رهانات خسارة وكسب الحكم في ظل الثورات العربية

 

شبكة النبأ: عمت الثورات المنطقة العربية وبدأت تتهاوى الأنظمة كحجرالدومينو، وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات، فالمطالبات بالتغيير تتسارع وتكتسب مزيدا من القوة، وبقيت بعض الأنظمة تجتر حزنا على تهاوي مثيلاتها حيث هناك مخاوف من الأوضاع الجديدة. فإن موسم الثورات بدأ للتو، وهناك محفزات تسرع بوتيرة الاطاحة بالسلطات، فالطغيان وانتكاس الحلة الاقتصادية وتردي أوضاع الشعب عوامل وقفت خلف هذه الثورات.

وهناك عامل رئيسي آخر ساهم في دعم الثورات العربية ربما غفل عنه الكثير، ان الولايات المتحدة وخصوصا عندما انتخبت الرئيس أوباما وهو من اصل افريقي ساهمت وبشكل فاعل في تحرك الشباب العربي، ومما زاد في شحذ الهمة في نفوس الشباب هو خطابات الرئيس أوباما التي وجهها للدول العربية.

ويعلل الكاتب الأميركي توماس فريدمان هذا القول قائلا عندما خطب أوباما في القاهرة لم يكونوا يصغون لكلماته بل إليه شخصيا، وكانوا يقولون في قرارة أنفسهم: دعونا نتأمل هذا. إنه (أي أوباما) شاب، وأنا شاب. بشرته داكنة اللون، وبشرتي كذلك. اسم والده حسين، واسمي أنا حسين. جده مسلم، وكذلك جدي. إنه رئيس للولايات المتحدة وأنا شاب عربي عاطل عن العمل، ليس لدي صوت انتخابي وليس لدي اختيار في مستقبلي.

ومن العوامل الأخرى التي شحذت الهمم فان انظمة الكومبيوتر أمدت المعارضات الشعبية الشبابية من جيل الإنترنت الذين يعتبرون المساواة في التعبير عن الرأي والنفوذ حقا طبيعيا.

وفي معرض إبراز دور الإعلام الحيوي في مسار الأحداث، يقول الكاتب بيل كيلر إن الإعلام كان وسيلة مصيرية في إبراز مفاسد النظام السوفياتي، ومن ثم قومة الروس في ما يعرف بـربيع موسكو (تيمنا بربيع براغ عام 1968.

ويصنف الكاتب الوسائل الإعلامية التي كانت تؤثر في الناس في ذلك الوقت واليوم، ويقول كان في ذلك الوقت الراديو، مثل إذاعة صوت الحرب من راديو الحرية الموجهة إلى روسيا، لكن اليوم هناك قناة الجزيرة وويكيليكس.

أما فيسبوك وتويتر، فهما لم يعودا مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل أصبحا أداتين من أدوات التنظيم التي يستخدمها المحتجون.

فالأنظمة العربية، فهي تحاول كبح واحتواء المد العارم عن طريق التعديلات الوزارية وإطلاق وعود ما يسمى الإصلاح، فإن ذلك قد يكسبهم بعض الوقت، ولكن للثورات طريقة معينة في تجاوز الإصلاحيين.

يقول الكتاب وضاح خنفر كتب: لم يقتصر دور الثورات العربية الأخيرة على تعرية فشل السياسيين التقليديين، بل أيضا فضحت إفلاس النخبة العربية القديمة سياسيا واقتصاديا. لم تقتصر ممارسات تلك النخب على محاولات التحكم بمقدرات شعوبهم، بل سعوا أيضا إلى إفساد نهج الوسائل الإعلامية في العالم العربي.

ومن المؤكد أن وسائل العصر من هواتف وتلفزيون وفيديو وإنترنت وفيسبوك وتويتر كانت حاضرة في كل مراحل التدريب والتعليم، وهي ستستخدمهم عند الحاجة من أجل توجيه الأوضاع في اتجاه الأهداف التي تريد تحقيقها.

وتتطلع شعوب المنطقة العربية إلى الديمقراطية باعتبارها أداة لتحقيق العدل، وإزالة الاستبداد والتسلط، وإجراء الانتخابات, وإطلاق الحريات وتمكين الشعب من تداول السلطة، واختيار الحكام ومحاسبتهم، وهذا أمر مشروع ومطلوب.

ويرى محللون سياسيون يجب على القيادات الفاعلة في هذه الثورات الناشئة التمييز بين الديمقراطية باعتبارها أدوات ووسائل لتحقيق العدل وإقرار الحريات, وانتخاب الحكام, وتداول السلطة وبين الديمقراطية باعتبارها مبادئ ومضامين يمكن أن تؤدي إلى تفتيت المنظومة الثقافية لأمتنا، فعليها أن تأخذ بالديمقراطية بصورتها الأولى وتترك الثانية.

ويعتقد محللون سياسيون من ان الولايات المتحدة الامريكية تستخدم أدوات من أجل تجيير ثورات الشعوب لصالحها، ورصدت لها ملايين الدولارات، ووضعت لها برامج محددة، ونظمت كثيرا من الشباب من الدول العربية كمصر والأردن وتونس في هذه المؤسسات المنشأة، واستقدمت قسمًا منهم إلى أميركا وعرفتهم بمزايا الغرب والنظم الديمقراطية وقيمها، ودربتهم على قيادة الجماهير.

وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأولى في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه، ولا شك أنها تمتلك أكبر نفوذ على المؤسسات الدولية من مثل مجلس الأمن والبنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة واليونسكو، وهي تستخدم هذه المؤسسات في فرض مخططاتها وقيمها على الآخرين من خلال استصدار قرارات أو عقوبات في حال عدم التجاوب.

إن ما يخشاه المتابع لشؤون التغييرات في المنطقة أن لا تصب في صالح أبناء المنطقة، بل يغيرها أعداء المنطقة لصالحهم.

والأهم من كل ذلك فإن ثورة الشعوب العربية أثبتت أنها قادرة حتى على دفع الولايات المتحدة الأميركية، وكل القوى الدولية وفي العالم، إلى مراجعة سياساتها في هذه المنطقة، على أساس احترام إرادة هذه الشعوب، والرضوخ لطموحاتها في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/آذار/2011 - 29/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م