
شبكة النبأ: ان ربع الحقيقة يلحق
العار بالثلاثة ارباع المتبقية والتي فقدت بريقها من جراء الاستخدام،
جيرمين تييون.
ايهما تختار هتلر ام ديغول؟ نيلسون مانديلا ام بيتر بوتا؟ غاندي ام
قاتله الهندوسي المتعصب؟ جيفارا ام ضابط الصف (ماريو تيران)؟ وانت تقلب
صفحات التاريخ وتقرا عن سير وملاحم وبطولات واحلام ناس عاديين هل يمكن
ان تكون محايدا بين علي ومعاوية؟ او بين يزيد والحسين؟ بين سعيد بن
جبير والحجاج؟
هل يمكن ان تكون محايدا بين ارباب السيوف وارباب القلم؟
انت تختار موقعك لأنك تزعم انك حر وتلك الحرية ممنوحة لك بالفطرة،
انت تختار موقعك الذي تفرضه عليك انسانيتك، تلك الانسانية التي تجدها
في اعماق الطيبين والكادحين والمؤمنين والمسحوقين، ام تختار موقعك تبعا
لقناعاتك الشخصية التي شكلتها البيئة الاسرية والمدرسة والشارع والمسجد
والكتاب وغيرها؟ حين تختار هتلر هل تكون حرا وتكون انسانا ويكون جميع
ماشكل قناعاتك سويا ينسجم مع ما تعارفت عليه الانسانية في تاريخها
الطويل من رفضها للظلم والاستبداد والكره والقتل وفنون التنكيل؟ القدرة
على الاختيار هي لب الحرية، واختيار الصحيح هو لب المسؤولية الاخلاقية.
وانت بين الحرية والمسؤولية تقرأ المبادئ العامة:
كتب ربكم على نفسه الرحمة، قران كريم
احسنوا الى مبغضيكم، و صلّوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم،
السيد المسيح
قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك
بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم، قران كريم، وغيرها من
امثلة.
في الخطاب الاعلامي العربي الرسمي منه او الحزبي او الخاص (واتحفظ
على الخاص هنا) يكثر الحديث عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في
السياسة الامريكية او الاوربية من قضايا المنطقة، وبالأخص قضية فلسطين
ويكثر الحديث بعد ايلول العام 2001 عن سياسات اليمين المسيحي المتطرف
في الولايات المتحدة من قضايا الصراع العربي الاسرائيلي وقضايا اخرى
بينها الحرب في افغانستان وغزو العراق والسودان وغيرها.
لا نلوم امريكا او الغرب في سياساته، فالأنظمة هناك ديمقراطية تدافع
عن مصالح الناخبين، والساسة هناك يعملون وفقا لتحقيق مصالح بلدانهم بغض
النظر عن الاخلاقيات السياسية، فالسياسي يفكر بالنتائج قبل النوايا.
انظمتنا العربية لا يحق لها الحديث عن تلك الازدواجية والكيل
بمكيالين، فهي انظمة لم تصل الى الحكم نتيجة اصوات مواطنيها بل وصلت عن
طريق الانقلابات العسكرية وعن طريق الوراثة والاستبداد والقمع والتنكيل
بحق مواطنيها وهي لا تعمل لمصلحة الوطن او المواطن بل لمصلحة انفسها
والمستفيدين منها.
منذ الخمسينات وبداية استقلال الدول العربية عن الاستعمارين
الانكليزي والفرنسي اصبح شاغل الانظمة العربية هو الحديث عن العدو
الصهيوني، لا مشاريع تنمية حقيقية فنحن في حالة حرب او حالة طوارىء، لا
فرص عمل للنمو السكاني المتزايد فأموال التنمية تذهب الى المجهودات
الحربية وتقوية الدفاعات العسكرية بوجه العدو الصهيوني.
مللنا من تلك الاسطوانة المشروخة على مدار نصف قرن فلا استطاعت تلك
الانظمة بناء بلدانها وترسيخ الديمقراطية ومبدا تداول السلطة فيها ولا
استطاعت ان تحرر شبرا من اراضيها التي يحتلها هذا العدو بل على العكس
تفاقمت خسائرنا وهزائمنا بوجه هذا العدو.
الحديث هذه الايام عن عدو جديد هو العدو الايراني الذي تداعبه
طموحات التمدد الى المحميات الخليجية كما تصوره وسائل الاعلام العربية.
ثورات تونس ومصر تريد ايران استغلالها لإقامة جمهوريات الولي الفقيه،
وهو مصطلح لا يقصد منه الجانب السياسي في الخطاب الاعلامي، بل يقصد منه
الاصل العقائدي للمصطلح وهو الشيعة هنا تحديدا.
كل حديث عن الشيعة يقترن بظهور صورة ايران، تشكيل الحكومة في العراق
اقترن بها، الموقف السوري من لبنان يقترن بها، مواقف حزب الله اللبناني
تقترن بها، الجماعات الشيعية المسلحة والمعتدلة والمتطرفة تقترن بها،
اي ان كل ما هو شيعي على وجه الارض، افراد ومؤسسات وطقوس وشعائر وازياء
وكتابات ووو، تقترن بإيران.
الجميع يتحدث عن تدخل ايراني في العراق، ويكون الوصف تدخلا تخريبيا،
ولم نسمع عن تدخل سعودي او كويتي او اماراتي او قطري او تركي او اردني
او مصري، واذا حدث فهو لمصلحة العراق والوقوف الى جانب الاشقاء
العراقيين، فيكون تصدير الموت الوهابي اليهم عبر المفخخات هو وقوف الى
جانبهم، وفتاوى الوهابية القذرة باستباحة دماء الشيعة في الاسواق
والمساجد والمدارس هو تخليصهم من الاحتلال، وجميع تلك الشعارات التي ما
عادت تنطلي على احد.
منذ الحرب العراقية الايرانية والاختلاف المذهبي تسيّد الساحة
العربية والاسلامية، وجاءت الحرب الاخيرة في العام 2003 وصعود الشيعة
في العراق الى ترسيخ هذه الثنائية في التعاطي السياسي مع العراقيين،
وخصوصا التعاطي الخليجي وعلى راسها السعودية بإمكاناتها الاقتصادية
والسياسية لتكون داعما لطرف على حساب اخر ونقل صراعها مع ايران الى
العراق.
رسخ صدام حسين طيلة سنوات حربه مع ايران من صورة العدو الجديد الذي
تم اختراعه ليكون بديلا عن عدو لا يمكن التغلب عليه لأسباب موضوعية
واخرى سياسية.
هذا العدو الجديد يختلف مذهبيا ضمن اطار الدين الواحد، ويمكن
استدعاء التاريخ والثقافة والعقائد في صراعه معه، انكفأ هذا الصراع بعد
نهاية الحرب الى الداخل وهذه المرة نحو الشيعة لانهم يمثلون امتدادا
لهذا العدو الخارجي حسب التصور البعثي العروبي والقومجي، وكان ما كان
من عمليات البطش والتنكيل بالشيعة في انتفاضتهم عام 1991 وكان قد سبقها
تهجير الالاف منهم ومصادرة املاكهم بدواعي التبعية الايرانية، وهي
تبعية فرضتها ظروف الصراع الايراني العثماني والتهرب من عمليات التجنيد
في صفوف الجيوش العثمانية.
في تجربتين انتخابيين رمت السعودية ودول الخليج من خلفها بكل ثقلها
خلف القائمة العراقية وفي التجربتين تخسر رهانها السياسي وان كانت هذه
المرة الخسارة اقل من المرة الاولى.
التدخل السعودي في البحرين يأتي ايضا ضمن هذا السياق اي ثنائية
الشيعة والسنة في السياسة العربية، فليس بإمكان العرب ان يفقدوا بلدا
اخر من مجموعتهم المذهبية لصالح اكثرية فيه تتهم بان ولاءها لإيران
لمجرد انهم شيعة.
جرح واحد
وكل هذه السكاكين لي
طلعت من تاريخ الجثث
من يحصي جثثا ليس لها عد؟
جرح واحد وكل هذه السكاكين لي
ولي أن أفضح الموت وأستعصي.*
في تبريره لما فعله يزيد بالحسين واهل بيته افتى ابن تيمية بان
الحسين قتل بسيف جده لأنه خرج على امام زمانه يزيد بن معاوية مستدلا
بقوله تعالى (واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)، كلنا
نعرف من هو الحسين، وكلنا نعرف من هو يزيد، من يطيع من، ومن يتأمّر على
من؟
كان جده محمد (ص) خاتم الرسل وجد ذاك ابو سفيان، وشتان بين الاثنين،
الاول يمنح صكوك الامان (من دخل دار ابو سفيان فهو امن) والثاني متمرس
بالدسائس والغدر والقتل، وشتان ما بين الاثنين.
قدوتان هما، ايهما تختار علي ام معاوية؟ الحسين ام يزيد؟
اختارت السياسة العربية معاوية، كان لا يقطع شعرته، ورفضت عليا (لا
ابيع ديني بدنياي)، ايهما اهدى في موازين العقل؟ تلك هي المسؤولية
الاخلاقية للاختيار الانساني.
احمل مطرقة الوالد
حطم أسوار التاريخ الفاسد
ما دمت جريحا في الشارع
ما دامت أقلامك صامدة
ترفض أن تمشي في درب
تأخذها للخطو الراجع
مادام حديدك محميا
اضرب بالمطرقة الكبرى
واصنع من قيدك سكينا
واغرسها- يا طفلي الآتي-
في عين الخائف من شمسك
نأتي لكم كلامنا محمل بالشوق والفزع
محمل برعشة العصفور
بانتفاضة القلوب
نأتي لكم جراحنا تلوب
ورأسنا يشكو من الوجع
يا أيها الباكون في نوافذ البيوت
بكاؤنا أغنية حزينة الإيقاع
باردة، ساخنة الإيقاع
بكاؤنا يغرق في بكائكم
ويرفض ا لوداع...
للشاعر البحريني قاسم حداد. |