التعليم... بين جهل الموروث وفن الحداثة

 

شبكة النبأ: يعتبر التطور في التعليم بين دول العالم من المقاييس الرئيسية الدالة على مستوى التقدم والازدهار الذي تعيشه هذه الدول فالتعليم والتطور وجهان لعملة واحدة، وقد اختلفت الدول في طرق التعليم واساليبه تبعاً لمورثها الحضاري ونظامها السياسي وان اتفقت من حيث المبدأ على اسس وقوانين مشتركة.

ان الدول في سعيها الجاد خلق جيل متعلم تحاول بشتى الامكانات المزج بين الموروث من عادات وقيم متأصلة بين شعوبها وبين الاساليب العلمية الحديثة في التعليم والتي جاءت نتيجة لدراسات وبحوث مستفيضة في هذا المجال ولسنين طوال.

وطبعاً هناك الكثير من المشاكل التي تعيق الانخراط في التعلم وصولاً الى التقدم ومن ابرزها العلاقة التي تربط المعلم بتلاميذه ونوعية التعليم واستغلال الاطفال في النزاعات المسلحة بدلاً من تعليمهم وغيرها الكثير.

قواعد ممنوع اللمس

فقد قال وزير التعليم البريطاني مايكل جوف إن القواعد التي تمنع المعلمين من زجر التلاميذ أو تشجيعهم عن طريق التلامس البدني ستلغى في اطار خطط لضمان تحسين قدرة المعلمين على فرض سيطرتهم داخل الفصل الدراسي، وفي مقابلة نشرت في صحيفة الجارديان قال جوف انه "سيوضح ويقلص" دليل المعلمين للانضباط والترهيب الذي يضم حوالي ألف صفحة، وقال جوف "يخشى المعلمون اذا فرضوا درجة من الانضباط أن ينشق تلميذ ويقول (أعرف حقوقي) ومن ثم يصبح المعلمون متحفظين ازاء فرض سيطرتهم."

ووعد جوف بانهاء ما يسمى قواعد "ممنوع اللمس" المطبقة في العديد من المدارس وهو ما لا يشجع المعلمين على القيام بتلامس بدني مع الاطفال رغم انه قال انه لا يؤمن بالسماح للمعلمين بضرب الاطفال، وقال جوف "أعتقد أن المعلمين بحاجة إلى معرفة أن بإمكانهم زجر الاطفال بدنيا وبإمكانهم التدخل بين طفلين تسببا في مشكلة وبإمكانهم طردهم من حجرة الدراسة، وأضاف "الشيء المهم هو أن يعرف المعلمون انهم مسيطرون وانهم سيتلقون الدعم من هذه الادارة والنظام القضائي." بحسب رويترز.

وقال جوف أيضا إن المعلمين سيمنحون سلطة تفتيش الاطفال بحثا عن أي شيء محظور وفقا لقواعد المدرسة ووعد بحق عدم الكشف عن هوية المعلمين الذين تواجههم اتهامات من التلاميذ.

في سياق متصل فصلت مدرستان في سورية ومنعتا من التعامل مع الاطفال اثر بث مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يصورهما تضربان التلاميذ الصغار، ويظهر الفيديو المدرستين وهما تضربان التلاميذ على ايديهم واقدامهم بالعص، واجرت وزارة التعليم السورية تحقيقا في الموضوع بعدما ادى نشر الفيديو الى حالة غضب في البلاد، وتم التعرف على المدرستين في مدرسة بريف مدينة حلب شمال سورية وتم فصلهما.

وكشف التحقيق ان المدرستين عوقبتا من قبل عام 2004 بسبب شكاوى مماثلة عن سوء معاملتهما للاطفال، وقالت وزارة التربية السورية في بيان لها انها "مصممة على منع اي تجاوز او انتهاك لحقوق الاطفال في المستقبل"، وكشف عن الواقعة عندما دعت مجموعة على فيسبوك الى "المساعدة في التعرف على هوية المدرستين اللتين تؤذيان اطفالنا".

الى ذلك ادى منع العقاب الجسدي في المدارس في العديد من مناطق كوريا الجنوبية ترك المعلمين حائرين، في بلد تسوده الثقافة العسكرية وقد أدارته حكومات استبدادية حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي.

تقول جنيفر شانغ، 36 عاما، وهي معلمة رياضيات في مدرسة تقع بالقرب من سيول "لا أدري كيف يمكنني الاستمرار في صف فوضوي يضم أربعين فتى هائجا، ولا كيف أفرض الهدوء من دون معاقبتهم"، لتأديب تلامذتها، كانت تستعمل عصا من خشب الجوز، لكن السلطات التعليمية في عاصمة كوريا الجنوبية منعت العقاب الجسدي في المدارس في تشرين الثاني/نوفمبر 2010، وحذت حذوها مقاطعتان، وقد أثارت هذه القرارات جدالا حادا في كوريا الجنوبية، حيث تولى أهمية كبرى للتعليم وحيث العقاب الجسدي أمر مقبول ويتم تشجيعه.

فدخول جامعة مرموقة يحدد المسيرة المهنية، وحتى إمكانات الزواج. وهي ضغوط تبرر، وفقا للأهل والمعلمين، اللجوء إلى الصفع أو الضرب بالعصا في حال لم ينجز التلامذة فروضهم أو بعد نيلهم علامات سيئة أو إذا ما ثرثروا. بحسب فرانس برس.

وكعقاب، يفرض على التلامذة أيضا القيام بتمارين لعضلات الذراعين عن طريق الانبطاح ومحاولة الارتفاع مرة بعد مرة بالاستناد الى اليدين او اصابع القدمين، أو إبقاء أذرعتهم مرفوعة، أو السير حول الملعب بوضعية القرفصاء، وأظهرت دراسة حديثة أن 70% من التلامذة أو طلاب المدارس الثانوية خضعوا لعقاب جسدي. وقد أدت إصابات خطرة تسبب بها الضرب العنيف إلى إدخال بعض المعلمين إلى السجن.

وفقا لكيم دونغ سيوك الناطق باسم اتحاد نقابات المعلمين، فإن أعداد التلاميذ الكبيرة في الصفوف والضغوط للنجاح تدفع المعلمين إلى اعتماد قواعد تأديبية صارمة، يقول كيم "بوجود 40 تلميذا في الصف الواحد ورغبة كل الأهل بدخول اولادهم الى جامعات جيدة، تستحيل ممارسة هذه المهنة من دون عقاب جسدي"، وتضم الصفوف في كوريا الجنوبية 35،3 تلميذا كمعدل وسط، وهو احد اعلى المعدلات في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

التعليم والإصابة بضغط الدم

من جهة اخرى وعلى الرغم من الضغوط النفسية القوية الناجمة عن التعليم، تشير آخر الدراسات العلمية الى انه من جانب آخر مفيد في تقليص ضغط الدم عند الناس، وقال بحث متخصص صدر حديثا في الولايات المتحدة ان الادلة على وجود صلة بين انخفاض ضغط الدم والتعليم تظهر اكثر على النساء منها في الرجال، وتقول جمعية امراض القلب البريطانية ان نتائج البحث تظهر وجود صلة بين الحرمان من التعليم وارتفاع فرص تعرض الانسان الى مشاكل في القلب والامراض ذات الصلة بها.

كما يقول الباحثون ان هناك صلة بين ارتفاع المستوى التعليمي وتراجع احتمالات تعرض الانسان الى امراض القلب، ويعتقدون ان السبب يكمن في ضغط الدم.

وراجعت الدراسة العلمية معطيات تعود لـ 3890 شخصا على مدى ثلاثين عاما، حيث قسموا الى ثلاث مجموعات، الاولى من ذوي التعليم البسيط (12 عاما او اقل)، والثانية التعليم المتوسط ( 13 الى 16 عاما من التعليم)، والثالثة التعليم العالي، ممن تعلموا لنحو 17 عاما او اكثر، وقارنت الدراسة حالات ضغط الدم عند هذه المجموعات الثلاث على امتداد 30 عاما، حيث تبين ان ضغط الدم عند النساء الاقل تعليما كان اعلى مقارنة بمن حصلن على تعليم عال.

وقد اخذت الدراسة في الاعتبار عوامل اخرى، مثل التدخين والادوية وتعاطي الكحول، وتأثيرها على تاريخ معدلات ضغط الدم في الجسم، ويقول البروفيسور اريك لوكس، المشرف على الدراسة في جامعة بروان الامريكية، ان النساء اللواتي يحصلن على تعليم اقل عرضة للاكتآب اكثر من غيرهن، واكثر عرضة لان يتحولن الى امهات عازبات يعشن في ظروف اقتصادية متردية، وربما تحت مستوى خط الفقر.

أفضل أسلوب للاستذكار

على صعيد متصل أكدت دراسة أميركية أن تسجيل المعلومات التي استفادها المستذكر من دروسه فورا هي الطريقة المثلى للاحتفاظ بهذه المعلومات وأنها أكثر فعالية من الرسوم الكروكية التي يرسمها الطالب أثناء استذكاره دروسه بل وأفضل من قراءة النص المراد تعلمه مرة أخرى.

وأشار علماء أميركيون في الطب النفسي إلى أنه من المهم بالنسبة للنجاح الدراسي على المدى الطويل أن يسترجع الطالب ما استوعبه من دروس فور انتهائه من الاستذكار، وذلك من خلال تسجيل ما فهمه من النصوص.

وقال الباحثان الأميركيان جيفري كاربيكه وجانيل بلونت في دراستهما التي نشرت في مجلة "ساينس" الأميركية إن الطلاب الذين طلب منهم تسجيل مضمون النص العلمي الذي حصلوا عليه في كل من المرتين اللتين حصلوا عليه فيهما كانوا الأكثر نجاحا من بين الطلاب الذين شملتهم الدراسة، وقدم الباحثان خلال الدراسة نصا قصيرا عن ثعلب الماء لثمانين طالبا من جامعة بوردو بولاية انديانا وقسموا إلى أربع مجموعات وطلب من طلاب كل مجموعة تعلم مضمون النص بطريقة مختلفة وأعطيت المجموعات الأربع نفس الوقت.

وحصل طلاب المجموعة الأولى على مضمون النص كوحدة واحدة واحتفظوا به في ذاكرتهم بهذا الشكل في حين حصل الطلاب العشرون التابعون للمجموعة الثانية على النص على شكل أربع وحدات متتالية. أما طلاب المجموعة الثالثة فكان عليهم تحرير النص بشكل مستقل أثناء قراءته ثم عرضه على شكل مسودات، وهي الطريقة التي يفضلها الكثير من أطباء علم النفس كأسلوب أمثل للاستذكار. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

أما طلاب المجموعة الرابعة فكان عليهم أن يكتبوا كل ما احتفظت به ذاكرتهم بعد قراءة قصيرة للنص ثم حصلوا على النص مرة أخرى وطلب منهم قراءته ثم تسجيل كل ما تعلموه ثانية.

وتبين للباحثين خلال الاختبار الذي أجروه بعد أسبوع من هذه التجربة أن طلاب المجموعة الرابعة كانوا الأفضل احتفاظا بمضمون النص سواء من خلال إجاباتهم عن محتوى النص أو من خلال المسائل المعقدة التي طرحت عليهم لقياس مدى فهمهم للنص، ولم يكن هناك فارق واضح بين مستوى المجموعات الثلاث الأخرى، وقال الباحثان تعليقا على نتائج دراستهم إن تسجيل مضمون النص المراد استذكاره على شكل مسودة مهم للاستذكار بلا شك ولكن الدراسة أوضحت أن الفهم طويل المدى للمادة العلمية يكون على الأرجح أفضل من خلال تكراره من الذاكرة.

وأوضح اختبار آخر شمل 120 طالبا أن هذه المقولة تنطبق على معظم الطلاب المشاركين في الدراسة ولكن ليس على جميعهم حيث طلب من جميع الطلاب تحويل نص علمي أثناء القراءة إلى مسودات وإعادة كتابة نص آخر اعتمادا على الذاكرة بعد قليل من قراءته.

وجد الباحثون أن تسجيل مضمون النص عقب قراءته ساعد 101 طالب (84%) بالشكل الأفضل في استيعاب النص في حين أن 13 طالبا حققوا نتائج أفضل من خلال المسودات، ولم يكن هناك فرق بين أسلوبي التعلم لدى الطلاب الستة الباقين في حين كان 75% من الطلاب يعتقدون قبل التجربة أن الاستذكار من خلال المسودات هي السبيل الأفضل للاستيعاب.

النزاعات المسلحة

من جهتها اكدت منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) ان 28 مليون طفل "محرومون من التربية بسبب نزاعات مسلحة" تعرضهم خصوصا "لهجمات متعمدة على مدارسهم" و"للاغتصاب" و"للعنف الجنسي"، وقالت المنظمة في تقرير بعنوان "الازمة المخفية: النزاعات المسلحة والتربية" انه من اصل 67 مليون طفل في سن الذهاب الى المدرسة الابتدائية الا انهم لا يرسلون "يقيم 42 بالمئة اي "28 مليونا في دول فقيرة تشهد نزاعات".

واوضحت اليونيسكو لوكالة فرانس برس ان رقم 28 مليون هو لسنة 2008 مضيفة انها لا تملك ارقاما سابقة لهذا التاريخ، واوضح المشرف على التقرير كيفن واتكينز ان احدى المشاكل الرئيسة تتمثل "في ان اطراف النزاع تستهدف عمدا الاطفال والمدارس"، ففي افغانستان سجل ما لا يقل عن 613 هجوما على مدارس في العام 2009 في مقابل 347 في 2008، واضاف التقرير ان اعمال العنف الجنسية والاغتصاب "استخدمت بشكل واسع كتكتيك حرب" لذا يمنع الخوف من التعرض لاعتداءات جنسية، بين امور اخرى "الاطفال من التوجه الى المدرسة ولا سيما الفتيات".

وتحمل اليونيسكو جزءا من المسؤولية الى نظام المساعدات الانسانية "الذي يتجاهل الاطفال" في هذه الدول.

وهي تشدد على ان "اقل من 2 بالمئة من المساعدة الانسانية (اي 149 مليون دولار) تخصص للتربية "الامر الذي لا يسمح الا بتلبية عدد ضئيل جدا من طلبات المساعدة" في هذا المجال على ما اوضح واتكنز، واقترحت المنظمة تشكيل لجنة دولية حول الاغتصاب واعمال العنف الجنسية مدعومة من المحكمة الجنائية الدولية "واصلاح نظام المساعدات الانسانية" ولا سيما من خلال تطوير صنادق مشتركة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آذار/2011 - 2/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م