السعودية... ملك في مراحلة الاخيرة ونظام يكابر على التغيير

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: الاكبر مساحة، والاغنى موارد، والاكثر تطوراً بين دول الخليج العربي، تلك هي السعودية التي تعاني اليوم اشد المعاناة بمرض اميرها المسن وتزايد الدعوات بتغيير النظام والمطالبة بالاصلاحات.

ان الكثير من الخبراء والمتابعين لسير الاحداث في المنطقة العربية استبعدوا في الوقت الحاضر ان يكون التغيير حتمياً في الوقت القريب بسبب الظروف الخاصة التي تميز النظام الحاكم في السعودية، لكن وان لم تحدث الاحتجاجات والتظاهرات التغيير المباشر في المملكة فأن النظام فيها يعيش اضطرابات وانقسامات داخل العائلة المالكة حول من سيخلف الامير الذي يعاني من مرض الزهايمر فضلاً عن اجرائه لعدة عمليات جراحية لعموده الفقري مؤخراً.

ان وفاة الملك ستكون مفتاح مفتاح التغيير في المملكة فمن غير المستبعد اذا نشبت الخلافات السلطوية بين المتنازعين عليها ان يستغلها المطالبون بالتغيير لصالح مطالبهم وتلحق السعودية بشقيقاتها لتكون الاولى بين دول الخليج العربي، وتبقى ارادة التغيير بيد ابناءالشعب السعودي.

السعودية والثورة

فقد رجحت خبراء أن يستمر نظام الحكم في المملكة السعودية لعدة عقود، مشيرة إلى أن المملكة ليست "ناضجة" الآن للثورة وأنها مازالت بعيدة عن المرحلة التي يمكن خلالها اندلاع ثورة سعودية على غرار الثورة المصرية والتونسية، إن الأشهر القليلة الماضية شهدت اضطرابات لم يسبق لها مثيل في الشرق الأوسط مما اضطر قادة تونس ومصر التنحي بسبب الانتفاضات الشعبية فيما تتوجه ليبيا إلى حرب أهلية وتنتشر الاضطرابات في البحرين واليمن والعراق وإيران والأردن والجزائر و سلطنة عمان، وغيرها من البلدان في المنطقة، وأوضح أن المركز الجغرافي وسط هذه الفوضى هو المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أنها في منأى عن الاضطرابات.

ولفتت المجلة إلى بعض المحللين الذين يقولون إن المملكة استطاعت مؤقتا إرضاء السخط الشعبي الكامن إلا أنه في نهاية المطاف سيقع الدومينو ويتغير النظام، واعتبرت أن هؤلاء المحللون، مخطئون على الأرجح لأنهم يسيئون فهم أساس القوة الفريدة لنظام الحكم في السعودية والنظام الحالي للحكم، ووصفت المملكة بالاستثناء داخل الشرق الأوسط الذي يموج بالمظاهرات والاحتجاجات، مشيرة إلى أن المملكة السعودية تمتلك خصائص مميزة تؤكد أنها ليست ناضجة للثورة وليست قريبة حتى الآن.

وقالت إنه خلافا للعديد من الحكومات الإقليمية التي تواجه حاليا الاضطرابات، المملكة لديها سجل قوي من المسئولية المالية، وتستغل عائدات صادرات الطاقة وأكثر من 500 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية (ثالث أكبر اقتصاد في العالم) التي تراكمت خلال حكم الملك عبدالله لتمويل المشاريع التنموية التي تعود بالنفع على سكان المملكة المتزايد، وتابعت "الحكومة السعودية أنفقت عشرات المليارات من الدولارات في السنوات القليلة الماضية وحدها لبناء الجامعات والمدارس والمستشفيات والسكك الحديدية، والملك عبدالله أعلن مؤخرا عن حزمة تحسين المالية، تشمل 29.5 مليار دولار في النفقات الإضافية التي ستعود بالنفع على الفقراء، ومساعدة العاطلين عن العمل، وتوفير مساعدات في مجال السكن، ودعم الصندوق العقاري وبنك التسليف".

وأكدت الخبراء في الوقت نفسه أن المملكة ليست بمنأى عن المشاكل الاقتصادية، مشيرة إلى أن المملكة مازالت تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد في مكافحة الفقر والبطالة بين الشباب، فضلا عن الاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة، كما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية حوالي 18500 دولار إلا أن عددا من المواطنين مازالوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع. وأن هناك اعترافا واسع النطاق بأن مستوى المعيشة لا يتناسب مع بلد غنية بالموارد مثل السعودية.

وقالت إنه رغم وجود بعض أوجه التشابه الثقافي بين المملكة العربية السعودية وبعض الدول التي تعاني حاليا اضطرابا إلا أن الاختلاف أكثر أهمية أولا لأن المملكة لها دور فريد في الإسلام والعالم العربي، فهي ليست فقط مسقط رأس النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ولكنها أيضا أكبر مزود للتبرعات الخيرية في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى أن مسئولية المملكة عن الحرمين الشريفين يعطيها شرعية هائلة، سواء في الداخل أوالخارج.

ولفتت المحللون إلى دعوات الاصلاح والتظاهرات التي شهدتها الممكلة والدعوات التي انطلقت الجمعة الماضية 4 مارس في مسجد الرياض، والاحتجاجات التي نظمت على موقع " فيس بوك" واحتجاجات الشيعة في القطيف والاحساء، إن نظام الحكم في السعودية من المحتمل جدا أن يستمر لعدة عقود بوصفها حصنا للاستقرار والأمن في المنطقة خاصة مع كونها تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم.

برقيات مسربة

في سياق متصل اظهر برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة أن وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبد العزيز المرشح المرجح لمنصب ملكي رفيع قد يكون في منصبه محافظا بدرجة أقل من التي تشير اليها الصورة العامة، وتحمل البرقيات التي حصلت ويكيليكس على نسخة منها تعليقات عن القواعد والمرشحين لخلافة الملك عبد الله (87 عاما) بافتراض أن ولي العهد الحالي الاصغر قليلا والذي يعاني ايضا من مشاكل صحية لن يظل ملكا لفترة طويلة اذا تولى العرش، والبرقيات مؤرخة في فترة سابقة لمرض الملك الذي أعلن عنه في الاونة الاخيرة.

وتظهر برقية مؤرخة في اكتوبر تشرين الاول 2009 أن الامير نايف وعمره نحو 76 عاما هو "حاليا المرشح الابرز ليكون ولي العهد المنتظر"، وينظر اليه على نطاق واسع على أنه اكثر ميلا للمحافظة اجتماعيا ودينيا من الملك الذي شملت جهوده للاصلاح التعليم والقضاء واقامة دولة حديثة من خلال محاولة تخفيف سيطرة رجال الدين على المجتمع غير ان اعتلال صحته أضعف الزخم لهذه الاصلاحات. بحسب رويترز.

وفي برقية اخرى بشأن ترقية الامير نايف لمنصب النائب الثاني لرئيس الوزراء الى ان نايف "يقال عنه كثيرا انه مؤمن بشدة بالقومية العربية ويتشكك في العلاقات مع الولايات المتحدة" وتقول ايضا ان الحكومة الامريكية "تمتع بعلاقة مؤسسية ممتازة واخذة في الاتساع مع وزارة الداخلية" ما كان يمكن أن تقيمها لولا "الدعم الكامل" من قبل نايف، وتعيين الامير نايف كنائب ثان لرئيس الوزراء مقدمة تقليدية لاحتمال أن يصبح وليا للعهد وقد تم تصوير هذه الخطوة للدبلوماسيين الامريكيين في ذلك الحين على أنها خطوة ادارية بحتة لضمان الاستمرارية في حالة سفر الملك عبد الله خارج البلاد لكن البرقية تستشهد بقول شخص على صلة بالسفارة الامريكية "كانت هناك صفقة مئة بالمئة".

وأثار الامير نايف الدهشة في الخارج بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة حين نفى أن الخاطفين كان منهم سعوديون مشيرا الى أن يهودا يقفون وراء الهجمات وعلق التعاون مع اجهزة الامن الغربية، وساند هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يجوب أعضاؤها الشوارع ليضمنوا عدم الاختلاط بين الرجال والنساء الذين ليست بينهم صلة قرابة واغلاق المتاجر في مواعيد الصلاة. بحسب رويترز.

وتقول البرقية انه كان لغزا دوما لكن "تصرفاته لا تؤيد نظرية أنه رجعي او يعمل ضد الملك"، وتضيف البرقية "في حين ينظر الى نايف على نطاق واسع على أنه محافظ فان هذا ليس مستغربا على وزير مهمته الاساسية الحفاظ على القانون والنظام"، وقالت "معظم المراقبين كانوا يعتبرون ولي العهد انذاك الامير عبد الله اكثر ميلا للمحافظة والرجعية مما تبين فيما بعد حين أصبح ملكا"، وتشير البرقية الى أن من المرجح أن يتضح أن الامير نايف "براجماتي يتجنب الايديولوجية وساند جهود الملك لمكافحة الارهاب والايديولوجيات المتشددة"، ومنذ أصبح نائبا ثانيا لرئيس الوزراء وسع الامير نايف قاعدة نفوذه لتتجاوز قطاع الامن وتشمل مجالات أخرى مثل التضخم او السياسة الخارجية.

وترصد مجموعة من البرقيات على مدى سنوات التوترات والتنافس على السلطة بين الامراء السعوديين. وتفصل برقية مؤرخة في فبراير شباط 2007 كيف تحول الامير سلطان ولي العهد من علاقة عدائية فيما يبدو مع الملك الى مناصر له وأفاد تقرير بأنه أبلغ اخوته بأن تحدي الملك "خط أحمر لن يتجاوزه" وقالت ان "ال سعود حزب سياسي بالاضافة الى كونها عائلة. وكما هو حال اي حزب سياسي هناك دائما خصومات داخلية وخلافات سياسية"، وخصلت البرقية الى أن "الصراع داخل العائلة كان وسيظل اكبر تهديد محتمل لاستقرار النظام في السعودية"، وتركز برقيات مؤرخة بتواريخ احدث وبشكل مطرد على قواعد الخلافة في المملكة العربية السعودية والتي تغيرت عام 2006 حين أنشئت هيئة البيعة التي تألفت من اكثر من 30 ابن وحفيد للملك عبد العزيز الذي أسس المملكة عام 1932 .

وفيما مضى كانت الخلافة تجري على أساس الاكبر سن، لكن المجلس يستطيع أن يرفض اختيار الملك لولي العهد ويقترح مرشحا غيره، وتقدم البرقيات النظام الجديد على أنه اطار عمل مرحب به لتضييق الهوة بين الاجيال، وتقول برقية مؤرخة في اكتوبر تشرين الاول 2009 "على الرغم من أن هيئة البيعة التي أنشئت عام 2006 يستشهد بها دوما كجزء من الاصلاحات التي قام بها الملك عبد الله فانها تضع قالبا للممارسات التقليدية للاسرة في اختيار خليفة مع العديد من التعديلات للتعامل مع مشاكل مثل عجز الملك او ولي العهد"، وتضيف البرقية أن هناك بين أصغر ابناء الملك والجيل التالي "هوة من عدم اليقين تهدف هيئة البيعة الى تضييقها"، وتقول "من المرجح أن تتمخض هذه الالية عن خلفاء لسلطان ونايف وما بعدهما."

احتمال الاضطرابات

على صعيد اخر وعلى الرغم من قلقهم من أن يمتد الحماس الثوري الى مناطق أخرى بالشرق الاوسط فان مسؤولي المخابرات والامن القومي الامريكيين يعتقدون أن السعودية أقل عرضة لخطر الاضطرابات من جيرانه، وتوفر السعودية 12 في المئة من احتياجات الولايات المتحدة من النفط الخام وهي موطن أقدس المواقع الاسلامية كما أنها حائط الصد في مواجهة النفوذ الايراني في الخليج ومن شأن اي اضطرابات بها أن تترك اثارا فورية ومدمرة على المصالح الامريكية.

ال ذلك يشير تحليل لمؤسسة ريموند جيمس وشركاه للاستشارات المالية الى أن وقف انتاج السعودية من النفط بالكامل قد يرفع الاسعار الى 200 دولار للبرميل على الاقل ويسبب نقصا هائل، لكن التحليل أشار الى أن احتمال حدوث هذا خمسة في المئة، والاحتجاجات بالمملكة حتى الان صغيرة نسبيا وتقتصر الى حد كبير على المنطقة الشرقية ويقوم بها شيعة سعوديون ممن يشعرون منذ فترة طويلة بأنهم مهمشون في بلد يهيمن عليه التيار الوهابي المتشدد، وقال شهود ان الشرطة السعودية فرقت احتجاجا صغيرا للشيعة بالمنطقة الشرقية المنتجة للنفط  وان ثلاثة أصيبوا مع سماع دوي أعيرة نارية. بحسب رويترز.

وقد تواجه السعودية اختبارا اخر لمدى قابليتها لحدوث اضطرابات من خلال الاستجابة لدعوة على موقع فيسبوك الى "ثورة حنين"، وأيد اكثر من 30 الف شخص الدعوة لكن لم يتضح بعد عدد من سيقدمون على تحدي السلطات التي قالت ان قوات الامن السعودية ستمنع أي محاولة للاخلال بالنظام العام وأكدت أن القوانين السعودية تحظر كل أشكال التظاهر والمسيرات والاعتصامات، ويتفق مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون على أن احتمال حدوث اضطرابات كبيرة في المملكة التي تحوي اكبر احتياطيات للنفط الخام في العالم ضئيل، وقال مسؤول أمريكي ان واشنطن تراقب الاحتجاجات عن كثب لكن الخبراء الحكوميين الامريكيين لا يعتقدون أن الاضطرابات الحالية تمثل تهديدا كبيرا لاستقرار السعودية.

وقال المسؤول الذي طلب منه تقييم الاحتجاجات "لا أحد في هذه المرحلة يعتقد أن النظام السعودي سيسقط في وقت قريب"، وأضاف "مقارنة بأشياء نجا منها النظام في الماضي فاننا لم نقترب من هذا بعد"، وقال مسؤول أمريكي اخر انه "لا توجد مؤشرات" على انتشار اضطراب وشيك بالمملكة على نطاق واسع مشيرا الى أن الحكومة لديها موارد اكثر من اي دولة أخرى تواجه اضطرابات كما تتمتع بسيطرة محكمة على كل أراضيها تقريبا بما في ذلك المناطق التي يغلب على سكانها الشيعة، وأضاف المسؤول أن السعودية تستخدم المال مع مواطنيها حتى يرضوا بالوضع القائم فلا تفرض ضرائب ولديها نظام كبير للرعاية الاجتماعية.

ويقول مشككون ان رياح التغيير التي هبت على العالم العربي قد تصل الى المملكة في نهاية المطاف غير أن المسؤولين الامريكيين يقولون انه ليس هناك مؤشرات على هذا في الوقت الحالي، وقال مسؤول أمريكي ثالث "المملكة تواجه بعضا من نفس المشاكل الاجتماعية التي يواجهها معظم الشرق الاوسط ومنها تزايد أعداد الشباب والبطالة لكن ثروة البلاد توفر مصدا لا بأس به للشعب"، ورغم أن بالسعودية ملكية مطلقة وأجهزة أمنية لا تعرف الهوادة وصف خبراء حكم ال سعود بأنه نظام سياسي موثوق به ومتأصل اكثر من النظامين اللذين كانا في مصر وتونس، ولا تنفصل شرعية الاسرة الحاكمة عن المؤسسة الدينية التي تدعمها ولهذا فان النتيجة مجتمع اكثر استقرارا من جيرانه، ويقول تشاس فريمان السفير الامريكي السابق لدى السعودية والدبلوماسي المتقاعد "المملكة لديها تقاليد سياسية محلية مستقرة نوعا ما وانها متفردة"، واستطرد قائلا "هذا يعطي للمكان درجة من الاصالة والصمود والمناعة ضد بعض العلل التي تؤثر على بقية العالم العربي."

وهناك عوامل تزيد من تعقيد تقييم المخاطر من بينها الشكوك المحيطة بصحة الملك عبد الله وولي عهده الامير سلطان وعملية الخلافة من بعدهما التي يشوبها نوع من الغموض والتي ستحددها هيئة البيعة التي أنشأها الملك، وقال بروس ريدل خبير شؤون الشرق الاوسط السابق بوكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) ان على الرغم من أن النظرية التقليدية هي أن السعودية غير معرضة للاضطرابات فان المملكة نفسها تبدو الان قلقة، وعلى أثر الاضطرابات التي شهدتها المنطقة كشف الملك عبد الله عن برامج حكومية جديدة للرعاية الاجتماعية بتكلفة 37 مليار دولار منذ عودته الى السعودية في 23 فبراير شباط بعد قضائه ثلاثة اشهر في الخارج للعلاج.

وقال ريدل "بالنسبة لي هذا يعني أن الاسرة السعودية الحاكمة قلقة اذا أصبحت احدى الممالك الخليجية دستورية فأين سيتوقف الامر"، وقال توبي جونز استاذ التاريخ بجامعة راتجرز انه لا توجد وسيلة للتكهن بما اذا كان من المرجح حدوث اضطرابات كبيرة لكنه أضاف "اذا سألت نفسي هل هناك في رأيي احتمال ولو ضئيل بأن يحدث هذا سيكون الرد نعم بالقطع"، وقال جونز "هناك درجة لا يستهان بها من خيبة الامل في السعودية منذ فترة طويلة"، وأضاف "السعوديون غاضبون مما يعتبرونه فسادا في ظل اسراف الاسرة الحاكمة، وبالتالي هناك أسباب قوية لغضب الناس تجعل من الوارد جدا تعبئتهم"، واستطرد قائلا "انها لا تختلف بهذا الصدد عن اي مكان اخر في العالم العربي."

ويقول خبراء أمريكيون ان المنطقة الاكثر عرضة للاضطراب السياسي في السعودية هي المنطقة الشرقية الغنية بالنفط حيث يعيش معظم المنتمين للاقلية الشيعية، ونظم الشيعة الذين شعروا بأنهم مهمشون في المجتمع المحافظ الذي يهيمن عليه السنة احتجاجات صغيرة بالمنطقة الشرقية وطالبوا بالافراج عن سجناء يعتقدون أنهم محتجزون دون محاكمة، ومنذ مولد الدولة السعودية الحديثة لم تتأثر الاسرة الحاكمة بأي تحديات واجهته، ومن بين هذه التحديات اغتيال الملك فيصل على يد ابن أخيه عام 1975 وحادث احتلال الحرم المكي والهجمات التي شنها تنظيم القاعدة على العاصمة الرياض وجدة وعلى منشات نفطية في عامي 2003 و2004، ويقول جون الترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان الاسرة الحاكمة لها تاريخ من القدرة على التعافي بعد الانتكاسات، وأضاف الترمان العضو السابق بفريق تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الامريكية "من الصعب جدا المراهنة على عدم استقرار السعودية، الحقيقة أنهم واجهوا تحديا خطيرا بعد عام 2003 وأعادوا تنظيم أنفسهم وهم أقوى بسببه."

وقال روبرت جوردان الذي كان سفير الولايات المتحدة لدى المملكة عامي 2001 و2002 "قيل أكثر من مرة على مدى الاعوام الثلاثين الماضية ان أسرة ال سعود في خطر وتكهن البعض بنهايتها. وفي كل مرة يثبت خطأ هذه التكهنات"، واستطرد قائلا "انهم بارعون للغاية في القدرة على البقاء."

ملك بمراحله الأخيرة

من جهتها كشفت الصحف الأميركية النقاب عن احتدام الصراع حاليا داخل الأسرة الحاكمة في السعودية حول اختيار ولي العهد القادم بعد الأمير سلطان الذي يعاني من (الزهايمر)، خاصة في ظل الحالة الصحية المتردية للملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي تشير المجلة إلى أنه في مراحله الأخيرة، ونشرت تحليلا عن تطورات الأوضاع داخل السعودية للكاتب الأميركي سيمون هندرسون يقول فيه " مات الملك عاش الملك، هو هتاف من المؤكد سماعه بصيغته العربية بعد وقت ليس بالطويل في السعودية، وفي آخر فصل من ملحمة بيت آل سعود، عاد الملك المسن والمريض عبد الله إلى المملكة يوم 23 فبراير الماضي بعد غياب استمر ثلاثة أشهر، أجرى خلالهما عمليتين جراحيتين في الظهر في نيويورك، وشهر من النقاهة في قصره بالمغرب"، ويضيف الكاتب " عودة الملك السعودي لم تكن عودة ظافرة تماما فعند وصوله إلى المغرب، أنزل الملك إلى أرض المطار من طائرته في عربة رافعة خاصة بالمُقعدين طورت وفقاً لتصميم شاحنة تموين واستخدمت وسيلة غريبة مماثلة لدى عودته إلى قصره في الرياض".

ويشير الكاتب إلى أن الملك عبدالله في مراحله الأخيرة، والقصة الحقيقية لعودة الملك، تتمثل على أي حال في الهدايا التي أغدقها على شعبه، فقد استغل الملك فرصة عودته للإعلان عن منح مالية للشعب السعودي بلغت مبلغا مذهلا هو 36 مليار دولار تشمل وفقا لصحيفة "فايننشال تايمز"، علاوة بنسبة 15% لموظفي القطاع العام، وإعفاءات للمدنيين المحكومين، ومساعدات مالية للطلاب والعاطلين عن العمل، كل ذلك يضاف إلى الإنفاق المقرر في الموازنة السعودية والبالغ 400 مليار دولار حتى نهاية العام 2014 لتحسين الظروف التعليمية والبنية التحتية والرعاية الصحية، ويبدو ان سخاء الملك عبد الله بصورة أوضح جاء ضمانا لعدم إصابة المملكة بعدوى داء الثورية المنتشر من تونس ومصر عبر العالم العربي لكن محللين جادين للشأن السعودي يعتقدون أن السياسة في المملكة يمكن أن تتطور بشكل دراماتيكي كما حدث في شمال أفريقي، ولن تؤدي رسالة أو اثنتان على موقع "تويتر" من امرأة سعودية شابة تعلمت في الخارج حول نقص حقوقها إلى انبثاق ربيع الرياض، ومن غير المحتمل أن يحدث ذلك نتيجة لحملة على "الفيس بوك"تطالب بيوم من الاحتجاجات، أو أن عريضة على الإنترنت موقعة من جانب أكثر من 100 أكاديمي وناشط تطالب بملكية دستورية ستكتسب نوعا من الزخم، فالمملكة في تقدير الكثيرين، مكان محافظ بشكل غير اعتيادي، حيث الناس يعرفون مكانهم وينفذون ما يطلبه منهم آباؤهم، وإذا كانت هناك هواية وطنية فإنها إما قيادة السيارات بصورة خطرة وإما الاستسلام للكسل، ولكن يبدو أن حتى المملكة السعودية لن تنجو من تيارات الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي، وربما تكون العائلة السعودية المالكة، من خلال سوء إدارتها للبنية التحتية العامة في المملكة، قد جلبت ذلك على نفسه، فقد كان الشتاء الحالي من أكثر المواسم مطرا وتسبب في سيول قاتلة في مدينة جدة الساحلية، وخلال ليلة عاصفة واحدة هطلت خلال ساعات قليلة أمطار يمكن أن تهطل في ثلاثة أشهر. ومات على الأقل 10 أشخاص، وما زال الكثيرون مفقودين.

إن نظام الصرف الصحي غير موجود أساساً في جدة، وغير كاف في أحسن الأحوال، وتتدفق مياه الصرف في العديد من المنازل، من الحمامات إلى خزانات تحت الأرض يتم نضحها كل بضعة أيام بأساطيل من صهاريج النضح، واعتادت الصهاريج أن تتجه نحو التلال الواقعة شرقي المدينة وتفرغ حمولاتها فيما تدعى بشكل خادع، "بحيرة المِسك"، واستمر ذلك حتى عام 2009، عندما أثارت الأمطار الغزيرة القلق من احتمال انهيار السد الواقع عند الحافة الغربية للبحيرة، ما أثار المخاوف من أن موجة من المخلفات البشرية سوف تكتسح أسفل التلال لعدة أميال لتصل إلى المدينة الواقعة تحتها، فيكون ذلك مضرب الأمثال، ومنذ عام 2009، تم تجفيف "بحيرة المسك" بصورة جزئية، وأقيمت محطات لمعالجة المياه العادمة في مناطق يؤمل أنها بعيدة على مسافة آمنة داخل الصحراء، ومع ذلك، ثارت مخاوف هذا الشتاء من أنه حتى "بحيرة المسك" التي غُيرت بنيتها وحُسِّنت سوف تشكل مجدداً تهديداً على المدينة بسبب المخلفات البشرية، ما أدى إلى قيام مواطني جدة باحتجاجات صاخبة. وقد قام الأمير خالد الفيصل، حاكم المنطقة الذي يعتبر مرشحاً جيداً لتولي العرش في وقت ما في المستقبل، بزيارة المناطق التي اجتاحتها الفيضانات وتعاطف مع المتضررين، كما أن وزير الداخلية الأمير نايف استقل مروحية في رحلة طافت فوق المناطق التي غمرتها الفيضانات، محدقاً من خلال النوافذ نحو الدمار في الأسفل، بصورة مشابهة للطريقة التي اتبعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في أعقاب إعصار كاترينا، الذي ضرب مدينة نيو أورليانز بولاية لويزيانا عام 2005، وباعتبار السعودية أكبر مُصدّر للنفط في العالم، تحصل المملكة على مبالغ ضخمة، ولكن بسبب عدد سكانها الكبير نسبياً فإن حصة الفرد من "الناتج المحلي الإجمالي" هو أقل بكثير من مثيله في الدول المجاورة مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. بل وحتى هذه الثروة يساء توزيعها، وما يزال هناك الكثيرون في جدة الذي يواجهون مصاعب حقيقية.

ويجري خلال الأشهر القليلة الماضية عرض مسرحية غريبة من على شاشات التلفزيون، مصورة جيداً في مبنى مجلس الوزراء، تتمثل بقيام ولي العهد الأمير سلطان، الخليفة المعيّن للملك عبد الله، بترؤوس اجتماعات مجلس الوزراء، بالإضافة إلى استقباله الزوار الأجانب والوجهاء السعوديين، ومع ذلك، يُقال إن سلطان يعاني من مرض فقد الذاكرة، وتتناقل الروايات أنه ليس باستطاعته حتى تمييز وزراء الحكومة الذين يعرفهم منذ سنوات، وكانت برقية نشرها موقع "ويكيليكس" قد وصفت سلطان بأنه "عاجز من جميع النواحي العملية".

ويبدو أن أن إبقاء سلطان في المشهد العام هو خداع محكم نفذه أخوته الأشقاء الأصغر منه سناً أو أبناؤه كجزء من مؤامرة داخل القصر لضمان أن يصبح سلطان ملكاً بعد وفاة عبد الله، ومن شأن ذلك أن يسمح له باختيار ولي العهد المقبل، الذي هو إما أحد أخوته الأشقاء أو أحد أبنائه. وبعد أن عمل سلطان وأقرباؤه المقربون لعقود من الزمن على تقويض مكانة الملك عبد الله، حاول العاهل السعودي إفشال هذه المناورة من خلال تشكيله ما يُسمى بـ "مجلس البيعة" المكون من أكثر من 30 من إخوته غير الأشقاء أو كبار أبنائهم، لاختيار ولي العهد المستقبلي، إن هذا لن يمنع سلطان من أن يصبح ملكاً، لكنه سيوسع مجال اختيار ولي العهد خارج دائرة أقرب المقربين إلى سلطان.

ومع ذلك، يمكن أن يقوم سلطان ببساطة بإبطال "مجلس البيعة" حالما يصبح ملكاً أو أن يحدث ذلك من قبل أولئك الذين يديرونه، ولذا فإن وسيلة التعطيل الأخرى لدى عبد الله هي ببساطة أن لا يموت في أي وقت قريب، وإذا لقي سلطان ربه قبل وفاة الملك عبد الله ستختفي المشكلة الرئيسية على الرغم من أنه ستُخلق مشكلة جديدة، حيث سيظل لِزاماً على عبد الله و"مجلس البيعة" الأوسع أن يتفوقا في المناورة على الأخوة الأشقاء للأمير سلطان الذين هم على قيد الحياة، والذين سيستمرون في تشكيل أكبر كتلة تصويتية موحدة في تلك المؤسسة، هذه على الأقل هي لعبة الشطرنج التي يتم لعبها حالياً داخل أسرة آل سعود حول مسألة وراثة الحكم وأما إذا كان الشعب السعودي سيقبل بذلك بهدوء نظراً لرياح التغيير التي تهب حالياً على بقية العالم العربي فهذه مسألة أخرى مختلفة كلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/آذار/2011 - 11/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م