
شبكة النبأ: بعد مرور شهر على اندلاع
ثورة [الغضب] في مصر، تمت الاستجابة إلى المطلب الأول من مطالب الشعب
الرئيسية مع رحيل حسني مبارك. بيد، إن هذا التطور قد ترك قيادة الدولة
في أيدي "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، وهو الهيئة التي يترأسها في
الظاهر وزير دفاع مبارك المشير محمد حسين طنطاوي، وتتألف جزئياً من
رؤساء هيئة الأركان المشتركة للقوات العسكرية.
وبعد أن اجتازت القوات المسلحة فترة حساسة بنجاح وسلام حتى الآن،
بدأت تحظى بدرجة من ثقة الجمهور يمكن تفهمها. إن هذه الثقة هي الأساس
للمطلب الأول لحماية الديمقراطية المصرية ألا وهي: وتيرة حذرة ومتأنية
للإصلاح الدستوري والقانوني، يُفضي إلى انتخابات جديدة تكون تنافسية
وشرعية. وفي الوقت نفسه، لن تكون ثقة المصريين في جيشهم غير مشروطة
وغير محددة، وبصورة خاصة إذا انحرف "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" نحو
اتخاذ قرارات غامضة قد تعكس مسار مصر الديمقراطي.
دينا جرجس الباحثة في معهد واشنطن وتعمل ضمن مشروع فكرة هزيمة
التطرف من خلال قوة الأفكار وديفيد بولوك المتخصص في الرأي العام الشرق
الأوسطي والإسلامي، يسلطان من خلال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في
قراءة لهما الضوء على مستقبل الديمقراطية الناشئة في مصر.
الغموض الدستوري
منذ الإطاحة بحسني مبارك، ظهر "ائتلاف" غير منظم ومتغير في فترة ما
بعد الثورة كوسيلة لتوصيل مطالب المحتجين إلى "المجلس". وتتألف هذه
الكتلة من حركة شباب «6 نيسان/أبريل» وجماعة «الإخوان المسلمين»
و«الجمعية الوطنية للتغيير» بقيادة محمد البرادعي وحزبي المعارضة: «الجبهة
الديمقراطية» و«الغد»، ونشطاء الانترنت الذين كان لهم دور فعال في
تقديم الدعم التكتيكي للثورة مثل المدير التسويقي لشركة جوجل وائل غنيم.
وقد عبروا معاً عن عدد من المطالب، بما فيها تعليق الدستور، وحل
المجلسين التشريعيين الوطنيين، وإنهاء قانون الطوارئ، وتعيين حكومة
جديدة من التكنوقراط للإشراف على عملية نقل السلطة.
وقد استجاب "المجلس" حتى الآن للمطلبين الأولين فقط، وبصورة جزئية
عن طريق تعيين لجنة لتعديل الدستور. لكن من غير الواضح كيف اختار "المجلس"
هذه اللجنة أو فيما إذا كان عملها سيُنتج إطاراً لديمقراطية حقيقية أم
لا. إن جميع الأعضاء الثمانية المعروفين في اللجنة هم قضاة محترمين،
لكن كلهم من الرجال. وعند نقطة ما، أظهر كل من رئيس اللجنة والبرلماني
الوحيد السابق فيها، توجههما السياسي الإسلامي بصورة علنية.
وأنيطت باللجنة مبدئياً، مهمة تعديل أو إلغاء ست مواد من الدستور
خلال فترة عشرة أيام فقط، وهو موعد انتهى بسرعة في 23 شباط/فبراير.
وتتعلق هذه المواد أساساً بالانتخابات الرئاسية وحدود فترات [الرئاسة]
والسلطات التشريعية والإشراف القضائي على الانتخابات. وهناك مادة أخرى
رئيسية خاضعة للمراجعة أو الحذف وهي المادة 179 التي تمنح الموافقة
الدستورية لقانون الطوارئ المصري القمعي الذي طال أمده ويجري العمل به
منذ اغتيال الرئيس السابق أنور السادات قبل حوالي ثلاثين عاماً.
وحالما يتم تعديل هذا القانون سوف يُقدَّم الدستور إلى استفتاء شعبي
خلال ستين يوماً، تعقبه إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في غضون ستة
أشهر. لكن في 17 شباط/فبراير، أي ما يقرب من منتصف المدة المعلنة لعمل
اللجنة، كشف رئيسها أن هناك مواد وقوانين إضافية ربما تخضع هي الأخرى
للمراجعات -- وأن مداولات اللجنة حول هذه الأمور سوف تبقى سرية.
مخاوف انتخابية رغم التقدم
شهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة من الإشارات الأكثر تبشيراً من
قبل حكام مصر العسكريين الذين يحكمون البلاد خلال الفترة الانتقالية.
فوزارة الإعلام الأورويلية [نسبة إلى ما تنبأ به جورج أورويل لصورة
الحكومات الاستبدادية] في البلاد قد تم إلغاؤها بسرعة وتم تعيين وزراء
الحكومة الجديدة من عدة أحزاب أو جماعات معارضة وإن أُسندت إليهم حقائب
وزارية صغيرة: فأحدهم من «حزب الوفد» الليبرالي، وثاني من «حزب التجمع»،
وآخر هو نائب رئيس الوزراء من الجماعة غير الرسمية «لجنة الحكماء» التي
توسطت بين الجيش والمحتجين في "ميدان التحرير". وبالإضافة إلى ذلك، تم
السماح أخيراً لفصيل سياسي جديد هو «حزب الوسط الإسلامي» (المعتدل)
بالتسجيل بعد أن ظل قابعاً في طي النسيان مدة دامت خمسة عشر عاماً في
ظل نظام مبارك البيروقراطي.
ومع ذلك، ما تزال ثلاثة مناصب رئيسية -- وهي وزير الخارجية ووزير
العدل ورئيس الوزراء -- في أيدي من عيّنهم مبارك، وهي إشارة مقلقة
للمحتجين الذين ما يزالون يطالبون بتعديل وزاري جذري أكبر. وبالإضافة
إلى ذلك، فإن الجدول الزمني لـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" لتعديل
الدستور وعقد ثلاثة استفتاءات حاسمة يُعتبر إشكالياً، لأن العديد من
القضايا الحساسة التي يمكن أن تستبقي العوامل الاستبدادية للدولة ما
تزال دون حل.
فعلى سبيل المثال، ما يزال يتعيّن على "المجلس" إزالة قانون الطوارئ
الذي كان عائقاً كبيراً أمام الأحزاب السياسية الليبرالية من خلال حظره
للتجمعات السلمية وغيره من الأنشطة. ووفقاً لوسائل الإعلام المصرية
يعتزم "المجلس" إلغاء هذا القانون خلال الأشهر الستة المقبلة، ويُفترض
أن يفعل ذلك بعد إزالة الحماية الدستورية بشأنه، لكن ليس واضحاً ما إذا
كان سيحدث ذلك قبل الانتخابات الوطنية الجديدة أم بعدها. وبالمثل، ليس
من الواضح ما إذا كان قانون الأحزاب السياسية عالي الانتقاء في مصر وما
يتصل به من فقرات -- سيئة السمعة من حيث قيودها التحكمية على تسجيل
وعمل الأحزاب -- سوف يتم تعديله في الوقت المناسب لإعطاء القوى
السياسية الليبرالية فرصة حقيقية لكي تنظّم نفسها قبل خوض الانتخابات.
وفي هذا السيناريو، سيتم تفضيل الفصائل الأكثر تنظيماً فقط في انتخابات
خاطفة حتى وإن لم تحظى بدعم الأغلبية بين أوساط الجمهور. ومن شأن هذا
القيد أن يدمر آفاق المشهد السياسي الأكثر إنصافاً ويخون مطالب غالبية
المصريين. وإذا يعمل برلمان -- يتم انتخابه على عجل وبصورة غير نزيهة
-- على كتابة دستور مصر القادم، الذي ربما لن يخضع لموافقة شعبية في
استفتاء، سيتم حينئذ إضفاء طابع مؤسسي على الخيانة.
أهو دور غير متكافئ لـ «الإخوان المسلمين»؟
في هذا السياق، يستحق «الإخوان المسلمون» تمحيصاً دقيقاً حيث يدعي
قادة الحزب حالياً أن «الإخوان المسلمين» سوف يكسبون حوالي 30 بالمائة
من الأصوات في انتخابات حرة ونزيهة. كما أن استطلاعات الرأي الموثوقة
التي أُجريت خلال السنتين الماضيتين تعطي بعض الدعم لهذا التقدير، مما
يعني أن أغلبية المصريين يرفضون «الإخوان المسلمين». وقد أظهر استطلاع
مركز "پيو" في نيسان/أبريل 2010، أن 61 بالمائة من المصريين كانوا
قلقين من التطرف الإسلامي في بلادهم. كما أظهر استطلاع لمؤسسة "پيختر"
في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، أن أغلبية كاسحة من المصريين اعتبروا أن
مكافحة الفقر أو البطالة أو الفساد -- وليس فرض الشريعة أو مطالب
إسلامية أخرى -- تمثل الأولوية الأولى أو الثانية لبلادهم. وبصورة أكثر
مباشرة، أظهر استطلاع أيار/مايو 2009 أجرته مؤسسة »وورلد پابليك
أوپينيون.أورغ« أن 29 بالمائة فقط من المصريين لديهم رؤية "إيجابية
للغاية" تجاه جماعة «الإخوان المسلمين».
ومع ذلك، إذا أجرت مصر انتخابات في وقت مبكر جداً وحرمت
الديمقراطيين العلمانيين من فرصة التناسب على ملعب متساوٍ، فيمكنها
بذلك أن تسلم جماعة «الإخوان المسلمين» نصيباً غير متكافئاً -- إلى حد
كبير -- من السلطة. وسيكون الاندفاع بسرعة نحو الانتخابات، أكثر خطورة
حتى لو بقيت الأحزاب المعتدلة والعلمانية منقسمة إلى درجة كبيرة -- كما
تظهر الآن -- بحيث تُبعثر أصواتها وتفقد صوتها الذي يمثل الأغلبية، قبل
أن تحظى أحزاب جديدة بفرصة تثبيت أقدامها.
وعلاوة على ذلك، فعلى الرغم من أن بعض التصريحات الأخيرة لجماعة «الإخوان
المسلمين» تُظهر صورة من الاعتدال، إلا أنه يبدو أن «الجماعة» مصممة
على اتباع مواقف إشكالية معينة. فعلى سبيل المثال، عند إعلان «الإخوان
المسلمين» عن عزمهم على تشكيل «حزب الحرية والعدالة» صرح كبار مسؤولي «الجماعة»
أنه من غير "المناسب" للمرأة أو غير المسلم أن يترأسا هذا الحزب أو أن
يتم انتخاب أحدهما رئيساً. ولذا يجب على مصر أن تحدد بعناية معايير
النظام الانتخابي الجديد. ومن المؤكد تقريباً أن يكون بعض التمثيل
التناسبي المتنوع الذي يشجع على التعددية مفضَّلاً على النظام الذي
يسمح لحزب أقلية أيديولوجية محكم التنظيم، بالحصول على أغلبية نسبية
كبيرة مصطنعة أو حتى على أغلبية المقاعد في البرلمان.
غياب الشفافية
بشكل عام، إن ميل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" إلى تقديم تفاصيل
قليلة عن المسائل الحساسة يمثل سبباً للقلق. فلم يقدم "المجلس" أية
تعهدات لإعادة هيكلة قوات الأمن الداخلية في مصر بصورة جذرية. وبغض
النظر عن إجراء مناقشات قليلة حول السماح بتسجيل الناخبين الذين يحملون
بطاقات هوية وطنية، لم يعطي "المجلس" دلالة تُذكر حول تعديل قوانين مصر
الانتخابية، التي حدَّت بشكل كبير من القاعدة الانتخابية، وفضّلت إلى
حد كبير النظام [الحاكم حالياً] وجماعة «الإخوان المسلمين» فقط. وفي
الواقع، نفذ "المجلس" بعضاً من أهم قراراته -- بما في ذلك اختيار حكومة
انتقالية -- بشكل غامض مما أدى إلى قيام انتقادات من قبل المجتمع
المدني المصري. كما أن "حوار" «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» مع مختلف
قوى المعارضة كان تحكمياً على أحسن تقدير مما خلق انقسامات بين
المعارضة المجزأة بالفعل في البلاد.
ولذا فمن الأهمية بمكان أن تقبل الولايات المتحدة الرغبة الجماهيرية
المصرية في حماية مبادئ ثورة الشعب، ويشمل ذلك كل من الشفافية
والمشاركة في عملية نقل السلطة، فضلاً عن تجنب أي اندفاع نحو قيام
انتخابات مزورة أخرى. كما أن اليقظة واستمرار المشاركة المدنية المكثفة
ستكون مطلوبة، للحفاظ من أي انزلاق نحو شكل مختلف من الاستبداد الديني
أو العسكري -- أو كلاهما.
السياسة الأمريكية
من جانبها، ينبغي على واشنطن أن تبتعد عن الأضواء العامة في الوقت
الراهن، وأن تبقى مركِّزة على الأسلوب الذي تتخذه مصر في هذه الفرصة
التاريخية. وتحديداً، يجب على المصريين أن يقرروا لأنفسهم ما إذا كانوا
سيحتفظون أو يخففون أو يتخلون عن الحظر الدستوري الحالي المفروض على
الأحزاب السياسية الدينية. وعلاوة على ذلك، يجب على جماعة «الإخوان
المسلمين» أن توضح برنامجها كحزب سياسي. ومن وجهة نظر المصالح
الأمريكية فإن معارضة جماعة «الإخوان المسلمين» الحثيثة للسلام مع
إسرائيل هي واضحة وتمثل خطراً. ولذا سيكون من السابق لأوانه، ومن غير
المستحسن بالنسبة لواشنطن أن تغير من تحاشيها لجماعة «الإخوان المسلمين»،
حتى تُثبت ما يؤيد توجهها الديمقراطي والتزامها بالسلام في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، وبصورة سرية على نحو مناسب، ينبغي على الإدارة أن
تستمر في تشجيع الهيئة العسكرية المصرية على دعم انتقال -- أكيد ومدروس
في الوقت ذاته – نحو تشكيل حكومة ديمقراطية مدنية بصورة تامة. وهذا
يعني عدم الاندفاع بصورة مستعجلة لإجراء انتخابات مبكرة والقيام
بتغييرات دستورية بالجملة أو بصورة متسرعة، وعدم تسليم السلطة خلال
فترة يطول أمدها، أو مقتطعة من الزمن اللازم لتحضيرها. وإلى جانب
قيامها بتقديم المساعدة الاقتصادية الطارئة ينبغي على الولايات المتحدة
أن تبدأ بسرعة بتقديم المشورة الهادئة والمساعدة الفنية -- يُفضل أن
يكون ذلك من خلال المنظمات غير الحكومية المخصصة لهذا الغرض -- من أجل
دعم تماسك حياة سياسية مصرية ذات ديمقراطية وتعددية حقيقية.
الديناميات والتحديات والتوقعات
وتقع مصر الآن بصورة فعلية تحت السيطرة العسكرية، ومن المرجح أن
تبقى كذلك لبضعة أشهر. ويمسك "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" بزمام
السلطة الفعلية لاتخاذ القرارات، رغم أن التشكيلة الوزارية المدنية ما
تزال في مكانها. وقد تعهد "المجلس" بنقل السلطة بصورة سريعة إلى حكومة
مدنية جديدة لكنه احتفظ حتى الآن بسلطات حالة الطوارئ، ولم يدعُ أي
مدنيين للمشاركة في مناقشاته. إن ما يحدث داخل هذه الهيئة --
دينامياتها وعملياتها وتطورها -- سيكون هو العامل الحاسم لمستقبل مصر.
ورغم أن الجيش يُظهر حالياً شكلاً موحداً إلا أنه ليست هناك ضمانة بأنه
سيبقى كذلك فيما بعد. وفي الحقيقة فإن العوامل الإنسانية، جيدة كانت أم
سيئة، سوف تؤثر على كيفية لعب "المجلس" لدوره سواء كان قادراً على
الوفاء بالمطالب المسندة إليه، وعما إذا كان انتقال مصر إلى
الديمقراطية سيكون سلساً أو صعباً أو حتى إذا سيتم إجهاض تلك العملية.
اللحظة الفارقة
في اللحظة التي استلموا فيها السلطة، ألزم أعضاء "المجلس الأعلى
للقوات المسلحة" أنفسهم بمشروع لا يخلو من المجازفة. فاستقرار مصر
السياسي واقتصاد البلاد ونسيجها الاجتماعي كانت تتعرض للتفكك. وقد عمل
الجيش على منع الموقف من التدهور إلى فوضى. ووفقاً لكل الدلائل الواضحة
إنه قام بذلك على مضض، فقط بعد أن أعطى النظام الفرصة لتحقيق الاستقرار
للدولة، وتصحيح وضعه. ولم تكن هذه هي حالة جيش يسعى إلى السلطة، بل
فُرضت عليه المسؤولية لإدارة البلاد.
ومع ذلك، فالآن لدى "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" المسؤولية
والسلطة للتعامل مع الأزمة على حد سواء. فهو يتمتع بقدر كبير من حسن
النية الشعبي المبني على تعامله الحذر مع المظاهرات، لكنه ما يزال
يواجه مخزوناً من الريبة إزاء دوره في النظام ونواياه للمستقبل.
وعلى الأقل تُقدم ثورة 1952 وصعود جمال عبد الناصر إشارة إلى المدى
الذي يمكن أن تفسد به الثورة المصرية. فبعد أن أنهى ذلك الانقلاب
النظام الملكي نبذ أي تقدم نحو الديمقراطية بسبب الطموح العسكري
والتصارع السياسي الداخلي. وتختلف مصر عام 2011 تماماً عن مصر عام
1952؛ بيد، إن نتائج الثورة السابقة -- ما يقرب من ستين عاماً من الحكم
الاستبدادي -- ينبغي أن تعطي تحذيراً تجاه هذه الثورة الأخيرة التي هي
بالتأكيد لا تضمن إنتاج المحصلة الديمقراطية التي يرغب فيها الكثيرون.
"المجلس الأعلى للقوات المسلحة"
تشير الأخبار المقتضبة بأن "المجلس الأعلى للقات المسلحة" يتكون من
حوالي خمسة عشر إلى عشرين من كبار الضباط، كان الكثير منهم بالكاد
معروفاً (أو مجهولاً) قبل توليهم المسؤولية. ويؤكد حجم "المجلس" بأنه
يهدف إلى ضمان تمثيل جميع قطاعات الجيش، وتوزيع المسؤولية الفردية.
ويبدو أن جميع المكونات الكبرى ممثلة فيه، رغم أنه يبدو كما هو متوقع
بأن الجيش هو أقوى مكوناته. وعند النظر إلى تكوين "المجلس الأعلى
للقوات المسلحة"، من الممكن أن تتطور فيه فصائل مختلفة بمرور الوقت.
إن جميع الضباط في "المجلس" هم جنود محترفون خدموا لفترة طويلة،
وتعرف الكثير منهم بشكل كبير على القوات الأمريكية، والمفاهيم العسكرية
الحديثة. ورغم أن هذا لا يعني أنهم ديمقراطيون بالزي العسكري [بدون
وجود أي اختلاف بينهم]، إلا أن ذلك لا يشير بأنهم قد يكونوا أكثر
انفتاحاً على الإصلاح السياسي من نظرائهم الذين أتوا إلى الحكم بعد
ثورة 1952 والذين تم تدريبهم والتأثير عليهم من قبل الاتحاد السوفيتي.
وقد ظهر وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي كالوجه النشط في "المجلس"،
وربما يتمتع ببعض القدر من الولاء بسبب رتبته ووضعه وتاريخه. ولديه
بالفعل حليف واحد مرجح على الأقل في "المجلس"، وهو اللواء محسن الفنجري
مساعد وزير الدفاع، والمتحدث الرسمي الآن باسم "المجلس".
والضابط الثاني الرئيسي هو الفريق في الجيش سامي حافظ عنان، رئيس
أركان الوقات المسلحة المصرية. فبالإضافة إلى تمتعه ببعض من نفس
المزايا التي يتمتع بها طنطاوي، هو أيضاً يقود الجيش الذي هو أكبر
وأقوى فرع في المؤسسة العسكرية المصرية.
وفي الواقع، من المرجح أن تكون العلاقة بين طنطاوي وعنان هي الأساس
في اللحظة الحالية. ولا يبدو أن لدى طنطاوي طموحاً شخصياً، لكن ذلك قد
يتغير. ولا يُعرف سوى القليل عن عنان بل والأقل هو المعروف عن الضباط
الآخرين. وسيكون من المهم رؤية كيف ستسير علاقاتهم من الناحية العملية،
ومن سيلتف حولهم، ومن هم الضباط الكبار الآخرون الذين يظهرون كلاعبين
رئيسيين.
ومن بين الأفراد المحتملين الآخرين الذين يجدر مراقبتهم لأهميتهم
المتوقعة هو قائد القوات الجوية (وعضو "المجلس") رضا محمود حافظ محمد،
وكذلك قائد المنطقة العسكرية المركزية اللواء حسن الرويني، ومختلف قادة
الجيوش الميدانية، وربما مدير الاستخبارات العسكرية، وجميعهم أعضاء في
"المجلس". وأياً كان الحال، يبدو أن ضباط الجيش قد هيمنوا على "المجلس".
وعلى المدى القريب، ستكون أهداف الجيش هي الحفاظ على الانضباط (داخل
كل من رُتب الجيش والمجتمع) واستعادة النظام الاجتماعي والاقتصادي،
وضمان انتقال سلس للنظام الذي سيخلف (ليس بالضرورة أن يكون ديمقراطياً)،
والحفاظ على مكانته في الدولة والمجتمع (بما في ذلك دوره كمدافع عن مصر
ضد التهديدات الداخلية والخارجية)، والحفاظ على علاقة الجيش مع
الولايات المتحدة. وسوف يتعين على "المجلس" تحقيق هذه الأهداف في بيئة
معقدة ودينامية.
الديناميات
إن الكيفية التي يعمل بها "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" داخلياً
ستكون مهمة لمدى تعامله بصورة جيدة مع التحديات التي تواجهه. وربما
هناك ثلاثة نماذج للكيفية التي سيعمل بها "المجلس" وهي: التسلسل الهرمي
العسكري الذي يسيطر فيه الضباط الكبار على مُجريات الأمور، أو القيادة
الجماعية التي يمثل فيها كبار الضباط مصالح [وقطاعات] مختلفة داخل
المؤسسة العسكرية لكنهم يتعاونون في حكم البلاد، أو ظهور تنافس داخلي
على السلطة والنفوذ يتركز على الضباط الرئيسيين. ولا يعتبر بعض
المراقبين أن طنطاوي قوي بما في الكفاية للسيطرة على "المجلس"،
وبالتالي يمكن أن يُسند هذا الدور إلى عنان (الذي ربما يكون أكثر حسماً
ونشاطاً) أو شخص آخر لم يحدد بعد، أو أن يُظهر طنطاوي طموحاً وقدرة
أكبر مما يظن البعض.
وحالياً يبدو أن القيادة الجماعية هي المرجحة بصورة أكثر، يكون فيها
طنطاوي هو الواجهة، وربما يكون عنان الشخصية الأكثر تأثيراً وراء
الكواليس. إن هذا الترتيب يمكن أن يمنع تطور التمزقات داخل "المجلس"،
ويخفف من الصراعات الشخصية.
ومع ذلك، فبمرور الوقت، وفي وجه الضغوط والفرص التي تمنحها ممارسة
السلطة، يمكن أن يصبح تركيب "المجلس" قد تطور إلى فصائل وفقاً لشخصيات
متزاحمة ومصالح متنافسة. كما أن الإضرابات العمالية، والأسعار
المتزايدة للطعام ومنتجات النفط، والتوقعات غير الواقعية حول الإصلاح
وتحسين الظروف الاقتصادية من قبل أوساط المعارضة وعموم الجماهير سوف
تمثل تحدياً لـ "المجلس". وفضلاً عن ذلك، سوف يؤدي الموقف السياسي الذي
يتسم بالسيولة، والعثرات المحتملة من بعض كبار الضباط إلى توفير فرص
للطموحين. وفي الواقع، من المهم أن يؤخذ في الاعتبار أن المؤسسة
العسكرية المصرية تتضمن مراكز قوى متعددة يقف على رأسها كبار الضباط.
كما سيكون "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" أيضاً في علاقة دينامية
مع عناصر المعارضة المختلفة. وستكون لدى أعضاء "المجلس" على الأرجح
رؤية معقدة وتشككية تجاه المعارضة بالنظر إلى الطريقة التي أطاحت بها
واحداً منهم وهو حسني مبارك. وقد التقى "المجلس" بالفعل بحركة الشباب،
وأنشأ لجنة لمراجعة الدستور.
إن عدم خبرة بعض عناصر المعارضة وطبيعتهم المنقسمة سوف تسمح لـ "المجلس"
بالانتفاع منهم بعض الشئ؛ ولكن ستُنتظر رؤية بأي قدر من النجاح والي أي
غايات سيكون ذلك. وربما يسعى أعضاء "المجلس" للبحث عن حلفاء داخل
المعارضة لدعم أهدافهم في عملية نقل السلطة. وأياً كان الطموح الإنساني،
فإنه سيجد على الأرجح بعض أصحابه.
ورغم أن تركيز "المجلس" كان حتى الآن على الأمور الداخلية إلا أنه
سيصبح أيضاً منخرطاً في ديناميات خارجية مهمة. وهناك علاقتان تبدوان
مهمتين: إحداهما مع الحكومة والجيش الأمريكي، والثانية مع إسرائيل.
وسوف يحتاج "المجلس" إلى الحفاظ على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة
على المستويين السياسي والعسكري خلال الفترة الإنتقالية، الأمر الذي
سيجعل من الصعب على أعضاء "المجلس" إحباط عملية [التحول] إلى
الديمقراطية. ومع ذلك لن يكون الجيش تابعاً للمصالح الأمريكية خاصة
عندما تمس هذه المصالح بما يعتبره مصلحة مصر القومية أو مصالح للجيش
المصري.
وسيحتاج "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" أيضاً إلى ضمان علاقة
مستقرة مع إسرائيل خلال عملية نقل السلطة. وقد تحرك بالفعل للقيام بذلك
بتأكيد نيته بالالتزام بجميع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر. ورغم
ذلك، سيتحتم عليه التعامل مع قضايا مثيرة للجدل مثل غزة والموقف الأمني
في سيناء، وربما الضغط من أجل إلغاء اتفاقية السلام الثنائية حيث تسعى
جماعات سياسية مصرية ناشئة إلى استغلال المشاعر القومية. وسوف يحتاج "المجلس"
إلى إبقاء هذه الضغوط تحت السيطرة، لا سيما إذا اصطدمت العلاقات مع
المعارضة والديناميات الخارجية بالعمليات الداخلية لـ "المجلس" نفسه.
نظرة مستقبلية
ليس ثمة الكثير مما يمكن التنبؤ به في هذه المرحلة ناهيك عن أي توقع
بدقته. فهناك العديد من الأمور المجهولة وحالات عدم اليقين في الموقف.
يجب على "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" التعامل مع التحديات الكبرى
داخل مصر، ومع علاقات البلاد الخارجية. فداخلياً، تقع عليه مهمة تأكيد
سلطته، واستعادة الوضع الطبيعي، وإزالة أكثر آثار النظام القديم التي
يمكن أن يُعترَض عليها، وتحقيق الانتقال إلى نظام جديد. وخارجياً، يجب
عليه التعامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، يواجه "المجلس" مخاطر التمزق إلى فصائل، وغواية
السلطة، و -- ببساطة -- الفشل في التغلب على التحديات التي يواجهها.
وليس لديه ضمانة للنجاح أو حتى طريقاً واضحاً إليه.
وفي الأشهر المقبلة يمكن أن تظهر على الأقل أربعة سيناريوهات. الأول،
أن يشكل الجيش شراكة فعالة مع عناصر من المعارضة، ويتقدم نحو إصلاح
سياسي حقيقي، وانتقال إلى الديمقراطية. والثاني، أن يحاول الجيش تسريع
العملية حتى يعود إلى الثكنات ويتجنب المسؤولية المباشرة عن تزايد
الصعوبات السياسية والاقتصادية أو على الأقل أن يقلل من دوره العلني؛
وسوف يُثمر هذا الأسلوب عن انتقال ناقص أو معيب للسلطة. والثالث، أن
يوظف "المجلس" استراتيجية «فرق تسد» ضد المعارضة في محاولة للاحتفاظ
بسيطرة جوهرية. والرابع، أن يكسب الجيش السلطة ببطء عن طريق التزكية
بسبب غياب المنافس، وهو الغياب الذي تؤكده معارضة ضعيفة وممزقة.
وفي السيناريو الأخير، ربما يجد الجيش نفسه في موقف صعب لا يجد فيه
شريكاً كفؤاً لنقل السلطة. وفي اللحظة الحالية، يبدو أن إحدى
السيناريوهين الأولين هو الأكثر رجحاناً، لكن الاثنين الأخيرين هما
أيضاً في نطاق الاحتمال. وسوف يعتمد الكثير على مدى التعامل بصورة جيدة
ولأي غايات سيلعب "المجلس" اللعبة في الفترة المقبلة. وسوف تحدث
الأخطاء من قبل جميع المشاركين، وربما تتطور أزمات جديدة. إن الثورات
ليست عمليات حتمية النتائج، وكما هو الحال في معظم الشؤون الإنسانية،
تُطبق هنا قوانين العواقب غير المتوقعة والنتائج المفاجئة.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |