كعادة سماحته في تبني المواقف الوطنية والدينية المعتدلة في
أطروحاته، اصدر آية الله العظمى السيد علي السيستاني، السبت
26-11-2011، بياناً مهما حول التظاهرات التي شهدتها محافظات بغداد
والبصرة والرمادي والناصرية والموصل وصلاح الدين وكربلاء والنجف وكركوك
التي طالبت بتحسين الخدمات التي تُقدم للمواطن العراقي وتوفير متطلبات
الحصة التموينية التي تليق بالإنسان بشكل كامل وتوفير فرص عمل للعاطلين
فضلاً عن إنهاء الفساد المستشري في مفاصل الحكومة العراقية.
وقبل أن نحاول، بموضوعية وهدوء، تحليل مضمون البيان وتفكيك فحواه
وقراءة الفقرات التي يحتويها المتعلقة بأداء الحكومة الحالي خصوصا في
الجانب الخدماتي، نود التأكيد على أن التظاهرات التي حدثت يوم الجمعة
الفائت في محافظات العراق كادت أن تتعرض لمحاولة إجهاض من قبل طرفين،
الأول: من قبل بعض علماء الدين التي حرم بعضها التظاهر ونصح الشعب بعدم
الخروج فيها، أما الطرف الثاني فقد كان السيد رئيس الوزراء نوري
المالكي.
إذ طالب المالكي، وعشية التظاهرة، الشعب العراقي بشكل صريح بعدم
الخروج والمشاركة في تظاهرات يوم الخامس والعشرين لان من يقف ورائها،
من وجهة نظره التي لا نتفق معه فيها تماما،" الصداميون والقاعدة الذين
تهدف مخططاتهم إلى حرف المسيرات والتظاهرات السلمية لتتحول إلى تظاهرات
قتل وتخريب وإشعال فتنة"، مشيرا في الوقت عينه إلى أن 'من حق العراقيين
التظاهر في أي زمان أو مكان آخر عدا يوم غد ".
ولكن على الرغم من كل هذه التوصيات من جهة والتقييد الذي مارسته
الحكومة وقواتها على المظاهرة، فقد حدثت الأخيرة وجرى فيها ما جرى من
إحداث مؤسفة راح ضحيتها بعض المواطنين بين قتيل وجريح، والتي أدت إلى
أصدار هذا البيان التي تدور مقالتنا حول
ما تضمنه من عبارات تدل بوضوح على معطيات جديدة بجب على الحكومة
العراقية وقياداتها أن تأخذ بها.
فالبيان قد احتوى على عدة فقرات وإشارات واضحة لا تقبل اللبس
والتأويل حول وقوف المرجع مع مطالب المتظاهرين المشروعة والذي سقط
الكثير منهم مضرجا بدمائه بين قتيل وجريح أثر التظاهرات التي حصل فيها
تصادم بين المتظاهرين وقوات الأمن، نتيجة التجاوز الذي حصل من قبل كلا
الطرفين حيث لا قوى الأمن لدينا تمتلك ثقافة التعامل المرن والدبلوماسي
مع المتظاهرين ولا بعض المتظاهرين يعرفون معنى التظاهر السلمي الذي هو
حق مشروع كفله الدستور العراقي، كما ضم البيان في داخله نقدا صريحا
لأسلوب الحكومة وأدائها الحالي وتحذيرها له من مخاطر الاستمرار فيه.
فقد أشاد المرجع الديني الأعلى، في بداية بيانه، بسلوك المتظاهرين
وقدّر " اداء المواطنين الاعزاء " الذين شاركوا في التظاهرات "بصورة
سلمية وحضارية" وحتى ممن لم
يشاركوا " تحسبا لمخاطر استغلالها من قبل ذوي المآرب الخاصة "، قبل
أن ينتقل الى دعوة الحكومة ومجلس النواب إلى اتخاذ " خطوات جادة ملموسة
في سبيل تحسين الخدمات العامة " التي تتعلق بالطاقة الكهربائية
والبطاقة التموينية وإيجاد فرص عمل ومكافحة الفساد في دوائر الحكومة.
ولم يخلو بيان مكتب السيستاني، في فقرته الثالثة بحسب تحليلي له، من
التعرض للامتيازات التي يتنعم بها المسؤولين في العراق حيث دعا بوضوح
الى "اتخاذ قرارات حاسمة بإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت
للأعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار
المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم"،
والامتناع " عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية ستكلّف سنوياً مبالغ
طائلة من أموال هذا الشعب المحروم وإلغاء ما يوجد منها حالياً".
أما الفقرة الأخيرة فقد تضمنت الربط بين الدعوة لــ"ضرورة العمل على
تحقيق مطالب الشعب المشروعة" والتحذير " من مغبة الاستمرار على النهج
الحالي في إدارة الدولة ومما يمكن أن ينجم عن عدم الإسراع في وضع حلول
جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلاً". وفي هذه الفقرة
رسالة واضحة، إن لم اقل خطيرة، لا تقبل الجدل على عدم صحة المنهج
الحالي في إدارة الدولة فضلا عن عدم " وضع حلول جذرية لمشاكل
المواطنين" التي بدأت نتائجها تتفاقم وتظهر على نحو سلبي متمثلة في
حالة الاستياء والنقمة والتململ الذي بدا على مواطنيه.
وعلى الرغم من تعهد السيد نوري المالكي، بعد يوم من التظاهر، بتنفيذ
جميع مطالب التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد يوم الجمعة، إلا
أن هذا التعهد لا يكفي من وجهة نظري في حل ما تواجهه هذه الحكومة من
غير أن يقوم المالكي بإجراءات فعلية وواقعية تتسامى على المحاصصة
والطائفية، التي كبلّته بها العملية السياسية، ولا تخدم الأحزاب
السياسية، وإنما المواطن العراقي فقط الذي يعاني من مصاعب ومشكلات لا
نرتاب أن بعض من حلولها خارج عن أرادة المالكي ولا يتحمل أبدا
مسؤوليتها خصوصا وهو قد اعترف بنفسه بان حكومته حكومة محاصصة وشراكة لا
يستطيع أن يكون هو نفسه صاحب القرار الأول والأخير فيها.
تحذير السيّد من مغبة أداء الحكومة، بحسب عبارة البيان التي صيغت
بدقة، ناهيك عن إعطاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة ستة أشهر
لتحقيق بعض من مطاليب المتظاهرين والذي ينتهي في الشهر الثامن حيث
المواطن العراقي يعيش فيه جحيم حرارة الصيف، ينبئان كلاهما بان الستة
أشهر القادمة التي تواجه حكومة المالكي تعتبر أهم وأخطر فترة في
السياسة العراقية في الوقت الحالي، اذ حينها سيخرج أنصار التيار الصدري
مدعومين، ربما، من قبل المرجعية للمطالبة بحقوقهم، وحينها سوف لن تنتهي
الأمور على نحو محمود وان كنت أتمنى أن يكون توقعي خاطئ وبعيد عن
الصواب.
alsemawee@gmail.com |