من يغذي الشائعة والفكاهة

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: ماذا تعني كلمة شائعة ؟ ولماذا وجدت في المجتمعات؟ وهل هناك ضرورة الى وجودها؟ وهل سلمت البشرية منها على مدى التاريخ؟ أسئلة وأسئلة، أما الإجابات:

ليس من السهل وجود تعريف دقيق محدد لكلمة الشائعة، لأنها تحمل كثيرا من المعاني. يعرف الشائعة كل من جولدن البورت وليو بوستمان في كتابهما سيكولوجية الشائعة بأنها: (اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معين مطروح كي يؤمن به من يسمعه، وهي تنتقل عادة من شخص الى آخر عن طريق الكلمة الشفهية دون أن يتطلب ذلك مستوى من البرهان أو الدليل).

ينجم الغموض الذي يكتنف أي شائعة عن عوامل عدة منها: انقطاع الأنباء أو تناقصها، عدم تصديق الشعب لأي خبر يذاع وفي هذه الحال يكون ثمة مجال للتوترات العاطفية التي من شأنها أن تجعل الفرد عاجزا عن الوصول الى الحقائق أو زاهدا فيها!

على ان للقصة المراد إشاعتها أو الحدوثة أهميتها لأنها تحمل في طياتها دوافع الشائعة، فلو لم يكن الموضوع هاما بالنسبة للشخص الذي يروج الشائعة لما حاول أن يرددها. الدوافع النفسية التي تدفع مروجي الشائعات الى استمرار تغذيتها، تتبع بصفة عامة مكونات الإنسان الداخلية، التي قد لا يدركها أو لا يشعر بها، لكنها لها تأثير كبير على دفع معظم شائعات الحقد والكراهية.

قلما يخلو مجتمع من روح الفكاهة التي تعبر عن انطباعاته الاجتماعية وتفسر كثيرا من أخلاقه وسلوكه ومعتقده. فالنكات والقفشات والفوازير ما هي إلا صورة من تلك الصور العديدة التي تسود كل المجتمعات تقريبا لتصور أماني المجتمع ورغباته، وتعبر من جهة أخرى عن ثقافته ومعتقداته، عاداته وتقاليده المجتمعية، الشفاهية والمدونة.

هناك علاقة بين الشائعة والفكاهة، بالرغم من أن الشائعة عبارة عن قضية مطروحة للتصديق، تنتشر مبسطة حتى يستسيغها الناس، فان هناك كثيرا من القصص تنتشر على انها شائعات وتكون من وحي الخيال الصرف، ولا تستهدف أكثر من الضحك.

لكن بالرغم من ذلك فقد تحوى هذه القصص كراهية للحكم، أو نقدا سياسيا، أو قد تخفف عاطفة مكبوتة.

لذا نجد ان الفكاهات والشائعات يتشابهان تشابها عجيبا في الطريقة التي ينتشران بها، وكذا الهدف الذي يحققانه.

هناك علاقة سيكولوجية بين الفكاهة والشائعة، فقد تستخدم هذه أو تلك كأداة للتعبير عن شعور الفرد الخاص دون أن يفصح الراوي صراحة عن كنه شعوره. فالشخص الذي تسيطر عليه فكرة الجنس مثلا لا يعترف بهذه الحقيقة صراحة، ولا حتى لنفسه. لكنه لأتفه الاثارات يندفع في رواية الفكاهات الجنسية، أو يلجأ الى التحدث في الفضائح الجنسية، التي تتعلق بالعائلات والشخصيات المراد استهدافها.

تعتمد كل الشائعات على تكرار الأحوال السيكولوجية، فالأحوال في شائعة تتشابه مع الأحوال في الأخرى.

ان الظاهرة الفكاهية في بعض القصص اننا نجد أنفسنا على حافة الشائعة، فالشائعة قضية للتصديق من المفروض فيمن يستمع الى بعض القصص أن يضحك، لا أن يصدق، فليس هناك فاصل بين الشائعات والفكاهة، ولو ان الثانية تميل الى الخيال بينما تميل الأولى الى الجدية.

نرى في الكثير من القصص الخيال يعبر عن العداء الحقيقي تحت ستار الفكاهة..المواطن، يجب أن يضع في ذهنه هذا النوع من النكات لا يهدف الى التسلية ولا الى الضحك، انما يحمل بين طياته رغبات العدو وأمانيه في تفتيت عضد الجماعة، بث الفرقة بين أبنائها، هز الثقة في قادتها والمسئولين.

يمكننا أن نقف لحظة لنتساءل : ما آثار هذه الشائعات على الروح المعنوية للإنسان ؟

ان الشائعة في مضمونها تلعب دورا كبيرا في التأثير على معنويات الشعب وان اختلفت درجة تأثيرها تبعا لنوعها والدوافع التي تكمن خلفها.

فشائعات الخوف لها تأثير كبير على الناس لاسيما في أثناء الاضطرابات، من شأنه ان يشيع عدم الثقة في جدوى المجهودات الحكومية، والهيئات المتعددة مما يؤدي الى إشاعة الروح الانهزامية.

أما شائعات الأماني والهزليات والفكاهة فهي تؤدي الى هدوء من نوع ضعيف، لما فيها من تفاؤل، لكن الهدوء الشكلي قد يحمل بين طياته موطن الخطر، فقد يصدم إنسان بالأنباء السيئة إذا كان متوقعا أحداثا تفاؤلية، من ناحية أخرى قد لا يكترث بما يحمله له المستقبل. على هذا الأساس فان الناس عندما يصدقون الشائعات التي تروج النجاح المرتقب، أو قرب نهاية سياسي فإنهم يميلون الى التكاسل بمجهودهم وتضحياتهم.

ان الوسائل الفعالة للشائعة التي تستخدم في مضمار التأثير النفسي من الحكومة ضد الجماهير أو من الشعب ضد الحكومة للوصول الى غايات كثير، هي:

1ـ الخداع عن طريق الحيل والإيهام والوعود الجذابة والبراقة.

2ـ الإثارة باستخدام وسائل غير مألوفة.

3ـ الشتائم والهزليات والاستخفاف بالمقابل عن طريق النكتة اللاذعة والشعار الخفيف.

4ـ افتراءات العدو وعرض قضيته التي يحارب من اجلها.

5ـ خلق قوة خاصة لا تقهر.

6ـ التهديد بواسطة السلاح والتشهير بالصورة.

7ـ بث الذعر وإطلاق الشائعات.

8ـ التحقير من قوة العدو، أو الجماهير المتظاهرة المنفعلة ذات المطاليب السياسية.

9ـ استغلال الخلافات الدينية والعقائدية والمناطقية.

10ـ الإرهاب بمختلف أشكاله، من التهديد والوعيد الى التنفيذ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/آذار/2011 - 30/ربيع الأول/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م