ليبيا... ثورة شعبية برعاية دولية

 

شبكة النبأ: يدور صراع خفي ودقيق الان حول ما اذا كان يتعين تولي حلف شمال الاطلسي قيادة العمليات العسكرية في ليبيا لكن ما يناسب الولايات المتحدة وفرنسا أكثر أن يبقى الحلف بعيدا عن الاضواء.

يقول دبلوماسيون ان واشنطن التي تعمل على الخروج من حربين اخريين في العالم الاسلامي تريد ألا تظهر في الصورة قدر الامكان في الصراع الدائر في شمال افريقيا على الرغم من سيطرتها بهدوء على نصيب الاسد من الهجمات والصاروخية والجوية حتى الان.

الابقاء على حلف الاطلسي في الخارج

فقد قال البيت الابيض انه يسعى الى نقل قيادة تنفيذ منطقة حظر طيران فوق ليبيا لاخرين خلال أيام وليس وأسابيع. وقال وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس ان المهمة قد توكل لقيادة فرنسية بريطانية أو لحلف شمال الاطلسي.

وترى فرنسا أن تولية القيادة لحلف شمال الاطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة سيبعد العالم العربي القلق بالفعل من موجات القصف الاولى كما سيحرق الجسور مع روسيا والصين والدول النامية التي سمحت بتمرير قرار الامم المتحدة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه للصحفيين في اجتماع للاتحاد الاوروبي في بروكسل "الجامعة العربية لا تريد ان توضع العملية برمتها تحت امرة حلف شمال الاطلسي. فلم يكن الحلف هو الذي أمسك بزمام المبادرة حتى الان."

وتابع "ان تحالفا من الدول هو الذي يقود العملية لذلك فان السيطرة السياسية... يمارسها التحالف الذي تشارك فيه دول عربية ومن امريكا الشمالية وبلدان أوروبية." وأضاف أن الحلف قد يلعب دورا في التخطيط والتنفيذ مع تطور العملية.

وقال مسؤولون فرنسيون ان قطر والامارات العربية المتحدة اللتين تقدمان مشاركة سياسية عربية ضرورية في التحالف ضد الزعيم الليبي معمر القذافي ما كانتا لتشاركان لو ان حلف شمال الاطلسي هو الذي يقود العملية. بحسب رويترز.

لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال أمام البرلمان في لندن ان الهدف هو أن تنتقل قيادة العملية الى الحلف. ولم يقل متى.

أما أيطاليا التي فتحت قواعدها الجوية أمام عملية التحالف في ليبيا والتي تستضيف مقر القيادة الجنوبية لحلف شمال الاطلسي فقد عبرت بوضوح عن رغبتها في نقل قيادة تنفيذ منطقة حظر الطيران فوق ليبيا بتفويض من الامم المتحدة الى حلف شمال الاطلسي.

وقال وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني يوم الاثنين ان روما ستستعيد سيطرتها على قواعدها ما لم يتم الاتفاق على هيكل من داخل الحلف يتولى تنسيق العملية. لكن روما غيرت نبرتها من قبل فيما يتعلق بالمشاركة في العملية.

وأرسلت النرويج العضو في حلف شمال الاطلسي ست طائرات مقاتلة الى جزيرة كريت للانضمام الى التحالف يوم الاثنين لكن وزير دفاعها قال انها لن تشارك في العملية الى أن يوضع هيكل قيادي فعال يتسم بالشفافية في اشارة فيما يبدو الى حلف شمال الاطلسي.

وقال جوناثان ايال مدير الدراسات في المعهد الملكي للخدمات الموحدة في لندن "المشكلة في اشراك حلف شمال الاطلسي بسيطة للغاية. فمن المحتمل أن يكون غالبية الاعضاء الاوروبيين متشككين بشدة في هذه العملية."

واضاف "المانيا وتركيا وجميع الاعضاء الجدد تقريبا من دول شرق أوروبا الشيوعية السابقة تساورها الشكوك بشأن فاعلية التدخل أو لا ترى سببا لمشاركة حلف شمال الاطلسي في عملية في شمال افريقيا مخاطرا باضعاف مهمته الرئيسية وهي الدفاع عن القارة الاوروبية."

وغياب حلف شمال الاطلسي وعزوف الولايات المتحدة الواضح عن الانسياق الى حرب أهلية تتكشف في دولة عربية ربما ساعد فرنسا وبريطانيا على حشد التأييد لقرار الامم المتحدة يوم الخميس الماضي.

ولم تستخدم روسيا أو الصين حق النقض (الفيتو) لكنهما سارعتا بانتقاد أولى العمليات العسكرية ربما حرصا على كسب نقاط لدى الرأي العام والحكومات في دول العالم النامي.

وشبه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين تفويض الامم المتحدة بالعمل العسكري بدعوات العصور الوسطى للحملات الصليبية دون ان يوضح سبب امتناع روسيا عن وقف ذلك.

غير أن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أنبه ضمنيا قائلا ان استخدام تعبير الحملات الصليبية في الاشارة الى الوضع في ليبيا "غير مقبول".

وقال دبلوماسي على دراية بالمفاوضات ان موسكو وافقت على التخلي عن القذافي والامتناع عن التصويت في مجلس الامن الدولي بعد أن أبلغت واشنطن الكرملين أن تأييده سيعتبر خطوة كبيرة باتجاه تحسين العلاقات الدبلوماسية والتجارية.

وتعمل روسيا على ازالة العوائق المتبقية خاصة المتعلقة بجورجيا حليفتها أمام مسعاها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية. وقال دبلوماسيون ان واشنطن وضعت زعيم المتمردين في الشيشان دوكو عمروف على قائمتها للارهاب ووافقت على وضعه على قائمة سوداء في الامم المتحدة.

وشبهت صحيفة الشعب الصينية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم الضربات الجوية على ليبيا بتلك التي تعرض لها العراق على مدى ثماني سنوات.

وتتمسك موسكو وبكين بشدة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ولدى كل منهما سبب للخوف من التأييد الخارجي لمناطق أو اقليات منشقة باسم المباديء الانسانية.

وتحركت المانيا بسرعة لتعويض حلفائها الغربيين عن شقها للصف وامتناعها عن التصويت على القرار الخاص بليبيا بعرض تكثيف مراقبتها الجوية في افغانستان لتفسح المجال أمام الاستعانة بطائرات غربية أخرى مزودة بأجهزة رادار للمساعدة في تنفيذ منطقة حظر الطيران فوق ليبيا.

لكن ايال قال انه سيكون من الصعب سياسيا بشكل خاص على برلين قبول قيادة حلف شمال الاطلسي للعملية على ليبيا بعد أن انتقد وزير خارجيتها علنا سياسة الحلف.

ويقول خبراء ان اعتراضات تركيا تمثل مزيجا أكثر تعقيدا من الرأي العام والسعي لدور قيادي في العالم الاسلامي ومصالح تجارية كبيرة لها في ليبيا ورغبة محتملة في القيام بدور الوسيط اذا وصل الصراع لطريق مسدود.

وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان متحدثا في مكة يوم الاثنين ان أنقرة تريد ان تنتهي العملية العسكرية الدولية ضد قوات القذافي في أسرع وقت ممكن حتى يتمكن الليبيون من تحديد مستقبلهم بأنفسهم.

وقال هيو بوب الخبير في الشؤون التركية لدى المجموعة الدولية لمعالجة الازمات انه في وقت ما "يجب ان يكون هناك من يستطيع التحدث مع القذافي واردوغان أبقى على خط الاتصال هذا وهو ما قد يكون مفيدا."

أما دوافع ايطاليا وراء رغبتها في اشراك حلف شمال الاطلسي فأسهل في الفهم. يقول مصدر ايطالي ان الطائرات الايطالية شاركت حتى الان في العملية الليبية تحت قيادة الولايات المتحدة لكنها قد تجد نفسها تحت قيادة فرنسية او فرنسية بريطانية اذا ما نفذت الولايات المتحدة رغبتها التي تتحدث عنها في التخلي عن القيادة.

وسيكون ذلك محرجا بالنسبة لدولة قدمت في تسعينات القرن الماضي قاعدة انطلاق لعمليات حلف شمال الاطلسي الجوية في حروب البوسنة وكوسوفو في يوغوسلافيا السابقة لكنها وجدت صعوبة في كسب صوت سياسي على مائدة المفاوضات.

غير أن حفظ ماء وجه ايطاليا من المستبعد ان يكون سببا كافيا لوضع حلف شمال الاطلسي على مقعد القيادة ما قد يغضب العالم الاسلامي ويعقد مهمة التحالف في افغانستان ويثير غضب روسيا والصين.

وكتعويض يبدو أن حلف الاطلسي سيحصل على دور في تنفيذ فرض حظر سلاح على ليبيا. وحتى هذا قد لا يخلو من تعقيدات دبلوماسية اذا استمر الصراع لفترة طويلة.

وقال ايال "ما لم يطح بالقذافي أو ينهار جيشه قد ينتهي الامر بتقسيم البلاد الى جزأين فتساند الجزائر على الارجح القذافي وتساند مصر المعارضين له في بنغازي."

شقاق في صفوف التحالف

من جهتها تفرد كافة الصحف مساحات للتقارير حول الاوضاع في ليبيا بعد ايام من القصف بالطائرات والصواريخ للقدرات العسكرية للزعيم الليبي معمر القذافي.

وتفصل التقارير الاهداف التي ضربتها الصواريخ الامريكية والبريطانية في الليلة السابقة والتحركات الميدانية للمعارضة في الشرق اضافة الى قصص تفصيلية عن ليبيا توضح للقارئ البريطاني طبيعة هذا البلد وحكومته وشعبه.

اما الخبر الاهم الذي تورده اغلب الصحف البريطانية، فهو الخلافات الدولية بشأن العمل العسكري في ليبيا تنفيذا لقرار مجلس الامن التدخل عسكريا لحماية المدنيين من قوات النظام.

العنوان الرئيسي على الصفحة الاولى للفاينانشيال تايمز شقاق حول قيادة قصف ليبيا في اشارة الى المشاكل التي بدأت تبرز بعد يومين من القصف الجوي والصاروخي لليبيا.

ففي اجتماع لقيادة حلف شمال الاطلسي (ناتو) في بروكسيل الاثنين افشلت التوترات بين اطراف التحالف نقل قيادة العمليات العسكرية ضد ليبيا الى الناتو. كذلك برزت خلافات الى حد الغضب البريطاني والامريكي من التصرفات الفرنسية.

وتنقل الصحيفة عن مصادر دبلوماسية اوروبية ان التصرفات الفرنسية منذ بدء العملية العسكرية على ليبيا ادت الى انقسام تحالف فرض الحظر الجوي.

فقد تعمدت فرنسا منذ البداية ابعاد الناتو عن العملية العسكرية، كذلك غضبت بريطانيا والولايات المتحدة من تصرف فرنسا المنفرد بالهجوم الجوي دون تنسيق مع حلفائها فور قرار مجلس الامن.

ووصل التوتر الى حد مغادرة السفيرين الفرنسي والالماني لدى الناتو لاجتماع قيادة الحلف في بروكسيل قبل نهايته بعدما اتهم الامين العام للحلف اندرز فوغ راسموسين فرنسا لتعمدها عدم مشاركة الحلف في العملية من البداية والمانيا لعدم مشاركتها في العملية.

اما تركيا، وهي عضو في الناتو لكن لديها تحفظات على التدخل العسكري في ليبيا، فقد عطلت قرار نقل قيادة العمليات الى الناتو، وكانت انقرة اعربت عن استيائها من عدم دعوتها لقمة باريس.

ونقلت الفاينانشيال تايمز عن دبلوماسي غربي قوله: هناك توترات هائلة بين الامريكيين والبريطانيين من ناحية والفرنسيين من ناحية اخرى. وقال الدبلوماسي ان دول الناتو كانت تعمل لاسابيع لترتيب العملية وقيادتها ومع اقترابنا تماما من التوصل لاتفاق في الناتو عطلت فرنسا كل شئ فجأة، وهو ما اثار حيرتنا في البداية ... ثم اتضح بعد ذلك ان ساركوزي اراد ان يعلن بدء الضربات وهو يخرج من اجتماع باريس حيث يبدو متصدرا المشهد. ولم يقتصر الخلاف على ما بين حلفاء العمل العسكري ولكن امتد داخل بعض الاطراف، مثلما جرى في بريطانيا.

تقول الصحيفة ان وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس قال الاثنين ان العقيد القذافي يمكن ان يكون هدفا للعملية العسكرية. اما رئيس الاركان البريطاني الجنرال سير ديفيد ريتشاردز فقا ان مثل هذه الضربة غير مصرح بها مطلقا بقرار الامم المتحدة.

بين كل ثلاثة مؤيد التدخل العسكري

على صعيد متصل أظهر استطلاع أن واحدا فقط بين كل ثلاثة بريطانيين يوافق على قرار التدخل العسكري في ليبيا. وأظهر استطلاع لمؤسسة (كوم ريس) وشركة (اي تي ان) أن 43 بالمئة عارضوا التدخل العسكري بينما كان 22 بالمئة غير متأكدين. وشعر أقل قليلا من نصف الذين شملهم الاستطلاع بأن العمل العسكري مخاطرة غير ضرورية تتخذها بريطانيا.

وفي ظل تجربة حرب العراق الاخيرة والخسائر المستمرة في افغانستان قال بريطانيون لرويترز انهم يخشون الانجرار الى صراع أجنبي طويل اخر في وقت التقشف بالداخل. وقال نيل وزينكروفت (35 عاما) "يجب ألا نكون هناك. لدينا ما يكفي في افغانستان."

واضاف "انها حرب اهلية وينبغي الا نتدخل بالاضافة الى أن هناك غيرها من الفظائع في العالم الكونجو وموجابي في زيمبابوي. لا يمكن ان نكون قوات حفظ السلام للعالم."

وقادت بريطانيا وفرنسا الجهود الرامية الى فرض منطقة حظر طيران على ليبيا ولكنهما في حاجة الى اتخاذ تدابير تقشفية لمواجهة العجز الضخم في الميزانية وفي نفس الوقت على الناس التعامل مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

المعارضون والغرب

من جهتهم يبتهج معارضون في المقدمة لرؤية طائرات حربية تحلق فوقهم ويقول خصوم معمر القذافي في قواعد المعارضين انهم ينسقون مع القوى الغربية التي تشن هجمات جوية. لكن لا توجد مؤشرات تذكر في مقدمة جبهة المعركة في شرق ليبيا على ان هذه الاتصالات تمتد الى وحدات المعارضين المتقدمة.

وردد المقاتلون عبارة "الله أكبر" وهم يتسلقون سيارات نقل صغيرة رباعية الدفع بعد سماع دوي انفجارات فسروها على انها تعني ان قوات معمر القذافي خارج بلدة أجدابيا الاستراتيجية تلقت ضربة من الجو. لكنهم تحركوا نحو 100 متر للامام قبل ان يتقهقروا لان ما بدا انه قذائف مورتر سقط في الصحراء القريبة حولهم.

وتقول القوى الغربية انها لا تقدم دعما جويا للمعارضين أو تسعى الى تدمير جيش القذافي وانما هدفها فقط هو حماية المدنيين مثلما يسمح تفويض الامم المتحدة.

ويشكو بعض المعارضين في الجبهة من ان هذه القيود وغياب تنسيق الجهود ضد القذافي يمنعهم من التقدم على نحو أسرع.

وقال أشرف علي وهو أحد المعارضين مع مجموعة على خط الجبهة هدفها التقدم نحو أجدابيا واستعادة البلدة انه لو كان هناك تنسيق لكانوا في طرابلس الان. ويصر آخرون على انه يوجد تنسيق.

وقال علي عثمان وهو مقاتل اخر ان قائدهم في الميدان ينسق مع بنغازي وان القادة هناك ينسقون مع القوى الغربية. لكن هذه الاراء المتباينة بين المقاتلين في الجبهة بشأن ما يحدث والغياب الواضح للاتصالات بين المعارضين حتى الذين يفصل بينهم بضعة كيلومترات وطبيعة القوة التي تتألف بصفة أساسية من شبان متحمسين لكنهم يفتقرون للخبرة توحي بأن أي تنسيق مع الغرب غائب في احسن الاحوال.

وأقر زعماء حركة المعارضة في بنغازي بأن قواتهم تحتاج الى مزيد من التدريب. وفي الماضي اشتكوا أيضا من ان مقاتليهم المفرطين في الحماس تسرعوا في التقدم وان جيش القذافي ردهم.

وبعد ان وصلوا الى بن جواد التي تبعد 525 كيلومترا الى الشرق من طرابلس منذ أسبوعين أعادهم هجوم بري وبحري وجوي شنته القوات الحكومية الى قرب بنغازي التي تقع على مسافة 400 كيلومتر تقريبا على امتداد الطريق الساحلي الرئيسي الممتد شرقا.

لكن مسؤولي حركة المعارضة يقولون انهم ينسقون مع القوى الغربية بشأن الضربات الجوية التي شنت بعد قرار الامم المتحدة الذي يفوض بفرض حظر طيران و"جميع الوسائل الضرورية" وهو تعبير يشير الى العمل العسكري لحماية المدنيين.

وقال أحمد الحاسي وهو متحدث باسم ائتلاف 17 فبراير المعارض في معقل المعارضين في بنغازي انه يوجد اتصال بينهم أولا لتحديد موقع قوات القذافي بدقة وثانيا لتحديد موقع مقاتلي المعارضة حتى لا يتعرضون للقصف.

لكن الاتصالات حتى بين وحدات المعارضين على مسافة قريبة تبدو محدودة. كثير من المعارضين يعتمدون على الهواتف المحمولة في الاتصالات لكن في الايام الاخيرة اصبحت شبكات المحمول غير منتظمة في أفضل الاحوال أو تم اغلاقها.

ولا يوجد ما يشير الى ان المعارضين يستخدمون هواتف تعمل بالاقمار الصناعية للتغلب على ضعف شبكات الهاتف المحمول. وقال معارض أطل برأسه داخل سيارة مراسل رويترز عند نقطة تفتيش في الطريق بين بنغازي وأجدابيا "ما هي الاخبار في الجبهة.. هل شاهدت أي شيء.. ما الذي يحدث في أجدابيا.."

وتنتشر في الطريق دبابات وناقلات جند محترقة وعشرات العربات التابعة لقوات القذافي التي كانت تتقدم نحو بنغازي قبل ان توقف الضربات الجوية تقدمها وأعادت القوات الحكومية الى أجدابيا.

وقال معارضون انه بعد ضرب قوات القذافي عاد المعارضون في قوافل طويلة من العربات نحو أجدابيا التي تبعد نحو 150 كيلومترا جنوبي بنغازي وهي البوابة الى شرق ليبيا. لكن مصير المدينة مازال لم يتقرر حتى ساعة متأخرة من مساء اليوم الاثنين.

لا تقصفوا وسلحوا المعارضين

من جانبه قال الزعيم الاعلى الايراني آية الله علي خامنئي ان الغرب لو كان يريد مساعدة المدنيين في ليبيا لكان أمدهم بالسلاح بدلا من قصف الزعيم الليبي معمر القذافي بالقنابل واتهم واشنطن بالسعي الى "موطئ قدم" في ليبيا الغنية بالنفط.

ورفض خامنئي في كلمة ألقاها بمناسبة العام الايراني الجديد تأكيدات الرئيس الامريكي باراك أوباما أن احتجاجات المعارضة في ايران مماثلة للمظاهرات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية والمناهضة للحكومات في أنحاء الشرق الاوسط.

ورحب خامنئي بالانتفاضات في العالم العربي ووصفها بأنها جزء من "صحوة اسلامية" وانتقد الاجراءات العسكرية الغربية لحماية المدنيين في ليبيا. وقال "نحن ندين بنسبة 100 في المئة الطريقة التي تعامل بها ويتعامل بها القذافي مع الشعب.. قتل المدنيين. لكننا أيضا ندين بنسبة 100 في المئة دخول وتدخل أمريكا والغرب." بحسب رويترز.

وأضاف في كلمته بمزار ديني اكتظ بالحاضرين في مدينة مشهد "كان يمكنهم أن يسلحوهم ويقدموا اليهم بطاريات مضادة للطائرات لكنهم بدلا من ذلك وقفوا يشاهدون المذابح شهرا."

وتابع أمام الحشد الذي كان يهتف "الموت لامريكا" والموت لاوباما" "أنتم تخططون لاستخدام ليبيا موطئ قدم لتتمكنوا من مراقبة الحكومات الثورية مستقبلا في تونس ومصر. هذه هي نواياكم الفاسدة."

وذكر حامنئي أن التنازلات التي قدمها القذافي للغرب بخصوص البرنامج النووي الليبي أثبتت أن ايران محقة في مواصلة رفض أي تقليص لتطورها النووي رغم العقوبات التي فرضتها دول تخشى احتمال سعي طهران لصنع أسلحة نووية.

وقال خامنئي انه بينما تخلت ليبيا عن قدراتها النووية مقابل حوافز شبهها بالحلوى التي تقدم للطفل فان ايران "لم تتراجع بل وعمل المسؤولون رغم كل المحاولات من أجل زيادة المنشآت النووية عاما بعد عام."

وأعربت ايران عن مساندتها للمحتجين في المنطقة ونددت بالقمع الذي تمارسه الحكومات لكنها سحقت احتجاجات في الداخل وسجنت عشرات المحتجين منذ فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة التي أثارت نتائجها الجدل في يونيو حزيران عام 2009.

وجاءت تصريحات خامنئي في الكلمة التي بات يلقيها سنويا الى الايرانيين بمناسبة العام الجديد.

وانتقد الزعيم الاعلى الايراني الرئيس الامريكي أوباما الذي كان قد قال ان الايرانيين الذين شاركوا في الاحتجاجات الحاشدة التي أعقبت انتخابات الرئاسة كانت تدفعهم نفس "قوى الامل" التي دفعت الشعب المصري الذي أطاح بالرئيس السابق حسني مبارك.

وقال خامنئي "يقول ان الناس في ساحة ازدي بطهران مماثلون للناس في ميدان التحرير في مصر. هو محق فكل عام (في ذكرى قيام الثورة الاسلامية الايرانية) يتجمع شعب هذه الامة في ساحة ازدي وشعارهم هو تسقط أمريكا."

وتصف طهران حركة المعارضة بأنها "فتنة" يساندها خصوم ايران في الخارج. ونشرت أعدادا كبيرة من قوات الامن لاحباط محاولات لاحياء الاحتجاجات التي سحقت في نهاية عام 2009.

وبخصوص قمع الاحتجاجات في البحرين حيث تلقت الاسرة السنية الحاكمة مساندة عسكرية من السعودية والامارات العربية المتحدة ذكر خامنئي أن من الخطأ النظر الى مساندة ايران المعنوية للاحتجاجات التي كان معظم المشاركين فيها من الشيعة على أنها مسألة طائفية.

وقال "في البحرين لا يوجد صراع بين الشيعة والسنة بل هو احتجاج أمة على الاضطهاد الذي تتعرض له." وأضاف "نعتقد أن الحكومة السعودية ارتكبت خطأ. ما كان ينبغي أن تفعل ذلك (ارسال قوات الى البحرين) وهي تجعل نفسها مكروهة في المنطقة. لقد ارتكبوا خطأ وكل من يفعل ذلك سيرتكب خطا أيضا."

التحالف يهاجم خطوط امداد قوات القذافي

فيما اصابت عمليات القصف التي نفذها التحالف الدولي ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي قلب طرابلس وهي تحاول الاثنين قطع خطوط امداد قواته. واستؤنفت العمليات الجوية الفرنسية الرامية الى فرض احترام منطقة الحظر الجوي في اجواء ليبيا، كما اعلن المتحدث باسم هيئة اركان الجيوش الفرنسية الكولونيل تيري بوركار.

وبعد النجاح الذي اعلن في اعقاب موجة الضربات الاولى يومي السبت والاحد ضد انظمة الدفاع الجوي والمدرعات قرب خطوط الثوار، فان المرحلة الثانية تتمثل في مهاجمة خطوط الامداد هذه لشل قدرات تحرك القوات الحكومية.

وكان رئيس هيئة اركان الجيوش الاميركية الاميرال مايكل مولن اوضح بعدما اكد اقامة منطقة الحظر الجوي "ان قواته (القذافي) موزعة بين طرابلس وبنغازي (على بعد الف كلم شرقا) وسنحاول قطع الدعم اللوجستي" عنها.

وتجمع مئات الثوار صباحا على بعد بضعة كيلومترات من اجدابيا حيث كانت الاتصالات والمياه مقطوعة. وشوهدت سحابة من الدخان الاسود فوق مبنى في المدينة.

وكان الثوار الذين تعرضوا لاطلاق نار من قبل القوات الحكومية من داخل المدينة مجهزين بمضادات ارضية وصواريخ كاتوشيا لكنهم لم يعرفوا اي استراتيجية يجب اعتمادها لان فتح النار على المدينة قد يؤدي الى اصابة مدنيين.

وقال احد الثوار سلمان مغربي "نطلب تصعيد الضربات الجوية. نريد ان يقصفوا مطاراته ودباباته. حتى وان كنا سنستشهد سندخل اجدابيا اليوم ان شاء الله".

وبعد اعلانها وقفا لاطلاق النار لم يحظ بالاحترام، جددت الحكومة الليبية مساء الاحد التزامها بوقف جديد لاطلاق النار وذلك ردا على نداء وجهه الاتحاد الافريقي الى "وقف الاعمال الحربية فورا". ونددت واشنطن بهذا القرار ووصفته بانه "كذبة".

واكد البنتاغون انه لا توجد "مؤشرات" عن سقوط ضحايا مدنيين في المناطق التي قصفها التحالف. واعلن النظام الليبي ان 48 شخصا قضوا مساء السبت على الرغم من ان صحافيين مدعوين الى المشاركة في مراسم تشييع الضحايا لم يشاهدوا اي جثة.

ورفض وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ااستبعاد استهداف القذافي في الضربات الجوية، مؤكدا ان ذلك يعتمد "على الظروف". بالمقابل قال وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي ان انتقادات الجامعة العربية للحملة العسكرية التي يشنها التحالف على ليبيا تظهر ان المانيا كانت "لديها اسباب جيدة" للتخوف من التدخل العسكري في هذا البلد.

وفي هذا السياق اكد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون امام الجامعة العربية الاثنين اهمية ان يعتمد المجتمع الدولي خطابا واحدا بشأن ليبيا، وذلك عقب انتقاد الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الضربات الجوية والصاروخية التي يشنها التحالف.

واحاط نحو 50 متظاهرا مؤيدا للزعيم الليبي معمر القذافي بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون في ميدان التحرير وسط القاهرة مما اجبره على العودة الى مقر الجامعة العربية المجاور، بحسب مراسل فرانس برس.

من جهته اعلن وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني ان بلاده ترفض ان تتحول عملية التحالف العسكرية في ليبيا الى "حرب"، موضحا ان ايطاليا تريد التحقق من مطابقة اولى عمليات القصف لقرار الامم المتحدة.

اما العقيد القذافي فدعا القبائل الليبية الى تنظيم مسيرة من كل انحاء ليبيا في اتجاه بنغازي، معقل الثورة التي انطلقت قبل شهر ضد نظامه، يحمل المشاركون فيها "اغصان الزيتون" لحل الازمة الراهنة سلميا، كما افادت وكالة الانباء الليبية الرسمية.

وقالت الوكالة ان القذافي "وجه دعوة الى القبائل الليبية لتنظيم مسيرة خضراء تضم عشرات القبائل تنطلق من كل مناطق ليبيا الى بنغازي حاملة اغصان الزيتون لحل مشاكلها في ما بينها بطريقة سلمية ولتفويت الفرصة على الاعداء الذين يسعون لتفتيت ليبيا وسلب ثرواتها".

ووعد القذافي بحسب الوكالة بالافراج عن ثوار من ابناء بنغازي اعتقلتهم الكتائب الامنية التابعة له مؤكدا انهم سيشاركون في هذه المسيرة. ونقلت الوكالة عن القذافي قوله ان "هذه المسيرة سيرافقها ابناء قبائل موجودة في بنغازي تحفظت عليهم وحدات من الشعب المسلح بسبب قيامهم برفع السلاح في وجهها". ولم تحدد الوكالة موعدا لهذه المسيرة.

وكان الزعيم الليبي الموجود في السلطة منذ قرابة 42 عاما والذي يواجه منذ 15 شباط/فبراير حركة انتفاضة تحولت الى حرب اهلية، حذر الاحد من ان على الغربيين ان يتوقعوا "حربا طويلة".

الا ان نجل القذافي، سيف الاسلام، استبعد التعرض لطائرات مدنية في المتوسط على الرغم من تهديدات والده بمهاجمة "كل هدف مدني او عسكري" في المنطقة.

وكشف هاو ايرلندي في مجال اللاسلكي الاحد عن وجود طائرة اميركية في ليبيا مخصصة لعمليات الدعاية وهي تبث رسالة تحذر السفن الليبية من الابحار في حين فرضت سفن التحالف الدولي حصارا بحريا.

وقرار مجلس الامن الدولي 1973 يطالب بوقف تام للهجمات على المدنيين ويفرض منطقة حظر جوي في ليبيا تسمح بتنفيذ ضربات لارغام القذافي على وقف حملة القمع التي اوقعت مئات القتلى ودفعت ب300 الف شخص الى الهروب من البلاد.

وادى بدء العمليات العسكرية الى ارتفاع اسعار النفط الاثنين في المبادلات الالكترونية في اسيا، ذلك ان الاسواق تخشى اصابة منشآت نفطية ليبية جراء عمليات القصف او اعمال تخريبية.

من جهة اخرى أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، إلغاء مهمة لمهاجمة هدف في ليبيا إثر معلومات أفادت بتواجد مدنيين في المنطقة. وقالت الوزارة في بيان: "مع تحرك طائرات "تورنادوGR4 وردت معلومات إضافية تعرف بوجود مدنيين في منطقة الهدف، وكنتيجة لذلك لم تطلق الأسلحة." وذكرت بأن قرار إلغاء المهمة العسكرية يؤكد التزام المملكة المتحدة بحماية المدنيين.

أسباب عسكرية وراء قصف مقر القذافي

وفيما يعمل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وطاقمه الأمني، لحشد التأييد العربي وراء الحملة العسكرية التي أطلقت لردع قوات الزعيم الليبي، معمر القذافي، أكد فيه مسؤول عسكري من التحالف أن استهداف مقره في "باب العزيزية" بطرابلس كان لغاية عسكرية.

وقال مسؤولون بارزون في الإدارة الأمريكية إن أوباما وفريقه أجروا محادثات هاتفية للتوضيح للجامعة العربية بأن قصف الدفاعات الجوية للقذافي يدخل ضمن نطاق قرار مجلس الأمن 1973 لفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، ويشمل اتخاذ "جميع التدابير اللازمة" لوقف الديكتاتور من مهاجمة المدنيين في بلده. وأوضح أحدهم قائلاً: "لا نعتقد أن هذا يتعدى نطاق القرار."

وتأتي تحركات إدارة واشنطن إثر إصابة مقر القذافي، في باب العزيزية، بطرابلس بهجوم صاروخي، وتصريحات عربية بأن ما يحدث في ليبيا يخرج عن نطاق فرض منطقة حظر جوي.

وكان نائب الأميرال الأمريكي بيل غورتني، عضو هيئة أركان الجيش، قد قال إن العمليات التي ينفذها التحالف الدولي في ليبيا حالياً لا تستهدف العقيد معمر القذافي شخصياً.

وأكد مسؤول عسكري من التحالف للشبكة أن استهداف قلب مقر القذافي في باب العزيزية له أسباب عسكرية لأنه مركز القيادة والسيطرة على القوات الليبية، خاصة وأن حملة التحالف هدفها تفكيك القدرات العسكرية القذافي.

وشدد المسؤول العسكري الذي رفض كشف هويته بأنه لا القذافي ولا مكان إقامته كان الهدف المقصود. ويشار إلى أنه لم يتضح إذا ما كان القذافي في باب العزيزية ساعة استهدافه.

وفي واشنطن، أكد ناطق عسكري أمريكي آخر أن الضربات المتلاحقة التي وجهتها صواريخ وغارات جوية دولية أدت إلى إلحاق ما وصفه بـ"أضرار فادحة" بالنظام الدفاعي الصاروخي الثابت التابع للجيش الليبي.

وقامت طائرات التحالف بدك مطار مصراته الذي له استخدامات مدنية وعسكرية، أطلق بريطانيا والولايات المتحدة ما إلى 124 صاروخاً من طراز "توماهوك" على مواقع الدفاعات الجوية الليبية منذ انطلاق الحملة التي وصفها القذافي بأنها مواجهة بين "النازية الجديدة" والشعب الليبي متوعداً بحرب طويلة الأمد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/آذار/2011 - 16/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م