يعرف بعض فقها القانون الدستوري بان الدستور وثيقة قانونية سياسية
تضمن عقدا بين الحاكم والمحكوم فيه صياغة لمبادئ تنظيم العمل والحياة
والتعايش بين البشر، ويكفل الحريات، ويصون الحقوق، إلا أن الواقع يشير
إلى أن الدولة لا تقف عند حدودها المرسومة لها في الدستور ويحصل
التقاطع بين السلطات وتقوم أحدى السلطات أحيانا بالتعدي على حقوق
المواطن، على الرغم من وجود هذه النصوص الدستورية التي كفلت الحقوق.
مما دعا المجتمعات إلى إيجاد آلية تحمي الدستور من أن يخرق بعمل
تنفيذي أو تشريعي، فيصدر أحيانا قانون يتقاطع تماما مع مبادئ الدستور
وان كان صادر من هيئة تشريع مشكلة بموجب الدستور.
واهم وسيلة لتلك الحماية هو الرقابة على دستورية القوانين من قبل
جهة تتمتع بالحياد وتتميز بإلزامية قرارتها وهذه كانت بأشكال متعددة
منها المجالس الدستورية والمحاكم الدستورية وغيرها، وفي العراق وبعد
عام 2003 تشكلت المحكمة الاتحادية العليا وتكفلت بالرقابة على دستورية
القوانين، ومناسبة القول هو صدور قرار للمحكمة الاتحادية العليا العدد
15/ اتحادية/2011 في 22/1/2011 الذي قضى بعدم دستورية البند (ثانيا) من
الفقرة (آ) من المادة (237) من قانون الكمارك رقم 23 لسنة 1984 المعدل،
وتضمن القرار تعطيل نص الفقرة أعلاه، وهذه الفقرة كانت قد منحت موظف
تنفيذي يعد جزء من السلطة التنفيذية وهو مدير عام دائرة الكمارك سلطة
حجز وتوقيف الأشخاص لمدة محددة دون قرار قضائي ونص المادة أعلاه كما
يلي:
(لا يجوز التوقيف الا في الحالات الاتية: أ- جرم التهريب المشهود
او ما هو في حكمه.
ب- القيام باعمال الممانعة التي تعيق التحقيق في الجريمة.ج -
الخشية من قرار الأشخاص او تواريهم تخلصاً من العقوبات والغرامات
والتعويضات التي يمكن ان يحكم بها عليهم. ثانيا: أ - يصدر قرار التوقيف
من المدير العام او من يخوله بذلك ويقدم الموقوف إلى المحكمة الكمركية
خلال ثلاثة أيام من تاريخ توقيفه. ب - للمحكمة الكمركية تمديد مدة
التوقيف اذا اقتضت ضرورة التحقيق ذلك.ج - يبلغ قرار التوقيف الى
الادعاء العام وفقا للقانون. د - للموقوف والادعاء العام الطعن في قرار
التوقيف وفقاً للقانون.
ثالثا: للسلطة التي قررت التوقيف انهاؤه لقاء كفالة لا تتجاوز
المبالغ التي قد يحكم بها.)، وقرار المحكمة الاتحادية العليا المذكور
أعلاه جاء تجسيد لفكرة حماية الدستور من أن يخرق بواسطة التشريع، حيث
وجدت المحكمة إن النص أعلاه يتقاطع مع نص الفقرة (آ) من المادة (19) من
دستور العراق التي جاء فيها (يحظر الحجز) كذلك مخالفة نص الفقرة (ب) من
البند (أولا) من الدستور التي تنص على ما يلي (ب- لا يجوز توقيف احد
أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي)، والقرار لم يكن بموجب دعوى
أقامها شخص أو مؤسسة أو وزارة وإنما كان بناء على طلب قاضي تحقيق في
أحدى محاكم العراق حينما وجد إن مدير عام الكمارك يمارس هذه الصلاحية
على الرغم من مخالفتها للنصوص الدستورية، حيث مارس القاضي دوره في
تحقيق الأمن الاجتماعي من خلال حماية الحقوق وضمان الحريات ودفعه إلى
ذلك حسه الوطني وتلمسه لرسالة القضاء النبيلة في الإنصاف وتامين العدل
إلى الجميع، وانتفع من نص الفقرة (3) من النظام الداخلي سير العمل في
المحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2005 التي أجازت لأي محكمة تنظر
في دعوى أو فضية ووجدت إن هناك نص يتعلق بالقضية المنظورة من قبلها
يتقاطع ويخالف نص دستوري، أن تطلب من المحكمة الاتحادية النظر والبت في
مشروعية ذلك القانون، واهم الإشارات التي أتلمسها في القرار تتمثل بما
يلي:
1. إن القضاء العراقي والقاضي في القضاء الاعتيادي على وجه الخصوص
جزء من هذا المجتمع ويتلمس همومه ويسعى للحفاظ على كينونته وعندما
يتوفر على الفرصة التي يحمي بها الحقوق العامة ويضمن تمتع المواطن بها،
فانه يتصدى له دون أن يحسب للطرف الآخر أي حساب نوعي أو وظيفي أو شخصي.
2. إن القضاء الدستوري في العراق عبر عن دراية فقهية تجاه قراءة
النصوص الدستورية وتلمس المصلحة العامة التي سعى الدستور إلى حمايتها،
من خلال تعطيل النصوص التي تتقاطع مع المبادئ الدستورية سواء كانت هذه
النصوص تمنع او تمنح سلطات تتعدى على الحق الدستوري للمواطن.
3. القضاء الدستوري في العراق عبر عن نفسه باعتباره العين الساهرة
على حماية الدستور، من خلال فتح قنوات الاعتراض على النص القانوني،
بطرق شتى منها الدعوى المباشرة أو الدعوى الفرعية أو بطلب من محكمة وهو
ما جاء في منطوق القرار أعلاه.
4. القرار أعلاه أوحى إلى أن عدم تغيير النصوص القانونية النافذة
بواسطة إلغائها أو تعديلها بقوانين يسنها مجلس النواب، لا يقف حائلا
دون تعطيلها بواسطة القضاء الدستوري إذا ما كانت تخالف مبادئ الدستور
العراقي، وهذا يدعوا الجميع إلى ممارسة الطعن في عدم المشروعية في
القوانين التي مازالت قائمة وتشكل خرقا للمبادئ التي جاء بها الدستور
العراقي النافذ، وعدم الانتظار إلى حين أن يجتهد مجلس النواب بعمله
تجاه تشريع القوانين التي يتطلبها العمل اليومي في المجتمع والدولة
العراقية. |