الثورة المصرية والانقسام على التعديلات الدستورية

 

شبكة النبأ: يمثل التصويت على التعديلات الدستورية في مصر الذي سوف يجرى خلال الساعات القادمة خيارا مصيرا قد يرسم ملامح الدولة سياسيا في المستقبل، سيما انها تتناول ابرز الشؤون السياسية خطورة، حيث يرى الكثير من المتابعين للشأن المصري ان في ما سوف تقره نتائج التصويت سوف تفرز ثمار الثورة المصرية التي قادها الشباب.

فيما يعد الاستفتاء بحد ذاته نصرا كبيرا للشعب هناك، خصوصا انه اول ممارسة ديمقراطية قد تتسم بالشفافية والنزاهة منذ عقود طويلة.

مستقبل مصر

فقد وصفت صحيفة ''نيويورك تايمز'' الأمريكية الاستفتاء الشعبى الذى يجرى فى مصر حول تعديل بعض مواد الدستور ''علامة فارقة فى تاريخ مصر''، حيث سيحدد ملامح المستقبل السياسي فى البلاد.

وذكرت الصحيفة - فى تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني - أن الاستفتاء سيمثل حدثا هاما وكبيرا كونه أول استفتاء لا شبهة فى تزويره خلال الستين عاما الأخيرة.

وأشارت الصحيفة إلى بعض التعديلات الدستورية التى سيتم استفتاء الشعب عليها بالقبول أو الرفض، ومنها اختصار فترات الرئاسة إلى فترتين وتقليص الفترة الواحدة إلى أربع سنوات، وحالة الطوارىء، وكذلك اشتراط ألا يكون رئيس الجمهورية متزوجا من غير مصرية.

وأضافت: أن التغييرات الناتجة عن الموافقة على التعديلات المقترحة ستمهد الطريق لإقامة انتخابات تشريعية وانتخابات رئاسية، بينما يبدو المشهد غامضا حتى الآن فيما يخص النتائج المترتبة على رفض هذه التعديلات.

وأوضحت الصحيفة أنه من الصعب قراءة نتيجة الاستفتاء مسبقا، ففى الوقت الذى يتوقع فيه بعض المحللين أن تلقى التعديلات رفضا بسبب الحالة الثورية التى تشهدها البلاد، يذهب البعض الآخر إلى التوقع بقبول المصريين لهذه التعديلات للتخلص من حالة الفوضى الاقتصادية وانتشار الجريمة بالإضافة إلى رغبتهم فى استعادة الاستقرار. بحسب استوشد برس.

ونوهت الصحيفة إلى أنه لايمكن التنبؤ بحجم إقبال المصريين على صناديق الاقتراع يوم 'السبت' المقبل علما بأن 41 مليون مصرى فوق سن 18 أصبح فى إمكانهم التصويت باستخدام بطاقة الرقم القومى دون الحاجة إلى تسجيل أنفسهم فى قوائم التصويت.

انقسام بين الاصلاحيين

لكن التعديلات المقترحة أحدثت انقساما داخل الحركة الاصلاحية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك الشهر الماضي.

فمن ناحية يدافع ثلاثة مرشحين لانتخابات الرئاسة ونشطاء بالمجتمع المدني وأحزاب معارضة رئيسية عن رفض التعديلات ويقولون انها لا تلبي مطالب الثورة.

من ناحية أخرى يواجه هؤلاء الجماعتين الرئيسيتين اللتين لهما باع في حشد التأييد سريعا وهما جماعة الاخوان المسلمين وفلول الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان مبارك يرأسه. ويقول الاثنان ان اعادة صياغة الدستور من الصفر ستستغرق وقتا طويلا جدا.

والاستفتاء هو أول تجربة ديمقراطية يعيشها الكثير من المصريين الذين ربما لم يقرأوا الدستور من قبل قط.

وفي حين أن التعديلات ستحدد مدة الرئاسة بولايتين مدة كل منهما أربع سنوات وتضمن الاشراف القضائي على الانتخابات فان منتقدين يقولون انها لم تقدم شيئا على صعيد الحد من الصلاحيات التنفيذية المطلقة للرئيس والتي كانت العامود الفقري لنظام مبارك الشمولي.

وقال زكريا عبد العزيز الرئيس السابق لنادي القضاة ان الثورات تسقط الدساتير وان هذا الاصرار على اجراء استفتاء دستوري على وثيقة ساقطة مثل طبيب يحاول زرع أعضاء في جثة.

وتفتح التعديلات المجال للمنافسة على المنصب الذي شغله مبارك لمدة 30 عاما. لكن نشطاء من المعارضة يقولون ان قبول ما يعتبرونها تعديلات شكلية لدستور 1971 تعني اضفاء شرعية عليه ضمنيا مما يمثل اهانة للانتفاضة التي استمرت 18 يوما وأجبرت مبارك على التنحي وتسليم سلطاته للجيش. بحسب رويترز.

وقال محمد البرادعي المرشح لانتخابات الرئاسة "الاحتفاظ بدستور مبارك ولو مؤقتا اهانة للثورة." وأضاف "التصويت بنعم في الاستفتاء يبث الحياة في دستور مبارك مما سيؤدي الى برلمان معيب."

وقال عمرو موسى الذي سيترك منصب الامين العام لجامعة الدول العربية لخوض سباق انتخابات الرئاسة المصرية انه سيصوت برفض التعديلات المقترحة.

ويحق لنحو 40 مليون مصري الادلاء بأصواتهم في الاستفتاء الذي يجري يوم السبت وهو أول اقتراع منذ عقود يرجح الا يتم التلاعب به. لكن محللين يقولون انه تم التعجل في اجراء الاستفتاء وهناك مخاوف بشأن مدى الانفتاح في عملية صياغة التعديلات الدستورية.

وصاغت لجنة مغلقة التعديلات في عشرة أيام. وطرحت المواد المعدلة على الجماهير لمناقشتها لثلاثة أسابيع فقط وحتى الان لم تنشر في شكلها النهائي حتى يقرأها المواطنون قبل الاستفتاء عليها. وتنص التعديلات على أن يشكل البرلمان القادم لجنة لاعادة صياغة الدستور بالكامل.

ويخشى نشطاء من دعاة الديمقراطية أن يكون تعجل اجراء الانتخابات في مصلحة الاخوان والحزب الوطني الديمقراطي لتسفر عن برلمان لا يمثل معظم المصريين.

وتساءل المحلل والاصلاحي عمرو حمزاوي كيف يمكن لبرلمان لا يعكس أهداف الشعب وطموحاته أن يضع دستورا جديدا يحكم العلاقات بين الدولة والمجتمع والحياة السياسية المصرية لعقود قادمة.

ودعا نشطاء شبان الى تنظيم مسيرة يوم الجمعة احتجاجا على التعديلات عشية الاستفتاء. وقالت مجموعة على موقع فيسبوك www.facebook.com انضم اليها اكثر من 20 الف عضو خلال أربعة ايام انها ترفض محاولات نزع الشرعية عن الثورة باستخدام دستور قديم حتى لو كان هذا لفترة انتقالية.

ويقول خبراء قانونيون ومعارضون انه بدون وضع دستور جديد ورفع القيود على تشكيل الاحزاب السياسية فان مصر قد تجد نفسها مرة أخرى امام رئيس يتمتع بصلاحيات مطلقة وبرلمان مطواع.

ووضع المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد جدولا زمنيا ضيقا مدته ستة أشهر لاجراء الاستفتاء وانتخابات مجلسي الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة واستفتاء اخر على الدستور الجديد.

ويقول نشطاء ان هذا البرنامج المتعجل قد يسمح لمن تلاعبوا بالنظام القديم بأن يفعلوا هذا مجددا.

وقال عبد العزيز وهو أحد القضاة الذين قادوا حركة عام 2005 للمطالبة باستقلال القضاء ان الثورة لم تنجح بعد وان هذا يهدد بتجريدها من كل مكتسباتها.

ونتيجة لعقود من الحكم الشمولي أصبحت المعارضة المصرية منقسمة وضعيفة. وتسارع الاحزاب السياسية الان لاعلان مواقفها من الاستفتاء.

ونحت الاحزاب المعارضة العلمانية المعترف بها رسميا خلافاتها جانبا للدعوة الى وضع دستور جديد.

ويعتزم حزب التجمع اليساري وحزب الغد والحزب العربي الديمقراطي الناصري وحزب الجبهة الديمقراطية وحزب الوفد التصويت بلا.

وقال نائب رئيس حزب الوفد ياسين تاج الدين ان التعديلات المقترحة لا تحد من صلاحيات الرئيس وهذا شيء مثير للقلق.

وهم يقفون في مواجهة الحزب الوطني الديمقراطي وأحزاب معارضة صغيرة يقول منتقدون انها واجهات للحزب الوطني وجماعة الاخوان. ويتمتع الحزب الوطني والاخوان بالخبرة في حشد المؤيدين لاجراء انتخابات مبكرة.

وتقول جماعة الاخوان ان وضع دستور جديد سيستغرق وقتا طويلا. كما يقول حزب مبارك سابقا الذي اعتاد لزمن طويل تحقيق انتصارات كاسحة في الانتخابات ان التغييرات ستضمن الاستقرار وتحقق الشرعية الدستورية.

وبالنسبة لكثير من المصريين الذين يتوقون لعودة الحياة الى طبيعتها ويخشون من أن يؤدي رفض التعديلات الدستورية الى أن يطول الحكم العسكري فان القرار صعب.

وكتبت احدى المجموعات على صفحتها بموقع فيسبوك تقول ان للمرة الاولى في حياة المصريين سيخوضون تجربة ديمقراطية وستكون لاصواتهم قيمة وطالبت المواطنين بألا يسمحوا لاحد بتحديد مواقفهم وان مصر يجب أن تتغير وهذا سيحدث حين يتخذ المصريون قراراتهم بأنفسهم.

الدستور يحرم ملايين المصريين بالخارج

فيما فاجأت اللجنة القضائية العليا المشكلة للإشراف على عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر، المصريين المقيمين خارج البلاد، بإقصائهم من التصويت على الاستفتاءات الدستورية والانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد، بعد أن أعلن رئيس اللجنة، المستشار محمد أحمد عطية، "عدم أحقية المصريين المقيمين بالخارج في الإدلاء بأصواتهم."

واعتبر مراقبون وناشطون من المصريين المقيمين في الخارج، والذين يناهز عددهم ثمانية ملايين مغترب، أن قرار اللجنة العليا "جاء مخيباً للآمال"، حيث يصادر حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المشاركة في التعديلات الدستورية والتصويت بالانتخابات النيابية والرئاسية، في الوقت الذي كان من المفترض على "مصر الجديدة"، أن تنقل تجارب دولية ناجحة في هذا الشأن.

وقال حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، "على السلطات المعنية أن تبدي حرصاً على المصريين في الخارج، بإشراكهم في إدارة وطنهم، إذ أن هناك حلول كثيرة للمسألة، أبرزها تكليف بعض القضاة في كل دولة، أو تعديل اللجان الانتخابية في الخارج، بوضعها داخل مقر السفارة المصرية بشكل مجمع، بإشراف من اتحاد المصريين بالخارج، ومنظمات دولية لمراقبة عملية التصويت، كضمانات لرقابة صارمة."

وأضاف: "الموقف من المصريين في الخارج حالياً فيه مصادرة لحق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المشاركة في التصويت بالانتخابات والاستفتاءات العامة، في الوقت الذي تطبق فيه الدول المتقدمة نظماً إلكترونية أو بريدية للتصويت، سواء للمقيمين في بلاد أخرى، أو حتى لمن يريدون التصويت عبر البحار." بحسب سي ان ان.

واستبعد أبو سعدة أن يواجه ذلك أية عراقيل فيما يتعلق بالرقابة على عمليات التصويت في الانتخابات، قائلاً: "يمكن إرسال قضاة للرقابة على عمليات التصويت"، مشيراً إلى أن قانون الانتخابات نفسه "يحتاج إلى تعديل فيما يتعلق باللجان المنعقدة خارج حدود البلاد."

كما أطلق ناشطون إلكترونيون عدداً من المجموعات على الموقع الاجتماعي الشهير "فيسبوك"، تطالب بحق أبناء الجالية المصرية المقيمين خارج البلاد في المشاركة السياسية، والتصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية، والاستفتاءات العامة في بلادهم.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أطلقت الجالية المصرية حملة على "فيسبوك" للمطالبة بحق التصويت في الاستفتاءات والانتخابات التي تجري داخل مصر، وقال منسق الجالية، وليد الشيخ، إن القرارات الصادرة من القاهرة "مخيبة لآمال ملايين المصريين العاملين في الخارج، وهم أنفسهم المصريون الذين يضخون مئات الملايين من الدولارات سنوياً إلى بلادهم."

وأضاف: "كيف نستثني نحو 8 ملايين مصري ومصرية بالخارج، ونقصيهم هكذا، وهو عدد يزيد على إجمالي عدد الأصوات التي شاركت في انتخابات الرئاسة المصرية في العام 2005؟"

وتابع: "اقترحنا حلولاً كاملة للمشكلة، تتضمن الاستفادة من وجود سفارات وقنصليات مصرية بكل دول العالم تقريباً، وهو ما يعني إمكانية تطبيق عملية التصويت تماماً كما يحدث في مصر، وفي التوقيت نفسه، وبرقابة كاملة."

وأشار إلى حزمة من الاقتراحات التي تبناها أبناء الجاليات المصرية في الخارج، الذين يتواصلون عبر موقع "فيسبوك"، من بينها إشراف الملحق العسكري في السفارة المصرية على عملية التصويت والفرز مثل القاضي، أو إطلاق موقع إلكتروني محترف يتم الإشراف عليه من القاهرة، ويتمتع بعناصر أمان إلكتروني محكمة، وبالتالي التصويت من خلاله.

وحذر الشيخ من إقصاء المصريين العاملين بالخارج من المشاركة السياسية، وقال: "يمكن لغضب هؤلاء أن يتسبب في إطلاق حملة لمنع التحويلات النقدية من المصريين بالخارج إلى بلادهم، كورقة ضغط، تطبق لشهر أو لعدة أشهر، وهي أساليب ثورية تتناسب مع الحالة الثورية العامة في مصر، وكذا رفع قضايا مستعجلة في محاكم دولية للطعن في شرعية قرارات اللجنة التي جردت ما يزيد على 8 ملايين مصري من حقوقهم الأساسية."

وكانت اللجنة القضائية العليا المشكلة للإشراف على عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، انتهت الاثنين، برئاسة المستشار الدكتور محمد أحمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، إلى عدد من الأعمال التحضيرية والقرارات، بعدما عقدت جلستها الأولى والتى استمرت عدة ساعات.

وبحسب اللجنة، فإن عدد المواطنين المسموح لهم الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، يبلغ حوالي 40 مليون ناخب.

من جانب آخر، أعلن مجموعة من المصريين المغتربين عن أول مشروع قومي لحزب "المصريين في الخارج"، يعنى بشؤون أبناء الجالية المصرية، من خلال عملية تسجيل مباشر لأعضائه، من واقع جوازات السفر ووزارة الخارجية، وإدارات الهجرة، لحصر عددهم، بما فيهم الذين خرجوا بطرق غير مشروعة، وذلك في إطار من السرية للمعلومات، لإتاحة الفرصة للمصريين في الخارج للمشاركة السياسية.

السلفيون والاقباط

الى ذلك برز السلفيون على السطح منذ سقوط مبارك وقال البعض انهم قد يؤسسون أحزابا سياسية ويخوضون الانتخابات البرلمانية.

قال الشيخ عبد المنعم شحاتة من الحركة السلفية في الاسكندرية ان التعديلات الدستورية خطوة في الاتجاه الصحيح وانهم يخشون في حالة ضياعها أن يقفز أعداء الامة ويقومون بتخريب مكاسب أبناء الوطن الاوفياء. وأضاف انه بناء على ذلك فان السلفيين يدعون المواطنين للتصويت " بنعم".

في السياق ذاته يشكل الاقباط 10 في المئة من سكان مصر ويطالب بعض الاقباط بالغاء المادة الثانية من الدستور التي تقول ان الاسلام هو دين الدولة وان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

عبر المسيحيون عن قلقهم من احتمال أن يهيمن الاسلاميون والاخوان المسلمون على الانتخابات البرلمانية ومن ثم دعوا لوضع دستور جديد واتاحة مزيد من الوقت أمام القوى السياسية غير الاسلامية لتجميع صفوفها والتواجد في الشارع.

قال الاب متياس ان كل شخص حر في رأيه لكن دوره كرجل دين مسؤول عن انارة الطريق أن يقول للناس ان هذه التعديلات تخدم فكر الاخوان المسلمين.

وأضاف انه يرى ضرور التصويت "بلا" لان مثل هذه التعديلات لا تصلح لبناء دولة مدنية حديثة وهذا ليس رأي الاقباط وحدهم لكنه رأي كل مصري معتدل يريد دولة مدنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/آذار/2011 - 13/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م