كاوه الحداد يفتح ابواب الامل من جديد

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حين تمتلك الارادة وتوجه صفعة الى الالم في حياتك فانه يتحول الى امل.. تلك حقيقة بديهية من بديهيات الحياة على كوكب الارض، فاليأس خانق وقاتل والسلبية اتجاهه والتذمر فقط لن يدفع بك الى تغيير واقع حياتك، والياس يساوي العجز التام عن اتخاذ قرار قد يغير حياتك من سيء الى افضل.

اقول قد، فليس كل فعل يمكن ان يحقق النجاح لك، لكنها على الاقل تبقى لديك عندها شرف المحاولة وارادة التغيير.

في قمة الياس تتساوى الاشياء والالوان دائما لدى اليائس او تصبح شيئا واحدا، لونا واحدا، لتتحول الحياة عندها الى افعال روتينية جامدة (نوم – استيقاظ - اكل – شرب - استفراغ) ولا شيء جديد تحت الشمس المشرقة كل يوم، الدوائر تضيق والمعاني تضمحل تدريجيا وتختفي.

قد يلجأ اليائس والذي مل حياته ويأسه احيانا الى التوغل فيما يولّد فيه اليأس ظنّا منه ان ذلك سيزيحه عنه.

لكن كل خطوة في اعماق هذا التوغل هي دائرة جديدة تضيق من حوله، قد يضيف نجاحا الى اعماله الروتينية وقد يحقق قفزات فيه الا ان الياس يبقى محاصرا له، فهو بعد يشعر ان شيئا حارقا يلوب في صدره، شيء لا يستطيع الامساك به او تسميته، شيء يتحرق للوصول اليه. لا يعرف ما هو، ولا شيء يبعث الامان والاطمئنان فيه.. كل عمل مع الياس والرتابة فاقد لقيمته ولا يضيف الى انسانية الانسان.

فقط من يمتلكون ارادة الثورة على تغيير هذا الواقع، ويمتلكون الامل بغد افضل تحت شمسهم التي تشرق كل يوم، هم من يملكون القدرة على الحياة ومنح معنى لها ولإنسانيتهم، تلك الانسانية المعذبة والتي تبحث عن جذور الاشياء النبيلة فيها.

كاوه الحداد ذاك الكردي البسيط، في زمن غابر من ازمنة الاستبداد والطغيان، وهو يرفع مطرقته الثقيلة كل يوم وينقضّ بها على الحديد المتلظي، قطعة من الجحيم، وكانه كان ينقضّ على يأسه وعلى افق حياته المسدود وحياة الاف غيره في مملكة القهر والعذاب.

كل طرقة من مطرقته على الحديد، تضاعف من يأسه وعجزه وهو يشاهد حياته تضيع سنواتها بين اصوات المطرقة ولهيب النيران المشتعلة في تنوره.. انه تنور عذابه المتصل من شروق يأسه الى مديات لم تصل بعد الى غروبه، او الى خلاص روحه الذي يبحث عنه.

كل صباح تقدم اضحيتان بشريتان من خيرة شباب مدينته من اجل علاج ملكهم، لكنه يشعر بالعجز.. ماذا يفعل والحرس يحيطون بملكهم وهو لا يملك غير الدروب التي عرفها الى الحديد.. أتراه يمتلك قوة قرع الحديد ذي الباس ولا يملك القوة على قرع راس الملك وتهشيم جبروته؟

بلا هو قادر على فعلها، فقط ليشحذ همته.. فالنصال اخذت تقترب من ابنائه وما عاد يطيق عجزه وعجز الاخرين من خلفه. فعلها كاوه الحداد وانقض بمطرقته مهشما راس هذا الطاغية.

في كتاب "عيد النوروز: الأصل التاريخي والأسطورة"، يقدم الكاتب عبد الكريم شاهين عرضا لرؤية تاريخية في أصل عيد النوروز الذي كثرت الأقاويل والتساؤلات حوله، وتعددت فيه التكهنات التاريخية.

نوروز أو نيروز، كلمة مركبة من (نو: بمعنى جديد، وروز بمعنى يوم). وعن أصل الكلمة، يذكر الشاعر والفيلسوف المعرّي أثناء حديثه عن عبث الخليفة الوليد، بأن النيروز كلمة معربة ولم تستعمل إلا في دولة بني العباس. أما الدكتور محمد التونجي أستاذ اللغة الفارسية في جامعة حلب، فيقول ما يلي: "النيروز عيد الربيع وأول السنة الشمسية لدى الفرس، يبدأ عادة في 21 آذار ونطقه الأصلي بالواو (نوروز) ولكن العرب عربوا اللفظ (نيروز)، والفعل نورز والجمع نواريز. ويقابل معنى كلمة نوروز، معنى كلمة نيسان العربية والتي لها في الإيرانية القديمة أي اللغة البهلوية (إحدى اللغات الإيرانية القديمة) مقابل هو (ني) أو (نوي) أي الجديد، و(أسان) التي تعني اليوم، فيصبح المعنى "اليوم الجديد"، لأن شهر نيسان كان رأس السنة لدى الشعوب السامية القديمة. ويقابل كلمة "النوروز" في اللغات الهندوأوروبية كلمة (NEUSYARES) كما في الألمانية والإنكليزية NEW واللاتينية والإغريقيةnews، ونو بالكردية. أما في اللغة السومرية القديمة فهي (itu-barag-yag)، وهي تعني شهر المزار المقدس وشهر البدء بالسنة الجديدة وهو يوم الاعتدال الربيعي".

وتعني كلمة "نوروز" الشمس الجديدة أو الحقيقة الساطعة. وقد أشار إلى هذا المعنى الشاعر العربي امرؤ القيس. ونطلع مع الكاتب على مراسيم نوروز وطقوسه عند شعوب المنطقة، فملوك الفرس والعجم والساسانيين وملوك الشرق، يحتفلون بتلك المراسيم منذ العهد الأسطوري القديم. فكان موكب الملك جمشيد يحمل على عربة منذ ساعات الفجر الأولى ويتقدم على الموكب ألف فارس يرتدون مآزر بيضاء وخوذات من ذهب ويركبون أحصنة بيضاء ومن خلفهم تسير عربة حاملة عرش النار المقدسة. وكان الكهنة أيضاً يرتدون الثياب البيضاء ويرافقهم (365) فتى بعدد أيام السنة. ويعرض لنا الكاتب طقوس النوروز في الأدب الفارسي والعربي وفي العهد الأموي والعباسي و في الأدب العربي الحديث. فقد تغنى الشعراء الفرس، والأتراك، والأكراد، والعرب بفصل الربيع ونظموا قصائد سموها بقصائد" بهارية"، نسبة إلى كلمة "بهار" وتعني الربيع بالفارسية والكردية. وبدأ ذلك في العهد الإسلامي (الدولة السامانية) حين بدأوا بتهنئة الأمراء السامانيين وغيرهم بعيد نوروز. وقد هنأ الشاعر الشريف الرضي بهاء الدولة بالنوروز في قوله:

وأنعم بذا النيروز زوراً نازلاً ومنتظره

آل بويهٍ أنتم الأمطار والناس الخضرة

وقد تغنى الشعراء الفرس بعيد النوروز في أواخر القرن السادس الهجري، لدرجة أن ملك شاه السلجوقي أراد أن يصلح التقويم الإيراني، فطلب من عمر الخيام القيام بذلك، ما دفع بهذا الأخير إلى تأليف كتاب سماه (نوروز نامه)، يتناول موضوعه عيد نوروز ومراسيمه. كما كتب عن نوروز الشاعر الفارسي الكبير سعدي الشيرازي في روضة الورد (كلستان)، وكان لحافظ الشيرازي كتابات في المناسبة.

وقد تغنى شعراء كثيرون في العهد العباسي بعيد النوروز أمثال البحتري، الشريف الرضي، المتنبي، ابن الرومي، أبو تمام، ابن المعتز وغيرهم. وفي الأدب العربي الحديث استخدم بعض الشعراء مناسبة نوروز، رمزاً كفاحياً وتحررياً للشعوب ضد الاستعمار. ومن هؤلاء الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته "وحي النيروز"، داعيا ًإلى تكاتف الشعبين الكردي والعربي ضد مخططات الاستعمار في المنطقة. ونذكر منها:

 طيف تحدى به البارود والنار ما حاك طاغ وما استنباه جبار

ذكرى من الثورة الحمراء وشحها بالنور والقاني المسفوك، آذار

كاوه الحداد يزورنا هذا العام، في ربيع من الثورات العربية، منها ما حققت ارادة الثائرين، ومنها ما تنتظر قطافها.. والطغاة يتشابهون في كل عصر، وان اختلفت احيانا درجة طغيانهم.

فرئيس تونس ورئيس مصر ربما امتلكا بقية من حياء امام ثورة الشباب في بلديهما.. لكن مجنون ليبيا، ومخبول الاسرة العربية والافريقية، ومتعاطي القات، الرئيس اليمني، وبينهما البدوي من آل خليفة، لم يمتلكوا بقية من حياء واوغلوا في دماء شعوبهم تشبثا بسلطان سوف يأتي يوم وتحطمه مطرقة كاوه.

 ففي كل عصر ومكان يوجد صاحب السلطان ويوجد كاوه الحداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/آذار/2011 - 15/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م