المحنة البحرينية

مهند السماوي

بعد انطلاق الموجة الثانية من الثورات العربية المعاصرة... بداية في اليمن ثم البحرين واخيرا في ليبيا، جرت الاحداث المآساوية بشكل يفوق التصور والتوقع الى حد ما بالمقارنة مع احداث الموجة الاولى!... الا ان ذلك يعتبر شيئا طبيعيا بالمقارنة مع الثورات العديدة التي جرت على مدار التاريخ، ولكن الامل في حدوث التغيير السريع وبدون دماء او تعب قد داعب آمال الكثيرين بعد انتصار الثورتين التونسية والمصرية!.

المحنة الليبية كانت الابرز اعلاميا وايضا على الساحة الدولية بسبب الوحشية التي ابداها نظام المعتوه والصمود البطولي من جانب الثوار... وقد يرى المشاهد ان اكثر الثورات التي تعاني من المصاعب والالام هي ثورة الشعب الليبي... الا ان الادق هو ان الثورة البحرينية هي الاكثر صعوبة!... ويعود ذلك بالتأكيد الى اسباب عديدة اهمها ان الثورة الليبية لم تحارب سوى عدو واحد اتحد ضده المجتمع العربي والدولي وبالرغم من التقاعس في نصرة الشعب الليبي الا ان المساندة الدولية بارزة للعيان ولم يتجرأ اي نظام على مساندة الطاغية الليبي بل البعض وقف خجلا على الحياد! كما ان الاصرار الثوري على ازالة نظام القذافي من جذوره يعطي تصورا على قوة تماسك المعارضة وبخاصة ضمن تلك الاهداف الحقيقية للتغيير المنشود... وعليه فأنه بالرغم من اتساع دائرة الصراع وكثرة عدد الشهداء الا ان طريق النصر آت لا محالة وسوف يحتفل الجميع به ويكون اكثر لذة!.

شعب واحد واعداء كثيرون!

اما الثورة البحرينية فالوضع مختلف كثيرا، والحالة فيها اكثر مأساوية مما يجعلها الثورة الاكثر صعوبة بين الثورات الثلاث... فالشعب البحريني الثائر يقف بمفرده في ساحة الميدان حتى المتعاطفين معه يقفون على الحياد صامتين! والاعلام لا يدعمه بل يدعم اعداءه، بينما جبهة اعداءه تتكون من فئات لا تجمع بينهما سوى المصالح المتباينة التي لا تعير للحريات وحقوق الانسان واخلاقيات الصراع اية اهمية او قيمة تذكر! وهم: النظام الطائفي واتباعه المتباينين في مصالحهم معه! والانظمة الخليجية المجاورة بالاضافة الى الدول الغربية الحليفة التي يرتفع صوتها في اماكن وينخفض في اخرى تبعا لحجم المصالح المتبادلة! مع وجود حلفاء من الدول العربية الاخرى وغيرها والتي بعضها يبيع المواقف حسب قيمة الدفع!

بالاضافة الى ان مستوى المطاليب الشعبية مازال دون المستوى المطلوب وهي ازاحة النظام الطائفي الفاسد من جذوره! بل ان المعارضة مازالت تطالب بالاصلاح الجزئي بالرغم من ان التاريخ الاستبدادي الطويل لذلك النظام الطائفي كاف لازالته من الجذور، وعليه فأن التردد في ذلك لا يخدم الثورة، كما وان توحيد المطالب الرئيسية تحت سقف محدد لايقل ابدا عن اساسيات التغيير الجذري وهو السبيل الوحيد لحرية البلاد والا فأن الماساة سوف تبقى مستمرة ولن تنفع الرشوة الرخيصة المقدمة من الانظمة المجاورة في انقاذ زميلهم في الاستبداد من المصير المحتوم!.

الضد النوعي!

بالرغم من وجود القبائل في ليبيا والتقسيم المذهبي والقبلي في اليمن الا ان حالة الانقسام تلك لم تؤثر بشكل واضح على مسيرة الثورة وتجعلها تقع في مستنقع الانقسامات الداخلية...

اما الامر في البحرين فهو مأساوي بحق لكون الاغلبية الشيعية وهم سكان البلاد الاصليين محكومة بنظام استبدادي ينتسب للاقلية السنية التي يزداد عددها بمرور الزمن بسبب سياسة التجنيس المذهبية لمقيمين من بلاد اخرى بعضهم اساسا لا يتكلم اللغة العربية!... تلك الاقلية مازالت تقف اما في صف السلطة الاستبدادية الفاسدة لكونها تنتسب اليها مذهبيا! او تقف على الحياد خوفا من ضياع السلطة لصالح الاغلبية بالرغم من ان النظام الديمقراطي الحر سوف يمنحها حقوقا تتناسب وحجمها الطبيعي الا انها اكثر بالتأكيد من تلك النوعية التي تحصل عليها بصورة غير شرعية من جانب سلطة متخلفة وغاشمة مصيرها الزوال المحتوم! وهي حالة مشابهة للوضع في العراق عندما وقفت الاقلية السنية نفس الموقف مع الانظمة الديكتاتورية التي تنتسب اليها بالرغم من انه يخالف المصلحة الوطنية العليا!...

ان هذا الموقف من قبل الاقلية هو مخالف لكافة التعاليم الدينية الحقة الداعية لاحقاق الحق ونشر العدل والحرية بدون تمييز بين الجميع وكذلك ايضا الواجبات الوطنية والانسانية والاخلاقية التي تفرض على الجميع ان يتحد لخدمة الوطن وتطويره والتي لا تكون الا بتحريره كاملا من الاستعباد والاذلال على يد اية فئة مهما كانت نوعية الانتساب الديني او الطائفي او القومي لها...

فتلك الهويات لا تقبل بتاتا اي تصرف يخالف التعاليم والمبادئ الصريحة التي بنيت عليها والتي تدعو عادة لها، والا لكانت تعاليم هزيلة لا تقوم على اساس عقلي او منطقي سليم وبالتالي سوف يكون رفضها ونهايتها هي النتيجة الحتمية!...

وقوف الاقلية في الصف المعادي سوف لن يجعل مسيرة الثورة البحرينية اكثر صعوبة فحسب ولكن سوف يؤدي الى ان تكون الجراح اكثر ألما وشدة على مدار الزمن مهما كانت هوية المنتصر في النهاية...

وعليه فأن الواجب المفروض على الاقلية السنية ان تثبت وطنيتها وآخائها وان تخضع للتعاليم الدينية والاخلاقية والانسانية في الوقوف الى جانب الاغلبية مادامت تعيش على تلك البقعة الصغيرة التي لا تحتمل النزاع لاجل اسرة فاسدة ومتخلفة مدعومة من محيط لا يقل فسادا وتخلفا عنها!.

مرتزقة واعداء الخارج!

لم يكتف النظام الطائفي في استخدام المرتزقة وبخاصة المجنسين في محاربة الثورة، بل قام ولاول مرة في تاريخ الثورات العربية المعاصرة وبقية الثورات الاخرى، في طلب المعونة من الانظمة القبلية المجاورة لقمع الشعب الثائر دون ادنى اعتبار لكافة المعايير الوطنية والاخلاقية مستغلين الصمت الغربي وتفضيله المفضوح للمصالح النفطية!...

الحجج الهزلية التي استندت عليها تلك الانظمة هي ليست فقط سخيفة بل دالة على حجم الوضاعة الاخلاقية في طرق التعامل مع شعوب ثائرة مجاورة... فالاستناد الى اتفاق مجلس التعاون والدفاع المشترك هو غير مقبول او كافي والا لرأينا كل البلاد التي وقعت فيها ثورات او تغيرت نظمها المستبدة والتي تشترك عادة في معاهدات او اتفاقيات مختلفة وبخاصة في مجال الدفاع قد قامت في استدعاء قوات اجنبية لقمع الثورات المحلية، بل ان طلبا كهذا يرفض عادة!... فتلك الاتفاقيات لا تشمل التدخل في الشؤون الداخلية الذي يخضع للاطراف المحلية فقط واي تبرير مخالف هو مرفوض في هذا الطلب المهين.

كما ان الجعجعة السعودية الفارغة في رفض التدخل الخارجي في قمعها الداخلي هو امر يناقض تدخلها السافر في بلاد اخرى وبخاصة في شؤون البحرين حتى ولو كانت الاسرة الحاكمة فيها خاضعة وتابعة للاسرة السعودية الحاكمة، فللتدخل حدوده المقبوله وما حدث هو اقرب للغزو بمرتزقة من جيوش نظامية وبمعونة نظام خائن لبلده!.

المقاومة هو الحل الامثل!

ليس هنالك من حل بعد ان اتحدت الاطراف المجاورة مع زميلهم في البحرين واعلنوا حربهم الشعواء ضد الشعب الثائر!.

فهذه القوات لا تنسحب الا بعد ان تنشغل بلادها بثورات محتملة وهو احتمال ضعيف وغير واقعي ولا يمكن الاستناد اليه... وعليه فأن المقاومة المسلحة يجب ان تركز في البداية على القوات الصغيرة الحجم مثل القوات الاماراتية، فيمكن لبضعة عمليات مسلحة ان تجعلها تفر من البلاد وحينها سوف تجد القوات السعودية نفسها في موقف صعب!... صحيح انها لا تهتم لعدد القتلى وانها متخصصة في قمع شعبها او الشعوب المجاورة (الحوثيون كمثال)! ولكن سوف يكون الوضع النفسي والقانوني متخلخل وضعيف وهو السبيل الوحيد لطردها وحينها سوف يكون انهيار العملاء الصغار في الحكم امرا سهلا بدلا من اطالة امد الصراع من خلال الانشغال في حركة العصيان السلمية لكون النظام وحلفاءه الخليجيون لا يعرفون سوى لغة القوة والعنف والغدر المستندة الى روابط القبلية المذهبية التي لا تراعي حقوق الشعوب وحريتها وكرامتها!.

تغيير الخطط هو الوسيلة الوحيدة مع كل ظرف طارئ... وقراءة ظروف المرحلة بتأني هو الوسيلة لتقليل الخسائر، فالمحنة لا تستمر الى الابد!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/آذار/2011 - 15/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م