شيخوخة الانظمة العربية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الحضارات تولد، تنمو، تترعرع، تصل الى نقطة الانحدار ثم تتهاوى، وتموت، لتحل محلها حضارات أخرى، ثم تنتهي هي الاخرى في دورة الزمن المطلق، إنها تشبه الكائن الحي في رحلتها من نقطة الولادة، الى لحظة الموت.

أنظمة الحياة كافة، تمر كذلك بهذا الخط البياني، الفاصل بين الولادة والموت، ومنها الانظمة السياسية العربية، التي حكمت شعوبها بالحديد والنار، والتي وُلدت وجُبلت على القمع والتسلط، لكي تحمي نفسها من الموت، ناسية أن الزمن كفيل بإزاحتها، والاتيان بالجديد الذي يتواءم وروح العصر، وهكذا تصل منظومة الحكم العربي، الى مرحلة او نقطة المشارفة على الزوال والموت، وهي لاتختلف بهذا عن غيرها، من الانظمة العاجزة عن اللحاق بسمات العصر، لتحلّ محلها دماء جديدة هي دماء الشباب الواعي المنتفض.

إن الاشكالية التي لم يستطع الحكام العرب عبورها، أو معالجتها، تتمثل بعدم قراءتهم الصحيحة لتجارب التأريخ القريب والبعيد معا، وحتى لو سلّمنا بقراءتهم لها، فإنهم أخفقوا تماما في استيعابها، وتوظيف دروسها لصالحهم، فظلّ هؤلاء كما هم، لا يرون الحياة إلا بعين السلطة، التي لاترى ولا تتعامل بدورها، إلا مع السبل والطرائق التي تحافظ على العروش، والكراسي من الاهتزاز أو السقوط، والمشكلة أن السلاح العتيد والوحيد لهؤلاء الحكام، في تدعيم الكراسي والعروش، هو القمع، والتهميش، والاقصاء، والسرقة، والاختلاس، والسطو على أموال وثروات الشعب.

لقد دأبت منظومة الحكم العربي، على تكريس السلطة بيد القائد الأعلى، والحزب الأوحد، أو الاقوى، وكأنها تمثّل هيكلا واضحا، لعصابة يرأسها الحاكم، أو القائد الأعلى ويديرها، أما العصابة، فهي الحزب القائد او الأقوى، وهكذا تكون المنافع المادية والمعنوية، محصورة بالحاكم الاعلى وعائلته، وذويه، وحاشيته، وحزبه، وما يتبقى من فتات، فهو حصة الآخرين من الشعب، ومن يعترض او يرفع صوته أو يطالب بحقه، فإن الموت او التهميش، والاقصاء، والتشريد، والنفي سيكون له بالمرصاد، لهذا يلجأ الضعفاء والشعوب المنهكة الى الصمت، والقبول على مضض بتجاوزات الحكام.

لكن يبدو أن زمن الحكام الطغاة قد ولّى الى الابد، وأن الشيخوخة التي تعاني منها منظومة الحكم العربي، قد وضعت هؤلاء على شفا حفرة من الموت، وها أن الدماء الشابة تتدفق بقوة وغزارة، في شرايين الدول العربيه، من المحيط غربا، الى الخليج شرقا، لتبدأ أولى بشائر التغيير، بخلع زين التونسي، ثم حسني مصر، ليتلوهما قريبا القذافي، وعلي عبد الله صالح ومن لف لفهم.

وهكذا يبدو التصدع واضحا، وقويا في هذه المنظومة السلطوية، التي اعتمدت القمع والتقتيل والمصادرة، كإسلوب تحمي به سلطانها وامتيازاتها، التي تُستمَد من حقوق الشعوب العربية، المغلوبة على أمرها، بسبب عمليات البطش الهائلة، التي تمارسها الاجهزة القمعية لمنظومة الحكم العربي.

وها أننا على أعتاب عصر جديد، هو عصر السقوط الحتمي لأنظمة التسلط القمعية، التي أخذت تتساقط تباعها، وهو أيضا عصر الشباب العربي الواعي، الذي استطاع أن يقتحم حصون الحكام العتاة، من خلال العالم الافتراضي لوسائل الاتصال المعاصرة، ليدك حصونهم بالانتفاضات المتواصلة، التي زلزلت الارض تحت عروش الحكام، حتى بدا الأمر وكأن الحاكم العربي الذي يظن بأنه في منأى عن هذا الزلزال الشبابي، إنما يريد أن يخدع نفسه ويؤملها بالمزيد من التسلط والبقاء فوق العرش، لكن الوقائع اليومية الساخنة، لانتفاضات الشباب العربي، تؤكد بأن الأنطمة العربية كلها، تقع الآن تحت طائلة هذا الزلزال، وليس هناك من هو مُستثنى من السقوط الحتمي، الذي أعلنته لحظة إشتعال بوعزيزي في تونس، ليستمر لهيب الانتفاضة ويمتد الى عموم دول الشرق الاوسط، الذي يعيش اليوم نهاية الانظمة القمعية، واتساع الوعي الشبابي الذي فرض حضوره كبديل حيوي لشيخوخة النظم العربية التي لم تعد تتسق مع دواعي العصر الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/آذار/2011 - 14/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م