، لكنها اضطرت للرد عليه بالمطالبة برحيله، بعد أن حول اليمن الى ضيعة يتقاسمها هو وعائلته وأبناء قبيلته. لقد زيف علي عبد الله صالح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عدة مرات، وحاول اعادة الكرة في العام 2012،لكن الجماهير قالت كلمتها أخيرا، ورفضته رئيسا مدى الحياة أو حتى لولاية أخيرة، بل طالبته بالتنحي حالا وتسليم السلطة للشعب. لكنه لم يستجب لطلب الشعب، وقام بتحريض انصاره للهجوم على المحتجين في ساحة التغيير في صنعاء والمدن اليمنية الأخرى بالهراوات والسكاكين، تساعدهم قواته الأمنية التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي، سقط بنتيجتها أكثر من خمسين قتيلا وأكثر من أربعمائة جريح يوم الجمعة 18 آذار الجاري وحده.

الولايات المتحدة لم تدن أو تحتج على الزعيم اليمني ولم تطلب منه التنحي، بينما طالبت معمر القذافي بالتنحي، معلنة أنه فقد شرعيته كرئيس لليبيا، ومثل هذا الموقف اتخذه بعض قادة أوربا، و يضع هذا علامة استفهام كبيرة على الموقف الأمريكي.

الأمر نفسه يتكرر مع السعودية منذ عقود، حيث قوبلت بالتجاهل كما في الماضي تطلعات الشعب السعودي للحرية والديمقراطية وحكم القانون، ولم تحظى مظاهراته السلمية الأخيرة بأي تعاطف يذكر من قبل الولايات المتحدة ودول العالم الحر، وكأنهم في حلف مقدس تعهدوا بموجبه أن لا يتحدثوا عن الديمقراطية في بلاد خادم الحرمين الشريفين. لقد خرج المئات من السعوديين في القطيف والرياض مطالبين باصلاحات دستورية تطلق الحريات الديمقراطية في البلاد، شارك فيها عائلات بعض المعتقلين السياسيين ممن يقبعون في السجون دون محاكمة منذ سنين، ويمنع ذويهم من مقابلتهم لتفقد أحوالهم، وفيما اذا كانوا ما يزالوا على قيد الحياة. لم يسمح لذوي المعتقلين حتى بتوكيل محامين للاتصال بالجهات القضائية، لمتابعة قضايا أبنائهم، ولمعرفة الذنب الذي اعتقلوا وغيبوا بسببه.

حدث مثل هذا الظلم في القرون الوسطى، ولم يحدث مثلها في عهد النبي محمد الذي يتشدق آل سعود بالتبرك بسنته وفي خدمة مقامه على أرضهم. كانت ردة فعل الملك السعودي وأمراءه على التظاهرات توعدا بالويل والثبور، وبقطع الأطراف لمن يتجرأ بزعزعة أمن المملكة السعودية أو أمن دول درع الجزيرة ( الصيغة العربية لحلف الناتو على ما يبدو). ومن أجل حماية أمن مملكة البحرين أرسلت السعودية والامارات والكويت وقطر والباكستان وحدات عسكرية بكامل عدتها، لتحميها من مهددي أمنها الداخلي من عملاء ايران. ولم تكن مظاهرات المحتجين التي انطلقت في البحرين خلال الأسابيع الماضية قد حملت أي نوع من الأسلحة، بل لم تحمل حتى العصي، فكيف لها أن تهدد أمن البحرين ودول الخليج. ومع ذلك جرى اعتقال المئات، وقتل وجرح العشرات، واعلنت حالة الطوارئ ومنع التجوال. وكالعادة لم تنطق الولايات المتحدة بكلمة واحدة لادانة الممارسات القمعية في السعودية وغيرها من دول الخليج.

 الولايات المتحدة مارست خلال موجة الاحتجاجات الجارية في بلداننا ازدواجية المواقف كعادتها، فهي تشن حربا على ليبيا، لكنها تهادن دكتاتورية اليمن، وتتغاضى وتتحالف مع نظام السعودية والبحرين، وهي تعرف أنه اشد الأنظمة تخلفا وقمعا لشعبه وفي معاداته للديمقراطية ولمبادئ حقوق الانسان والمرأة.

هذه المواقف المتناقضة وضعت مصداقية الولايات المتحدة على المحك من جديد، فهي تقوم هذه الأيام بتدمير البنية التحتية الليبية مستخدمة أشد الأسلحة فتكا، ومن المبكر معرفة حجم الدمار البيئي الذي ستخلفه في ليبيا. كنا قد رفعنا أصواتنا دفاعا عن حق الليبيين في التطلع إلى الديمقراطية، وقد أيدنا طلب المعارضة الليبية من الأمم المتحدة بفرض الحظر الجوي في الأجواء الليبية لمنع النظام من الفتك بالمدنيين على غرار ما طبق في ثمانينيات القرن الماضي على منطقة كوردستان في العراق. لكن الحكومات التي اخذت على عاتقها تنفيذ الحظر، تقوم في الواقع بشن حرب صواريخ تدك بواسطتها المدن الليبية، زارعة الرعب والهلع في نفوس السكان. فالصواريخ التي تطلق من البحر والجو ومن قواعد في جنوب أوربا تدمر البنية التحتية للاقتصاد الليبي، ومنشآت مدنية وعسكرية مهمة مخصصة لحماية حدودها الوطنية من العدوان خارجي ولا علاقة لها بأجهزة القمع الأمنية.

 ما يحدث في ليبيا حاليا هو اعادة نفس السيناريو الذي نفذ في العراق قبيل احتلاله عام 2003، وليس صدفة أن يبدأ بتنفيذه بنفس التاريخ، ففي يوم 19 آذار من عام 2003 شنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة هجماتها بالصواريخ والقنابل مستهدفة البنى التحتية العراقية. لم تستثني تلك الهجمات شيئا، فقد استباحت حينها كل شيئ بما فيها محطات الطاقة الكهربائية، وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي، والملاجئ المدنية، والطرق والجسور والموانئ التي لم يكن لنا منها الكثير. كما استهدفت شبكات الاتصالات، وخزانات الوقود، ومصانع التعدين والأسمدة الكيماوية وغيرها. نخشى اذا استمر القصف الذي يجري هذه الأيام في ليبيا أن يترك دمارا مشابها لما حدث في العراق عشية غزوه في 2003.

في العراق في حينه استمر القصف الجوي لمدة ثلاثة أسابيع خلف دمارا شاملا، ما زال ماثلا للعيان ليجسم همجية اعتبرها البعض تحريرا،ستظل لعقود طويلة قادمة ذكرى حزينة يتناقلها الأبناء عن الآباء. نتمنى لأخوتنا في ليبيا الشقيقة زوال محنتهم الحالية وعودة الأمن والتآخي والرخاء إلى ربوع بلادكم العزيزة علينا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/آذار/2011 - 18/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م