رسالة مفتوحة الى معالي السيد رئيس الوزراء المحترم
تحية صدق وبعد:
نعم.. مائة يوم تكفي، على العكس من كل نافٍ ويائس ومحبط ومتشائم.
وهذا الاكتفاء لم يقم على فراغ ولا ضربة ساحر ولا دعوة مستجير،
وانما عن خبرة خمس سنوات من الحكم في اعتى ظروفه المرة.. وثلاث سنوات
ثقال من الفوضى وبرفقة ضغوط داخلية وخارجية ملحة بسطت ارادتها، وما
زالت تتلمس الدروب للعودة من جديد..
لكن الامل بسيادة القانون الذي رفعتم لواءه.. لابد ان يترجم الى
حقيقة يثق بها ويتلمسها ويعود اليها ويعتمدها كل مواطن.. هي الاساس
البكر في استعادة العراق لعافيته التي فقدها..
وهو الامر الذي يتطلب نشر ثقافة العدل على وفق ما يقوله ويقره
ويلزمنا به القانون.. وعنده تستوي كل الحلول وتحل كل العقد ويسري على
الجميع وبكل تفاصيله من دون خيارات ولا استثناءات.
ونشر هذه الثقافة في جميع المراحل الدراسية والاكاديمية، يؤسس
ويتوجه الى الامساك بمفاتيح بنا حاجة ماسة اليها في كل الازمنة وفي
الظروف كافة.
بالقانون الذي اعتمدتموه نبراساً لخطابكم السياسي والانتخابي
والاداري.. يا سيدي اتوجه اليكم وبالقوة التي يحتمها ويفرضها ويثبت
وجودها القانون.. اكتب اليكم هذه الرسالة المفتوحة التي اثق تماماً
انها ستلقى اهتمامكم ورعايتكم لما تحمله من بصر وبصيرة يدرك صاحبها
حجمها ولكم امر تقدير ابعادها على وفق مشيئتكم وامركم.
سيدي الفاضل:
لاتكفي الشهادة وحدها – ان لم تكن مزورة – لاشغال وزارة او اي
موقع، ولاترشيح حزب او كتلة شريكة.. الاهم اكثر من المهم، والاقدر
والاكثر خبرة وتجربة وكفاءة ونزاهة هي الامتيازات الاهم.. التي بها
تباهون طاقم رئاسة الوزارة.. بالنوع الاجدى والانفع للبلاد.. لا انفاق
المال على وزارات ترضية.
ومن اثبت الواقع فشله، لايعطي فرصة اخرى لفشل آخر، ومن هدر مالاً
وزور شهادة وانفق على ذاته، مهملاً الرعية.. مستهلكاً لا منتجاً..
لامكان له سوى الخروج من دائرة العمل الى دائرة الحساب والعقاب وتدابير
الحزم.
السجون للاصلاح، لا لخريجين يدخلون السجون بتهم كيدية وهم ابرياء،
ويخرجون منها وهم (مثقفون) ومعبأون يختزنون طاقة على الانتقام والمزيد
من اعمال العنف والفساد..
العفو ليس ضعفاً.. وانما تعبير عن قدرة الدولة على احتواء اكبر قدر
من الابرياء..
والاقل.. الاقل من القتلة والمجرمين والفاسدين وانقاذ المجتمع من
طباعهم الشريرة.
والدولة التي بمقدورها كسب الناس الى عدالة قوانينها.. هي الدولة
الاقوى والاكثر رعاية ودعماً وحباً متبادلاً بينها وبين ابناء شعبها.
نعم.. في كل خطاب لكم تقرون بحاجات الناس، وتعدونهم.. والوعد في عنق
الاحرار كما يعلم سيادتكم، لكن القليل.. القليل يا سيدي هو الذي ينجز،
وما يتم انجازه خالٍ من الجودة باهظ التكاليف، قليل الاهمية في تلبية
الحاجة الملحة.
ومادامت بلادنا تملك المال فلها القدرة على الشراء من مناشئ عالمية
وعلى عجل.. وبالمال الذي حبانا الله بخيراته يمكننا تحويل العراق الى
بلد صناعي وزراعي من طراز رفيع المستوى وعلى مدى مدة قليلة جداً اذا ما
اعتمدنا الحزم في اتخاذ الحزم في اتخاذ القانون نبراساً يدلنا على كل
سبل الخير لبلادنا وشعبنا.
سيدي الفاضل:
لو كنت قريباً منكم لكنت حرضتكم على اللقاء بجميع المتظاهرين في
بغداد والمحافظات لا استرخاصاً بحياتكم لا سمح الله، وانما حتى يدرك
الناس انكم تقرون بحقوقهم وتكسبون ثقتهم بشكل مباشر من دون وساطة احد
ولا منجزات وهمية تكذبها البصيرة وارض الواقع..
وان ما انفقته الدولة من اموال.. كثير.. كثير، لكن حجم الفساد اكثر
من الانفاق بكثير.
وما فعلته مجالس المحافظات والبلديات.. لم يكن اكثر من الاثراء على
حساب من يراد خدمتهم.. وكانت رواتبهم تكفي وحدها لانجاز مشاريع خدمية
مطلوبة..
فعلام هذا الترهل الاداري والانفاق المهدور؟
من هنا ادعوكم سيدي لتلمس دروبكم الى اوجاع الناس.. فهي لاتعبر
باصواتها العالية بطراً وليس فيها من رغبة الا لعدالة مفقودة وموازين
غير منصفة..
ولكم يا سيدي الامر بأن تتحول جميع المكاتب الاعلامية في الوزارات
والدوائر الى ايلاء شكاوى المواطنين التي تنشر في الصحف والفضائيات
واجهزة الاعلام كافة.. والاجابة عليها ووضع حلول عملية لها ومحاسبة
المقصرين الذين يهملون اغاثة اي نداء.. لا ان تبقى مجرد ابواب دعاية
للوزارات والدوائر التي تعد اداء واجباتها انجازاً تريد منا الانحناء
له ومباركته وتقديم المكافآت له.
سيدي الكريم:
تعلمنا حكمة تقول: (اذا اردت ان تطاع.. فاطلب ماهو مستطاع).
وما زالت الحكمة ازلية وعصية على الغياب.
فنحن لانسكت جوعاً بالوعد، ولابريئاً سجيناً ببراءته يوماً ما،
ولامريضاً بدواء ثمنه مفقود وصلاحيته منتهية، ولا عاطلاً بوظيفة لاتجيء
ولاعمل لايتوفر، ولاتلميذاً يعاني من برد قارس وصيف لاهب وكتاب مفقود
ومقعد خال ومعلم كسول ومدرسة طينية لايصل اليها الا بمساعدة ابوين
خوفاً عليه من العنف وازمة الطريق.
ثقافتنا يا سيدي لاتقوم ولا تحيا ولاتزدهر بثقافة التصدير
والايفادات التي لاتنقطع.. وجامعاتنا لاتقوم بعزل الطلبة على حسب
اجناسهم وجامعاتهم التي طردت من قبل كل الكفاءات وانصرفت الى ثلة من
الملاكات الخبيرة..
سيادة الامن.. لا يحققه السلاح وحده، مثلما النظافة لاتنجز امرها
خدمات رسمية وحدها، وكذا الماء والكهرباء والانتاج والعمل والزراعة وكل
شيء في الحياة.. الامر يتطلب منا ترسيخ اسس تقوم اولاً على بناء
الانسان.. وعلى ان شرفه وقيمه وارادته ورقي حياته وبلاده مرهونة به
اولاً وكل من موقعه ومسؤوليته ونقده لذاته، وحرص على ماله وحال الناس..
كما لو انه ملك خاص به.
لا اتحدث عن طوباويات ومدن فاضلة ولا امنيات تعجيزية ولا آمال عصية
على التحقيق ولا رومانسيات ولاارسم لحالات وردية – مطلوب تحقيقها خلال
مائة يوم.. لا ليس هذا هو الرجاء والتمني المستحيل.. ولكنه الصورة
الابهى التي يمكن ان يكون عليه العراق في هذه الايام المائة.. لان كل
الاسس الثابتة والمتينة لا تحتاج الى اكثر من هذا الوقت.. حتى اذا تم
البناء على وفق قوانينها، تمكنا من مواصلة الدرب وبناء العراق الذي
نطمح اليه.
الايجاز مطلوب في الكتابة في رسالة تستحضر مائة يوم من الشجرة
العراقية التي نريدها ان تثمر.. وهذا ممكن اذا ما فرض القانون ارادته
ورسخ اركانه ونشر القانون وروده الحية على الجميع..
اخيراً.. آمل تكون سطور رسالتي هذه قد وصلت بكل ابعادها اليكم..
وسيكبر املي ببصيرة تترجم الكلام.. الى المقام واسلموا موفقين. |