الدستور هوية الدولة الراسخة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الدستور يمثل الهوية التي يترتب عليها شكل الدولة وجوهرها، وصيانته واحترام بنوده وفقراته، والعمل في ضوئها، هو المعيار الذي يحدد مدى فاعلية المنهج الديمقراطي للنظام السياسي القائم أو خلافه، وكلما كانت بنود الدستور وفقراته فاعلة في المجال التطبيقي بإدارة شؤون الدولة، كلما كانت الديمقراطية فاعلة، ودولة المؤسسات قائمة، ولاخوف عليها، من تجاوزات الاحزاب والكتل المشاركة في الساحة السياسية. تُرى أين تقف تجربة العراق السياسية من هذا القول أو الاستنتاج ؟.

إننا نلاحظ الجميع يتحدث عن احترام الدستور، وأقصد بالجميع كل الاحزاب والكتل والشخصيات، التي انخرطت في العملية السياسية في العراق، بيد أن الوقائع الشاخصة، تشير الى غير ما يتحدث به بعض السياسيين حول مدى تمسكهم بالدستور، ومدى انضباطهم وفقا لجوهره وبنوده كافة.

فالكتل الكبيرة حاولت وتحاول، أن تستخدم الدستور بصورة ليست لها علاقة بفحواه، او بما ينطوي عليه في بعض ألفاظه ومعانيه، بمعنى أوضح حاولت وتحاول لي عنق الدستور، والتلاعب بالتعبيرات والالفاظ بما يتسق ومصالحها، ويدعم صراعاتها ضد هذه الكتلة او تلك، تحقيقا لاهداف معلنة وأخرى تلبث في الخفاء.

لكن الدلائل تشير بنوع من الوضوح، الى أن هناك من يريد أن يمرر أهدافه، بعد أن يستخدم الدستور وفقا لرؤيته ومصالحه هو، لا وفقا لرؤية الدستور وما نص عليه، أو ما انطوى عليه فعلا من ضوابط، تكفل مصلحة الجميع، أفرادا أو احزابا او جماعات، او كتلا كبيرة او غيرها، ومثال قريب على ما ذهبنا إليه:

محاولات السيطرة على المحكمة الاتحادية، وتسييرها وفقا للمصالح الحزبية او الكتلوية، حتى لو ناقض هذا السلوك ما ينص عليه الدستور نفسه، فثمة محاولات لايصعب على المتابع اكتشافها في هذا الصدد، أي أن كتلا كبيرة تريد أن تقفز على الاتفاقات والحقائق، وضوابط الامور، والتوازنات التي تحكم الانشطة السياسية، لتصل الى غاياتها، حتى لو لجأت الى الإلتفاف على الدستور الذي يمنح استقلالية تامة للمحكمة الاتحادية، ويجعل منها الحكم الأعلى والأقوى بين الجميع، ولا يسمح بتبعيتها الى شخص أو حزب أو كتلة، تحت جميع الظروف والمبررات، لكننا نلاحظ سعي بعض الكتل الى احتواء هذه المحكمة، ووضعها تحت مظلتها، وهو ما يتنافى مع الدستور بصورة واضحة.

ومن الصور التي لايمكن غض الطرف عنها، والتي تعطي انطباعا واضحا عن التحايل على الدستور، هو صعود الكثير من اعضاء مجلس النواب الى مناصبهم بطريقة الإلتفاف على أصوات الناخبين، وكذلك صعود الكثير من اعضاء مجالس المحافظات ليس بأصوات الناخبين، بل من خلال قانون الانتخابات المكتوب من لدن السياسيين أنفسهم.

وما يدعم كلامنا هذا أن بعض اعضاء مجلس النواب، لم يحصل على نسبة مشرفة من الاصوات، بل بعضهم لم يربُ تقييمه من لدن الجماهير على 120 صوتا لا اكثر !! لكن كتلته التي وضعت قانون الانتخاب بعقليتها المصلحية، رفعته الى قبة البرلمان، او الى مجلس المحافظة، بعيدا عن رغبة الجماهير وأصوات الشعب في صناديق الاقتراع.

هذا دليل قاطع على لي عنق الدستور وبنوده، وثمة من الادلة الكثير، حيث ينتقل النواب والمرشَحون من مدينة الى أخرى ليفوزوا بمقعد هنا او هناك، أيضا بعيدا عن التصويت الحقيقي للشعب، يستتبع مثل هذه الإلتفافات محاولات محمومة لاحتواء السلطة الرابعة وتغييبها في بعض الاحيان، وهي الراصد الاهم للتجاوزات التي تحدث على الدستور، والتي ترافق سير العملية السياسية التي هي بأمس الحاجة الى التصويب، والكشف والتعديل، خوفا من السقوط في مسالك الاستئثار بالسلطة، والعودة الى مخالب الحزب القائد والفرد القائد وما شابه.

هنا لابد أن نفهم ونؤمن ونتفق جميعا، على أن حماية الدستور من محاولات لي العنق، هي التي ستحمي تجربة العراقيين، وتدعم فرصتهم في رسم الدولة الدستورية الحديثة، والعمل الحثيث على تطويرها، وتنميتها وتقويتها حتى تبلغ أشدّها، وحين نحمي الدستور من الزلل ومحاولات الإضعاف، فإننا نحمي أنفسنا، ونحمي هويتنا التي تشكل جوهر الدولة المدنية، تلك الدولة التي كنا نحلم بها ولا نزال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/آذار/2011 - 7/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م