الصمت او العار... فلسطينيات في مواجهة العنف

 

شبكة النبأ: تفيد وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والنساء أن العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأرض الفلسطينية المحتلة يبقى في مستويات وبائية بالرغم من أن الضحايا يفتقرن إلى الحماية القانونية وغالباً ما يواجهن رد فعل عنيف من قبل أسرهن لإبلاغهن عن الجرائم.

وطبقاً لما ذكرته وزارة شؤون المرأة في السلطة الفلسطينية، فإن عدد الاعتداءات الجنسية التي تم الإبلاغ عنها بين عامي 2006 و2009 زادت أكثر من سبعة أضعاف في الوقت الذي زاد فيه عدد حالات الشروع في قتل النساء خمسة أضعاف. ولا تشمل الأرقام حالات عديدة من الغرق والسقوط التي كان فيها أحد أفراد الأسرة مسؤولاً عن الحادث.

وحفزت هذه البيانات السلطة الفلسطينية على إطلاق خطة وطنية في يناير لمكافحة العنف ضد النساء بالتعاون مع ستة من وكالات الأمم المتحدة الشريكة وبتمويل قدره 9 ملايين دولار كمنحة من الحكومة الإسبانية.

وتهدف الخطة إلى إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال الوقاية والحماية وتطبيق القانون. ولكن حتى إذا تم تعديل القوانين بنجاح فإن معظم النساء الفلسطينيات يقلن أنهن يفضلن عدم الإبلاغ عن الجرائم التي ترتكب بحقهن لكي يتجنبن وصمة العار الاجتماعي وإمكانية تعرضهن للطلاق.

وعن ذلك، قالت شادية أبو جواد، البالغة من العمر 24 عاماً، وهي من بيت حانون بغزة أن زوجها طلقها مؤخراً بعد أن أبلغت الشرطة أنه يسيء معاملتها.

وقالت شادية: "لقد كان يضربني حتى ينزف الدم من أنفي وكنت أتعرض لكدمات شديدة حتى على وجهي...لكنه طلقني لأنني بلغت عنه". وشادية عاطلة عن العمل ومن غير المتوقع أن تصبح مرشحة للزواج مرة أخرى لأن قصتها باتت معروفة في مجتمعها، كما أنها تخشى أن يأخذ زوجها السابق حضانة ابنها البالغ من العمر عامين. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

القانون الأساسي

وقد تم التصديق على القانون الأساسي الفلسطيني- الذي وضع كدستور مؤقت للسلطة الفلسطينية- من قبل المجلس التشريعي في عام 1997 والتوقيع عليه من قبل الرئيس السابق ياسر عرفات ليصبح قانوناً في عام 2002. وتقول المادة 92 من القانون الأساسي أن "الأحوال الشخصية تتولاها المحاكم الشرعية والدينية وفقاً للقانون". وتشمل قوانين الأحوال الشخصية تقريباً جميع المجالات القانونية التي تؤثر بشدة على المرأة بما في ذلك الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والنفقة والميراث.

وقال كارم نشوان وهو محامي في مجال حقوق المرأة في غزة: "نحن نطالب بأن يتم تحويل جميع القوانين المتعلقة بحقوق المرأة بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية من محاكم الشريعة الإسلامية إلى القانون الأساسي الفلسطيني".

ولكن رابحة دياب، وزيرة شؤون المرأة في السلطة الفلسطينية، قالت أن القانون الأساسي الفلسطيني لا يعطي النساء حماية متساوية بموجب القانون.

وقالت دياب التي كانت تتحدث في مؤتمر صحفي في 17 يناير لإطلاق خطة لمكافحة العنف ضد المرأة في رام الله أن قانون العقوبات [بموجب القانون الأساسي الفلسطيني] يشمل قوانين غير عادلة للنساء ويجب تعديله، مضيفة أن "الخطة تشمل أهدافاً تنموية طويلة الأمد لتعزيز دور المرأة في الحكومة".

وتتطلع النساء الفلسطينيات وخاصة في الحكومة وقطاعات المجتمع المدني إلى إصلاح قضائي باعتبارها خطوة رئيسية نحو المساواة لأن التغيرات في المواقف والمعتقدات بشأن المرأة تسير ببطء في هذا المجتمع الذكوري.

وقالت لينا البالغة من العمر 30 عاماً من رام الله والتي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها: "غالباً ما أتعرض للضرب على يد زوجي الذي يخطط الآن للزواج بأخرى. أريد الإبلاغ عنه والانفصال ولكن الطلاق أمر شائن وأخشى أن أفقد حضانتي لأطفالنا". كما تعتبر مناقشة الأمور الخاصة في منتدى عام من المحرمات كبرى في المجتمع الفلسطيني.

تعديلات قانون العقوبات

وقال منجد عبد الله، وكيل مساعد وزارة العدل في رام الله أن الوزارة تعدل حالياً قانون العقوبات في ظل القانون الأساسي الفلسطيني من أجل حماية النساء مثل لينا بشكل أفضل. وترتبط العديد من تعديلات القانون الأساسي بحقوق المرأة.

وقال منجد أن "الاغتصاب وسوء المعاملة الجسدية بين الزوج والزوجة أمر غير قانوني ويقع تحت طائلة القانون الجنائي".

ولكن القاضي داوود درعاوي المستشار بوزارة العدل والخبير في قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي قال أن "النص الجديد يجعل الجماع دون تراض بين الرجل والمرأة غير قانوني ولكنه لا يشير على وجه التحديد إلى العلاقة بين الأزواج والزوجات".

وقال درعاوي أن "هذا الغموض سيكون مشكلة. فمن غير المرجح أن يتم تنفيذ القانون بين الأزواج والزوجات"، مضيفاً أن الخطة الجديدة لمكافحة العنف ضد المرأة ستؤخذ في الاعتبار عند وضع مسودة تعديلات قانون العقوبات.

وتقول الكثير من الفلسطينيات من ضحايا الاعتداءات الجنسية والعنف الأسري أنهن لا يتمتعن بالحماية ولذلك يخترن البقاء صامتات.

وقالت ريم، البالغة من العمر 21 عاماً من رام الله والطالبة في كلية إدارة الأعمال بجامعة بيرزيت، أكبر جامعات الضفة الغربية أن "الرجال والنساء يعتقدون أن العنف الأسري مسموح به في ظل القانون وخاصة إذا شك الزوج في أن زوجته قد ارتكبت الزنى. وهذا توجه في أنحاء العالم العربي ولكنه مرتبط أكثر بالثقافة العربية أكثر من ارتباطه بالإسلام".

وقال وكيل مساعد وزارة العدل أنه سيتم وضع مسودة القانون الجديد خلال الـ 3 إلى 6 أشهر القادمة وسيتم تنفيذه في الضفة الغربية وغزة في غضون عام تقريباً. ولكن الوزارة لم تحدد بعد ما إذا كان سيتم تقديم القانون الجديد إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل الموافقة عليه أم إلى المجلس التشريعي.

وقال عمر البرش، وكيل وزارة العدل في غزة أنه "لا يوجد صلة بين وزارة العدل في رام الله وفي غزة" وأن "أي قانون يوافق عليه المجلس التشريعي يتم تنفيذه في الضفة الغربية وغزة ولكن موافقة الرئيس وحدها غير قانونية".

ولكن المجلس التشريعي الفلسطيني مجمد حالياً نتيجة للصراع الداخلي بين فصائل فتح الحاكمة في الضفة الغربية وحماس في غزة.

ولأنهن لا يزلن يعشن تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي ومع وجود 35 بالمائة من السكان تحت خط الفقر- طبقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي - فإن النساء الفلسطينيات يفتقرن إلى الاستقرار والموارد لإطلاق حركة واسعة النطاق لمناصرة حقوق المرأة.

خط مساعدة

في الوقت نفسه، تحاول المنظمات غير الحكومية المحلية سد فجوة الدعم المؤسسي للضحايا.

رنيم ضميري: "لو بلغت امرأة الشرطة عن تعرضها لاعتداء وخاصة في المناطق الريفية لن يقف المجتمع خلفها بل ستُوصف بأنها منحلّة"

وتقوم سوا - وهي منظمة غير حكومية فلسطينية معنية بمكافحة العنف ضد المرأة - بتشغيل خط مساعدة على مدار الأسبوع لضحايا سوء المعاملة في الضفة الغربية وغزة.

وقالت مدير عام الجمعية أهيلة شومر: "نستقبل ما بين 600 إلى 700 مكالمة من نساء يومياً وغالبية المتصلات هن من ضحايا العنف الأسري والتحرش الجنسي من المحارم وأكثر من نصف المكالمات تأتي من غزة". وأضافت أنه لا يوجد آلية مؤسسية مرتبطة بالمستشفيات أو نظام الرعاية الصحية لمعالجة الضحايا أو توثيق محنتهن.

وقالت أيضاً أن "العديد من المتصلات لديهن أسئلة بشأن المشكلات الصحية المرتبطة بالاعتداء عليهن"، مضيفة أن الأمن الشخصي للعاملين في المجال الطبي والأخصائيين الاجتماعيين الذين يساعدون الضحايا يتعرض لتهديد من قبل أسرة الضحية.

وطبقاً لدراسة تم نشرها عام 2009 من قبل مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية في غزة، فإن التقارير تشير إلى أن 67 بالمائة من النساء يخضعن للعنف اللفظي بصورة منتظمة و71 بالمائة للعنف النفسي و52 بالمائة للعنف الجسدي و14 بالمائة للعنف الجنسي.

وقالت رنيم ضميري، البالغة من العمر 21 عاماً وهي طالبة علم نفس من القدس: "لو بلغت امرأة الشرطة عن تعرضها لاعتداء وخاصة في المناطق الريفية لن يقف المجتمع خلفها بل ستوصف بأنها منحلّة. وسيتركها زوجها أو يطلقها".

وحتى عندما تكون النساء على دراية بحقوقهن، تشعر العديد منهن أن خطر خسارة الأسرة أو الدعم الاجتماعي يجعل من طلب العدالة أمراً لا يستحق العناء.

وقالت تمام عبد الحميد، البالغة من العمر 57 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال من قرية خارج رام الله أنها لا ترى تغيراً لوضع النساء في مجتمعها، وأضافت أنه "لو تعرضت امرأة للاغتصاب [في منطقتها] فإنه غالباً ما يتم إجبار الجاني والضحية من قبل أسرتيهما على الزواج".

ويوجد حالياً ثلاثة منازل آمنة لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في الضفة الغربية في رام الله ونابلس وبيت لحم ولكن لا يوجد أي من تلك المنازل في غزة حتى الآن. وتهدف خطة السلطة الفلسطينية لمكافحة العنف إلى خلق أماكن آمنة إضافية للضحايا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م