الديمقراطية الناقصة بؤرة الأزمات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك بؤر أزمات تظهر بين حين وآخر في الواقع العراقي، تشوب تجربته السياسية، وتمتد الى ما هو أبعد من السياسة، فتتوزع في مجالات أخرى كالاقتصاد والتعليم وسواهما، هذه البؤر تنمّ عن خلل في الديمقراطية المنقوصة في العراق وطرق تطبيقها، وبهذا تؤكد الوقائع السياسية عدم وجود ديمقراطية كاملة في العراق على الرغم من تأكيدات النخب السياسية على تمتع العراقيين بأجواء جديدة تختلف عن حقبة ما قبل 2003 ولكن ثمة دلائل تدحض مثل هذه التأكيدات وتقف بالضد منها، حيث لايزال المسار السياسي مهددا بعودة الدكتاتورية في المستقبل القريب او البعيد إذا ما بقيت النخب المعنية غافلة عمّا يعتور ديمقراطية العراق من نواقص جدية.

وثمة أسباب تقف وراء هذا الاداء الناقص للديمقراطية في العراق، منها على سبيل المثال قانون الانتخاب الذي تسهم بنوده وآلياته الى تصعيد أشخاص الى مجلس النواب ولكنهم لا يمثلونه في واقع الحال، بكلمة أوضح، أن هناك نوابا يجلسون تحت قبة البرلمان ويمثلون الشعب لكن الشعب لم ينتخبهم ولم يكلفهم أو يؤهلهم للقيام بهذا الدور، إنما الذي أوصلهم الى هذا الدور (نائب في البرلمان) هو قانون الانتخاب ببنوده وفقراته التي تنطوي على ثغرات واضحة تسمح لمن لايحوز على ثقة الشعب بتمثيله رغما عنه، وهذه حالة لا تتسق مع النظام الديمقراطي، بل هي من أدوات ووسائل وأساليب النظم الدكتاتورية التي لا تراعي أصوات الناخبين ولا تهتم بآرائهم ولا تحترم خياراتهم، لكن في النظم الدكتاتورية يتم تجاهل اصوةات الناس بالقوة والقمع، أما في نظامنا الديمقراطي فيتم ذلك بالتحايل والتمرير والمرواغة من خلال آلية فاشلة ينطوي عليها نظام الانتخاب الذي وضعته النخب والكتل السياسية العراقية التي تؤكد ديمقراطية العراق لكنها لاتغض الطرف عن نواقصها والثغرات التي تنخر في كيانها وبنائها.

ومن الاسباب التي تنتقص من ديمقراطيتنا ايضا، المحاصصة والفئوية وعقد البروتوكولات السياسية بين النخب والكتل والاحزاب السياسية في محاولاتها للحصول على المناصب الحساسة والمكاسب الاخرى على حساب غيرها، وهو نهج لايتسق قط مع المنهج الديمقراطي الذي يترفّع عن تحويل الديمقراطية الى حلبة صراع (غير شريفة) لا تحكمها رؤية وطنية، تضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار.

ومن الاسباب الاخرى وقد يكون من أهمها في إضعاف الديمقراطية وإعطائها طابع النقصان، هو غياب المعارضة الكلي، الامر الذي يجعل من الديمقراطية قولا بلا معنى او بلا فعل قائم في ساحة العمل السياسي، فالديمقراطية المعافاة لا يمكن أن تستغني عن دور المعارضة، وجميع الحكومات التي تنتهج التحرر في ادارة شعوبها، لا يمكن أن تذوّب المعارضة او تلغي دورها بحجة حداثة التجربة او تحقيق التصالح بين الجميع او طبيعة الظرف العراقي وما الى ذلك من تبريرات لا ترقى قط الى أهمية تحقيق النهج الديمقراطي السليم الذي يستلزم حضور الدور المعارض بقوة لكي يصحح مسارات الحكومة التي قد تشط في هذا القرار او ذاك وقد تخطأ في هذا المجال او ذاك، وفي حالة غياب الدور المعارض فإن أهم ما يميز النظام الديمقراطي عن الدكتاتوري سينتفي وتغيب الحدود بين النظام الديمقراطي والدكتاتوري، بغياب الدور المعارض للحكومة.

لهذا، لابد للنخب السياسية أن تتنبّه بقوة الى الثغرات الواضحة في مسيرة الديمقراطية العراقية والتي أسهمت بدورها في تكريس الازمات وتوزيع بؤرها هنا وهناك في عموم الجسد العراقي، ولكي نسهم جميعا في بناء الديمقراطية التي تمنحنا دولة دستورية نحلم بها ونعمل على بنائها وتكريسها، لابد أن نعمل معا (وأولنا النخب السياسية من دون استثناء) على تحقيق الخطوات الاجرائية التالية:

- تغيير النظام الانتخابي المفتوح الى نظام منضبط ومدروس بدقة، كي يضمن التمثيل الواقعي والفعلي لصوت الناخب العراقي.

- تغيير النظام الانتخابي من توافقي الى نظام أكثرية، كي يضمن حضورا فاعلا للدور المعارض، من اجل المراقبة السليمة والمتواصلة للأداء الحكومي او غيره مما يتعلق بدور المعارضة في التصويب وطرح البدائل الجيدة.

- لابد من التأكيد والعمل على فصل الهيئات المستقلة عن السلطة التنفيذية،   وعدم الركون الى التبريرات الادارية او سواها، لأن بعض هذه الهيئات ينبغي أن تتمتع باستقلالية تامة تبعد عنها شبح التدخل الحكومي، وهذا ما يحدث في الديمقراطيات الصحيحة.

- إشاعة الثقة بين النخب والكتل الكبيرة وضرورة الابتعاد عن اسلوب عقد الصفقات التي لا تصب في خدمة العملية السياسية.

- فصل منظمات المجتمع المدني عن الارتباط بالدولة رسميا من حيث منح الاجازات والدعم المالي وما شابه، لأن هذه المنظمات ينبغي أن تتمتع باستقلالية تامة تتيح لها فرصة المراقبة والضغط على الحكومة لتصحيح المسارات الخاطئة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آذار/2011 - 6/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م