واشنطن والثورات العربية... حكمة مسك العصى من المنتصف

علي عبد الرسول معاش

 

شبكة النبأ: في تحول براغماتي معروف لسياسة الولايات المتحدة الامريكية بات موقف تلك الدولة العظمى يسير باتجاه معاكس وعلى زاوية 180 درجة ازاء دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

فبعد عقود من دعمها للأنظمة الشمولية التي كانت حتى قبل ايام تتحكم بمصير ومقدرات دول المنطقة، تخلت واشنطن عن ذلك الموقف بشكل معلن وجرئ، بل زادت من ذلك بمطالبتها بعض القادة بالرحيل والتنحي عن السلطة بشكل مباشر.

ويرى المحللون ان الموقف الامريكي جاء للحفاظ على علاقة طيبة مع المجتمعات العربية المتحررة من قبضة الحقب الديكتاتورية لتامين مصالحها هناك، على الرغم من النتائج وسير الاوضاع قد لا يكون مرضيا لتوجهات امريكا، الا ان عليها ان تتقبل الامر بالترحيب وان كان على مضض. معلنة تخليها عن دعم ما تبقى من تلك الانظمة البالية.

اصلاحات بدون تاخير

فقد حضت السفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة سوزان رايس البحرين ودول اخرى من الشرق الاوسط على الشروع في اجراء "اصلاحات" لاحلال الديموقراطية عوض ان ترغمها على ذلك تحركات شعبية، في مقابلة اجرتها معها شبكة ان بي سي التلفزيونية.

وقالت رايس "ما نشهده في جميع انحاء المنطقة هو رغبة في التغيير، تطلع الى اصلاحات سياسية، اصلاحات اقتصادية، تمثيل اكبر، ونحن ندعم ذلك".

وتابعت ان "الرسالة تبقى ذاتها: لا لجوء الى العنف، واحترام الحقوق الاساسية في التجمع والتظاهر والتعبير عن الراي وتشكيل منظمات سياسية، والتقدم على طريق الاصلاحات والاعتراف بالحاجة الى تغيير سياسي دائم".

وواجهت واشنطن انتقادات اخذت عليها تاييدها التحركات من اجل التغيير في الشرق الاوسط بعدما دعمت على مدى عقود في المنطقة انظمة مارست القمع غير انها احلت استقرارا نسبيا.

وشددت رايس ردا على هذه الانتقادات، على ان لا "تناقض" في الدعوة الى اصلاحات مع الابقاء على الشراكة مع انظمة مثل نظام البحرين حليفة الولايات المتحدة.

واوضحت ان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما "قالت باستمرار لاصدقائنا وشركائنا في العالم العربي والعالم الاسلامي انه من الضروري التقدم في اتجاه اصلاح كامل".

وشددت على وجوب ان تبدا حكومة البحرين حوارا مع المعارضة واصلاحات جوهرية، والا فهي تواجه خطر ثورة شعبية مشابة للثورتين اللتين اطاحتا الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.

وتجري تظاهرات منذ اسبوع في البحرين للمطالبة باصلاحات سياسية وقد اوقعت حتى الان ستة قتلى على الاقل.

من جهته، دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ليل احد الاثنين الى "عدم استخدام العنف واحترام الحريات الاساسية" في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي تشهد موجة احتجاجات شعبية غير مسبوقة.

واعلن متحدث باسم الامم المتحدة في بيان ان "الامين العام يجدد دعوته لعدم استخدام العنف واحترام الحريات الاساسية" في دول المنطقة، مشيرا الى انه كان على اتصال مع قادة من المنطقة لبحث الوضع.

وتابع ان بان كي مون "اذ يشدد على وجوب لزوم جميع الاطراف المعنية اقصى درجات ضبط النفس، يود ان يؤكد مجددا قناعته بان الوقت حان لاقامة حوار يشمل قاعدة واسعة واجراء اصلاحات اجتماعية وسياسية حقيقية".

واعلن ولي عهد البحرين الامير سلمان بن حمد آل خليفة الجمعة ان حوارا وطنيا سيبدأ حالما يعم الهدوء متعهدا ببحث "اي مشكلات ضمن حوار جماعي في البحرين تشارك فيه جميع الاطراف".

وقالت رايس "شهدنا تغييرا سريعا جدا في المنطقة، لكن ما نشجع البحرين وحكومات اخرى في المنطقة على القيام به هو الاقرار بان هذه رغبة في التغيير والاصلاح لن تزول". واضافت "ينبغي احترامها وعليهم ان يستبقونها بدل ان تدفعهم".

وسئلت عن وجود تناقض في موقف الرئيس الاميركي الذي حض مبارك على التنحي في مصر فيما لا يدفع في هذا الاتجاه في البحرين، فقالت رايس ان الظروف مختلفة بين البلدين. وقالت "ان الظروف يقررها شعبا البلدين، نحن لا ندفع ايا كان الى الرحيل او البقاء".

من جهة اخرى علقت رايس على الفيتو الاميركي الجمعة على مشروع القرار العربي في مجلس الامن الدولي الذي يدين الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

وقالت ان "مشكلة هذا القرار هو انه لم يكن ياخذ بالاعتبار سوى واحد من الطرفين المعنيين. ولكان ادى الى تشديد موقف احد الطرفين او الاثنين، ما كان سيزيد من صعوبة العودة الى طاولة المفاوضات".

اوباما والتقرير السري

في سياق متصل قال مسؤولون في الإدارة الامريكية إن الرئيس باراك أوباما أمر مستشاريه في آب/أغسطس بإعداد تقرير سرّي عن الاضطرابات المحتملة في العالم العربي، وان التقرير خلص إلى أن البلدان من البحرين حتى اليمن عرضة لانتفاضات شعبية في حال عدم إجراء تغييرات سياسية واسعة.

ونقلت صحيفة 'نيويورك تايمز' عن المسؤولين أن الأمر الذي أصدره أوباما وسمي 'دراسة التوجه الرئاسية' حدّد المناطق الساخنة المحتملة وأبرزها مصر، وقدمت اقتراحات حول كيفية قيام الإدارة الامريكية بالضغط من أجل تغيير سياسي في دول يحكمها مستبدون يعدون حلفاء مهمين للولايات المتحدة.

وأضاف المسؤولون أن التقرير السرّي المؤلف من 18 صفحة، واجه مشكلة أفسدت مقاربة البيت الأبيض تجاه مصر ودول أخرى في الأيام الأخيرة، وهي كيفية الموازنة بين المصالح الإستراتيجية الامريكية والرغبة في تفادي توسّع عدم الاستقرار، وبين تحقيق المطالب الديمقراطية للمتظاهرين.

ولم يتحدث المسؤولون عن مدى ارتباط التقرير بالتحليل الاستخباراتي الخاص بالشرق الأوسط الذي اعترف مدير الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) ليون بانيتا في شهادته أمام الكونغرس الاربعاء بأنه كان بحاجة لتحديد أفضل 'لمحفزات' الثورات في دول مثل مصر.

وقالوا إن دعم أوباما للمتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة، وإن كان قد تبع إشارات مختلطة من قبل إدارته، عكس اعتقاده بوجود مخاطرة أكبر في عدم الضغط نحو تغييرات لأن القادة العرب سيعودون لاستخدام مزيد من الأساليب الوحشية للحفاظ على السلطة.

وقال مسؤول ساعد في إعداد مسودة التقرير' لا شك بأن مصر شغلت بال الرئيس'، مضيفاً أنه كان يوجد الكثير من الأمور غير المعروفة بشأن الخلافة في مصر التي تعد 'مرساة' المنطقة.

وعن اليمن، قال المسؤولون إن الرئيس قلق من ان تركيز إدارته على عمليات مكافحة 'الإرهاب' ضد 'القاعدة' كان يتجاهل أزمة سياسية تبزغ مع ثورة الشباب الغاضب ضد الرئيس علي عبد الله صالح.

وأشاروا إلى ان الإدارة الامريكية أبقت التقرير سرياً لقلقها من ان تسريبه قد يجعل الحلفاء العرب يضغطون على البيت الأبيض، كما حدث بعد أيام من بدء التظاهرات في القاهرة.

ورفض المسؤولون مناقشة تفاصيل بشأن الدول الأخرى التي اعتبرت عرضة للانتفاضات الشعبية، وقال أحدهم إن التقرير انتقى 4 دول للنظر في شأنها بشكل دقيق، واحدة تحاول التحرك نحو التغيير، وأخرى تقاوم أي تغيير، واثنتان لهما علاقات إستراتيجية عميقة مع الولايات المتحدة وفيها توترات دينية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الصفات تنطبق على الأردن ومصر والبحرين واليمن. وقالت الصحيفة إنه بالرغم من أن التقرير يعد حالياً مرشداً لردود فعل الإدارة الامريكية تجاه الأحداث في الدول العربية، غير أنه لم يقدّم بعد رسمياً.

دعم أمني لثورة تونس

قال السناتور الامريكي جون مكين ان واشنطن عرضت على تونس المساعدة في تعزيز الامن بعد الثورة "النموذجية". وأنهت الانتفاضة الشعبية في تونس الشهر الماضي حكم الرئيس زين العابدين بن علي الذي دام 23 عاما وامتدت توابعها للعالم العربي حيث ألهمت ثورة مشابهة في مصر أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما في السلطة.

واضاف مكين العضو في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي لرويترز عقب لقائه بمسؤولين في الحكومة التونسية "الثورة في تونس كانت ناجحة للغاية وصارت نموذجا للمنطقة."

واضاف "نقف على أهبة الاستعداد لتوفير التدريب من أجل مساعدة الجيش التونسي على توفير الامن."

ومن المتوقع اجراء انتخابات لرئاسة البلاد بحلول يوليو تموز أو أغسطس اب. ولكن وقعت الاحتجاجات في الاونة الاخيرة ضد الحكومة المؤقتة المكلفة بتنظيم الانتخابات بسبب عدم تصديها للجريمة التي ارتفعت معدلاتها والفقر المدقع.

وألهمت الثورة في تونس الانتفاضة في مصر وكذا شجعت على خروج احتجاجات شعبية ضخمة في بلدان أخرى بالمنطقة العربية منها ليبيا التي قتل فيها العشرات برصاص قوات الامن. وقال السناتور جو ليبرمان الذي كان يرافق مكين ان الوضع في ليبيا "مأساوي". بحسب رويترز.

وأضاف "الجيش التونسي لعب دورا بناء.. لكن الجيش في ليبيا وقف ضد الشعب.. هذا غير مقبول."

وفي وقت سابق قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ان الثورة التونسية قد تمثل نموذجا تحتذي به بلدان اخرى تسعى للاصلاح اذا تجنبت العقبات في الطريق نحو الديمقراطية.

وأشار الى أن الحكومة المؤقتة بحاجة الى ادخال تعديلات دستورية واقامة مؤسسات لضمان سيادة القانون لصالح الانتخابات المتوقعة في يوليو تموز او أغسطس اب للاطمئنان الى مرورها بسلاسة.

وقال "انتقلنا الى نظام التعددية الحزبية في تركيا عام 1946 وكانت أولى انتخابات لدينا في 1950.في تونس هناك مخاطر لان كل شيء يحدث بسرعة."

شجاعة الايرانيين

من جهة اخرى نبه الرئيس الاميركي باراك اوباما حلفاءه في الشرق الاوسط الى خطر حصول انتفاضات شعبية في بلدانهم على غرار ما جرى في مصر في حال وقفوا في وجه التطلعات الديموقراطية لشعوبهم، وامل ان يواصل الايرانيون الاحتجاج على نظامهم.

وقال اوباما في مؤتمر صحافي في البيت الابيض "لا يمكن ممارسة السلطة عبر القوة الى ما لا نهاية، فكل مجتمع يحتاج الى تقبله في شكل او في اخر".

واضاف "وجهنا رسالة قوية الى حلفائنا في المنطقة تقول: فلننظر الى المثال المصري كمناقض للمثال الايراني".

واضاف الرئيس الاميركي ان "فحوى الرسالة التي وجهناها الى الاصدقاء كما الى الاعداء قبل قيام التظاهرات في مصر هي ان العالم يتغير"، في اشارة الى الخطاب الذي القاه في القاهرة العام 2009.

وتابع "هناك في الشرق الاوسط جيل جديد دينامي يسعى الى انتهاز فرصته. واذا كان المرء يحكم احد هذه البلدان فعليه ان يواكب التغيير لا ان يتخلف عنه".

واجبر الرئيس مبارك، حليف الولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما، على التنحي تحت ضغط الشارع وذلك بعد اقل من شهر على تنحي الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.

ومنذ استقالة مبارك، سجلت حركات احتجاجية في العديد من دول المنطقة بينها ليبيا والجزائر واليمن والبحرين.

وفي ايران تظاهر الالاف في وسط طهران بناء على دعوة زعيمي المعارضة رئيس الوزراء الاسبق مير حسين موسوي ورئيس مجلس الشورى الاسبق مهدي كروبي، رغم قرار منع التظاهرات.

وهذه التظاهرات التي قتل فيها شخصان واصيب تسعة شرطيين هي الاولى منذ عام. ونظمت اصلا تاييدا للانتفاضات الشعبية في مصر وتونس.

واستغرب اوباما ان يعمد القادة الايرانيون "الى الاحتفال بما حصل في مصر، في حين مارسوا في الواقع عكس ما حصل تماما في مصر عبر قمع الناس الذين حاولوا التعبير عن رايهم سلميا".

وقال "امل ان نستمر في رؤية الشعب الايراني يتحلى بالشجاعة للتعبير عن عطشه الى الحرية ورغبته في ان تكون له حكومة اكثر تمثيلا".

وترى الادارة الاميركية ان التحول الديموقراطي في العالم العربي يتيح الحد من نفوذ القاعدة التي تعلن ان العنف وحده من شانه احداث تغيير سياسي في المنطقة.

وراى اوباما انه "لن تحصل تغييرات فعلية داخل هذه المجتمعات بسبب الارهاب. لن تحصل بسبب قتل الابرياء. ستحصل لان هناك اناسا يتظاهرون ويمارسون قوتهم المعنوية حيال وضع معين".

وفي شان الوضع في مصر، قال "لا يزال هناك بالتاكيد عمل كثير للقيام به في مصر لكن ما رايناه حتى الان هو اشارات صحيحة".

واضاف ان "مصر ستحتاج الى مساعدة لبناء المؤسسات الديموقراطية وتعزيز الاقتصاد الذي تاثر بما حصل".

واكد اوباما ان "المجلس الاعلى للقوات المسلحة يتولى القيادة وقد كرر احترام المعاهدات مع دول مثل اسرائيل والمعاهدات الدولية" الاخرى.

ودافع الرئيس الاميركي عن كيفية تعامله مع الازمة المصرية وخصوصا بعد تعرضه لانتقادات من المعارضة الجمهورية التي اتهمته بالتردد.

واوضح انه سعى الى تفادي وضع الولايات المتحدة وسط اختبار قوة بين المتظاهرين من جهة والنظام المصري من جهة اخرى، لافتا الى ان مصر تمكنت من انجاز "انتقال سلمي في ظل عنف محدود نسبيا ومن دون التعبير نسبيا عن شعور مناهض للولايات المتحدة واسرائيل والعالم الغربي".

من جهتها انتقدت روسيا دعوات اطلقتها قوى خارجية للقيام بثورة أو الى تبني نماذج معينة من الديمقراطية في الشرق الاوسط قائلة ان مثل تلك الدعوات يمكن أن تكون غير بناءة. وقال سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ان بلاده قلقة ازاء الوضع في الشرق الاوسط.

وعندما سئل بشأن الدعوات الامريكية للانتقال الى الديمقراطية في مصر حيث يمسك الجيش بزمام السلطة حاليا قال لافروف "أعتقد أن تشجيع أو فرض نموذج خاص من الديمقراطية هو أمر غير بناء."

وأضاف في مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني وليام هيج أثناء زيارة للندن "لا ليس الامر كذلك. هذا مثال لازدواج المعايير."

ونأت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بنفسيهما عن حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تحكم قطاع غزة ويصفانها بانها منظمة ارهابية. وقال لافروف من خلال مترجم ان الدعوات الى الثورة في الشرق الاوسط غير بناءة أيضا.

واضاف "شهدنا أكثر من ثورة في روسيا.. ونعتقد أننا ينبغي ألا نفرض ثورات على الاخرين. لا نعتقد أننا بحاجة لزيادة الضغط أو التحيز الى طرف."

ومضى لافروف يقول انه ينبغي لباقي العالم بدلا من ذلك أن يدعو جميع الاطراف في دول المنطقة الى الحوار للتوصل الى اتفاق فيما بينها.

الاخوان المسلمين

فيما لا تزال رؤية الاستخبارات الاميركية، ورغم علاقاتها الوثيقة طيلة 30 عاما مع الاستخبارات والقوات المسلحة المصرية، غير واضحة ازاء جماعة الاخوان المسلمين اكبر قوة معارضة في مصر.

واقر مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر ومدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" ليون بانيتا الاربعاء بان الاستخبارات الاميركية التي تعرضت لانتقادات لعدم توقعها انهيار الحكم في كل من تونس ومصر وذلك على الرغم من ميزانية قاربت ال80 مليار دولار في العام 2010، لا تزال غير قادرة على استشفاف نوايا الاخوان المسلمين.

وصرح كلابر خلال جلسة للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ "من الصعب في هذه المرحلة الاستناد الى برنامج محدد للاخوان المسلمين بصفتهم جماعة".

واعتذر عن اشارته الى الجماعة بانها "معظمها علمانية" خلال جلسة استماع، مضيفا ان خطأه "مؤسف". بحسب فرانس برس.

الا ان المسؤولين يعتبران ان اجهزة الاستخبارات الاميركية قامت بواجبها بافضل ما يمكن لجهة تزويد الادارة الاميركية بالمعلومات حول الوضع في الشرق الاوسط.

واقر كلابر ان "ما بوسع الاستخبارات القيام به في مثل هذه الحالة هو الحد من مخاوف متخذي القرارات وليس ازالتها (...) وهو ما قمنا به لكننا لا نتوقع الاحداث".

وتثير جماعة الاخوان المسلمين مخاوف الغربيين الذين يخشون قيام نظام اسلامي بعد الاطاحة بنظام مبارك الذي حكم مصر 30 عاما، لكن الاخوان المسلمين يؤكدون انهم لا يسعون الى دولة دينية.

ولدى سؤال بانيتا حول موقف الاخوان المسلمين من معاهدة السلام بين اسرائيل ومصر والتي ارتكزت عليها الاستراتيجية الاميركية في تحالفاتها منذ سبعينات القرن الماضي، ابدى ترددا في الاجابة.

واكتفى بالقول "على الارجح انهم غير مؤيدين للمعاهدة" وذكر بان المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تولى الحكم منذ تنحي مبارك، تعهد احترام المعاهدات الموقعة. اما كلابر ولدى سؤاله حول ما اذا كان الاخوان المسلمون يدعمون منع تهريب الاسلحة الى غزة من الحدود المصرية فقال "لا اعلم اذا كان لديهم موقفا محددا من المسألة. واميل الى القول بان موقفهم مؤيد على الارجح".

واثار هذا التردد استنكار رئيسة اللجنة دايان فينستاين التي اعتبرت انه "من الضروري" معرفة نواياهم. وتعهد بانيتا ب"تعزيز" عمليات المراقبة.

وتقيم الولايات المتحدة التي تؤمن اسلحة ومعدات بقيمة 1,3 مليار دولار سنويا لمصر، علاقات وثيقة مع القوات المسلحة والاستخبارات المصرية اذ يتعاونان معا في مكافحة الارهاب.

الا ان قرب هذه العلاقة مع الاستخبارات المصرية هو على الارجح ما جعل الاميركيين غافلين عندما بدأت التظاهرات في شوارع القاهرة، بحسب ديفيد اغناطيوس كاتب الافتتاحية في صحيفة "واشنطن بوست".

وكتب ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ومن اجل الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع السلطة المحلية "تتفادى في بعض الاحيان اقحام نفسها" في الشؤون الداخلية للبلاد ولو على حساب ان يفوتها ما يحدث في المجتمع.

من جانبه اعتراف لرئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون في خطاب ألقاه في الكويت التي يزورها ضمن جولته في المنطقة في محاولة لترويج صناعات الأسلحة البريطانية، جولة بدأها بزيارة لمصر لم تكن مدرجة أصلا لولا نجاج ثورتها.

وتحت عنوان "الشرق الأوسط: دافيد كاميرون قال أمام أعضاء مجلس الأمة إن الغرب كان مخطئا حين دعم طغاة"، قالت الصحيفة إن رئيس الوزراء البريطاني قال إن الانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط تظهر أن الغرب كان على خطأ حين دعم أنظمة ديكتاتورية وغير ديمقراطية.

وتقول الصحيفة إن كاميرون أشار في خطابه إلى نظرة الغرب التقليدية للشعوب العربية بأنها غير مهيأة اجتماعيا للديمقراطية قائلا إن هذه "تكاد تكون تمييزا عنصريا"، ففكرة أن هناك "استثناء عربيا" فكرة خاطئة ومهينة.

"وإن السياسة الخارجية لبريطانيا قد آثرت المصالح الاقتصادية الذاتية على الترويج للقيم الديمقراطية الغربية. إلا أن الأحداث الأخيرة قد أكدت أن حرمان الناس من حقوقهم الأساسية لا يحفظ الاستقرار بل في الحقيقة يفعل العكس، وإن مصالح بريطانيا الأمنية والاقتصادية تتعزز في النهاية بوجود شرق أوسط أكثر ديمقراطية.

غير أن هذه الرؤية الجديدة لم تحظ بمصداقية لدى عديدين ومنهم سيمون جنكينز الكاتب في الجارديان.

وتحت عنوان "إما أن تدفع بريطانيا من أجل الديمقراطية أو الأسلحة، لكن ليس الإثنين معا" قال جنكينز إن جولة تسويق الأسلحة التي يقوم بها دافيد كاميرون قد ورطته في نفاق تقليدي حول انتهاج سياسة التدخل لنشر الليبرالية، "فلندع العرب يرتبون أمور بيتهم بأنفسهم".

ويوضح جنكينز رأيه بالقول "إن الحكومة البريطانية ـ كسابقتها ـ تزعم أنها تتبع سياسة "التدخل لنشر الليبرالية" في مسعى لإسقاط الأنظمة غير الديمقراطية حول العالم وخاصة في العالم الإسلامي. هذه الحكومة ـ كسابقتها ثانية ـ ترسل إلى هذه الأنظمة غير الديمقراطية كميات وافرة من الأسلحة لإحباط السبل الوحيدة المتاحة لإسقاط هذه النظم، وهي الهبات الشعبية.والتناقض هنا ساطع يكاد يعمي العيون".

ويشير الكاتب إلى وجود 50 شركة بريطانية لتصنيع للسلاح في المعرض الليبي للأسلحة العام الماضي، وكيف أن تلك الأسلحة تظهر بوضوح في قتل المتظاهرين هذا الأسبوع، مع إصرار بريطانيا على النص في عقود بيع الأسلحة على عدم استخدامها فيما ينتهك حقوق الإنسان، "فماذا كانت وزارة الخارجية تعتقد أن القذافي سيفعل ببنادق القنص والقنابل المسيلة للدموع؟"

ثم يستطرد ليعرض الطريقة التي يتعامل بها الغرب مع الثورات التي تهب في العالم العربي، فيقول إن تعبيرات مثل "ما نريد أن نراه" أو "ما لا يجوز ان يفعلوه" تتردد على لسان كل رجل دولة في واشنطن ولندن. ثم ينبه إلى أن اليقين الوحيد حول الأحداث التي تجتاح العالم العربي هي أنها بقيادة عرب وعرب فقط، وإنه لا أحد يعرف كيف ستنتهي "لكن الأمر الوحيد الواعد فيما يسمى ربيع العرب هوأنا قامت بقيادة ذاتية ومهما كانت فرص نجاحها فستكون أقوى لأنها صنعت في الداخل".

ويعرض جنكنز لمواقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما المعروفة منذ توليه الحكم إزاء العالم العربي والإسلامي، ويقول إن ميل أوباما الغريزي ـ المحق ـ عند هبوب هذه الثورات كان لترك الشعوب تتلمس بنفسها طريقها الطويل لتحقيق الذات، إلى أن انتهى بوضع ضغوط على مبارك ليرحل عن الحكم".

ثم يقول إن المحافظين الجدد ودعاة التدخل لنشر الليبرالية على حد سواء يحرضون أوباما الآن على أن تلعب الولايات المتحدة دورا أكبر في التحول السياسي في العالم العربي، وهذا بالأساس لصالح إسرائيل.

ويختم الكاتب مقاله بالقول "لو أردنا عرقلة طريق العرب هذا بتسليح طغاتهم فلنفعل. لكن لا يجوز أن ندعي انتهاج سياسة التدخل لنشر الليبرالية. وإذا ما زعمنا الليبرالية فلا يجوز أن نبيع الأسلحة. إن التدخل في شؤون الغير قليلا ما يكون أمرا حكيما، أما التدخل بوجهين فهو نفاق بحت".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م