تاريخ الاهانة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا يعرف اول انسان ابتكر السب والشتم بعد ان تعلم اللغة والاصوات المنطوقة.. قد تكون الاشارة التي نشاهدها في بعض الافلام الامريكية حين يشير احدهم بإصبعه الوسطى هي اول شتيمة فاحشة.. او تكون البصقة في وجه احدهم هي اول تلك الاهانات.

ومثلما لانعرف هذا الانسان الاول المبتكر للشتيمة نحن ايضا لانعرف اول انسان تعرض للإهانة بسببها لكن وفقا للمعطيات الدينية التي نجدها في آيات القران الكريم يمكننا ان نقول ان ادم عليه السلام اول من وضع في موقف مهين امام الله سبحانه وتعالى حين اكل من تلك الشجرة المحرمة عليه وانكشفت تلك العورة امام ناظريه.

ويمكننا ان نعد هابيل اول من حاول اهانة انسان اخر حين رفع يده ليصفع اخيه وكان جواب اخيه على تلك الاهانة (لئن بسطت يدك لتضربني ما انا بباسط يدي لإضربك).

تبعا لاختلاف الثقافات بين الشعوب تختلف الممارسات والسلوكيات التي تعد اهانة او لا. ففي بعض الثقافات لا تعد البصقة على الاخر اهانة لكنها اهانة شديدة في ثقافات اخرى.. وقل مثل ذلك عن بقية الامور.

في قضية الحذاء الشهيرة لمدعي البطولة منتظر الزيدي هلل العرب كثيرا للحادثة وعدّوها مفخرة ما بعدها مفخرة واقيم تمثال لحذائه في محافظة صلاح الدين العراقية وكذلك كما وردت الاخبار الينا في مدينة طرابلس الليبية تكريما لهذا الحذاء الطائر الذي سيكون شاهدا على معاني البطولة والصمود وهو يشاهد ويسمع الطائرات والمدفعية الليبية تنقض على الليبيين المعارضين لملك ملوك افريقيا.

قصة الحذاء الطائر لاتعد اهانة في الثقافة الامريكية، بل ان هناك مثل امريكي يقول: انت واقف وحذاءك ثابت على الارض دلالة على القوة والاصرار.. وكثيرا ما نشاهد في الافلام الاوربية والامريكية من يجلس واضعا قدميه باتجاه الجالس امامه. ولعلنا نتذكر احدى الصور الشهيرة لوزير خارجية امريكا الاشهر هنري كيسنجر واضعا قدميه على المنضدة في مكتبه.

قريبا من الموضوع وبعيدا عن الكلمات السابقة، هناك الكثير من المواقف والسلوكيات التي تعتبر نوعا من الاهانة بحق الاخرين.. فمثلا البرادعي احد المرشحين للرئاسة المصرية اعتبر ان بقاء الدستور على حاله يعد اهانة للثورة المصرية.

وسبقه عمرو موسى بتصريح قبل تنحي مبارك قال فيه نقلا عن صحيفة (الشروق) المصرية:(يجب علينا إعمال اللياقة لأنه بعد أن ظل الرجل 30 عاما رئيسا لمصر فعلينا ألا نعرضه للإهانة وهو مواطن مصرى أيضا).

وقد اعتبرت تصريحات حكومة نظيف اثناء الاحتجاجات المصرية (تاريخ من الإهانة للمصريين).. حين استعمل كلمة بلطجية في تصريحاته.

وقد صدرت فتوى حول هذه الكلمة ردا على سؤال: هل تعتبر كلمة بلطجي إهانة؟ وهل يتم تصنيفها بكونها كلمة غير عربية في الأصل على أنها اعتداء معنوي؟

وكان الجواب/ الفتوى: فكلمة بلطجي تعتبر من الإهانة بحسب العرف وإن كان أصلها غير عربي، وقد نص أهل العلم على أن اللفظ إذا كان أصله في اللغة حسنا ثم استعمل عرفا في السب أو القذف فإنه يعتد بالعرف.

جاء في بلغة السالك: وعلق هو في الأصل الشيء النفيس واشتهر الآن في القذف بالمفعولية ففيه الحد ولو حلف أنه لم يقصد قذفا. انتهى.

فينبغي على المسلم أن يتجنب مثل هذه الألفاظ وأن يعود لسانه على القول الطيب الجميل امتثالا لقوله: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ {الإسراء:53}.

قبل مدة حدثت ازمة دبلوماسية بين تركيا واسرائيل بسبب ماوصفته تركيا باهانة لسفيرها في القدس.. وفي محاولة لاحتواء الأزمة، اعتذر نائب وزير الخارجية الإسرائيلي دانيال آيالون عن إهانة سفير أنقرة في تل أبيب.

وكانت وزارة الخارجية التركية طالبت في بيان بـ"اعتذار" عن الطريقة التي عُومل بها السفير التركي احمت تشليكول والتي "لا تتفق مع التقاليد والأعراف الديبلوماسية". وأضاف البيان أن "تركيا تنتظر إجراءات ترضية عن الأسلوب الذي تمت معاملة سفيرنا به".

وبدأت الأزمة عندما استدعى ايالون السفير التركي في تل أبيب في أعقاب عرض مسلسل جديد مناهض لإسرائيل في التلفزيون التركي الحكومي. وذكر موقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني أن ايالون أهان السفير التركي حيث تم تأخير إدخاله إلى مكان الاجتماع ثم إجلاسه على كرسي صغير لا يليق به.

وقال أيالون باللغة العبرية للصحفيين الذين سمح لهم بالتقاط الصور: "لاحظوا أنه يجلس على كرسي منخفض، ونحن على كراسي مرتفعة، وأن هناك علماً إسرائيلياً فقط على الطاولة، وأننا لا نبتسم".

وعن موضوع الغطرسة الامريكية والاسرائيلية وخاصة في بلداننا العربية صدر في العام 2004 كتاب حمل عنوان (الإهانة في عهد الميغا إمبريالية) للدكتور المهدي المنجرة.

في الواقع السياسي العربي الان كف العرب عن تحمل الاهانات من حكامهم وبدا ذلك بوعزيزي التونسي باشعال نفسه واشعال الكراسي القارّة منذ عقود طويلة.

كف العرب ان يكونوا ساكنين تحاصرهم جدران الذل والمهانة وانتفضوا على تاريخ طويل من القهر والاستعباد وكأنهم بانتفاضتهم تلك يريدون ان يكفروا عن تلك العقود من الموالاة والاتباع لقادة وزعماء قادوهم الى ما وصلت احوالهم اليه.

عالج (إلياس كانيتي) هذه الظاهرة بطريقة مدهشة في كتابه الذي صدر في عام 1960 بعنوان «الحشود والسلطة»، فهو ذكّرنا بأن الحشود تتجمع للتكفير عن ذنبها بحضور آخرين ممن ارتكبوا أخطاء وإخفاقات سابقة.

في الواقع الاجتماعي نشهد الكثير من الاهانات بين الناس والتي تتخذ اشكالا مختلفة من طرق التعبير فهناك الاهانات الجسدية وهناك اللفظية.

وعادة ما تكون التجمعات الكبيرة للناس مجالا خصبا لظهور تلك الاهانات وخاصة التجمعات الرياضية. فحكم احدى مباريات ميلان ونابولي " جيانلوكا روكي " تلقى بعض الاهانات على يد احد مشجعي نابولي مثل " انت كنت عميل من قبل السلطة " و" كيف تعطي ضربة جزاء من هذا القبيل".

والحادثة الشهيرة بين اللاعب الايطالي ماتيرازي وهو يمسك بقميص زين الدين زيدان... فما كان من زيدان إلا أن قال له... "هل تريد قميصي؟ سوف أتنازل عنه لك، ولكن بعد انتهاء المباراة"، فما كان من "ماتيرازي" إلا أن رد عليه بقوله... "أريد أختك.. " تلك كانت واحدة من أشهر وقائع الإهانة اللفظية في تاريخ كرة القدم، وترتب عليها قيام زيدان بتوجيه نطحته الشهيرة لصدر المدافع الإيطالي فطرحه أرضًا.

وحادثة اخرى كان بطلها اللاعب الانكليزي ديفيد بيكهام في بداية مشواره مع "ريال مدريد" حين خاطب مراقب الخط بكلمة "هيجو دي بوتا"... ومعناها بالإسبانية "إبن الساقطة أو المنحرفة" وكانت هذه الكلمة سببًا في حصوله على بطاقة حمراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آذار/2011 - 6/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م