شبكة النبأ: الكثير هنا في كربلاء
ينظر الى تجربة الشاعر باسم الحمداني بخصوصية مستمدة من تأريخه الشخصي
وانتسابه الى حركة الريادة الادبية في كربلاء مع مجموعة من ادباء
كربلاء ومنهم الشعراء شاكر البدري وعدنان الغزالي ومحمد علي الخفاجي
وغيرهم، فقد قدم شعره في ثلاث مجاميع شعرية ثم بدا التعامل مع خيال
الطفل وروحه من خلال مجموعة من الكتابات المتميزة في هذا المجال ومنها
قصائد شعرية للاطفال ومجموعة اوبريتات قّدمّت على خشبة المسرح
الكربلائي على قاعة النشاط المدرسي والبيت الثقافي وفي الاسابيع
المسرحية التي كانت تقام في محافظات العراق الاخرى.
وقد التقت (شبكة النبأ المعلوماتية) الشاعر باسم الحمداني لكي نلقي
الضوء على تجربته الابداعية وبدأنا معه بالسؤال التالي:
* كيف ينظر الشاعر باسم يوسف
الحمداني الى المشهد الشعري الراهن؟
- المشهد الشعري الراهن يحاول الاقتراب من فهم ماساة الحياة وجانبها
الغامض حقا كما انه يدرك جانبا اخر كبيرا يمكن فهمه ويمكن تغييره لذلك
نرى ان البعض من الشعراء وضع يده على الاسباب المفهومة والتي يمكن
مقاومتها وتغيرها بسبب تنوع ثقافتهم التي لم تقتصر على الجانب الادبي
والفلسفي بل امتدت الى الجانب الاجتماعي والسياسي لان الانسان لا يمكن
ان يكون سعيدا في مجتمع تعيش الاغلبية من افراده في تعاسة وشقاء لانه
ليس مجرد كائن منعزل عما حوله بل هوكائن مرتبط بالجماعة التي يعيش فيها
وبظروفها المختلفة فالواجب يحتم على الشعراء التاكيد على دور الارادة
الانسانية واعتبارها اداة اساسية لمواجهة الحياة وتغيير الواقع مما
يقود بالتالي الى سعة انتشارهم واتساع الافاق امامهم.
* هل كانت لكربلاء حصة في رؤيتكم
الشعرية عبر مجاميعكم وقصائدكم الراسخة في الذاكرة؟
- كربلاء مدينة الجراح الخضراء ومظلتنا في الهجير وحاضنتا في اليوم
المطير بفضل كتاتيبها تعلمت ووقفت على قدم المعرفة وباصالة طقوسها
وحرارة رؤاها ادركت انها عنوان المجد والبطولة المضخمة بعبير الشهادة
التي جسدها الامام الحسين (ع) اذن هي صرخة الاحتجاج المعلن بوجه
الظالمين لذلك اكتحلت عيون قصائدي بفيض معانيها الكريمة امثال (ابا
الشهداء - الفرات الدامي – الاكف الضارعات – الوداع الاخير- طلب
المغفرة... وغيرها)، وتبقى كربلاء هي القادم المنتظر والقلب الذي لا
يتاجر به لانه لا يباع ولا يشترى انها التصور النبيل للوجود والشمس
الدافئة في ليلة مثلجة وهمس الامطار في القلوب الحرى وانا اصدق المطر.
* كيف ينظر الحمداني الى شعر الشباب
في كربلاء والعراق عموما؟
- يا سيدي.. المهم هوان نجعل الشعر مصداقا للحياة التي نعيشها
وتعبيرا عن المعاناة التي نحياها وبغض النظر عن معاصرتي لمدارس ومذاهب
شعرية مختلفى ارى بان الشعراء الذين يعتصمون بامجاد اسلافهم ويؤسسون
ادعاءاتهم على هذه الامجاد الماضية فحسب دون ان يؤدوا هم شيئا لمجدهم
فان هؤلاء لا يعتمدون في وجودهم على انفسهم لذلك فانهم سرعان ما يصيبهم
الانحلال..
فالمسالة هي ليست اجيال رائدة واجيال شابة انما المسألة هي انه
عندما لا يعرف المرء قيمة ما لديه يضرب هنا وهناك جريا وراء الشئ
المثير فكل مرحلة لا تخلو من شعراء يتمتعون بتصور نبيل لقيم نبيلة ثم
ليس من المستحيل ان ينتج العصر يوما ما شيئا خيرا وجميلا فمهما ادلهمت
الخطوب سينتصر الحب في النهاية وتزول الكراهية والحروب متى انغرس في
النفوس الايمان والخير والجمال والخلاصة انا معجب بعطاء بعض الشعراء
الشباب في كربلاء او على مستوى العراق ولعلي اذهب ابعد في تصوري من هذا
فأقول انا لا استطيع ان اجبر شاعرا على ان يقدم لي اللون الذي استسيغه
دون بقية الالوان الاخرى.
* تجربتكم الشعرية لها حضورها في
ذاكرة الاوساط الكربلائية – ما جديدكم وكيف تنظرون للقصيدة الحديثة؟
- الخطأ كل الخطأ ان نظن ونحن في زحام الاحداث والعقول المكدودة
والاذهان المثقلة بمشاكل الواقع الذي هو في مرحلة التغيير في حياتنا ان
الشعر والادب والفنون هي تخصصات ثانوية لفئة محدودة وان روادها ومحبيها
ومتذوقيها هم مجموعة بعيدة عن الواقع المعاش. وانا في قصائدي على قلتها
من غير المتاجرين بالغرائز. انا مع الانسان ضد كل الصعاب والمعاناة
التي يواجهها. لدي الان مجموعة شعرية في طريقها الى المطبعة اسميتها (الوجه
المضيء) غالبية قصائدها مستمدة من بيئتنا المؤثرة على ذوقنا والمستقرة
في وجداننا.
اما نظرتي للقصيدة الحديثة فأنا ارى ان هناك شروطاً مفتقدة وراء
انخفاض مستوى القيم الدلالية والجمالية المفترضة الوجود في القصدة لدى
البعض من الشعراء بينما نلاحظ ان هناك اساليباً تصورية واخيلة رائعة
ورصانة وتجديدات متطورة لدى البعض الاخر. كما الاحظ في القصيدة الحديثة
خلوها من الرؤية الدرامية ومرجع ذلك الطبيعة الثقافية للشاعر الخالية
من أي مفهوم للدراما بسبب العزلة الدائمة عن الحياة الثقافية العامة.
*هناك انفتاح واسع على الثقافة من
خلال كثرة المنظمات الثقافية. ما هو موقفكم من هذا الحراك الثقافي؟
- ان مفاهيم تقبل الاخر والديمقراطية والحياة الكريمة التي نرجو هي
معطيات تشكل خطانا وتقربنا اكثر واكثر من حلمنا البهيج وان مساحة
الاختيار لم تكن يوما مثل ما هي عليه الان تنوعا واتساعا.. فان
الاختيار تحت مظلة الدمار النووي يكاد ان يضحى مجسدا بشكل لا انساني ,
وان الحقيقة كما يشار لم تعد تتمتع بذاك القبس اليقيني والوثوق. لقد
استقر في يقيننا بفضل ادوات تحرير المعلومات والافكار والتوجيهات اننا
نعاني من التخلف وعدم القدرة على مخاطبة التفوق الغربي اننا غير
عقلانيين ونعاني ازدواجا في الشخصية في تعاملنا مع العصر.
علينا الاندفاع اذن نحو التغير وامتلاك الارادة الجديدة واكتساب
مجال حيويتنا وفاعليتنا لاستعادة السمات والقسمات الافضل فينا والملامح
الاعمق والارسخ لاصالتنا وتفردنا.
* لقد خضت طويلا وربما بعمق في حقل
الكتابة للاطفال.. ترى أين تكمن الأهمية في هذا التوجّه؟
- منذ اربعين عاما وانا اكتب القصيدة والاوبريت والمسرحية للاطفال.
لان الاطفال هم صانعو المستقبل وحدائقه وهدفي من الكتابة للاطفال هو
مزدوج: تبسيط وتقريب اللغة العربية للاطفال ثم تنشيط اخيلتهم في اطار
من الموعظة الحسنة. اضافة الى خلق عالم براق ملئ بالرؤى الاليفة
والغريبة استطيع من خلاله تلقين الناشئة مفاهيم عن الخير والجمال والحق
والعدالة. ومن المؤسف اقولها ان جهودي لم تجد المتابعة الواعية من
المعنيين بامر ثقافة الطفل. ومن الملاحظ الان ان معظم مكتباتنا خالية
من شئ له قيمة حقيقة في ادب الاطفال. اضافة الى الغزو الثقافي الوافد
الذي ادى الى تنشيط حركة المجلات المترجمة وهي برغم ما يبدو في ظاهرها
من تمجيد للعلم والخيال الخلاق تكمن خطورتها في تمجيدها للقيم الفردية
المنقرضة. فالواجب يحتم بتنظيم اسابيع لكتاب الطفل وضروب المسابقات
التي تشجع الاطفال للكتابة لانفسهم بانفسهم. واقامة حلقات دراسية تلقى
فيها محاضرات بواسطة المؤلفين والمقتبسين والمترجمين وقيام المكتبات
بابراز الملصقات في واجهاتها التي تعلن عن النتاج المستحدث في هذا
الحقل. ليكون لنا عيدا حقا للاطفال وهذا كله يحتاج الى دقة ومهارة لما
تحمله في طياتها من مسئولية خطيرة نحو وجدانات غضة سريعة الالتقاط لكل
ما يلقى اليها فهنا يبدو النطاق اكثر ضيقا ومحفوفا بالمحاذير. |