للشَّاي مذاقٌ آخر في السجن!

حسن آل حمادة

(1)

ربما نلتقي ذات مساء في زنزانة واحدة، حينها سيكون للشاي مذاق آخر!

هكذا قلت لصديقي الجميل حسين اليوسف ونحن نحتسي أكواب الشاي المُعَتَّقِ، وها هو يسبقنا؛ ليمكث في زنزانة معتمة! هكذا هم الرجال لا يقبلون؛ إلاَّ أن يكونوا في المقدمّة، لذا يستحقون منّا كل الاحترام والتقدير. وليس غريبًا أن يصرخ أحدهم: "لا السجن يرهبني ولا الإعدام". فهم رجال الله، ورجال الحرية والكرامة، ومن هم هكذا، فهم لا يعرفون طريقًا للحزن في نفوسهم الأبيَّة.

فرّج الله عنك يا صديقي، سألحُّ عليك بعد خروجك برأسٍ مرفوعة، أن تكتب لنا قصصك مع الجلَّاد، واعتبرني الناشر الأوحد لما تخطه، فأنا مثل بقية المغضوب عليهم، نودُّ أن يسمع العالم عن الظلم الذي نتعرّض له، فبأي جرم يعتقل من يخرج في مظاهرة سلمية، تناشد إطلاق سراح سجناء منسيين، لا يعلم عن مصيرهم إلّا الله، في بلد تتشدَّق بأنها تحكم بكتاب الله!

(2)

          حسين العلق، أين أنت يا رجل؟

          قيل لي أنك في غياهب السِّجن أيضًا؟

          فما هي جريمتك؟

          فأنت إنسان هادئ الطباع، ولم يعهد عنك؛ إلا مداعبة القلم الذي تنتصر به للمستضعفين والمحرومين، فبأي مسوِّغ تُكبّل بالأصفاد أيضًا؟

          ألم يعلم من حرمك من أسرتك الكريمة أن عقاب الله شديد، وأن يوم المظلوم على الظالم، أشدُّ من يوم الظالم على المظلوم؟

          إن كان لا يعلم، فأنت تعلم! وإلا لما سرت في هذا الدرب.

          كأني بك تُردِّد في زنزانتك: "ما قيمة أن يعيش الإنسان، بلا كرامة؟".. ها هي همساتك تصكُّ مسامعي: "السجن أحبُّ إليَّ من حياة الذُّل".

(3)

          أخي الودود هاني الصدير، مساء الخميس كنت في معرض الكتاب الدولي بالرياض، وبحثت عنك بين الوجوه، فلم أرك! التقيتُ حينها شقيقك زكيًّا، ربما كان فرحًا مسرورًا، وهو يحمل معزوفة (الحانة) بين يديه، كأني به، قد جلب لك نسخة منها؛ لتقرأ ما خطه بروحه.

          يا للمفاجأة..! ما إنْ وصلت صباح الجمعة وإذا بي أقرأ خبر اعتقالك مع مجموعة من الأحبة الشرفاء الأحرار.

          يا صديقي، هنيئًا لك هذا الشرف.. استمرَّ في صمودك، ونحن في انتظارك في المقهى.. ولن تقرَّ عيني؛ إلاّ حين تنثر لنا هذا الصمود في رواية أنت حريٌّ بكتابتها.

(4)

لم يبقَ لي ما أقوله، فقلبي يعتصر ألمًا لهؤلاء الذين هتفوا مطالبين بإطلاق سراح السجناء المنسيين، ليدخلوا معهم ظُلمًا وعدوانًا، في الزنزانة نفسها.

كما أشتاق لأن أحتسي الشاي معكم تحت سقف زنزانة واحدة، فأنا على يقين بأن للشاي مذاقا آخر في السجن!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/آذار/2011 - 1/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م