
شبكة النبأ: اشتدت حدة الاحتجاجات
التي تشهدها المدن اليمنية في الآونة الاخيرة شيء فشيء، فيما كان
لتعامل نظام الرئيس اليميني علي عبد الله صالح مع المتظاهرين اثرا
بالغا في تأجيج المواطنين على رفع سقف المطالب.
ففيما كان المحتجون يطالبون بإصلاح النظام المتهم بالفساد، ادى سقوط
عدد من ضحايا المواجهات التي حدثت مع القوى الامنية الى مطالبة
المحتجين برحيل صالح بشكل سريع اسوة بالرئيسيين السابقين زين العابدين
ومبارك.
ولم تجدي وعود صالح في عدم تجديد ترشحه بالإضافة الى تعهداته
بالإصلاح نفعا في الحد من انتشار الاحتجاجات بشكل سريع وكبير، ويرى
دعاة الديمقراطية ان صالح كان ولا يزال سببا رئيس في تردي الاوضاع
المعيشية، بالإضافة الى اثارة النعرات الطائفية بسبب سياساته
الديكتاتورية المتسلطة.
انهاء النظام
فقد نزل مئات آلاف اليمنيين الى شوارع عدة مدن يمنية تحت شعار "اسقاط
النظام"، معلنين رفضهم للحوار الذي يطرحه الرئيس علي عبد الله صالح،
فيما قتل شخص واصيب 20 آخرون بجروح خلال مواجهات مع الشرطة.
واعلنت مصادر في مستشفى الجمهورية في عدن، جنوب البلاد، ان "محمد
احمد صالح (17 عاما) توفي لدى وصوله الى المستشفى بعدما اصيب برصاص
الشرطة خلال تظاهرة"، ما يرفع عدد القتلى منذ بدء الحركة الاحتجاجية ضد
النظام الى 16 قتيلا. واصيب ايضا 20 شخصا بجروح خلال مواجهات مع الشرطة
التي حاولت تفريق المتظاهرين.
وفي العاصمة ادى حوالى مئة الف شخص وفقا لارقام المنظمين صلاة
الجمعة في "ساحة الحرية" امام جامعة صنعاء حيث ينفذ مئات المعارضين
اعتصاما مفتوحا، وسط حضور نسائي كبير، بحسب وكالة فرانس برس.
ورفع المشاركون في ما اطلقوا عليه "جمعة الانطلاق" شعارات مناوئة
للسلطة ابرزها "لا حوار الا باسقاط النظام" و"بداية نهاية النظام"،
ورددوا هتافات ضد صالح بينها "ارحل، ارحل"، و"يشهد الله على علي عبد
الله".
وحذر الشيخ عبد الله صعتر، رئيس الدائرة الاجتماعية في التجمع
اليمني للاصلاح في خطبة الجمعة من اجراء حوار مع النظام، قائلا "لا حل
للاوضاع الا بعد رحيل النظام".
واعلنت عائلتا شخصين قتلا في صنعاء على ايدي مناصرين للنظام هذا
الاسبوع انهما لن يدفنا ابنيهما "حتى يسقط النظام".
في المقابل، ادى مناصرون لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الصلاة
في ساحة بوسط صنعاء، وصلاة اخرى "على ارواح شهداء اليمن".
وذكرت وكالة الانباء اليمنية الرسمية ان "ساحة ميدان التحرير
والشوارع والاحياء المحيطة بها شهدت عقب الصلاة مهرجانا جماهيريا حاشدا،
اعقبته مسيرة مليونية (...) عبروا فيها عن تاييدهم لدعوة الرئيس صالح
الى الحوار".
وفي عدن، جنوب البلاد، تظاهر الآلاف في "ساحة الشهداء" في حي
المنصورة مطالبين باسقاط النظام، وشيعوا جثمان شخص قتل في المواجهات مع
الشرطة وهم يهتفون "عهدا عهدا للشهداء"، و"الموت والعار للجبناء".
وحاول متظاهرون السير من مواقع عدة في عدن نحو خور مكسر، الا ان
الشرطة منعتهم مستخدمة الرصاص والغاز والمسيل للدموع ما ادى الى قتل
محمد احمد صالح وسقوط عشرين جريحا، بحسب ما افاد شهود عيان ومصادر طبية.
وقال عضو "اللجنة الاعلامية لثورة الشباب في عدن" وافي الشعبي
لفرانس برس ان الشرطة "اعتقلت عددا غير محدد من المتظاهرين".
اما في تعز فاحتشد مئات الآلاف في مدن المحافظة وغالبيتهم في "ساحة
الحرية" وادوا صلاة الجمعة في العراء، وشيعوا رجلا قتل اثر انفجار
قنبلة القيت على تظاهرة.
ووقعت اشكالات في حضرموت بين عشرات آلالاف من المطالبين باسقاط
النظام وانصار الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن، انما
من دون ان يسجل وقوع اصابات. وكان المعارضون يحاولون منع انصار الحراك
من رفع شعارات الانفصال.
وتظاهر كذلك "عشرات الآلاف" في صعدة، في شمال اليمن، بحسب ما ذكر
بيان نشره الموقع الالكتروني للمتمردين الحوثيين، الذي اشار الى ان
المتظاهرين حملوا لافتات كتب عليها "لا لنظام الظلم والعمالة".
وكانت القوى الامنية انتشرت على مسافة قصيرة من التظاهرات في صنعاء
وتعز وعدن والمدن الاخرى، واخضعت المشاركين في التحركات الاحتجاجية
للتفتيش.
ويسعى الرئيس اليمني منذ ايام الى استيعاب تحركات المطالبين باسقاط
نظامه، وكرر ثلاث مرات دعوته الى حوار وطني وامر في وقت سابق بحماية
المتظاهرين وبتخفيف القيود على الحركة الاحتجاجية التي تكتسب زخما
اضافيا مع انضمام مجموعات جديدة اليها.
وقد تراس صالح بحسب وكالة الانباء الرسمية، اجتماعا لعدد من قيادات
الدولة "من اجل الدفع بالحوار الوطني ومناقشة ما يزيل اي احتقانات
قائمة في الشارع اليمني".
وتعتبر موجة الاحتجاجات الحالية التي قتل فيها 15 شخصا منذ انطلاقها
في 16 شباط/فبراير الاكبر في وجه نظام الرئيس صالح الذي يحكم البلاد
منذ 32 عاما.
وكان صالح اكد انه لن يتنازل عن السلطة الا من خلال "صناديق
الاقتراع"، لكن السلطة عادت واوضحت ان الرئيس اليمني لن يترشح لولاية
جديدة في الانتخابات الرئاسية في العام 2013، وان الحكم لن يجري توريثه.
المشاعر الانفصالية
من جهته قال سياسي جنوبي يمني ان المشاعر الانفصالية ستزداد الا اذا
تعامل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يواجه احتجاجات يومية ضد
حكمه المستمر منذ 23 عاما مع شكاوى الجنوب الذي كان يوما مستقلا.
قال علي حسين عشال "اليمن بحاجة ماسة الان الى تسوية سياسية والا
ستقوى حجة الذين يدعون الى الانفصال."
واستطرد عشال وهو سليل أسرة سياسية من أبين الجنوبية يوم الجمعة "لا
نريد للرئيس أن يسقط كبقية الرؤساء العرب ولكن نريد هبوطا سالما لليمن
وأن يشعر الجنوبيون انهم شركاء حقيقيون في دولة الوحدة."
وعشال عضو في حزب الاصلاح الاسلامي الذي يعد جزءا من الائتلاف
المعارض الذي يضم أيضا يساريين. وفي الستينات قاد والده القوات المسلحة
في اليمن الجنوبي الذي كان مستقلا انذاك. وقال عشال "الجنوبيون كأهل
الشمال يريدون نهاية نظام الفساد."
وتوحد اليمن الجنوبي واليمن الشمالي بموجب اتفاق وحدة عام 1990 توسط
فيه صالح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وبعد ذلك بأربعة أعوام حاول
الجنوب الانفصال الا أن قوات صالح قمعت التمرد.
وظهرت حركة انفصالية عام 2007 أججتها هيمنة الشمال وعدم توفير وظائف
ومساكن للجنوبيين من الحضر الذين يشعر كثير منهم بالحنين للماضي عندما
كان مستوى التعليم أعلى منه في الشمال الاكثر قبلية.
وتابع عشال رافضا عرضا رئاسيا باجراء حوار "لقد أصبح الفساد أسلوبا
من أساليب ادارة الدولة وهو الان يعتبر أسلوبا حكيما في ادارة الحكم.
بحسب رويترز.
وكان صالح وهو شمالي يواجه موجة من الاحتجاجات المستلهمة من
الانتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر لمح الى أن اليمن دونه في القيادة
قد ينفصل ثانية.
وتوجد في الجنوب معظم موارد اليمن المحدودة من النفط والغاز ولكن
ليس هناك دعم دولي لانفصال اليمن ثانية. والانفصال قد يثير قلق العملاق
النفطي المملكة العربية السعودية التي تمول اليمن.
وقال عشال ان معظم المتظاهرين الجنوبيين ما زالوا يرددون نفس
الشعارات المناهضة لصالح التي يرددها الشماليون ولكنه أضاف أن المطالب
الاقليمية الجنوبية يجب أن تنفذ أيضا.
وتابع أن الجنوبيين يمثلون نحو سدس أعضاء البرلمان فقط رغم أنه أضاف
أنهم يمثلون أكثر من 30 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون
نسمة.
ودعا بعض السياسيين الجنوبيين وبينهم رئيس الوزراء السابق المنفي
حيدر أبو بكر العطاس الى فدرالية ولكن عشال قال ان مثل هذا الاقتراح
الان سيفزع الشمال.
وبدلا من ذلك تحدث عشال عن ادارة محلية فعالة ونظام انتخابي عادل
وتعديلات في الدستور اليمني لضمان عدم المساس بحقوق الجنوبيين.
واستطرد "طرح مفهوم الفدرالية في هذه الظروف هو فعليا يمثل انفصالا
على مرحلتين. يمكن أن تبحث الفدرالية ولكن ليس في هذا الوضع."
الفوضى لن تخرجه من السلطة
من جانبه قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ان المحتجين الذين
يطالبون بانهاء حكمه المستمر منذ 32 عاما. وتعهد صالح بترك الرئاسة عام
2013 واصلاح قوانين الانتخابات البرلمانية لكن أحزاب المعارضة رفضت
دعوته للحوار وقالت انه لا يمكنها التفاوض مع حكومة تتهمها المعارضة
باستخدام العنف مع متظاهرين. واتهم صالح معارضيه أيضا بمحاولة استخدام
القوة. وقال في مؤتمر صحفي في صنعاء انه يوافق على الاصلاحات لكنه لا
يقبل الانقلابات والاستيلاء على السلطة عن طريق الفوضى والقتل.
وأضاف أنه اذا كانت قوى التظاهر تريد السلطة فعليها أن تصل اليها عن
طريق صناديق الاقتراع واذا كانت تطالب باسقاط النظام فلتأتي للتخلص منه
عبر صناديق الاقتراع.
ويواجه صالح حليف الولايات المتحدة في حربها على الجناح الاقليمي
لتنظيم القاعدة ومقره اليمن حركة انفصالية في الجنوب ويحاول الحفاظ على
هدنة مضطربة مع الحوثيين في الشمال.
ونظمت احتجاجات في أنحاء عدة باليمن الذي يصل عدد سكانه الى 23
مليون نسمة ويجاور السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم.
وقال سكان ان محلات كثيرة أغلقت في عدن وان اباء وأمهات يمنعون
أبناءهم من الذهاب الى المدرسة لكن الاسواق لازالت مفتوحة. بحسب رويترز.
وقال فادي حسن باعوم الابن الاصغر لحسن باعوم زعيم الحركة الجنوبية
الانفصالية ان مجموعة مسلحة تابعة للجيش اليمني اعتقلت والده في مستشفى
بعدن كان يعالج فيه. وقال شهود ان مسلحين سيطروا على مبان حكومية في
بلدة شمالي عدن.
وذكر شهود أن نحو ثلاثة الاف شخص بدأوا اعتصاما أيضا أمام جامعة
صنعاء حيث تنظم مظاهرات منتظمة ضد صالح. وحمل البعض لافتات كتب عليها "ارحل"
و"الشعب يريد اسقاط النظام."
ودعا صالح مرارا للحوار مع أحزاب المعارضة وألقى باللوم في
الاحتجاجات على عناصر خارجة عن النظام والقانون.
لكن ائتلاف أحزاب المعارضة الرئيسية في اليمن ومن بينها حزب الاصلاح
والحزب الاشتراكي قال يوم الأحد انه لن يكون هناك حوار مع الرصاص
والعصي والبلطجة أو مع حكومة وصفها بأنها تحشد المرتزقة وترهب الناس.
صالح لم يتعلم الدرس
فيما قال عضو معارض في البرلمان اليمني ان الرئيس علي عبد الله صالح
سيواجه نفس مصير رئيسي مصر وتونس المخلوعين اذا لم يطهر حكومته ويبدأ
حملة لمحاربة الفساد.
وقال عبد المعز دبوان في العاصمة اليمنية ان الامر أصبح غير مقبول
على الاطلاق مشيرا الى أن الرئيس اليمني وضع اقاربه في مناصب بالجيش
وان الموارد السيادية وخاصة النفط والغاز في أيدي صالح والمحيطين به.
وقال دبوان وهو عضو في الكتلة المعارضة الرئيسية في البرلمان انه لا
توجد مؤسسات في البلاد وان اليمنيين يريدون اصلاحا حقيقيا بينما تعج
بيانات الرئيس بكلام أجوف مما يعني ان صالح لم يستوعب حتى الان الدروس
من مصر وتونس.
ويسيطر حلفاء صالح على البرلمان المكون من 240 مقعدا من خلال ما
وصفه دبوان بأنه انتخابات غير نزيهة قال ان صالح استخدم فيها اليات
الحكومة لضمان أغلبية مريحة موالية له.
وقال دبوان ان رد فعل صالح على الاضطرابات في اليمن كان اللعب على
التناقضات في المجتمع القبلي باليمن بدلا من البدء في اصلاحات حقيقية.
وقال دبوان ان الرئيس يتسم بدهاء سياسي وانه صرح بأنه لن يترشح مرة
اخرى ويلعب على المخاوف من الفوضى والانقسامات لكن هذا ليس كافيا.
ورفضت أحزاب المعارضة دعوة صالح للحوار وتقول أنها لا يمكنها
التفاوض مع حكومة تستخدم العنف.
وقال دبوان انه لم تشاهد حتى الان أي مسيرات حاشدة وان معظم
المحتجين كانوا من الشباب.
وأضاف المعارض اليمني ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن
أكثر حدة من مصر حيث ساهمت مشاعر الاحباط من البطالة والاحوال
الاقتصادية في اسقاط مبارك.
وقال ان حجم الفساد في اليمن يجعل ما في مصر يبدو ضئيلا وانه يرى ان
الفجوة بين الاغنياء والفقراء أكثر حدة أيضا. بحسب رويترز.
وبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي في اليمن نحو 1100 دولار في نهاية
عام 2009 مقابل 2500 دولار في مصر.
ومعظم الوفيات اثناء الاحتجاجات كانت في عدن المدينة الساحلية
الجنوبية حيث يرفض كثير من الناس ما يعتبرونه تمييزا من جانب الحكومة
المركزية. وقال دبوان ان صالح هو الذي تسبب في اندلاع الاضطرابات هناك
بتجاهله المنطقة منذ أن تحدى الجنوب حكمه بعد الوحدة في التسعينات.
وأضاف انه لو كانت هناك ديمقراطية واصلاحات حقيقية فان الجنوب لن ينفصل.
استقالة 9 نواب بالبرلمان اليمني
على صعيد متصل قال برلمانيون ان تسعة أعضاء في البرلمان اليمني
استقالوا من الحزب الحاكم بسبب ما وصفوه بعنف الحكومة ضد المتظاهرين.
وهذه الاستقالات التي تشمل حلفاء رئيسيين للرئيس اليمني علي عبد
الله صالح صفعة سياسية.
وقال عبد العزيز الجباري البرلماني البارز الذي استقال لرويترز ان
الشعب من حقه التظاهر سلميا. وقال الجباري ان البرلمانيين بعثوا رسالة
من عشر نقاط لصالح تطالب بالاصلاح الفوري بما في ذلك اعادة هيكلة الجيش
لجعله أكثر تمثيلا للمجتمع اليمني المعقد والمساعدة في الانتقال الى
الديمقراطية.
وقال ان دعوة صالح للحوار لم ترق الى أن تكون رغبة حقيقية لوضع اراء
المعارضة في الاعتبار مشيرا الى رفض الرئيس مقابلة البرلمانيين قبل
استقالتهم.
وأكد الجباري على ضرورة أن يشمل الحوار الوطني الجميع بما في ذلك
الحوثيين في اشارة الى المتمردين الشيعة الذين مثلوا تحديا عنيفا
للحكومة المركزية العام الماضي.
ومن بين المستقيلين علي عبد الله القاضي وهو قريب مؤثر للرئيس
والزعيم القبلي عبده بشر من منطقة صنعاء وشخصيتان بارزتان من جنوب
اليمن.
وقال بشر انه يتعين على صالح اتخاذ خطوات سريعة على الارض لتجنب
المزيد من التحديات العنيفة لحكمه وزيادة المشاعر الانفصالية في جنوب
اليمن الذي اتحد مع الشمال في التسعينات.
واضاف بشر انه لابد أن يبعث صالح اشارة ويجب تقديم الفاسدين الى
المحاكمة وقال انه لا يمكن للسلطات ان تواصل تجاهل حقوق الانسان والا
فسوف تعم الفوضى كل انحاء البلاد.
ولا يزال حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح يحتفظ بحوالي
240 عضوا في البرلمان الذي يضم 301 عضو. وتقول المعارضة ان هذا
البرلمان نتيجة لانتخابات غير نزيهة واستخدام أجهزة الدولة لانتخاب
حلفاء صالح.
المظاهرات المؤيدة وخيبة الأمل
من جهة اخرى يحتل الموالون للرئيس علي عبد الله صالح ميدانا رئيسيا
ويقوم باعة متجولون ببيع صوره وتبث مكبرات صوت مثبتة على سيارات أغاني
تثني عليه وهي تسير مسرعة في شوارع مهدمة بالعاصمة اليمنية.
ويمثل استعراض التأييد المدعوم من الدولة رد الحكومة على الاحتجاجات
المناهضة لحكم صالح المستمر منذ 32 عاما والتي اشتدت خلال الاسبوع
الماضي وقتل فيها 12 شخصا على الاقل.
وقال الموظف المتقاعد حسين الياسين الذي وضع علمين يمنيين على
سيارته انه يشكر صالح لان اليمن بقي موحدا وانه لا يريده ان يسقط.
وقال الياسين وهو يكرر وجهة النظر الرسمية بأن قوى خارجية لم تحدد
تقف وراء الاضطرابات ان المسؤولين عن الاضطرابات هم جنوبيون يتم
تمويلهم من الخارج.
وحين طلب منه ان يحدد انجازات صالح أشار الياسين الى مسجد صالح وهو
مبنى ضخم شيد في عام 2008 بتكلفة 60 مليون دولار. ولا يحصل نحو 40
بالمئة من اليمنيين على مياه نقية وتعاني نسبة مماثلة من الامية.
وقال الياسين ان الرئيس ليس لديه وقت يذكر لعمل أي شيء اخر. وأضاف
ان اليمن مكان تشتد فيه النزعة القبلية.
والحكومة التي تعاني من عجز في الاموال لا تحاول فقط القضاء على
جناح تنظيم القاعدة في اليمن وانما تحاول أيضا قمع حركة انفصالية تزداد
عنفا في جنوب اليمن وتعزيز وقف هش لاطلاق النار مع متمردين شيعة في
الشمال. والتذرع بالحفاظ على الاستقرار ليس فكرة مقبولة من جانب
العاطلين عن العمل في اليمن.
وقال أحمد الشريف وهو فني عاطل عمره 25 عاما ان الذين يؤيدون صالح
هم الذين يستفيدون من حكمه. وأضاف انه حتى اذا كان رجلا صالحا فان
الفساد الذي سمح به للاشخاص المحيطين به لا يغتفر.
ويبلغ متوسط دخل الفرد في اليمن 1100 دولار فقط سنويا ولا وجود
للبلد على الاطلاق في تقرير التنافسية العالمي الذي ينشره المنتدى
الاقتصادي العالمي.
وقال صالح ان المحتجين الذين يطالبون بانهاء رئاسته لا يمكنهم تحقيق
هذا الهدف من خلال الفوضى والقتل.
ونصب مؤيدوه خياما في ميدان التحرير الرئيسي في صنعاء الذي يحمل اسم
نفس ميدان بوسط القاهرة كان مركز الاحتجاجات الحاشدة التي اطاحت
بالرئيس المصري حسني مبارك.
وفي جامعة صنعاء خيم الطلبة الذين منعوا من الوصول الى الميدان امام
الحرم الجامعي. وكتب على احدى اللافتات "الشعب يريد اسقاط النظام" وهي
العبارة التي استخدمها المحتجون المصريون وتتردد الان في أنحاء العالم
العربي. ويسود التوتر الاجواء وان كانت هادئة نسبيا رغم أنه من المعتاد
لليمنيين حمل السلاح.
ماذا سيحدث
فيما يلي بعض الاسئلة والاجوبة عن الازمة اليمنية بحسب رويترز.
هل يمكن أن يطاح بصالح؟
الاحتجاجات صغيرة الحجم الى حد ما لكنها ازدادت حجما واتسع نطاق
انتشارها وباتت اكثر تلقائية منذ الاطاحة بالرئيس المصري. وقد يكون
التغيير في اليمن ذو المجتمع القبلي الذي تنتشر به كميات هائلة من
الاسلحة اكثر دموية مما حدث في مصر.
وقال جريجوري جونسن المحلل المتخصص في شؤون اليمن ان اسقاط مبارك
وتفجر الاضطرابات الشعبية في اليمن دون تنسيق مع الائتلاف الرسمي
للمعارضة عاملان جديدان في مشاكل اليمن.
وأضاف الباحث في جامعة برينستون أن صالح الذي ألغى زيارة لواشنطن
هذا الاسبوع يواجه أسابيع "حرجة للغاية".
ولم تظهر مؤشرات تذكر حتى الان على أن صالح (68 عاما) خسر ولاء
القوات المسلحة او الشرطة او اجهزة الامن التي ساعدت على استمراره في
الحكم لثلاثة عقود.
لكن الرئيس الذي تنفد موارد بلاده الفقيرة من النفط والمياه تتوفر
له الان موارد أقل للحفاظ على شبكة المحسوبية التي كانت تستخدم فيما
مضى لشراء ولاء القبائل صعبة المراس وأفراد النخبة العسكرية والامنية.
وقال فيليب مكرام من وحدة المعلومات بمؤسسة ايكونوميست " صالح سيسقط
اذا استمر في استخدام الاساليب القمعية" مضيفا أن وعده بترك الحكم عام
2013 يكسبه بعض الوقت لكن الاطاحة بمبارك غيرت الظروف.
وأضاف "المحتجون الجدد ليسوا حوثيين او انفصاليين جنوبيين ولا من
متشددي القاعدة. انهم مواطنون يمنيون غاضبون. اذا لم يعاملهم باحترام
سيزداد هذا الغضب باضطراد."
غير أن الخوف من الفوضى في اليمن اكثر قربا للحقيقة منه في مصر وهو
عامل يمكن أن يستغله صالح.
وقال مكرام "ربما يكون صالح مهندس الكثير من مشاكل اليمن اليوم لكنه
ايضا الشخص الذي حافظ على تماسك البلاد في الاعوام الثلاثين الماضية."
وأضاف "مازال صالح يتمتع بدعم شعبي واسع وهناك قطاع كبير من المجتمع
لا يريد رحيله وقد يحتشد ضد معارضيه."
من الذي يمكن أن يأتي للحكم؟
سيكون حكم اليمن تحديا شاقا لاي احد. وشبه صالح نفسه المهمة بالرقص
على رؤوس الثعابين.
وليس لصالح خليفة واضح غير أن الكثير من اليمنيين يعتقدون أنه كان
يأمل تولي ابنه احمد قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الرئاسة.
وتخلى صالح عن الفكرة. وقال في الثاني من فبراير شباط فيما يتصل
باقتراحات من حزبه متعلقة بفترات الرئاسة كانت ستسمح له بالاستمرار في
الحكم "لا للتمديد. لا للتوريث. لا لاعادة عقارب الساعة الى الوراء."
وخرج اليمن مؤخرا من حرب أهلية مع المتمردين الشماليين ويقاتل حركة
انفصالية عنيفة في الجنوب. ومعظم المناطق الريفية في الشمال والجنوب
تتحدى سيطرة الحكومة المركزية التي كانت دائما متقطعة.
واذا سقط صالح فقد يسيطر رجل عسكري اخر على الحكم لكن احتمالات
المزيد من الصراع والتشرذم ستكون مرجحة.
وليست الاحزاب المعارضة المتحالفة في ائتلاف فضفاض في حالة تسمح
بتوليها الحكم. وهي تبدي الان رد فعل على الاحتجاجات ولا تقودها.
وقال جونسن "المعارضة مرتبكة جدا في الوقت الحالي ولم يظهر زعيم.
هناك مجموعة متنوعة من الزعماء في المعارضة يحاولون وضع يدهم على
المقود لكن لا أحد يعرف فعلا الى اي اتجاه يذهب."
ما الذي يغذي الاضطرابات؟
قمع صالح معارضيه احيانا لكنه يفضل استمالتهم والتلاعب بالدوائر
الانتخابية القوية لمساندته في حين يحافظ على مظهر خارجي ديمقراطي.
والعامل الذي يحرك الغضب الشعبي فعلا هو انتشار الفساد على نطاق
واسع في عهده واثراء النخبة صاحبة الامتيازات على الرغم من غرق سكان
اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة في مزيد من الفقر واليأس.
ويعيش نحو 40 في المئة على أقل من دولارين في اليوم ويعاني الثلث من
جوع مزمن. وقال صندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ان في صعدة وهي
مسرح للصراع في الشمال يعاني 45 في المئة من الاطفال من سوء تغذية حاد.
وقال المحلل السياسي اليمني عبد الغني الارياني ان نسبة البطالة
بلغت نحو 35 بالمئة مستشهدا بالتقديرات الحكومية.
والحكومة الفقيرة شبه عاجزة عن تلبية احتياجات السكان الذين تتزايد
أعدادهم بسرعة وقد تفقد السيطرة بسرعة اذا لم تتمكن من دفع رواتب
الموظفين الحكوميين والجنود.
وأجبر هبوط الريال اليمني البنك المركزي على ضخ نحو 850 مليون دولار
اي قرابة 15 في المئة من احتياطياته في السوق لدعم العملة عام 2010 .
وواجه اليمن ايضا صعوبة في استيعاب المساعدات الخارجية. وقال
مسؤولون انه لم يتم صرف الا عشر مبلغ 4.7 مليار دولار تعهد المانحون
بتقديمه عام 2006 ويرجع هذا في الاساس الى معوقات ادارية.
وتفاقمت أزمة المياه باليمن التي تعد واحدة من أسوأ الازمات على
مستوى العالم بسبب ري نبات القات الذي يقبل اليمنيون على استخدامه.
وبالتالي فان المساحة المتاحة لصالح لتقديم تنازلات اقتصادية ضئيلة.
وقال عبدالله الفقيه استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء ان الناس
غاضبون ويريدون أن يرحل صالح فهو يحكم البلاد منذ 33 عاما ودمرها.
ما هي مخاطر انعدام الاستقرار؟
بعيدا عن الاثر الرهيب على السكان الذين يعانون بالفعل من نقص
الوظائف والتعليم والطعام والامن فان الاضطرابات في اليمن تقلق
السعودية عملاقة النفط المجاورة وأيضا الولايات المتحدة.
وباعث القلق الرئيسي بالنسبة لهما هو أن تنظيم القاعدة بجزيرة العرب
ومقره اليمن سيتوفر له ملاذ اكثر أمانا لشن هجمات خارج حدود اليمن.
وقال مكرام "تغيير النظام المدفوع بتحرك شعبي في اليمن هو السيناريو
الكابوسي للولايات المتحدة والسعودية."
وأضاف "فكرة أن تسقط البلاد في فراغ سياسي حيث يكون لتنظيم القاعدة
في جزيرة العرب حرية ممارسة نشاطه ستقلق المسؤولين الامريكيين
والسعوديين."
وقال مسؤول أمريكي ان واشنطن تريد انفاق 75 مليون دولار لمضاعفة حجم
وحدة مكافحة الارهاب اليمنية. وقال المسؤول ان التمويل الذي لم يصدق
الكونجرس الامريكي عليه بعد جزء من جهود أوسع نطاقا لزيادة الضغط على
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وتظهر واشنطن فيما يبدو دعما لصالح غير أنها في بعض الاحيان شككت في
التزامه بمكافحة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وقال مكرام "قد يضع اليمن واشنطن في مواجهة لغز أخلاقي محير جدا."
وأضاف "لقد أوضحت الولايات المتحدة أنها في صف الساعين الى الحرية
لكن اذا اختارت مواصلة الدعم لصالح في مواجهة المعارضة الشعبية
المتزايدة فانها قد تجازف بخسارة الرصيد السياسي الضئيل الذي تبقى لها
في الشرق الاوسط."
غياب العدالة الاجتماعية
من جانبها ركزت وسائل الإعلام الرئيسية إلى حد كبير على الأهداف
السياسية للمتظاهرين، إذ يدعو بعضهم الرئيس صالح إلى التنحي، ولكن
كثيرين منهم يدعون إلى تحسين مستوى معيشتهم، فضلاً عن الإصلاح السياسي.
أما بالنسبة للشاب اليمني العادي، فتعتبر قضايا الحياة اليومية أهم
بكثير من السياسة. إذ يأمل الخريجون في العثور على عمل ويكافح الشبان
من أجل جمع ما يكفي من المال ليتمكنوا من الزواج، أما المتزوجون منهم
فيخوضون معركة مع ارتفاع الأسعار.
ويعيش ما يقرب من نصف سكان اليمن على أقل من دولارين في اليوم بينما
لا تزال مؤشرات التنمية الاجتماعية - مثل سوء التغذية لدى الأطفال
والوفيات النفاسية والتحصيل التعليمي سيئة للغاية، وفقاً لبرنامج
الأغذية العالمي.
ويحتل اليمن المرتبة 138 في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية من
أصل 179 دولة مدرجة.
وقال جمال الفضلي، البالغ من العمر 19 عاماً، والذي يكسب رزقه
البسيط من خلال نقل الناس في صنعاء على دراجته النارية: "لقد جئت اليوم
لأنني لم أجد شيئاً آخر أفعله. أنا أفضل الاحتجاج هنا على الجلوس على
جانب الطريق مع أصدقائي".
وما يقرب من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة دون سن
الخامسة عشرة، و70 بالمائة منهم تقل أعمارهم عن 25 عاماً. غير أن أكثر
من 50 بالمائة من الشباب عاطل عن العمل ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد
أكثر من ذلك. وتمثل زيادة عدد الشباب قنبلة ديموغرافية واقتصادية
موقوتة، لأن عدد سكان اليمن ينمو بمعدل 3.2 بالمائة سنوياً، ومن
المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2030.
وفي هذا السياق، قال عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية في
جامعة صنعاء: "اقتصادنا ليس كبيراً أو قوياً بما يكفي لتوفير وظائف
كافية لمثل هذه الزيادة السريعة في قوة العمل. لقد وسعت الحكومة
الجامعات وعلمت لفيفاً من الشباب دون وضع الأسس اللازمة لتوظيفهم،
فأربك عدد الخريجين قدرة الحكومة على التوظيف".
وبالإضافة إلى التهميش الاقتصادي، يواجه الشباب اليمني أيضاً العزلة
الاجتماعية والسياسية. فقد وجدت دراسة أجرتها الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية عام 2008 أن 40 بالمائة من الذين شملتهم الدراسة
أعربوا عن شعورهم بالإحباط، ووصفوا سوق العمل اليمنية بأنها توفر العمل
اللائق لمن لديهم علاقات ونفوذ فقط.
وغالباً ما يشعر الشباب اليمني من الجنسين أن التوقعات الاجتماعية
لم تعد قابلة للتحقيق نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
وقد لعب الطلاب في اليمن دوراً رئيسياً في المظاهرات، وأصبحت جامعة
صنعاء مركزاً للاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وكان صالح قد أعلن في وقت سابق أنه سيعفي الطلبة المسجلين في
الجامعات الحكومية من الرسوم المتبقية هذا العام. كما وعد بإنشاء صندوق
لخلق فرص عمل للمتخرجين حديثاً من الجامعات. بحسب شبكة الأنباء
الإنسانية (إيرين).
من جهته، أفاد رضوان مسعود، رئيس الاتحاد العام لطلاب اليمن بجامعة
صنعاء أن "التنازل عن الرسوم لن يوقف الاحتجاجات الطلابية - وعلى أي
حال، فإن معظم الطلاب قد سددوا الرسوم بالفعل،" مضيفاً أنه "لا توجد
وظائف كافية للجميع، وأفضل الطلاب لا يفكرون مرتين قبل مغادرة البلاد
بحثاً عن عمل في مكان آخر".
كما يشكو الطلاب الذين يغادرون الدراسة الثانوية من أنهم ليسوا
مستعدين بما يكفي لخوض سوق العمل. وفي هذا الإطار، قال طه المطري، وهو
طالب يدرس علوم الكمبيوتر في جامعة صنعاء: "إن تعليمي المدرسي منفصل
تماماً عن واقع العمل. لقد تعلمت حفظ المفاهيم النظرية، بينما كان
ينبغي أن أتعلم اللغة الانكليزية. نظامنا التعليمي يركز على الكم، وليس
الكيف". |