
شبكة النبأ: تابع الشعب العراقي بترقب
مشوب بالقلق تارة، والفرح تارة اخرى، ما أقدم عليه البرلمان العراقي،
من خطوات وما اتخذه من قرارات، تصبّ كلها في صالح الشعب، وتنمّ عن قدرة
على الحد من حالة - الموت او السبات- التي كان يعاني منها في دوراته
السابقة، وهو الامر الذي جعل الشعب يفقد الثقة بممثليه، وظل ينظر إليهم
بعين الريبة والخيبة في آن، بعد أن شاهد وقرأ مفردات الواقع، ولاحظ
لهاث النواب والمسؤولين وراء مصالحهم، ومنافعهم الشخصية، وترْكِهم
للشعب وهمومه واحتياجاته خلف ظهورهم، بعد أن خرج بجميع أطيافه وشرائحه،
الى صناديق الاقتراع، وقال كلمته التي نقلت النواب من مواقعهم كأفراد
عاديين، الى كراسيهم الذهبية.
إذن هي صحوة برلمانية جاءت بعد فوات أوانها، ويعزوا الجميع هذه
الصحوة المتأخرة وفوائدها، الى الضغط الشديد المتواصل، الذي مارسته
الجماهير على ساستهم، نتيجة لموجة الاضرابات الكبيرة، التي شملت دولا
عديدة في الشرق الاوسط، وأطاحت بالعديد من العروش المتسلطة طيلة عقود
متتابعة على شعوبها.
والملاحظ أن سقف المطالب العراقية كان يسيرا وسهلا قياسا الى سقف
مطالب الشعوب الاخرى، ولم ينطوي على سياسية قط، أي أن جميع الذين خرجوا
في تظاهرات سلمية لم يرفعوا شعارا سياسيا واحدا، ولم يرددوا إهزوجة
سياسية واحدة، وكانت جل طلباتهم وشعاراتهم تتركز على ضعف الخدمات،
وحالة الجوع، بسبب الارتفاع الشديد لاسعار المواد الغذائية محليا
وعالما، وفقدان الدعم الحكومي لمفردات البطاقة التموينية، التي تعتاش
عليها نسبة مهمة من جموع الشعب، كذلك فقدان الشباب وغيرهم لفرص العمل،
وانتشار البطالة بين الخرجين على وجه الخصوص، وهكذا كان سقف المطالب
العراقية معيشيا، كما وصفت ذلك عدد من الفضائيات، وهي تغطي بعض
المظاهرات العراقية، فتقول إن العراقيين خرجوا في تظاهرات (معيشية)،
ولم نسمع بمثل هذا التوصيف، ولم يُطلق على جميع المظاهرات، التي انطلقت
في تونس، ومصر، واليمن، والبحرين، وليبيا، والاردن، إذ كانت تلك
المظاهر تنطوي على سقف عال من المطالب الشعبية، وكلها كانت تركّز على
التغيير السياسي الجذري للانظمة السياسية الحاكمة في بلدانها.
وهكذا تنبّه مجلس النواب لخطورة الموقف، وبدأ باتخاذ سلسلة من
الخطوات التي حاولت أن تصحح الامور، وأن تعيد الثقة للمواطن بممثليه
وقادته السياسيين، ومن الخطوات الجديرة بالاحترام (فيما لو تحققت)
إلغاء المنافع الاجمتاعية للرئاسات الثلاث، وتخفيض رواتب الرئاسات،
والوزراء، والنواب، والموظفين الكبار، وسن قانون ينظّم هذا التخفيض،
كذلك توزيع الفائض المالي من الميزانية كمنح على الشعب، واطلاق
التعيينات فورا، واطلاق التخصيصات المالية للمحافظات، وتعيين
المتعاقدين مع الدوائر الرسمية على الملاك الرسمي الدائم، ولا ننسى
اعلان رئيس الوزراء بعدم الترشيح لدورة جديدة في الانتخابات القادمة،
وكذلك تشكيل عدد من اللجان لتقصي عمليات التعاقد المالي، والصرف
الحكومي، حتى ان رئيس المجلس اعلن بأن هناك 40 مليار دولار سحبت من
صندوق المنفعة العراقية ولا يُعرف مصيرها، فيما طالب النائب أحمد
الجلبي، بتشكيل لجنة لمتابعة السلف التي سحبتها الحكومة، وصرفتها من
دون التدقيق بكيفية الصرف أو جهات الصرف، وتبلغ قيمتها اكثر من 28
ترليون دينار عراقي.
هذه الصحوة البرلمانية المتأخرة التي تمخضت عن حزمة من الاصلاحات،
أعادت الثقة الى المواطن بنسبة معينة، لأنه يحتاج الى الفعل الملموس
الذي يحوّل خطوات وقرارات وقوانين الحزمة المذكورة، الى أفعال قائمة
وملموسة لمس اليد، ولذا لايستغرب المسؤول الحكومي، او عضو مجلس النواب،
عندما يلاحظ تخوفا من المواطنين، او نوعا من الفتور، حيال الخطوات
الجيدة التي اتخذها المجلس، لأن الشعب كان على علاقة جفاء وشك مع مجلس
النواب، ومع حكومته ايضا، على مدى سنوات متواصلة.
أما الآن بعد أن استفاق البرلمان، والقادة الحكوميين وغيرهم من
سباتهم، فعليهم أن يشتغلوا بأقصى سرعة ممكنة لتحويل حزمة القرارات
المتّخَذة الى ناتج عملي بإمكان المواطن أن يلمسه بيده ويراه بعينه،
وهذا هو الاسلوب والنهج الوحيد الذي بإمكانه أن يعيد الثقة، للعلاقة
بين الشعب وقادته وممثليه، وعلى ممثلي الشعب وقادته أن لايفكروا بإسلوب
آخر قط، لكي نخطو خطوات صحيحة ومتواصلة باتجاه بناء الدولة الدستورية
القوية والمعاصرة. |