التكاليف والمخاطر في ظل إدارة الأزمة الليبية

علي الطالقاني

شبكة النبأ: أبرزت التداعيات السياسية والعسكرية في ليبيا جملة تعقيدات في التعامل مع الملف الليبي ولازال الصوت الدولي خافتا إزاء الثورات الشعبية العربية، ولازالت تطورات المشهد غامضة بسبب  الفشل الذي منيت به الدبلوماسية الغربية في التعامل مع الأزمة، فبرزت تداعيات كبيرة على الساحة وصفها محللون بأنها مخيفة وخصوصا عندما يصل الأمر الى حالة انقسام الى جزئين، بينما  يعكف مخططون عسكريون  على دراسة خيارات عسكرية، فما هي أهم السيناريوهات التي قد تحدث على الساحة الليبية وما هي أبرز التحليلات التي قد تفرز نتائج كانت ايجابية ام سلبية وخصوصا في ظل إدارة الأزمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

ان اهم ما يلفت النظر وجود خطة امريكية سرية لتسليح المعارضة في ليبيا في محاولة لتفادي التورط في الصراع الدائر، وخصوصا بعد ان طلبت من السعودية دعم الثوار الليبيين هناك، لكن السعودية ما زالت في حالة تررد من هذا الأمر وهو الأمر الذي أشار اليه  الكاتب والصحافي روبرت فيسك الذي قال ان السعودية رغم العداوة المريرة بين ملك السعودية عبد الله والقذافي الذي حاول قبل اقل من عام اغتيال الاول. انها مترردة بسبب اوضاعها الداخلية.

ويأتي الطلب الأمريكي ضمن التعاون العسكري بين الطرفين، فالعائلة السعودية المالكة دعمت على الفور الجهود الأمريكية لتسليح الثوار الذين يقاتلون الجيش السوفيتي في أفغانستان عام 1980، كما قامت لاحقاً، ولسوء حظ الأمريكيين بتمويل وتسليح طالبان.

وتعتبر السعودية الحليف الاوثق للامريكيين في المنطقة وهي الوحيدة القادرة على تمرير الاسلحة للمنتفضين في ليبيا بحيث يمكن للولايات المتحدة ان تنأى بنفسها عن التورط المباشر في الرمال الليبية المتحركة رغم ان الاسلحة ستكون امريكية المصدر وسعودية التمويل.

ويعمل المخططون العسكريون في الولايات المتحدة، وكسائر دول غربية أخرى، على غربلة مجموعة من الخيارات بشأن كيفية الرد على الحملة العسكرية الدموية التي أطلقها نظام ليبيا على متمردين يحاولون الإطاحة بالعقيد القذافي.

فقد توسل قادة التمرد في ليبيا لضربات جوية أمريكية على قوات وأسلحة ليبية تم توجيهها نحو المدنيين والاعتداء على معاقل المقاومة، وكان وزير الدفاع، روبرت غيتس، وكبار القادة العسكريين قد حذروا من تداعيات سياسة حال مهاجمة أمريكا مجدداً لبلد مسلم، وحتى لو كان لدعم ثورة شعبية،  وعلى هذا الأساس، يضع مخططو البنتاغون العسكريون في قيادة هيئة الأركان المشتركة بجانب القادة الميدانيين طائفة واسعة من الخيارات تعتمد على كيفية تحول الأحداث في كيفية ومدى القوى التي يتوجب أن تبديها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

فيما يرى محللون من ان التدخل الأمريكي لا يجدي بحل للأزمة وهو الأمر الذي ذهب اليه الكاتب آن أبلبوم الذي قال أنه ما من أصوات حول العالم تنادي بتدخل أمريكي لحسم الصراع الدائر في ليبيا والإطاحة بالعقيد معمر القذافي، ففي خارج حدود أمريكا يسود الصمت، بالتأكيد لا أحد في العالم العربي يطالب بتدخل عسكري أمريكي أو أي نوع من التدخلات الأمريكية، فالديمقراطية المصرية تشعر بالقلق إزاء أموال التنمية التي تقدمها مساعدات من أمريكا قد يساء فهمها كما صرح سياسي مصري بحرص للصحيفة قبل بضعة أيام

لكن مع فلول نجم القذافي يرى الكاتب والمحلل فردريك ويري  أن معمر القذافي غذى خلال مدة حكمه روح الخصومة بين المجموعات الليبية الداخلية بدءا من القبائل وانتهاء بالجيش ويتساءل عن كيفية المنافسة بين هؤلاء لأجل السيطرة على الحكم مع قرب أفول نجم العقيد الليبي؟

فإنه بعد ابتهاج الليبيين والعديد من الناس في العالم المتحضر بسقوط القذافي الذي يبدو أنه بات قدرا محتوما فإن ليبيا ستواجه مهمة صعبة بشأن إصلاح المجتمع بعد الضرر القوي الذي لحق به على أيدي أكثر الأنظمة طغيانا في الشرق الأوسط منذ أمد بعيد.

أن ليبيا تفتقر إلى المؤسسات الشرعية الرسمية وإلى مجتمع مدني فاعل ولذا فإنه من المرجح أن تشهد حقبة ما بعد القذافي بروز المجموعات الليبية المحلية المقموعة منذ أمد طويل وهي تتنازع من أجل السيادة والسيطرة على مشهد سياسي، من المؤكد أن يكون مضطربا.

لكن محللون سياسيون اعتبروا  الحراك الدولي ضد النظام الدموي الليبي لايجدي نفعا فقد انتقد الكاتب ديفد إغناتيوس ما وصفها بالإستراتيجية الأميركية الضعيفة إزاء الثورات الشعبية العربية الساعية للتغيير والديمقراطية، وقال إن صوت الرئيس باراك أوباما كان خافتا بشأن الأحداث في مصر وليبيا وبشأن الثورات الشعبية الأخرى التي تطالب بالتغيير في المنطقة العربية.

وبينما انتقد إغناتيوس أيضا سياسات البيت الأبيض بشأن الموقف الفاتر مقابل ما أسماها الأعاصير التي تعصف بالشرق الأوسط، قال إن أوباما رغم ذلك بقي يراهن على أن الحكومات الديمقراطية التي قد تنشأ في الشرق الأوسط من شأنها أن تجعل المنطقة أكثر استقرارا، وبالتالي أن تسهم في تعزيز المصالح الأميركية في المنطقة.

وتفسر الإدارة الأميركية عدم رغبتها في العمل بتضخيم التكاليف والمخاطر. وقد صدرت وزير دفاعها روبرت غيتس الأسبوع الماضي ليهزأ بحديث فضفاض عن الخيارات العسكرية. حيث قال إنها عملية كبيرة في بلد كبير. ويجب أن نفكر مليا أيضا في استخدام الجيش الأميركي في بلد آخر في الشرق الأوسط.

خيارت استراتيجية لدعم الثوار

ويعتقد خبراء ان امام الولايات المتحدة خيارين استراتيجيين يجب على أميركا اتباعها بشأن الثورات الشعبية العربية الساعية نحو الديمقراطية في المنطقة.

فإما أن تتبنى الولايات المتحدة موضوع التغيير في الشرق الأوسط، فتقف جانبا دون تدخل بشكل مباشر، وبالتالي تقبل بنتائج الثورات، أو أن تتدخل في المنطقة وفي عمليات التغيير نفسها، وبالتالي تشارك في تشكيل النتائج.

والخيار الثاني المتمثل في ضرورة تدخل واشنطن في عمليات التغيير بالمنطقة العربية هو الخيار الأفضل لأميركا، وهو الذي يبقي على قوة وجودها في المنطقة العربية إضافة إلى أنه يمثل الحكمة، تشير إلى أن أميركا الآن -على ما يبدو- ليست مع هذا الخيار أو ذاك.

والحذر من الثورات المضادة. فالاقتتال السياسي أمر لا مفر منه تقريبا خلال الفترات الانتقالية والقوى المناوئة للديمقراطية أوالدينية أوالشيوعية أو غيرها ستتربص في الظلام وتلعب على المفاهيم المتصورة لعدم الاستقرار لتأمين قواعد السلطة وجذب مجندين جدد.

وان الانتخابات لا تصنع ديمقراطية فالديمقراطية يجب أن تكون متجذرة في سيادة القانون، كما كتبت زعيمة المعارضة الأوكرانية يوليا تيموشينكو مؤخرا على موقع شبكة الجزيرة.

احتمالات مستقبلية

ويرى خبراء أنه في حقبة ما بعد القذافي ستلعب قبيلتا المقارحة وورفلة دورا حاسما ومهما بشأن منح الشرعية والوحدة للحكومة الجديدة وسط مخاوف من بروز أمراء حرب قبليين، في ظل توفر مصادر النفط المغرية، إضافة إلى احتمال بروز مجموعات إسلامية كالصوفية والإخوان المسلمين، فضلا عن العرقيات الأخرى المختلفة مثل الطوارق وغيرهم.

وإن ليبيا الجديدة تحتاج إلى مؤسسات تعددية، وإن دستور عام 1951 يمكن أن يكون نقطة انطلاق مفيدة حيث إنه شكل بنية فدرالية وفرت درجة من الحكم الذاتي للولايات وتقاسم الثروة بين طرابلس وبنغازي، وأن البلاد تحظى بمخزون وافر من الخبراء والإداريين والاقتصاديين والكفاءات المختلفة.

وأنه من الأهمية بمكان أن يقوم الجيش وجهاز الأمن بتطوير هويتيهما ومفاهيمهما بالابتعاد عن الولاءات القبلية والجغرافية وأن يوسعوا من سطوة حكومة ما بعد القذافي لتصل إلى المناطق النائية وتأمين حدودها وأن على مؤسسات البلاد الأمنية أن تعيد بناء نفسها بطريقة تجعلها تحت إمرة السلطة المدنية، دون السماح ببروز كتائب أمنية أو إقطاعات عسكرية مرة أخرى في البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعائ 9/آذار/2011 - 3/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م