
شبكة النبأ: اصبحت الولايات المتحدة
الامريكية اليوم في حيرة من امرها بعد ان سقطت ورقة التوت عن ابرز
واقوى حلفائها في الشرق الاوسط خصوصاً نظام مبارك، وباتت تحتاج الى
اعادة جدولة شاملة لكل حساباتها في المنطقة من اجل تعويض هذه الخسارة
بحلفاء جدد.
وبالرغم من التأييد المعلن الذي جاء على لسان الرئيس اوباما لحق
الشعوب في تقرير مصيرها ونيل حريتها فأن الولايات المتحدة مازالت قلقة
من امتداد هذه الثورات لتهدد الكراسي التي يشغلها الملوك العرب اخر
الحلفاء بعد سقوط الرؤساء، فالغضب الشعبي اخذ يتسع في كل الوطن العربي
فلم يقتصر الامر على ليبيا واليمن بل وصل الى البحرين والسعودية وعمان
والاردن وغيرها.
بالتأكيد ان تغيير النظام في الدول التي يحكمها النظام الملكي اصعب
بكثير من الدول ذات النظم الاخرى، لكن لا شيء امام صرخة الشعوب
المظلومة يمكنه ان يصمد او يستمر في الصمود.
القادة الموالين الى واشنطن
حيث ان ادارة الرئيس باراك اوباما تعمل على استراتيجية للشرق الاوسط
تؤيد ابقاء الحلفاء العرب المستعدين لاجراء اصلاحات، في السلطة، ونقلا
عن مسؤولين ودبلوماسيين لم تكشف اسماؤهم ان الادارة الاميركية تميل الى
هذه المقاربة وان كان ذلك يعني ان كل مطالب الشعوب العربية لارساء
الديموقراطية لن تلبى على الفور، وبدلا من المطالبة بتغيير فوري كما
فعلت في مصر وليبيا، تدعو الولايات المتحدة المحتجين من البحرين الى
المغرب الى العمل مع القادة الحاليين للوصول الى ما سماه بعض المسؤولين
والدبلوماسيين ب"تغييرات في النظام".
ان هذه المقاربة الاميركية المعتدلة ظهرت بعد خطوات من حكومات عربية
اعربت عن قلقها من تخلي اوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك واضافت
الصحيفة ان القادة العرب كانوا قلقين من انه اذا تصرفت واشنطن على هذا
النحو مع ملك البحرين فان ثورات ستطيحهم من السلطة، واقر مسؤول اميركي
كبير بان المسؤولين عن وضع السياسات استخلصوا الدروس من احداث الشهر
الماضي. بحسب فرانس برس.
ونقل عن المسؤول قوله "ما قلناه هو ان هناك حاجة لاصلاحات سياسية
واقتصادية واجتماعية لكننا سنتعامل مع كل دولة على حدا".
في سياق متصل دعا عضوان بارزان بمجلس الشيوخ الامريكي الرئيس باراك
أوباما الى تصدر جهود فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا وقالا ان على واشنطن
استغلال التجارة والاستثمار لمساندة ما وصفاها بثورة شاملة في العالم
العربي، وعاد السناتور الجمهوري جون مكين والسناتور المستقل جو ليبرمان
من جولة في شمال افريقيا والشرق الاوسط بعد أن تحدثا مع قيادات تمخضت
عنها الانتفاضتان في مصر وتونس. كما قاما بزيارة اسرائيل والاردن.
وفي مقابلة مشتركة مع رويترز دعا عضوا مجلس الشيوخ الى فرض منطقة
حظر جوي فوق ليبيا. وتناقش ادارة أوباما مع الحلفاء في حلف شمال
الاطلسي اقامة هذه المنطقة وقد تحركت سفن أمريكية لتكون أقرب الى ليبيا.
بحسب رويترز.
وقال مكين "أعتقد أن أيام (الزعيم الليبي معمر) القذافي معدودة ويجب
أن نبذل كل ما بوسعنا لتقليل عدد الايام حتى نخفف من بؤس الشعب الليبي"،
وأضاف "اذا نجا القذافي فستكون هذه انتكاسة لهم لانهم يخشون أن يدفع
هذا بعض العناصر في بلادهم لمحاولة القيام برد أعنف على ثورتهم"، وكان
العضوان بمجلس الشيوخ قد التقيا القذافي عام 2009 بعد تعهده بالتخلص من
أسلحة الدمار الشامل التي تملكها ليبيا. وقال مكين انهما بحثا معه
أوضاع حقوق الانسان، وقال ليبرمان "كان اجتماعا غير عادي. لا أعلم
مقدار ما كسبنا منه. لم نؤيده."
توصلت الإدارة الامريكية التي تواجه سلسلة من الانتفاضات في الشرق
الأوسط، إلى معرفة تامة بأن ملوك هذه الدول سيحافظون على الأرجح على
عروشهم فيما أرجحية السقوط أكثر للرؤساء.
أن موجة التظاهرات الحاصلة سقط حتى الآن رئيسان، هما المصري حسني
مبارك، والتونسي زين العابدين بن علي، بينما يعتقد مسؤولو الإدارة
الامريكية بأن وضع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في هشاشة متزايدة.
أما من جهة الملوك، قالت الصحيفة إن ملك البحرين نجح في اجتياز
تصاعد الاضطرابات في بلاده فائزاً بدعم أمريكا، رغم وحشية القوات
الأمنية في قمع المتظاهرين.
ويستبعد المسؤولون الامريكيون أن يُخلع الملك السعودي عبد الله بن
عبد العزيز من منصبه، في حين أن أمراء الخليج نجوا حتى الآن من
الاضطرابات، وحتى في الأردن، حيث اندلعت احتجاجات خطيرة، فقد ناور
الملك عبد الله الثاني بحذاقة للبقاء في السلطة، رغم انه ما زال أمامه
التعامل مع السكان الفلسطينيين الذين يصعب التحكم بهم.
أن هذا النمط من الملوك المتمسكين بالسلطة يؤثر على رد الإدارة
الامريكية على الأزمة، فقد أرسلت دبلوماسيين كبار خلال الأيام الأخيرة
لتقديم النصيحة والطمأنينة لهم، بينما تنأى بنفسها عن الرؤساء 'الاستبداديين'
الذين يقاتلون من أجل السلطة.
أن ذلك يعد احتساباً لمصالح أمريكا أكثر من أي شيء آخر، مضيفة أن
الولايات المتحدة تقر بأن لا خيار إلا بدعم بلدان مثل السعودية، وأن كل
الأوضاع قد تتغير بسرعة. أما في حالات مثل ليبيا حيث الزعيم معمّر
القذافي، لا ملكا ولا رئيساً، فإنه على حافة الانهيار بسرعة مذهلة.
أن الإدارة الامريكية حثت السعودية على عدم إعاقة محاولة ملك
البحرين إجراء إصلاحات في بلاده التي تعتمد على الدعم السعودي السياسي
والاقتصادي.
وان المسؤولين والخبراء الامريكيين يظنون بأن ما قام به ملك الأردن
في إبراز استعداد لإعطاء بعض السلطة للحكومة المنتخبة أو البرلمان، قد
يسمح له بالتمسك بالسلطة، أن واشنطن تأمل بتحول هذه الممالك كلها أخيراً
إلى ملكيات دستورية.
وقال المستشار في شؤون الشرق الأوسط بإدارة الرئيس السابق جورج بوش،
اليوت ابرامز، إن 'المراقبة تجاه الأردن والبحرين صائبة، فهذان البلدان
مشيا في الاتجاه الصحيح، لكن ليس بشكل كاف'، مضيفاً أن 'الملكية
الدستورية هي نوع من الديمقراطية'.
وذكر السفير الامريكي السابق في سورية تيودور قطوف قوله إن 'المجتمعات
الغنية مثل قطر والإمارات والكويت لديها مزايا افضل'، مضيفاً أنه 'في
كثير من الأحيان فإن للممالك شرعية اكثر من الجمهوريات'، وقال دبلوماسي
عربي رفض الكشف عن هويته إن 'الجمهوريات وبالتالي الرؤساء، غير محصنة
لأنه ينبغي عليها أن تكون ديمقراطيات لكنها ليست في النهاية كذلك'.
واشنطن تبني حساباتها ورهانها على بقاء الملوك العرب وسط المد
الثوري وتساقط الرؤساء في الشرق الاوسط. بحسب يونايتد برس.
في سياق متصل فان الولايات المتحدة تراهن على بقاء نظام حكم الملوك
العرب وان هذا الرهان يؤثر في ردود فعل الادارة الاميركية على الازمات
التي يواجهها حكام دول الشرق الاوسط حالياً. وكتب محللون: "بينما
تتعامل ادارة اوباما مع شلال من الانتفاضات في الشرق الاوسط، توصلت الى
قناعة واضحة: ملوك المنطقة من المرجح ان يبقوا، ورؤساؤها اكثر تعرضاً
للسقوط.
وفي الخريطة المتغيرة بسرعة والتي تمتد من المغرب الى ايران، سقط
رئيسان حتى الآن: المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي.
وقال المسؤولون في الادارةانهم يعتقدون ان الرئيس اليمني السلطوي علي
عبد الله صالح في وضع يزداد هزالاً.
ومع ذلك، في البحرين تمكن الملك حمد بن عيسى آل خليفة حتى الآن من
الصمود امام القلاقل، وفاز بتأييد الاميركيين، مع ان قوات امنه كانت
وحشية في قمعها للمتظاهرين. ويعتقد المسؤولون ان من المرجح الا يزاح
الملك السعودي عبد الله عن عرشه ايضاً، بينما نجا امراء دول الخليج من
القلاقل حتى الآن، اما في الاردن فقد ناور الملك عبد الله الثاني
ببراعة ليبقى في السلطة، مع انه ما زال عليه ان يتعامل مع سكان
فلسطينيين متململين.
ويؤثر نمط تمسك الملوك بالسلطة في ردود افعال الادارة تجاه الازمة
اذ ارسلت الولايات المتحدة دبلوماسيين رفيعي المستوى في الايام الاخيرة
لطمأنة الملوك واعطائهم النصيحة – حتى لاولئك الذين يقودون اشد
الحكومات كبتاً. ولكن الادارة تبقي على مسافة بينها وبين الرؤساء
الاوتوقراطيين بينما هم يكافحون للبقاء في السلطة.
وحسب كل الروايات يشكل هذا جزءاً من حسابات المصالح الاميركية اكثر
من أي شيء آخر.
وقال كنيث بولاك مدير مركز سابان للسياسة في الشرق الاوسط في معهد
بوكنغز "الامر الذي يخدم الانظمة الملكية هو وجود عائلات مالكة تسمح
لهم بالوقوف بعيداً عن المعمعة الى حد ما وتسمح لهم باقالة الحكومة من
دون ان يقيلوا انفسهم"، وقد ادار كثير من الملوك حكومات قمعية من كل
ناحية كحكومات الرؤساء. وترتبط الحسابات الاميركية بشأن من المرجح ان
يبقى في السلطة بالطبيعة الدينية والاقتصادية للبلدان المعنية بقدر ما
يرتبط بطبيعة الحكومات.
يتظاهر الرؤساء العرب بانهم انتخبوا بطريقة ديمقراطية، حتى وان كان
معظم الانتخابات في بلادهم قد تعرضت للتزوير. ويتلاشى المظهر الخادع
لشرعيتهم عندما تطفو شكاوى مجتمعاتهم المكتومة. ويدير معظم الرؤساء
دولاً اكثر سكانا لا تتمتع بثروة النفط في ملكيات الخليج التي تجعل
بامكانها استرضاء شعوبها بتخفيض الضرائب وزيادة الرواتب كما فعل ملكا
السعودية والاردن اخيرا.
ويدرك الاميركيون ان ليس امامهم اي خيار الا دعم دول مثل المملكة
العربية السعودية، وان الاوضاع بمجملها يمكن ان يطرأ عليها التغيير على
عجل، ومن ابرز هذه الحالات ما يقع حاليا في ليبيا حيث وصل العقيد معمر
القذافي، وهو ليس ملكا او رئيسا، الى حافة هاوية السقوط بسرعة مذهلة،
وعلى عكس الاوضاع في مصر، حيث تحدث الرئيس الاميركي باراك اوباما
هاتفيا مع الرئيس المصري انذاك حسني مبارك مرات عدة خلال الازمة هناك،
فانه لم يتحدث لا هو ولا اي مسؤول اميركي اخر مع العقيد القذافي منذ
اندلاع الانتفاضة. ولم تتمكن وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون
من الاتصال بوزير الخارجية الليبي موسى كوسى، حسب اقوال كراولي الذي
عزا ذلك الى عطل فني.
الا ان وكيل الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ويليام بيرنز قال
انه تحدث مرتين مع كوسى ونقل اليه "قلق" الادارة من ضرورة استمرار
ليبيا في التعاون في عمليات الاجلاء.
وتعكس الاتصالات الاميركية المتقطعة مع ليبيا التناقض مع المكالمات
الهاتفية المتواصلة بين اوباما وكلينتون من ناحية والملوك العرب من
ناحية اخرى. وقد حث العاهل السعودي الملك عبد الله مرتين على الاقل
خلال تلك المكالمات الرئيس الاميركي على دعم مبارك. ومنذ الاطاحة به
فان احد المسؤولين في الادارة الاميركية قال ان مسؤولين سعوديين اعربوا
عن شكوكهم في ما يتعلق بدعمهم للرئيس المصري السابق.
وتشعر الادارة الاميركية بالتفاؤل من ان العاصفة لن تصيب العائلة
الملكية السعودية، وان كان هناك من يعترف انهم اخطأوا في قراءة تداعيات
التغيير في مصر. وفي وقت سابق من هذا الاسبوع، عاد الملك عبد الله الى
بلاده بعد ان قضى ثلاثة اشهر في العناية الطبية خارج المملكة، واعلن عن
زيادة قدرها 10 مليارات دولار في بند الرعاية الاجتماعية لمساعدة
الشبان على الزواج وشراء مساكن وتأسيس اعمال تجارية.
وقد حثت الادارة المملكة السعودية على عدم عرقلة جهود ملك البحرين
لاجراء اصلاحات في البحرين التي يربطها بالسعودية جسر عبر البحر والتي
تعتمد على دعم السعوديين لها في المجالات السياسية والاقتصادية. الا ان
السعودية تشعر بالقلق تجاه احتمالات اكتساب الغالبية الشيعية في
البحرين مزيداً من القوة السياسية على حساب الحكام السنيين، ويعزى ذلك
جزئيا الى وجود عدد غير قليل من سكانها الشيعة في المنطقة الشرقية.
وقد سعى المسؤولون الاميركيون للتركيز على ما اصروا انه تنازلات
قدمتها البحرين حيث مقر الاسطول الخامس الاميركي، كدليل على ان بامكان
الاحتجاجات ان تدفع الملك وولي عهده الذي يرأس الحوار مع المحتجين، نحو
الاتجاه الصحيح.
وبالمثل فان العاهل الاردني الملك عبد الله الذي يواجه وضعا صعباً
لكون غالبية مواطنيه من الفلسطينيين، لمح الى استعداده للتنازل عن بعض
سلطاته الى حكومة منتخبة او الى مجلس نيابي، وقد اعرب مسؤولون اميركيون
وخبراء مستقلون عن اعتقادهم بان ذلك سيسمح له بالتمسك بالسلطة، وتأمل
الادارة بوضوح بان تصبح كل هذه الملكيات بالتالي ملكيات دستورية.
وقال اليوت أبرامز، الخبير في شؤون الشرق الاوسط في ادارة بوش والذي
انتقد مرارا ادارة اوباما ان "ذلك التوجه في التعامل مع الاردن
والبحرين هو التعامل الصحيح، فهذه دول تحركت نحو الطريق الصحيح، وان لم
يكن تحركها كافيا. والملكية الدستورية هي احدى اشكال الديمقراطية".
اما في دول الخليج الاخرى، مثل الامارات العربية وقطر والكويت، فان
الاضطرابات كانت اقل بكثير، ويعزى ذلك، حسب قول الخبراء، الى انها في
الاساس دول رفاه ملكية، فهي لا تفرض ضرائب على مواطنيها وتقوم الحكومة
برعايتهم، ففي الامارات العربية المتحدة مثلا، عندما يعقد احد
المواطنين قرانه على احدى المواطنات، تقوم الدولة بدفع تكاليف الفرح بل
وتشتري له مسكنا
واشار مسؤول في الادارة مع ذلك الى ان ولي عهد ابوظبي محمد بن زايد
قام بجولة اخيرا في المناطق الاقل ثراء في الامارات لعقد اجتماعات
مثيلة باجتماعات دوائر البلدية – وهو ما يعتبر على الاقل ايماءة إكبار
للحكم الديمقراطي.
وقال السفير الاميركي السابق في سوريا تيد كتوف ان "المجتمعات
الثرية حقا مثل قطر والامارات والكويت تحظى بقدر اكبر من المزايا"،
واضاف ان "الملكيات تحظى بشرعية اكبر من الجمهوريات" على مستويات
مختلفة.
ان الافتقار الى الشرعية في اليمن اساء الى الرئيس علي عبد الله
صالح، كما ان احتمالات الفوضى هناك تحمل معها مشاكل للامن القومي في
الولايات المتحدة التي حصلت على دعم الحكومة في عمليات مكافحة الارهاب،
ويطالب المحتجون باستقالته حتى بعد ان كان قد تعهد بعدم ترشيح نفسه مرة
اخرى، وتحث الادارة الاميركية الرئيس صالح، الدكتاتور الماكر الذي
استغفل عناصر في بلاده للتمسك بالسلطة لثلاثين عاما، ليعيد احياء
الجهود المتوقفة للاصلاح الدستوري، وان كان احد المسؤولين اعرب عن عدم
تفاؤله من حدوث هذه الانتقالة.
وقال دبلوماسي عربي طلب عدم ذكر اسمه ان "الجمهوريات – وبالتالي
الرؤساء – هم الاكثر عرضة للتغيير، لان من المفروض انهم ديمقراطيون
لكنهم ليسوا كذلك في نهاية المطاف. وهم يتظاهرون بان هناك من يؤيدهم،
لكن ليس هناك من يؤيدهم. اما في الملكيات، فانه ليس بينهم من يتظاهر
بان هناك ديمقراطية في بلاده".
لماذا تساند واشنطن
الى ذلك اتسمت تصريحات الرئيس أوباما حول الأحداث الجارية في مصر
وليبيا بشيء من البطء والإيجاز أحياناً بحيث كان من السهل عدم الانتباه
للتحول الذي طرأ على استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
والحقيقة أن أوباما يراهن بدعمه موجة التغيير الكاسحة التي تجتاح
العالم العربي – على الرغم من قلق حلفائه التقليديين كإسرائيل والمملكة
العربية السعودية – على أن الحكومات الديموقراطية ستكون مستقرة وآمنة
أكثر من الأنظمة السلطوية مما سيعزز بالتالي مصالح الولايات المتحدة في
المنطقة، والواقع أن غريزتي تقول لي بصفتي زائراً للعالم العربي منذ
أكثر من 30 سنة إن أوباما على حق. لكن لو تذكرنا المخاطر الكامنة لتبين
لنا أن من الضروري جداً معرفة كيف سيتخذ البيت الأبيض أحكامه وهل
الاستخبارات الأمريكية تؤيد هذه الأحكام ومن ثم القرارات اللاحقة؟
لكن على الرغم من أن رد البيت الأبيض على الأحداث العاصفة الراهنة
في الشرق الأوسط وشمال افريقيا يبدو غريباً أحياناً، يمكن القول إن
السياسة الأمريكية التي تمر الآن بمرحلة تطور منذ أشهر عدة باتت تتفق
تماماً مع رؤية أوباما للعالم. فهذا الرجل يعتقد جازماً أن التغيير أمر
حتمي ومطلوب، وأن على الولايات المتحدة أن تقف بجانب القوى الجديدة
التي تشكل العالم الآن.
وإذا كان أحد المسؤولين الإسرائيليين قد أعرب عن حذره خلال زيارته
لواشنطن الأسبوع الماضي بالقول: إننا قريبون جداً من عين العاصفة بحيث
لا يمكننا الحكم على الأشياء على نحو صحيح مما يفرض علينا أن نكون أكثر
تواضعاً في تقديرنا ونطرح الكثير من الأسئلة، إلا أن بيت أوباما الأبيض
لا يشعر بأنه يمتلك ترف تأجيل اتخاذ القرار لأن التاريخ يتحرك بسرعة
برأي مسؤول أمريكي يقول: إن علينا الرد على أحداث الواقع بسرعة.
جدير بالذكر أن جذور التحول السياسي الأمريكي تعود لأيام أوباما
الأولى في البيت الأبيض، وإحساسه آنذاك ان علاقة أمريكا بالعالم العربي
ليست جيدة.
وعلى الرغم من أنه بدا كمن يتوافق مع زعماء المنطقة السلطويين، أصدر
في أغسطس 2010 أمراً توجيهياً طلب فيه من الوكالات الحكومية المختصة
الاستعداد للتغيير.
إذاً لما كانت المؤشرات تبين زيادة استياء المواطنين من أنظمتهم في
الشرق الأوسط وان المنطقة على وشك الدخول في فترة تحول حرجة، طلب
الرئيس من مستشاريه تدبر أمر الأخطار الكامنة وإبلاغ المسؤولين في
الشرق الأوسط وشمال افريقيا بأنه من الضروري التحول بشكل تدريجي نحو
انفتاح سياسي حقيقي أكبر ورفع المظالم عن الناس.
بعد ستة أسابيع من ذلك، أطاحت مظاهرات الشوارع زعيمين مستبدين في
تونس ومصر على الرغم من طبهما المساعدة من واشنطن التي بدت آنذاك غير
مكترثة بهما.
والواقع أن أوباما لم يهب لإنقاذهما لإيمانه ان التحولات الجارية
كانت تطورات إيجابية، يقول بن روديس نائب مستشار أوباما لشؤون الأمن
القومي: لنا اهتمام أساسي بالاستقرار من خلال التغيير السياسي
والاقتصادي ومن مصلحتنا ذلك لأن الوضع القائم – يقصد الأنظمة السلطوية
– غير مستقر.
ويضيف روديس قائلاً: توافر حركة الشباب الديموقراطية التي تكتسح
العالم العربي اليوم بديلاً للثورات الإسلامية التي تنادي بها إيران
والقاعدة. ولاشك أن التهديد الذي تواجهه أمريكا سوف يتراجع اذا ما نجح
سيناريو التغيير الراهن.
ولعل من المفيد الإشارة هنا الى أن البيت الأبيض كان قد درس
التحولات الديموقراطية في كل من اندونيسيا، الفلبين، صربيا، بولندا
وتشيلي من أجل الاستفادة من دروسه، ويلاحظ المسؤولون ان مستشار الأمن
القومي توم دونيلون قرأ في الأسبوع الماضي تقرير وزير الخارجية
الأمريكية السابق جورج شولتز حول إسقاط الرئيس فيرديناند ماركوس بشكل
سلمي في الفلبين.
ويبدو أن هذه الدراسة أدت الى توصل المسؤولين الأمريكيين لنتيجة
مفادها ان على حكومات الدول إشراك أطراف المعارضة بالسلطة وتحقيق
التغيير المطلوب والملموس من خلال إطلاق سراح السجناء المعتقلين لأسباب
سياسية للتحرك بعد ذلك نحو عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية ومن ثم العمل
لإعادة كتابة الدستور بما يتلاءم مع قواعد الحكم العصري وتطلعات الشعب.
صحوة العالم العربي
من جهة اخرى تؤكد الاضطرابات الجماهيرية التي اندلعت أولاً في تونس
ثم مصر واليمن والآن في بلدان أخرى بالشرق الأوسط، مدى المشكلة الصعبة
التي يواجهها الغرب اليوم في التعامل مع دول فاشلة وشبه ممزقة، لكن من
الملاحظ أن الاهتمامات تركز حتى هذه اللحظة على المظاهرات والمسيرات
أكثر منه على الحقيقة التي تبين أن التغييرات في الأنظمة التي لا تعالج
أسباب الاحتجاجات الحقيقية لن تؤدي سوى لاستبدال نظام فاشل بآخر مماثل
له.
والواقع أن الفشل في إدراك هذه الحقيقة، وعدم القيام بالتغيير
المطلوب، هو الذي ترك بلداناً عربية عديدة بلا ذلك النوع من الأحزاب
السياسية والزعماء القادرين على العمل معاً لتجنب الخلافات الطائفية
والقبلية. كما أدى لانتفاضات شعبية تعرف من تناهض لكنها تبقى غير واثقة
مما تسعى إليه.
فالمعارضة في مصر مثلاً ممزقة وبلا خبرة، صحيح أن حركة الإخوان
المسلمين هي أقوى بديل سياسي لكنها حركة ايديولوجية أكثر منها عملية،
لذا من غير الواضح ما إذا كان عزل الرئيس حسني مبارك أو عقد انتخابات
جديدة سيؤدي الى بروز حكومة جديدة تستطيع تحقيق مطالب وآمال المتظاهرين،
فهؤلاء يريدون الحصول على فرص حقيقية للعمل، إنهاء الفساد، توزيع عادل
للدخل، ويريدون قيام حكم النظام والقانون الذي يخدم الشعب وليس النظام،
ومن الواضح هنا أن السواد الأعظم من سكان الدول العربية هم من فئة
الشباب في حين تفتقر هذه الدول كلها الى توفير فرص العمل الكافية
والملائمة كما لا تستطيع بنيتها التحتية تلبية حاجيات الشعب.
فقد فشلت جميع هذه الدول بتشكيل اقتصاداتها بطريقة تحوّل النمو الى
توزيع عادل للدخل، واعتمدت كلها أيضاً على خدمات الأمن الداخلي وفشلت
بالتالي في معالجة جذور العنف الداخلي والتطرف والإرهاب.
كما أضعفت هذه الدول ميزانياتها واقتصاداتها بالتركيز على الأمن على
حساب توفير الحكم الصالح والرشيد، وما يزيد الوضع تعقيداً وسوءاً هو أن
المعارضة في هذه البلدان غير مستعدة أو مؤهلة بعد للقيام بالمهمة
الماثلة أمامها الآن، لذا سوف تواجه في حال توليها السلطة مشكلات
رئيسية في استعمال المساعدات على نحو مفيد وعدم تبديدها في الفساد وسوء
الإدارة.
كما ستحتاج كل هذه الدول لإيجاد توازن صحيح بين القطاعين الخاص
والعام، وإعادة تخصيص الأموال بطريقة فعالة من أجل تلبية الحاجيات
المحلية والإقليمية.
وعلى الولايات المتحدة وأوروبا التركيز على مساعدة هذه الدول في
التعامل مع التحديات التي تواجهه، ثمة نقطة مهمة أخرى وهي أن إطلاق
النداءات الفارغة في مجال المحافظة على الاستقرار واتخاذ مواقف سياسية
مفاجئة دعماً لتغيير الأنظمة لن يساعدا الغرب في إقناع شعوب هذه الدول
بأن أمريكا وأوروبا مهتمتان فعلاً بتأمين مستقبل طيب لهم، لذا على
الغرب تقديم المساعدة كي تتمكن الدول العربية من تحقيق حكم صالح وقوي،
وذلك من خلال إنشاء برامج تساعد هذه الدول في تطوير اقتصاداتها بطريقة
تستجيب لمصالح الشعب واحتياجاته.
كما يتعين على الغرب تجاوز التركيز الضيق على الحكومة المركزية، فقد
أظهرت الجهود الأمريكية في العراق وأفغانستان ان مثل هذا التركيز لا
يساعد على قيام حكومة إقليمية ومحلية مؤثرة كما لا يؤمن الثقة الشعبية
لمثل هذه الحكومة.
إن مثل هذه الجهود سوف تكون حيوية بالنسبة لأوروبا في تعاملها مع
مسألة الاستقرار في شمال افريقيا والضغوط التي تدفع المهاجرين الشرعيين
واللاشرعيين لعبور البحر الأبيض المتوسط، كما أن المساعدات الأمريكية
الصحيحة مهمة جداً أيضاً في احتواء إيران وضمان ألا تتخلى مصر والأردن
عن السلام العربي – الإسرائيلي، لذا إذا أرادت أمريكا قيادة مثل هذه
الجهود عليها عندئذ إجراء تغييرات أساسية في سياستها إزاء المنطقة، غير
أن واشنطن لم تظهر حتى الآن للأسف إلا القليل من استعدادها للتعامل
بصدق مع المشكلة المصرية الراهنة أو للقيام بعمل وقائي لمساعدة الأنظمة
العربية الأخرى الصديقة لها كي تتبنى نهجاً أكثر سلمية نحو الإصلاح
والتغيير.
افول نجم امريكا
على صعيد متصل أشار الكاتب البريطاني بيتر أوبورن إلى أن
الإمبراطورية الأميركية في الشرق الأوسط بدأت بالانهيار، وتساءل عن
كيفية وإمكانية تعامل الولايات المتحدة مع الأوضاع الجديدة في المنطقة،
في ظل تساقط الأنظمة الحليفة تباعا، مشيرا إلى انهيار إمبراطوريات عدة
عبر التاريخ، وأوضح أوبورن في مقال نشرته له صحيفة ذي ديلي تلغراف
البريطانية أن الإمبراطوريات يمكن أن تنهار في غضون جيل من الأجيال،
وأن الإسبان كانوا يبدون مسيطرين عند نهاية القرن السادس عشر، لكنهم
سرعان ما ركعوا وانهاروا بعد خمسة وعشرين عاما لاحقة لوصولهم قمة مجدهم،
وذلك بعد ظهور القوى البحرية البريطانية والهولندية.
وأما الإمبراطورية البريطانية فبلغت أوجها في عام 1930، ولكنها
سرعان ما انهارت بعد عشرين عاما من ذلك التاريخ، ومن هنا يمكن القول
إنه قبل عشر سنوات من الآن كانت الإمبراطورية الأميركية تبدو وكأنها لا
يشق لها غبار، ولكن يبدو الآن أنها بدأت تسير في نفس مسار
الإمبراطوريات السابقة.
الى ذلك يرى الكاتب أن نجم أميركا ربما بدأ بالأفول في الأوقات
الراهنة، مشيرا إلى أنها تلقت ضربتين قاسيتين عصيبتين، أولاهما تتمثل
في الأزمة المالية الطاحنة التي عصفت باقتصادها عام 2008 والتي لا تزال
آثارها بادية حتى اللحظة، ويوضح أن أميركا لم تستطع دعم أو تمويل
برامجها الداخلية وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما عاجز عن مقارعة
الأزمة، وأنه يتبع في محاولة علاجها العوامل نفسها التي أدت إلى نشوئها
في المقام الأول، مما اضطر الولايات المتحدة للاستدانة وطلب العون
المالي من الصين، منافستها الدولية.
وأما اللكمة الأخرى التي تلقتها أميركا -من وجهة نظر الكاتب- فتتمثل
في تعرض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط للتهديدات والمخاطر الداهمة
بشكل لم يسبق له مثيل، ويعود الكاتب ليذكر أن الولايات المتحدة ورثت
دوري كل من بريطانيا وفرنسا في المنطقة العربية إثر حرب السويس عام
1956، موضحا أنه برغم الوعود بالاستقلال وتقرير المصير، فإن أميركا
اختارت أن تحكم المنطقة من خلال حكام دكتاتوريين قمعيين مستبدين
وفاسدين، تمدهم واشنطن بالسلاح والتدريب والنصيحة.
ويبدو أن الأميركيين –والقول للكاتب- لا يدركون معنى ما تشهده
الساحة العربية في الوقت الراهن، وأنهم ربما يظنون أن التحول نحو
الديمقراطية عند بعض الدول العربية هو للصالح الأميركي، ويضيف أنه كما
أن عام 1989 شهد انهيار الإمبراطورية الروسية في أوروبا الشرقية، فيبدو
أن عام 2011 سيشهد تساقطا للأنظمة العربية الحليفة لأميركا أو التابعة
لها، وأن الثوار العرب أو المحررين الجدد قد لا ينظرون إلى أميركا
بوصفها النموذج السياسي والاقتصادي الأمثل، ويختتم بالقول إنه ربما لا
يبدو أن الأحداث التي تشهدها الساحة العربية ستجري بالضرورة في المجرى
الضيق الذي يريده البيت الأبيض، موضحا أنه بالإضافة إلى ما قدمه
"فيسبوك" و"تويتر" من إلهامات للشباب المتعلم من أمة العرب، فإن
الأميين منهم أيضا باتوا يشاركون بفاعلية في الثورات الشعبية الملتهبة،
والتي بدأت تطيح بالأنظمة الدكتاتورية المستبدة من حلفاء أميركا الواحد
تلو الآخر، مما ينذر بأفول نجم أميركا في المنطقة. |