الثورة البحرينية ومساعي آل خليفة لتأجيج الفتنة الطائفية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لا يزال الشارع البحريني يشهد مسيرات واعتصامات حاشدة للمطالبين بإجراء الاصلاحات السياسية في البلاد، الا ان تلك الاحتجاجات لم تثني ال خليفة عن الاصرار على نهج التمييز والاستبداد وهم يعتلون السلطة.

فعلى الرغم من شرعية المطالب الشرعية التي يطالب بها المحتجون الداعية الى العدالة الاجتماعية خصوصا من الشيعة الذين يمثلون الاغلبية المطلقة في البحرين، تمارس السلطة التي تهيمن على مفاصلها اسرة سنية صغيرة، سياسة التهميش والاقصاء لتلك الاغلبية، فضلا عن اجراءاتها العنصرية المتمثلة باستيراد السنة من خارج الحدود ومنحهم الجنسية، وتغليهم على السكان الاصليين على صعيد المشاركة في مؤسسات الدولة.

وتصدت اجهزة ال خليفة الامنية خلال الاحتجاجات الاخيرة الى المتظاهرين بعنف مطلق ووحشي ادى الى سقوط العديد من القتلى والجرحى المدنيين.

مسيرة نحو الديوان الملكي

فقد منعت الشرطة البحرينية عدة الاف من المحتجين من الوصول يوم الجمعة الى الديوان الملكي وسط مخاوف من ان تثير المسيرة اشتباكات في البحرين ذات الاغلبية الشيعية وتحكمها اسرة سنية. بحسب رويترز.

وبدأ الاف معظمهم من الشيعة المسيرة رافعين العلم البحريني وزهورا وانطلقوا من منطقة علي الى حي الرفاع حيث يعيش سنة وأفراد من الاسرة الحاكمة السنية. وقرب برج الساعة في الرفاع تجمع نحو ألف من السكان المسلحين بهراوات وسكاكين لحماية الحي.

وأغلق نحو 200 من رجال شرطة مكافحة الشغب المسلحين بالهراوات الشارع بالاسلاك الشائكة مما دفع معظم المحتجين الى العودة الى ديارهم.

وصدت الشرطة مجموعة من المحتجين السنة الذين يرشقون بالحجارة عندما اقتربوا من صفوف الشرطة التي اطلقت قواتها الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الشيعة الذين حاولوا الالتفاف حول الحاجز الذي سد الطريق.

وقال أحمد جعفر الذي يشارك في المسيرة "الاسرة المالكة لديها قصور ومنازل كثيرة هنا. نحن مسالمون. نريد أن نتوجه الى دارها ونطالب بحقوقنا." وأضاف "السلطة يجب ألا تكون في يد أسرة واحدة بل يجب أن تكون في يد الشعب."

وقتل سبعة اشخاص حين داهمت قوات الامن البحرينية المحتجين المعتصمين الشهر الماضي ولايزال الالاف من شبان حركة 14 فبراير الوليدة معتصمين في دوار (ساحة) اللؤلؤة في العاصمة المنامة ويقومون بمسيرات شبه يومية لكن الانقسام داخل صفوف المعارضة اخذ في التزايد فيما يبدو.

قيام الجمهورية

في سياق متصل أعلنت ثلاث جماعات شيعية متشددة في البحرين انها شكلت تحالفا يستهدف الاطاحة بالنظام الملكي السني الحاكم واقامة جمهورية مما يزيد حدة التوتر قبل مسيرة مزمعة الى الديوان الملكي.

ومن المرجح أن تعتبر أسرة ال خليفة هذه الخطوة من جانب الجماعات الثلاث تصعيدا مما يزيد احتمالات شن حملة أمنية جديدة على المحتجين وأغلبيتهم من الشيعة.

ويدعو "التحالف من أجل الجمهورية" الجديد المؤلف من تيار الوفاء الاسلامي وحركة حق وحركة احرار البحرين لتغيير سلمي من خلال حركة لا مركزية من العصيان المدني والمقاومة.

ويمكن لهذه الحركة الجديدة التي تتألف من جماعات أصغر من جمعية الوفاق أن تزيد الانقسام داخل حركة المعارضة الشيعية الاوسع نطاقا التي تطالب بتمثيل أكبر وزيادة فرص الحصول على وظائف داخل النظام القائم.

وقال حسن مشيمع زعيم حركة حق للصحفيين في دوار اللؤلؤة حيث يعتصم المحتجون "هذا التحالف الثلاثي يتبنى خيار اسقاط النظام القائم في البحرين واقامة نظام جمهوري ديمقراطي".

وقال بيان للتحالف الجديد "لقد فشل النظام الملكي في اسقاط الثورة بالقوة وهو يسعى الان لاسقاطها والالتفاف على مطالبها المشروعة من خلال الالاعيب السياسية الماكرة وخلط الاوراق واثارة الفتن."

وكانت حركة حق وزعيمها حسن مشيمع قد شككت في السابق في شرعية حكم أسرة ال خليفة مما دفع الحكومة لاعتقال قادتها عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية اخرها ضمن حملة أمنية في أغسطس اب الماضي.

لكن عاهل البحرين أصدر عفوا عن مشيمع وقادة اخرين في حركة حق بعد اندلاع احتجاجات في البحرين وعاد مشيمع من لندن الى المملكة في 26 فبراير شباط.

وتطالب الوفاق فقط باستقالة الحكومة واقامة ملكية دستورية حقيقية تعطي المزيد من السلطات للشعب.

وقال خليل المرزوق النائب عن جمعية الوفاق ان الشيء الرئيسي هو اقامة ملكية دستورية الان واجراء انتخابات حرة. واضاف ان هذا فقط سيكون التحرك الجاد لانهاء تلك الازمة.

وقدمت الحكومة عددا من التنازلات للمعارضة منذ بدء الاحتجاجات من بينها تعديل محدود في الحكومة والافراج عن معتقلين سياسيين.

وعرض ولي عهد البحرين الحوار لكن جماعات المعارضة وضعت شروطا للحوار تتضمن اقالة الحكومة.

وقال شادي حامد المحلل في مركز بروكنجز بالدوحة ان الاضطرابات في البحرين لن تنتهي قريبا بأي حال. بحسب رويترز.

وأضاف ان هذا يعكس في الحقيقة اخفاق حكومة البحرين في التعامل مع هذه الاحتجاجات بطريقة فعالة. واشار الى ان الحكومة لم تقم بأي تحركات جادة نحو الاصلاحات أو بدء حوار مع المعارضة.

وقال حامد ان السعوديين سيفعلون كل ما بوسعهم لدعم أسرة ال خليفة وبالتأكيد فان اخر ما يريدون رؤيته هو الحديث عن انتهاء الملكية وأن تكون الجمهورية هي الشكل الجديد للحكومة.

منح الجنسية لاجانب سنة

الى ذلك تظاهر الاف من البحرينيين أغلبهم شيعة احتجاجا على منح الجنسية لاجانب سنة يخدمون في الجيش الذي قتلت قواته سبعة أشخاص في أسوأ اضطرابات في البلاد منذ التسعينات.

والموضوع الشائك بالنسبة لجميع جماعات المعارضة هو منح الجنسية لاجانب من السنة يعملون في القوات المسلحة وهو ما تعتبره المعارضة محاولة لتغيير التوازن الطائفي في البلاد.

وقام المحتجون بمسيرة أمام سلطة الهجرة في المنامة مرددين شعارات مناهضة للحكومة وحاملين لافتات كتب عليها "اوقفوا التجنيس".

وقال أحد المحتجين ويدعى خالد علي "كل هؤلاء المجنسين سيكونون موالين للحكومة. ومن منهم في الشرطة والجيش سيتبعون الاوامر حتى لو كانت ضد الشعب البحريني."

ونصف سكان البحرين البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة مواطنون من اصل بحريني. وقال المحتجون انهم يعارضون فقط توطين هؤلاء الاجانب الذين يجندون للعمل في القوات المسلحة.

كما تشكو المعارضة من ان عائلات السنة المجنسين أكثر قدرة على الحصول على الخدمات الحكومية مثل الاسكان والتعليم والرعاية الصحية.

وقال علي "نطالب بخروجهم لانهم يشاركون البحرينيين الاصلاء في الخدمات. ننتظر 15 عاما للحصول على سكن (حكومي) بينما يحصلون هم عليه فور وصولهم."

ويقدر ناشطون معارضون ان قرابة نصف أفراد جهاز الامني الوطني المكون من 20 ألف فرد سنة من باكستان والاردن واليمن.

وقالت وزارة الداخلية البحرينية انها تعتزم انشاء 20 الف وظيفة وقالت انها ستكون متاحة للشيعة.

وتقول الحكومة انه ليس هناك اي خطة لتغيير التوازن الطائفي وان جميع عمليات التجنيس تتم بشفافية كاملة ووفقا لسياسات الهجرة البحرينية.

وقال الملك حمد بن عيسى في ديسمبر كانون الاول ان الحكومة ستبدأ الحد من التجنيس فيما قال مراقبون انه بادرة موجهة للمعارضة في مسألة خلافية. وقال المحتج طه الدرازي "قال ذلك لكن ما يجري تحت الطاولة مختلف."

وشهدت البحرين أول اشتباكات بين الشيعة والسنة الاسبوع الماضي عندما هاجم ما لا يقل عن مئة من السكان بعضهم بعضا بالقضبان المعدنية والعصي في مدينة حمد وهي منطقة سكانها من الشيعة والسنة بما في ذلك بعض المجنسين.

ولم يتضح سبب الاشتباكات التي استمرت قرابة ساعتين قبل ان تتمكن الشرطة وبعض السياسيين من تهدئة الموقف لكن بعض السكان قالوا ان سوريين متوطنين كانوا ضالعين فيها.

تهدئة التوترات الطائفية

من جهتهم اجتمع سياسيون من السنة والشيعة في البحرين في محاولة لتهدئة التوترات الطائفية التي تصاعدت الى اشتباكات في الشوارع بعد أسابيع من الاحتجاجات التي تستهدف اسقاط الحكومة.

وقالت سبعة أحزاب شاركت في الاجتماع في بيان "اتفق الطرفان على أن الاختلاف السياسي في المواقف لا يجوز أن يتحول الى خلاف طائفي."

واضاف البيان الذي نشرته صحيفة الوسط المستقلة في البحرين انه تم الاتفاق أيضا على "وضع الية للاتصال المباشر بين الطرفين لمواجهة أي تجاوزات قد تحدث على مستوى الشارع والعمل على معالجتها بشكل فوري."

وضمت أحزاب المعارضة التي اجتمعت لبحث المطالب السياسية جمعية الوفاق الوطني الاسلامية كبرى جماعات المعارضة الشيعية التي حصلت على 18 مقعدا في البرلمان في الانتخابات الاخيرة.

ودعت الجماعات البحرينيين الى اللجوء لقوات الامن لحل أي خلاف بدلا من أخذ الامور بأيديهم.

وضمت الجماعات ايضا تجمع الوحدة الوطنية بقيادة عبد اللطيف محمود وهو سياسي سني يطالب بمزيد من الحقوق لجميع البحرينيين ومنهم السنة.

ولم يشارك أعضاء هذا التحالف الذي يضم جماعات شيعية أصغر هي تيار الوفاء الاسلامي وحركة حق وحركة احرار البحرين في حوار مع كتل سياسية سنية.

وتحظى تطورات الاوضاع في البحرين بمتابعة وثيقة في جارتها السعودية التي يؤلف فيها الشيعة نحو 15 في المئة من مجموع السكان والتي شهدت احتجاجات محدودة.

ويقول محللون ان مخاطر عدم الاستقرار هناك سوف تشتد اذا أطاحت المعارضة في البحرين بالحكومة او بعائلة ال خليفة كما يطالب الان بعض المحتجين المتشددين.

وفي خطوة تبرز المخاوف المتزايدة من ان تتحول الازمة السياسية في البحرين الى مواجهة طائفية قامت مجموعة من نحو 25 من العلماء والدعاة السنة الموالين للحكومة تحذيرا من عواقب الطائفية والتطرف الديني.

وقالوا في بيان نشرته وكالة انباء البحرين ان الشعب البحريني مهما كانت انتماءاته الدينية او الثقافية كان دوما معروفا بانسجامه وتسامحه.

وناقشوا امكانية اطلاق حملة تقودها وزارة الاوقاف والتربية لزيادة الوعي بمخاطر الطائفية ومعالجة الاستقطاب المتزايد بين الطائفتين.

إيران والزيارة سرية

من جهة اخرى نفت طهران ما أوردته تقارير صحفية حول زيارة سرية قام بها وفد رسمي بحريني إليها للتفاوض معها لتهدئة الأوضاع في المملكة التي تعاني منذ أسابيع من حركة احتجاجية تقودها القوى الشيعية، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن مواقفها حيال الأوضاع في الدول العربية والبحرين "شفافة وواضحة."

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن مصدر في وزارة الخارجية لم تكشف اسمه قوله إن "النبأ الذي نشرته صحيفة الزمان اللندنية بأن وفدا بحرينيا زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية بصورة سرية وأجرى مشاورات مع المسؤولين الإيرانيين بشأن التطورات الجارية في البحرين، غير صحيح."

وأكد المصدر الإيراني أن المسؤولين في طهران أعلنوا مواقف بلادهم حيال ما يجري بالمنطقة عامة وفي البحرين خاصة "أكثر من مرة،" ودعا المصدر الصحف والوسائل الإعلامية إلى "اعتماد الدقة في نشر الأنباء وخاصة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة مرحلة حساسة للغاية."

وكانت صحيفة الزمان قد تقلت أن ولي عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، زار إيران سراً على رأس وفد رسمي، وقد قام بعد ذلك بجولة خليجية، قادته إلى المملكة العربية السعودية التي أطلعها على الموقف الإيراني.

وبحسب الصحيفة التي لم تذكر مصادر معلوماتها، فإن الموقف الخليجي كله - وليس السعودي فقط - إزاء تطورات أحداث البحرين "مرتبط بالاطلاع عن كثب على الموقف الإيراني."

وأضافت "الزمان" في تقريرها عينه، أن الأمير سلمان استشار الرياض حول عدد من الخطوات التي وصفها الصحيفة بأنها "غير معهودة" وتنوي المنامة القيام بها اتخاذها لعبور هذه الأزمة، ومنها تغيير رئيس الوزراء تحقيقاً لأحد أبرز مطالب المعارضة. بحسب السي ان ان.

وكان الأمير سلمان بن حمد آل خليفة قد تحدث إلى التلفزيون البحريني الرسمي ليل الأحد، فأكد المعلومات التي كانت قد أشارت إلى مشروع خليجي لدعم بلاده مالياً، ومساعدتها على تجاوز أزمتها السياسية الحالية.

وفي المجال السياسي، تعهد الشيخ سلمان بضمان سلامة شباب المعارضة الذين يتخذون من دوار اللؤلؤة مقراً لهم، وتعهد بإشراكهم في الحوار المتوقع أن ينطلق قريبا مع الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية في البحرين.

وقال إنه سوف يحدد بمشاركة الجميع محاور الحوار وحدوده، وأن البحرين لن ترجع إلى الوضع الذي كان قبل 14 فبراير/شباط الماضي، وأنها بحاجة إلى مبادرة التغير، مشيرا إلى وجود وساطات تقرب وجهات النظر بين الأطراف كافة.

ويعتقد الكثير من المراقبين أن النفوذ الإيراني في البحرين يتزايد بفعل ضغط القوى الشيعية على الحكومة التي يغلب عليها الطابع السنّي، وقد كانت إيران قد عبرّت أكثر من مرة عن مواقف رفضتها البحرين بشدة، واعتبرت أنها تمس بسيادتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آذار/2011 - 6/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م