الأسطورة والشعوب... كيف وماذا تعالج؟

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: ترتبط الأسطورة في مجتمعاتنا بالعمل السردي، الحكاية الشعبية التاريخية، الخرافة. وهي تواريخ أبطال، سيرة حيوانات خرافية مثل العفاريت، الجان، السعالي، الحيوانات الطائرة، منها كليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة، سيرة عنترة بن شداد، سيف بن ذي يزن، كاوه الحداد، رأس العبد.

الأساطير في القرآن الكريم، محض خرافات وأكاذيب، المدلول الديني يشير الى ذلك، حيث تكررت زهاء تسع مرات، منها قوله تعالى:( يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين)الأنعام/25.

يفسر ابن منظور الأسطورة بالخيال الباطل، أحاديث لا نظام لها، ليست إلا هذيانا من القول، باطلا من الخيال، وغيابا عن دائرة المنطق.

في تعريف الأسطورة يقول كل من لابيير la piere و فارنزورث farnsworth الأسطورة عبارة عن شائعة أصبحت جزءا من تراث الشعب الشفهي، تجمدت على مر الزمن!

تعني أيضا حكايات الناس التي تنتقل شفاها من جيل الى جيل آخر وتحفظ من الضياع بقوة ذاكرة الذين يتذكرونها طبقة بعد طبقة وانها تخدم غرضين أساسيين:

1ـ تحدثنا بتاريخ الشعوب.

2ـ هي ثقافة تصويرية تحدد مكانة صاحبها في المجتمع الذي يعيش فيه.

 لقد أصبح للأسطورة شأن كبير في المفاهيم الإنسانية المعاصرة، تتبوأ مكانة مرموقة، لا يستطيع أحد من الأدباء أو العلماء الإنسانيين، سواء كان سوسيولوجيا أم فولكلوريا أو مؤرخ أديان أو فيلسوفا: أن يضرب صفحا عنها.

تعيش الأساطير لأنها تعالج حالات العقل التي لا تموت ولا تتغير.انها توفر الإجابة على ألغاز الحياة وتفسير الشعور الإنساني العميق. بمعاونة الأسطورة يأخذ العالم معنى التبلور والاستقرار،الإطار الذي ترسمه، يجعلنا نشعر بالأمان في استمرار إيديولوجياتنا.

إن قصص بطولات العرب والكورد وبقية الأقوام لا تزال تملأ نفوس سامعيها من السكان في المجتمع بروح الاستقرار والفخر بأسلافهم، وتعتبر أدوات للتفسير والتوضيح في أثناء حياة الإنسان.

يرى البعض أن في الأسطورة قوة اجتماعية، إذ أن الاستشهاد بالماضي ليس مجرد تفسير للحاضر وإيضاحه، بل يجعل الحاضر صالحا، خاصة عن طريق الأقاصيص والأساطير التي فيها مسحة من القداسة، التي تستمد منها كل المجتمعات أسس تنظيمها الاجتماعي ودعامة معنوياتها.

ان التغييرات التي تحدث وتنشأ عنها الأساطير تظهر بوضوح في القصص التاريخية عن تراجم حياة الغزاة والفاتحين أو الأبطال الوطنيين.إن الأعمال التي تروى عنهم عبارة عن امتزاج الخيال بالحقيقة، وان كانت للأسطورة فيها اليد العليا.

قد نتساءل: ما قيمة فصل الحقيقة عن الخيال؟ أليس ما يمثله أبطال التاريخ وأصحاب الرسالات الإنسانية كل طموح طبقات الشعب وأمانيها؟ أليست قيمة الأسطورة كرمز انها تعبر عن هدف روحي لقضية معينة؟.

في حياة كل مجتمع شخصيات تاريخية قدر لها أن تصبح أسطورية: أما لبطولة دينية أوطنية، أو لعبقرية في الفنون والآداب والعلوم وغير ذلك مما يؤثر في حياة المجموع. فلماذا لا نجعل من كل من أولئك الأفراد رموزا تستأهل احترامنا لأعمالهم وأخلاقهم بل نورا وهداية للأجيال القادمة؟

فإذا ردد شخص مثلا أسطورة دينية، أو بطل وطني، أو عمل فني فانه لا يردد كلاما إعلاميا وإخباريا لكنه يردد كلاما تقييميا حسب نوع الأسطورة.

كذلك تقيم الكثير من طابع الحياة في المجتمع على أساس ان هذه القصص ما هي إلا الظل التصويري لحياة الشعوب وما يدور في مجتمعاتها. من زاوية أخرى تمكننا من سبر غور ما في المجتمع نفسه من حكمة وخبرة مما يساق على الألسن. غالبا ما تخرج الموضوعات التي تتحدث عن أصول الأشياء أو عن أصل الإنسان، أو عما حققه في الحياة كانسان آدمي.

الصفة الشعبية تكمل دورة الأدب وتنشره، فلا يشتهر أدب من الآداب، ولا يذاع ويرتفع شأن عمل من الأعمال، إلا إذا رقيا الى مستوى الشعبية، ولا يرقى أدب في العادة إلا إذا أقبل الناس عليه يقرؤونه وينقدونه ويروجون لخلوده، ويمدون في أسباب حياته.

في أسطورة صحبة الكلب للإنسان وخدمته له على الرغم من أن القصص التي دارت حولها ضرب من ضروب الخرافات في تقدير المستويات العلمية والثقافية لأن الحيوانات لا تتكلم ولا تتناقش ولا تفكر إلا في نطاق محدود، تصرفاتها غالبا غريزية ذاتية، لكنها تتيح فرصة لأن يحصل الإنسان على الأمان النفسي، وعدم الخوف من الطوارق أو قياس الخيانات الشخصية في مجالات كثيرة.

تقول أحدى قصص الأسطورة التي يرددها النيليين عادة:الأسد، الضبع، الفهد، الكلب، القط الوحشي كانوا أخوة أشقاء عدا الكلب إذ كان من أم أخرى،الزوجة الثانية. مات الأب تاركا وراءه من الماشية والحمير والأغنام والدواجن. ذات يوم جمع الأسد أخوته، قال لهم: يجب أن نقتسم اليوم ما تركه أبونا. أدرك الكلب ان الأسد يريد ابعاده لتقسيم التركة بينه وبين الأخوة الأشقاء، اصطحب معه صديقه الثعلب وذهب الى مساكن الرجال عند طرف الغابة، أسرع الأسد بعد أن ابتعد الكلب، أخذ الماشية لنفسه، أعطى الحمير للضبع، ترك الأغنام للفهد، الدواجن للقط، قص الكلب على الرجل قصته، طلب منه أن يعاونه للحصول على حقه فوعده الرجل خيرا. أمسك بحربته وحمل فأسا ثم سار والكلب معه حتى أقبلا على المرعى الذي يحفظ فيه الأسد ماشيته، وجداه وقد تأهب للقتال. سأل الرجل الأسد: أليس الكلب شقيقك من أبيك؟ أجاب الأسد بالإيجاب، فلماذا تغتصب حقه وحق أمه؟ فما كان من الأسد إلا أن حاول الانقضاض على الرجل الذي وجه حربته إليه ليقتله فوثب الأسد فوق السياج نحو الغابة تاركا وراءه الماشية، أمر الرجل الكلب باقتيادها، واللحاق به.

سارا الى مكان الضبع، دارت نفس المناقشة بين الرجل والضبع انتهت بفرار الضبع تاركا الحمير فاقتادها الكلب مع الماشية. تكرر نفس الحديث مع الفهد والقط الوحشي. استعاد الإنسان للكلب كل ما خلفه أبوه وحمل الجميع الى منزل الرجل، ظن الرجل ان عمله قد انتهى، لكن الكلب قال للرجل: ليس بي من حاجة الى هذا كله، كل ما احتاج إليه قليل من اللبن الحامض مع الدجاجات، ما استعدته من أخوتي هو لك لأنك أنت الذي جئت به ممن أراد اغتصابه، ثق انهم يتربصون بك. فلو وقع الأسد على ماشيتك مزقها، ولو جاء القط والفهد والضبع لقتلوا دواجنك... سوف أبقى الى جانبك أحرسها فان عجزت عن الدفاع عنها تهب أنت لنصرتي بفأسك وحربتك. واتفق الإنسان والكلب على هذا.. وبقى الكلب منذ ذلك اليوم في خدمة الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/آذار/2011 - 15/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م