شبكة النبأ: لعل اصعب اللحظات التي
تعيشها اليابان منذ خسارتها الحرب العالمية الثانية هي تلك التي تعيشها
الان في ظل حصار الزلازل المدمرة وتسونامي اضافة الى رعب المنشآت
النووية التي دمرتها الزلازل في سابقة جعلت العالم مذهولاً من سرعة
الاحداث وقوتها والتي عصفت بالدولة الاولى تكنولوجياً والثالثة
اقتصادياً.
ان الاحداث التي مرت باليابان خصوصاً ما يتعلق بمفاعلاتها النووية
قد يذكر بكارثة تشرنوبل وغيرها, لكن الذي حدث في اليابان كان اشد
ثقلاً, فالكارثة في بداياتها والارقام التي تتحدث عن الخسائر في
الارواح والممتلكات هي ارقام فلكية لا تتحملها دولة حتى وان كانت
اليابان نفسها, حتى ان العديد من المحللين الاقتصاديين اشاروا الى ان
ويلات هذه الكارثة الانسانية ستعصف باقتصاديات المنطقة والعالم فضلاً
عن الدمار الشامل الذي ستحدثه في البيئة.
خسائر بالمليارات
حيث اعلن البنك الدولي مؤخراً ان الزلزال والتسونامي اللذين ضربا
اليابان في 11 اذار/مارس الماضي قد يكلفا الاقتصاد الياباني 235 مليار
دولار (165 مليار يورو) ما يمثل 4% من اجمالي ناتجه الداخلي, وقال
البنك الدولي في تقريره الاخير عن اقتصاد شرق اسيا والمحيط الهادئ انه
"اذا استندنا الى التجربة الماضية، فان النمو الحقيقي لاجمالي الناتج
الداخلي سيتاثر سلبا في منتصف 2011", وتوقع استئناف النمو في الفصلين
التاليين "حين تتسارع جهود اعادة الاعمار التي قد تستغرق خمس سنوات",
ويبلغ الحد الادنى لتقديرات البنك الدولي 122 مليار دولار (86 مليار
يورو) تمثل 2,5% من اجمالي الناتج الداخلي الياباني.
واوضح فيكرام نهرو رئيس قسم الاقتصاد الاقليمي في الهيئة الدولية ان
الكارثة التي ضربت اليابان قد تؤثر ايضا على باقي اسيا، لكنه اشار الى
ان الوقت ما زال مبكرا لتقدير الكلفة بالنسبة للمنطقة. وقال "ان الوطاة
الكبرى في المستقبل الآجل ستكون على صعيد التجارة والمالية", وادى
زلزال 1995 في كوبي الى تباطؤ التجارة اليابانية على مدى عدة فصول لكن
الواردات بعد سنة عادت الى مستواها الطبيعي فيما وصلت الصادرات الى 85%
من مستواها ما قبل الزلزال, لكن البنك الدولي لفت الى انه "هذه المرة
قد تطرح بلبلة شبكات الانتاج وعلى الاخص في قطاعي السيارات
والالكترونيات مشكلة" بعد مرور سنة, وعلقت مجموعات كبرى لصناعة
السيارات مثل تويوتا ولصناعة الادوات الكترونية مثل سوني الانتاج في
عدد من مواقعها. بحسب فرانس برس.
وبعدما سجل اجمالي الناتج الداخلي الياباني نموا متواصلا على مدى
عدة فصول منذ خروج البلاد من الانكماش في 2008-2009، عاد وتراجع بنسبة
1,3% بين تشرين الاول/اكتوبر وكانون الاول/ديسمبر 2010 بالمقارنة مع
مستواه قبل سنة, وكان معظم خبراء الاقتصاد يتوقعون قبل الزلزال انتعاشه
خلال الفصل الاول من العام 2011.
الصحة والغذاء في خطر
من جهتها قالت منظمة الصحة العالمية ان رصد اشعاعات في أغذية بعد أن
ألحق زلزال كبير أضرارا بمحطة نووية يابانية يمثل مشكلة أكثر خطورة مما
كانت تتوقعه في البداية, وقال بيتر كوردينجلي المتحدث باسم المكتب
الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية لغرب المحيط الهادي "من الواضح تماما
أنه وضع خطير", وأضاف "انه اكثر خطورة بكثير مما كان يعتقده أحد في
الايام الاولى حين ظننا أن مشكلة من هذا النوع يمكن أن تقتصر على ما
بين 20 و30 كيلومترا, وزادت حالات الخضروات والاتربة والالبان والمياه
الملوثة من القلق في المنطقة على الرغم من تطمينات المسؤولين
اليابانيين بأن مستويات الاشعاع ليست خطيرة.
وحظرت الحكومة اليابانية بيع الالبان من مقاطعة فوكوشيما والسبانخ
من منطقة أخرى قريبة, وقالت انها ستعلن مزيدا من القيود على الاغذية,
وقال كوردينجلي ان منظمة الصحة العالمية ليس لديها ما يدل على أن أغذية
ملوثة من مقاطعة فوكوشيما التي توجد بها محطة دايتشي النووية تصل الى
دول أخرى, وأضاف "لا نستطيع أن نربط بين (المحطة النووية) دايتشي وسوق
الصادرات, لكن الاسلم أن نفترض أن بعض المنتجات الملوثة خرجت من منطقة
التلوث." بحسب رويترز.
وقال ان خبراء منظمة الصحة العالمية في مقرها بجنيف يحاولون فهم
الوضع بشكل أفضل وسيتمكنون من اعطاء المزيد من التوجيهات الارشادية,
لكنه ذكر أن من الصعب في الوقت الحالي معرفة ما اذا كانت المواد المشعة
التي عثر عليها في بعض الاغذية في اليابان مصدرها محطة دايتشي
المتضررة, وقد اصدرت اليابان اول انذار يتعلق بتلوث منتجات غذائية على
مقربة من محطة فوكوشيما حيث يواصل عمال الانقاذ عملهم على مدار الساعة
لتجنب كارثة نووية كبيرة.
اما بالنسبة الى المياه، فان عيارات اليود المشع ومعدن السيزيوم
التي تم العثور عليها ادنى بكثير من العتبة القانونية، كما اوضحت وزارة
العلوم, وسارعت السلطات الى اصدار الاوامر للسلطات المحلية باجراء
اختبارات اشعاعية وتحديد العتبات القانونية لعدد كبير من انواع
الماكولات حيث ويولي اليابانيون عناية خاصة لنوعية الاغذية والصحة
عموما.
في سياق متصل تسارعت العمليات طوال الليل وصباح اليوم في محاولة
لتبريد المفاعلات المتضررة في فوكوشيما وتفادي حادث نووي اسوأ من
تشرنوبيل في 1986 وكان عشرة كهربائيين يعملون على مدار الساعة لعودة
التيار الكهربائي الى اربعة من المفاعلات الستة اعتبارا من السبت بعد
ان نجحوا في سحب اسلاك كهربائية الى داخل المحطة لكن عمال الانقاذ لم
ينجحوا في تغذية اول مفاعل كما توقعت السلطات, ويأمل الفريق في القيام
بالشيء نفسه مجدداً في المفاعلات الاكثر تضررا (رقم 3 و4) كما قالت
وكالة الامن النووي, وقال فومياكا المتحدث باسم شركة كهرباء طوكيو
(تيبكو) التي تشغل المحطة "لا يمكننا ان نجزم ما اذا كنا سننجح وما اذا
سيكون الامر ممكنا لكننا نقوم بكل ما في وسعنا لانجاح هذه العملية",
ويتعرض التقنيون لضغوط كبيرة لان عودة التيار الكهربائي اساسية لاعادة
تشغيل المضخات التي تنقل الماء الى نظام تبريد المفاعلات وملء الاحواض
التي تحتوي على الوقود المستخدم, وجفاف الماء في هذه الاحواض يهدد
بانبعاث كميات كبيرة من الاشعاعات في الجو ما قد يفاقم الوضع اذا لم
يتم تشغيل المضخات سريعا. ونجاح العملية رهن بعمل المضخات داخل
المفاعلات التي لم يعرف حجم الضرر الذي اصابها جراء الانفجارات
والحرائق التي اندلعت.
وفي الوقت نفسه تواصل السلطات عملية تبريد المفاعلات بواسطة شاحنات
صهاريج مجهزة بخراطيم مياه حيث اعلن المدير العام للوكالة الدولية
للطاقة الذرية يوكيا امانو ان "سباقا ضد الوقت" يجري لتبريد مفاعلات
المحطة, وقال ان الوكالة تقوم بقياس مستوى النشاط الاشعاعي في طوكيو
لطمأنة السكان المتخوفين من تبعات الوضع في محطة فوكوشيما, الا ان
اجواء الريبة تسيطر على سكان المناطق القريبة من المعلومات التي تقدمها
الحكومة وتعتبر تقنية جدا وقال تيشي ساغاما مدير مدرسة مياكو وسط
المنطقة المنكوبة "اود فقط ان تقول لنا الحكومة الحقيقة". بحسب رويترز.
وفي الدول الاجنبية تسيطر مشاعر الخوف رغم الرسائل المطمئنة التي
تنشرها المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية حيث رصدت آلة قياس
في كاليفورنيا للمرة الاولى على الاراضي الاميركية كمية "ضئيلة" من
الاشعاعات النووية الاتية من اليابان، كما اعلنت وزارة الطاقة
الاميركية التي قللت شأن هذه المسألة, وتبقى الاوضاع الانسانية صعبة
بالنسبة الى الناجين ال440 الفا الذين يواجهون البرد والمشاكل الصحية
وانقطاع المياه والكهرباء في بعض مراكز اللاجئين, وقال باتريك فولر
المتحدث باسم الاتحاد الدولي للصليب الاحمر ان "قسما كبيرا من الاشخاص
الذين تم اجلاؤهم من المسنين يعانون من مشاكل بسبب البقاء مستلقين في
قاعات رياضية غير مجهزة بنظام تدفئة" حيث بدأت عملية بناء 200 منزل
موقت في ايواتي حيث سيتم تشييد 8800 مسكن جديد.
من جهتها لم تطلب اليابان، ثالث دولة اقتصادية في العالم، مساعدة
مالية اجنبية لكن عددا من الدول والمنظمات والمشاهير والافراد ارسلوا
هبات واعربوا عن صدمتهم وتعاطفهم مع اليابانيين لحجم الكارثة, وافادت
دراسة علمية يابانية ان اعلى موجة تسونامي بلغت 23 مترا وضربت هزة
ارضية بقوة 5,9 درجات السبت منطقة ايباراكي الواقعة على بعد مئة كلم
شمال شرق طوكيو بحسب المعهد الاميركي الجيوفيزيائي.
رفع الإنذار النووي
الى ذلك رفعت السلطات اليابانية مستوى الإنذار من وقوع كارثة محتملة
في محطة "فوكوشيما" للطاقة النووية، إلى الدرجة الخامسة، في الوقت الذي
ارتفع فيه عدد ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد مؤخراً، وتسبب في
حدوث موجات مد "تسونامي" عاتية، إلى 6548 قتيلاً، بالإضافة إلى 10 آلاف
و354 ما زالوا في عداد المفقودين وتتزامن هذه التقديرات التي أعلنتها
وكالة الشرطة الوطنية اليابانية تزامناً مع مرور أعنف زلزال ضرب الدولة
الآسيوية بقوة 9 درجات على مقياس ريختر، تلاه "تسونامي" مدمر، بلغ
ارتفاع أمواجه عشرة أمتار، جرفت كل ما اعترض طريقها, وذكرت وكالة
السلامة النووية والصناعية أن مستوى الإنذار من وقوع حادث نووي في
المفاعل رقم 3 بمحطة فوكوشيما للطاقة النووية رقم 1، ارتفع إلى المستوى
الخامس، على مقياس يتدرج من الدرجة الأولى إلى السابعة، في مؤشر على
تزايد سوء الوضع في المحطة النووية. بحسب السي ان ان.
ومازالت الحكومة اليابانية تسابق الزمن لتفادي "كارثة نووية"، حيث
واصلت قوات الدفاع الذاتي رش المياه على المفاعل النووي رقم 3، في
المحطة النووية "فوكوشيما رقم 1"، المتضررة بفعل بالزلزال، في محاولة
هي الرابعة، لتخفيض درجة حرارته المرتفعة، مما ينذر باحتمال انصهار
قضبان الوقود النووي, وذكرت الإذاعة اليابانية أن قوات الدفاع الذاتي
أنهت مهمة استغرقت 30 دقيقة استخدم خلالها ما مجموعه 30 طناً من المياه
عبر خمس سيارات إطفاء حريق، إلا أن وزارة الدفاع قالت إنها لم تتأكد
مما إذا كانت المياه قد وصلت إلى حوض التخزين، الذي يحتوي على قضبان
الوقود المستنفد.
وفي وقت سابق لجأت الشرطة إلى استخدام خراطيم مياه ذات ضغط عال لغمر
المفاعل النووي رقم 3 بالمياه من الأرض، بعد محاولات لرش المياه جواً
باستخدام الطائرات المروحية، ولكن المياه لم تصل إلى هدفها، وتم وقف
العملية بسبب مستويات الإشعاعات المرتفعة, ومع استمرار ارتفاع درجات
الحرارة في أحواض الوقود المستنفد في المفاعلين رقم 3 ورقم 4، تخشى
السلطات اليابانية من تسرب كميات هائلة من الإشعاعات، وهو ما يثير حالة
من القلق في كثير من الدول الواقعة على جانبي المحيط الهادئ, وقال
مسؤول في شركة طوكيو للطاقة الكهربائية إنه تم رصد مستويات عالية من
الإشعاع تصل إلى 20 مليسيفيرت في الساعة، وهو أعلى مستوى يتم رصده حتى
اللحظة في محطة فوكوشيما للطاقة النووية، منذ حدوث الزلزال.
من جانب آخر، بدأت السلطات الأمريكية إجلاء قرابة 600 شخص من عائلات
الدبلوماسيين العاملين في اليابان، باستخدام طائرات نقل تجارية، مع
تزايد الخطر الإشعاعي في البلاد، ويشمل القرار عائلات الدبلوماسيين في
السفارة بطوكيو، وكذلك القنصلية الأمريكية في ناغويا، ومعهد الخدمات
الدبلوماسية الخارجية في يوكوهاما.
الاف القتلى
على صعيد متصل اعلنت الشرطة اليابانية ان الزلزال والتسونامي اللذين
ضربا شمال شرق اليابان في 11 اذار/مارس اوقعا 5178 قتيلا فيما هناك
8606 مفقودا بحسب حصيلة رسمية موقتة جديدة, واظهرت الحصيلة ان عدد
الجرحى بلغ 2285 فيما دمر اكثر من 88 الف منزل او مبنى بالكامل او
جزئيا, ونشرت هذه الحصيلة بعد اقوى زلزال يسجل في اليابان فيما يتوقع
ان ترتفع اكثر, واعلن رئيس بلدية ايشينوماكي في اقليم مياغي انه يخشى
ان يكون هناك حوالى عشرة الاف قتيل في منطقته بحسب المعلومات التي
اوردتها وسائل الاعلام المحلية, كما اعلن قائد شرطة مياغي انه متاكد
بان عدد القتلى سيتجاوز العشرة الاف في هذه المنطقة فقط حيث تقع مدينة
سنداي.
هذا واقترح الرئيس الاميركي باراك اوباما على رئيس الحكومة
اليابانية ناوتو كان ارسال المزيد من الخبراء النووين الى اليابان
لمساعدة السلطات اليابانية على حل ازمة محطة فوكوشيما النووية, وقال
المتحدث باسم الحكومة اليابانية يوكيو ايدانو خلال مؤتمر صحافي ان "الرئيس
اوباما ابلغ رئيس الحكومة كان ان الولايات المتحدة مستعدة لتقديم
المزيد من الدعم من خلال ارسال المزيد من الخبراء النووين والمشاركة في
جهود اعادة الاعمار على المديين الطويل والمتوسط". بحسب فرانس برس.
وازاء هذه الازمة اوصت معظم السفارات رعاياها بالابتعاد عن منطقة
محطة فوكوشيما1 النووية في شمال شرق اليابان او مغادرة البلاد بسبب
مخاطر وقوع كارثة نووية, واوصت السفارة الاميركية في طوكيو الرعايا
الاميركيين المتواجدين على بعد 80 كلم حول منطقة المحطة باخلائها,
وقالت السفارة انه بعد درس اخر المعطيات "نوصي على سبيل الاحتياط
المواطنين الاميركيين المقيمين على مسافة قطر يبلغ 80 كلم حول محطة
فوكوشيما النووية باخلاء المنطقة او الاحتماء في مكان آمن في حال تعذر
الاجلاء"، رغن ان السلطات اليابانية حددت المنطقة بدائرة 30 كلم، مؤكدة
ان الاشعاعات خارج دائرة 20 كلم لا تشكل خطرا.
من جهتها أعلنت متحدثة باسم المنظمة العالمية للارصاد الجوية ان
الرياح تبعد خطر الاشعاعات النووية عن اليابان ودول اخرى الى المحيط،
ويبدو ان الاحوال الجوية المؤاتية هذه بقيت على حالها, في المقابل، هبت
رياح شديدة، وسجل تساقط ثلوج في الليل، الامر الذي فاقم ظروف الحياة
بالنسبة لأكثر من نصف مليون نازح، وصعب ظروف العمل بالنسة لحوالى 80
الف رجل انقاذ شمال شرق البلاد.
اجلاء الرعايا
من جانبها اتخذت عدة دول اجراءات لافساح المجال امام رعاياها
للابتعاد عن منطقة محطة فوكوشيما1 النووية في شمال شرق اليابان او
مغادرة البلاد بسبب مخاطر وقوع كارثة نووية, وسمحت وزارة الخارجية
الاميركية لعائلات موظفي سفارتها في المناطق الاكثر تضررا من الزلزال
والتسونامي في اليابان بمغادرة هذه المناطق اذا رغبت في ذلك, وقال
المتحدث باسم الخارجية الاميركية باتريك كينيدي ان "وزارة الخارجية
سمحت بالرحيل الطوعي بما يشمل الانتقال الى مناطق آمنة في اليابان
لعائلات موظفي الحكومة الاميركية", كما اوصى الجيش الاميركي بتجنب
منطقة شعاعها 80 كلم حول المحطة للقوات الاميركية الا في حال صدور امر
محدد, من جهتها اوصت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها المتواجدين "في
طوكيو وشمالي طوكيو" بمغادرة المنطقة.
واعتبرت ايضا ان الوضع في خارج منطقة الحظر التي اعلنتها السلطات
اليابانية حول المحطة "لا يطرح مشكلة فعلية في مجال الصحة", واعلنت
الخارجية الفرنسية ان باريس وضعت طائرتين حكوميتين في تصرف الفرنسيين
الراغبين في مغادرة اليابان تضاف الى طائرات شركة "اير فرانس" التي
طلبت منها الحكومة تشغيل طائرات اضافية, وذكرت الوزارة بانها "توصي
الفرنسيين المقيمين في طوكيو بمغادرة المنطقة في اتجاه جنوب البلاد او
الى فرنسا", وغادر فريق الدفاع المدني الفرنسي الذي ارسل الى اليابان
للمساعدة في عمليات الانقاذ سنداي متراجعا 350 كلم الى الشمال "بسبب
الوضع النووي ووضع الاشعاعات الحالي". بحسب فرانس برس.
واوصت برلين رعاياها "بمغادرة منطقة طوكيو ويوكوهاما في اتجاه
اوساكا" على بعد 400 كلم جنوب غرب العاصمة او "مغادرة البلاد مرورا
باوساكا", ونصحت وزارة الخارجية الايطالية بعدم السفر الى اليابان "كما
نصحت خصوصا بتجنب المناطق الواقعة في شمال شرق البلاد بشكل خاص", وفي
فيينا اعلنت الخارجية النمساوية انها ستنقل سفارتها في طوكيو الى مكاتب
قنصليتها في اوساكا, وقررت كرواتيا نقل سفارتها في طوكيو الى اوساكا,
وكانت الخارجية الكرواتية طلبت من رعاياها ايضا مغادرة اليابان.
ودعت صربيا ايضا رعاياها الى الرحيل, واعلن وزير الخارجية الصربي
فوك يريميتش ان السفارة الصربية ستبقى في طوكيو رغم الاضرار التي لحقت
بها من جراء الزلزال, كما نصحت سلطات البوسنة ومقدونيا رعاياها بعدم
التوجه الى اليابان وطلبت من المتواجدين هناك الرحيل, ودعت الحكومة
السويسرية رعاياها الى مغادرة اليابان او على الاقل المناطق التي تعتبر
خطرة, واعلنت بلجيكا انها سترسل الى اليابان طائرة عسكرية لتامين وسيلة
نقل اضافية لحوالى 700 بلجيكي يقيمون في اليابان في حال رغبوا
بالمغادرة.
وقررت روسيا اجلاء عائلات دبلوماسييها من اليابان لكنها لا تفكر في
هذه المرحلة باجلاء كل موظفيها كما اعلنت الخارجية الروسية, وطلبت
استراليا من رعاياها المغادرة, ووضعت سفارة فيتنام في طوكيو حافلات في
تصرف الرعايا المقيمين في شمال اليابان لتامين وصولهم الى العاصمة
طوكيو والمغادرة.
أزمة اقتصادية عالمية
على صعيد اخر أغلقت بورصة طوكيو جلسة التداولات على تراجع حاد ومع
خسارة كبيرة لمؤشر نيكاي الذي يضم أسهم أبرز 225 شركة، ما أثر على حسن
سير البورصات العالمية وطرح أسئلة حول إمكانية حدوث أزمة مالية وحرك
المخاوف حول قدرة اليابان على بناء ما خسرته في حالة من الذعر سادت
الأسواق الاقتصادية إثر إقرار الحكومة بأن مستوى الإشعاع في محطة
فوكوشيما النووية بات مضرا بالصحة ما سبب هلع المستثمرين الذين بادروا
إلى التخلص من أسهمهم، بدوره سجل القطاع العقاري تراجعات حادة وخسر
حوالي 20 بالمائة, كما مُني قطاع صناعة السيارات بخسائر فادحة تماما
كما حصل بالنسبة إلى شركات الالكترونيات, ما اضطر المصرف المركزي إلى
التدخل لإنقاذ المصارف من خلال ضخ كمية غير مسبوقة من الأموال في
تاريخه ما يقارب 23 تريليون ين أي 202 مليار يورو.
وقد اثر انخفاض البورصة في اليابان على العديد من البورصات العالمية
الأخرى ، وعلى مستقبل المنشات النووية وقيمة بعض الصناعات المرتبطة بها
كاليورانيوم, ما سيصعب عمل الحكومة اليابانية التي ستكون أكثر فقرا
بسبب هذه الكارثة فإعادة بناء ما تهدم سيستنزف ماليتها, وهو ما ذهب
إليه المحلل الاقتصادي اشرف العيادي, من جهتها خسرت اليابان العام
الماضي مركزها كثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة لصالح الصين بعد
ضعف استمر لعقدين متتاليين. سيكون من الصعب عليها الخروج من الأزمة في
الفترة الخالية بسبب دينها الثقيل الذي يصل إلى 200بالمائة من الناتج
المحلي الإجمالي، وهو الأعلى بين الدول المتقدمة.
الامبراطور يواسي شعبه
من جهة اخرى وفي ظهور نادر لإمبراطور اليابان، وجه أكيهيتو خطاباً
إلى شعبه، عبر التلفزيون الرسمي حثه فيه على "عدم فقدان الأمل"، في
الوقت الذي تواصل فيه الحكومة جهودها لتخفيف أثار الزلزال المدمر، وما
نجم عنه من أمواج "تسونامي" عارمة، فيما تتزايد المخاوف من كارثة نووية
محتملة, وقال الإمبراطور، البالغ من العمر 77 عاماً "إنني أتمنى من
ضحايا الكارثة ألا يستسلموا أو يفقدوا الأمل، وأن يعتنوا بأنفسهم،
ويتمسكوا بالحياة بقوة إلى الغد"، وتابع قائلاً: "كما إنني أربد من
جميع مواطني اليابان أن يتذكروا كل شخص تأثر بهذا الخراب، ليس اليوم
فقط، وإنما على المدى الطويل، وأن يساعدوهم على التعافي."
وأضاف أكيهيتو "في الوقت الحالي، فإن الدولة تضع كل إمكانياتها
لإنقاذ كافة المتضررين"، مشيراً إلى أن الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من
أماكنهم المنكوبة، يعيشون في ظروف بالغة، بسبب الطقس شديد البرودة،
ونقص إمدادات الطعام والشراب والطاقة, واستطرد الإمبراطور الياباني
قائلاً "كما إنني أشعر بالقلق بسبب الوضع الحرج للمحطة النووية،
ويحزوني الأمل في أن هناك العديد من الأفراد الذين يعملون معاً، لمنع
تدهور الموقف إلى مزيد من السوء, وقد جاء خطاب الإمبراطور أكيهيتو بعد
قليل من إعلان كبير المتحدثين باسم الحكومة اليابانية، أن مستوى
الإشعاع النووي بمحطة "فوكوشيما رقم واحد" للطاقة النووية، المتضررة من
الزلزال، قد "ارتفع بشكل مؤقت"، في الوقت الذي نشب فيه حريق جديد بأحد
المفاعلات النووية بنفس المحطة. بحسب السي ان ان.
الطعام ليس اوفر حظاً
الى ذلك يريد الآسيويون المحبون للسمك النيء الاستمرار في تناول
السوشي والساشيمي اللذين تشتهر بهما اليابان، بالرغم من المخاوف من
تلوث السمك بعد الحادثة النووية التي أعقبت الزلزال والتسونامي اللذين
ضربا الأرخبيل الياباني, وقد اكدت المطاعم والمتاجر التي تبيع منتوجات
يابانية، في سنغافورة والهند وتايوان وفيتنام، انها لم تتأثر بالأزمة
النووية اليابانية التي تثير مخاوف المستهلكين, واشارت ناطقة باسم "ساكاي
هولدينغز"، أهم سلسلة مطاعم سوشي في سنغافورة "حتى الآن لم نلاحظ أي
فرق في ما يتعلق بالحركة أو عدد الزبائن", هذه السلسلة التي تضم 45
مطعما في سنغافورة، وتقدم أيضا التيبانياكي وياكيتوري (مزيج من اللحوم
المشوية)، تستقبل خمسة آلاف زبون يوميا, ويشرح مستوردو المنتوجات
اليابانية من جهتهم ان مطاعم ومتاجر سنغافورة ما زالت تخزن المنتوجات
الآتية من الأرخبيل.
وتؤكد ناطقة باسم "تومويا جابانيز فود تريدينغ" التي تستورد أسماكا
طازجة ومثلجة "لم تتأثر أعمالنا", وقد طمأنت بعض الحكومات الآسيوية
مستهلكيها بأنها ستجري فحوصات على المنتوجات اليابانية للتأكد من انها
غير ملوثة, واشارت السلطات المعنية بالمنتوجات الزراعية الغذائية
والحيوانية في سنغافورة انها "ستجري من باب الحيطة فحوصات على
المنتوجات اليابانية بسبب احتمال تلوثها". بحسب فرانس برس.
ووفقا للارقام الرسمية، استوردت سنغافورة العام الماضي منتوجات
يابانية بقيمة 18,7 مليار يورو, واعلنت وكالة مراقبة الأغذية
التايوانية والسلطات الفيليبينية انها ستفحص المنتوجات اليابانية, وفي
الهند، حيث تجرى ايضا فحوصات على المنتوجات اليابانية، يقول موكيش راي
المسؤول عن احد متاجر "ياماتو يا" في نيودلهي "ما زال الناس يشترون
أسماكنا الطازجة وثمار البحر", وفي الجناح الياباني لمتجر "سوغو" في
تايبه، يؤكد احد المسؤولين ان المبيعات جيدة، مشيرا الى ان ثمار البحر
استوردت قبل الحادثة النووية، وموضحا ان حادثة محطة فوكوشيما النووية
ادت على العكس الى التهافت على شراء المياه المعدنية اليابانية التي لن
تعود متوافرة ان اصبحت ملوثة.
من جهتها، اتخذت سلسلة متاجر السوشي التايوانية "سوشي اكسبرس"
اجراءات لطمأنة زبائنها، واضعة على واجهات مطاعمها البالغ عددها 142
لافتات مفادها ان منتوجاتها البحرية استوردت قبل الحادثة, وفي هونغ
كونغ حيث يسود القلق أيضا، يقر مالكو المطاعم بقلقهم على القطاع على
المدى المتوسط, ويقول وليام مارك، رئيس اتحاد المطاعم "نحن قلقون من
المخاوف حول النشاط الإشعاعي والتي لها تأثير نفسي طويل الأمد ولا
يسعنا القيام بشيء حيالها".
الصدمة تتربص بالأطفال
من جهة اخرى فأن الذعر الذي خلفه زلزال اليابان كما التسونامي الذي
تبعه يهدد بعواقب سلبية تطال الأطفال على المدى البعيد فبعضهم بدأوا
يبدون إشارات تدل على الصدمة وراحوا يستيقظون ليلا بعد رؤيتهم الكوابيس
أو انطووا على أنفسهم ملتزمين الصمت وبحسب منظمة "سايف ذي تشيلدرن" غير
الحكومية، تهجر نحو 100 ألف طفل جراء ما يعتبر أسوأ كارثة طبيعية ضربت
الأرخبيل منذ العام 1923 وخلفت نحو 20 ألف قتيل ومفقود, وتتضاعف
احتمالات الإصابة بصدمات دائمة جراء مجموعة المحن الواجب تخطيها لزلزال
بقوة 9 درجات على مقياس ريختر وتسونامي مدمر وتخوف من وقوع حادث نووي
كبير في إحدى المحطات المتضررة, ويرى الخبراء أن حجم الكارثة بالنسبة
إلى بعض الأطفال قد يكون وببساطة غير قابل للتصديق من منازل مهدمة
ووفاة أب أو أم وفقدان أخ أو أخت أو أصدقاء.
إلى ذلك، فإن الجهود الأولى الآيلة إلى جعلهم يتقبلون المأساة تجري
في ظروف صعبة، بين عائلات مكدسة في ملاجئ غير مجهزة حيث تعاني من البرد
ومن ترددات الزلزال, ويروي المتحدث باسم "سايف ذي تشيلدرن" إيان
وولفرتون "وجدنا أطفالا في ظروف يائسة يستكنون طلبا للدفء حول مصابيح
الكاز أو وقد لفوا أنفسهم ببطانيات", وكان وولفرتون قد زار عددا من
الملاجئ في المناطق الساحلية الشمالية الشرقية الأكثر تضررا جراء
الأمواج العملاقة التي ضربتها في 11 آذار/مارس. بحسب فرانس برس.
ويتابع وولفرتون قائلا "أخبروني عن قلقهم خصوصا خوفهم من
الإشعاعات", ويلفت إلى أن كثيرين منهم ذكروا عمليات قصف هيروشيما
وناغاساكي، وقد درسوا التاريخ في المدرسة, أما الأهالي الذين يعانون هم
أيضا من الصدمة، فيحاولون قدر المستطاع السيطرة على مخاوفهم الخاصة
بهدف إحاطة صغارهم بما يشبه الأمان والوضع الطبيعي, فكثر هم الأطفال
الذين يعانون من صعوبات في النوم، فيستيقظون مرارا وتكرارا بعد رؤيتهم
كوابيس, أما آخرون فقد انطووا على أنفسهم كليا رافضين أن يقترب منهم
أحد، باستثناء أهلهم. فهم لا يتحملون أن يغيب هؤلاء عن نظرهم ولو
لثوان.
ويشدد وولفرتون على أن الأولوية تقضي بإنشاء "مساحات لاستقبال
الأطفال" أمكنة يستطيعون أن يعاودوا فيها اللعب مع أقرانهم, ويضيف
"وأنا أعرف من خلال خبرتي الطويلة أنه عندما يلعب الطفل يعني ذلك إبعاد
خطر إصابته بصدمة عاطفية خطيرة على المدى البعيد", وهذا يسمح أيضا
ب"التخفيف" عن الأهالي الذين يستطيعون ولفترة الابتعاد عن صغارهم بهدف
"توفير غذاء وتحديد مواقع أصدقاء لهم أو أفراد من العائلة، وعلى المدى
الأبعد البحث عن عمل ومسكن".
من جهتهم، حاول بعض الأجداد اللجوء إلى أساليب مختلفة لإلهاء
أحفادهم فراحوا يخبرونهم كيف تمكنوا من تخطي مشقات ما بعد الحرب
العالمية الثانية, ويشدد شيغينوري كيكوتا البالغ من العمر 72 عاما
"يتوجب علينا أن نحيا، مهما كان الثمن", يضيف "وعلينا أن ندعو شبابنا
للتذكر ولقص حكايتنا على الأجيال القادمة". |