عدوى الثورات.. هل يمكن أن تنتقل لبلدان آسيا الوسطى؟

علاء فاروق

اندلعت في المنطقة العربية مشروعات ثورية قلبت كل الموازين، وأعلنت مدوية "انتهى عصر التنبؤات فنحن في عصر المفاجآت"، وأصبحت الموازين في المنطقة مختلفة، وبدأ كل حاكم ومسؤول فيها بالخوف على تكرار هذه السيناريوهات على أرضه، فبعضهم شرع في إجراء إصلاحات فورية لاسترضاء شعبه، وآخرون حصنوا أنفسهم بتعديلات دستورية تضمن بقاءهم واستمرارهم، لكن النتيجة الحقيقية لمثل هذه الثورات هو لفت الانتباه إلى طبقات الشعب، وخاصة الكادحة منها.

بدأت هذه المشروعات الثورية على أرض تونس التي لم يكن أحد أبدًا يتوقع أن تخرج من هذا الشعب تظاهرات لبعض الآلاف، فضلاً أن تخرج منه ثورة تطيح بحاكمه، لكن كما قلنا انتهى عصر التوقعات، وبدأ عصر المفاجآت على أيدي شعب تونس الذي عانى سنوات من الفساد الإدراي، وكبت الحرية، وانتهاك الحقوق، ما جعله يثور إثر حرق شاب نفسه ليعبر عن احتجاجه ورفضه لبعض الانتهاكات الشرطية، ومن هنا انطلقت الشرارة، وأحرقت النظام الحاكم وأجبرته وعائلته ونظامه وحتى حزبه على الرحيل.

ولم تهدأ هذه الثورة حتى فاجأتنا ثورة أخوية لها على أرض مصر الكنانة التي عرف شعبها– للأسف- بأنه سلبي، ولا ولن يثور أبدًا على حاكمه وإن ظلمه وقتله، لتأتي المفاجأة لتؤكد القاعدة المفروضة "نهاية عصر التنبؤات"، بأن تخرج الآلاف الشعبوية في مظاهرات حاشدة في يوم أسموه "يوم الغضب"؛ لتطالب أيضًا بمحاكمة الرئيس ونظامه، ثم رحيله وعائلته خارج البلاد، إلى غيرها من المطالب التي نجحت الثورة– التي ما زالت قائمة في شوارع مصر- في تحقيق العديد منها على المستوى الشعبي والسياسي وأبرزها تنحية الرئيس عن منصبه، وهي الآن في انتظار استكمال تحقيق باقي مطالبها ، وهو محاكمة النظام ورجاله.

الثورات وآسيا الوسطى

من المعروف أن ما تعانيه بعض بلدان آسيا لا يقل– إن لم يكن يزيد- عما تعانيه المنطقة العربية من فساد واستبداد، وكبت للحريات المدنية، وانتهاك لحقوق الإنسان، فالمشهد السلطوي الحاكم متكرر في المنطقتين، وتتلخص أوجه الشبه في:

- الأنظمة الحاكمة في المنطقتين أكثرها مستبد وظالم، ولا يحترم حقوق الإنسان.

- الأنظمة في المنطقتين دأبتا على تزوير الإرادة الشعبية عن طريق تزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وحتى المحلية، حتى أصبحت كل مؤسساتها على غير رغبة وإرادة الشعب، وإنما على هوى السلطات الحاكمة التي تستخدم هذه المؤسسات لتحقيق مآربها الشخصية والسلطوية.

- ملفات التوريث للأبناء والأقارب مطروحة في المنطقتين.

- تفريغ الأحزاب من مضمونها وتخريبها من الداخل حتى أصبحت المعارضة صورية ولا صوت لها، ومن ثم عدم السماح بتكوين أحزاب جديدة إلا بعد الموافقة على سياسة الدولة ودعمها، حتى وصل الأمر ببعض هذه الاحزاب أن تعلن تأييدها، ودعمها للرئيس الحاكم المرشح في الانتخابات رغم ترشح رئيس الحزب لنفس المنصب.

- الاستيلاء على كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية لتسير كلها في فلك الثناء والتبجيل للسلطة وحاكمها، وتأليه قراراته وتحركاته.

- محاربة الحركات الإسلامية، والتنكر الدائم لها، وتخويف الناس منها، ووصفها المستمر بالتشدد والإرهاب. إلى غيرها من أوجه الشبه، ما يجعلنا نطرح عدة تساؤلات هنا، إذا كانت البيئتان متشابهتين في أمور كثيرة، هل يمكن انتقال مثل هذه الثورات إلى منطقة آسيا الوسطى؟ وهل هي قادرة فعلاً على تنظيم مثل هذه التظاهرات الشعبية التي تطالب فيها بسقوط رءوس الفساد والاستبداد؟

في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة وما يشابهها عن إمكانية انتقال عدوى الثورات الحالية من المنطقة العربية بعض بلدان آسيا الوسطى، أو إلى المنطقة بكاملها، بداية أقول أنه من المعروف أن هذه البلدان معروفة بتاريخ من الثورات التي غيرت فعلاً فيه أنظمة وجاءت بآخرين، وما حدث في قرغيزيا مؤخرًا ليس ببعيد.

لماذا لا تحدث ثورة؟

لكن للأسف فإن الأنظمة في هذه المنطقة نجحت وبامتياز في القضاء على شيء يسمى معارضة حقيقية تستند إلى الشارع، وتستمد منه شرعيته، نعم هناك معارضة، وبعضها معترف به مثل حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، لكن ما زالت الحكومة تمارس ضغوطًا وتفريغًا لهذا الحزب بدأت بالتضييق عليه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حتى قلصت عدد مقاعده، وقامت مؤخرًا بغلق المسجد الخاص بالحزب، وكذلك اعتقال رئيس تحرير صحيفة هذا الحزب، بمعنى أن هناك معارضة، لكنها مهمشة ومحاربة بشكل كبير.

أضف إلى ذلك حالة الإحباط التي تصاحب بعض رجال هذه الثورات، خاصة بعدما تنجح ثورتهم، وتأتي بحزب آخر، وشخص آخر للسلطة، وما هي إلا شهور ويعرفون أنهم خرجوا من حكم مستبد إلى آخر فاسد، وهذا ما حدث في قرغيزيا إثر ثورة 2005 التي أطاحت بالرئيس آكاييف، الذي وصفته بالفساد والاستبداد، وقامت بطرده خارج البلاد ليتولى السلطة باكييف، وهو واحد من رجالات المعارضة، وخلال حكمه لم ير المواطن القرغيزي فرقًا بين الرئيسين، بل مارس باكييف سياسة التهميش والقمع للمعارضة، وانتشر في عصره الفساد الإداري، ونهب الثروات، وتوظيف أقاربه وعائلته في أعلى المناصب، وانتهى عصره بثورة بعد 5 سنوات من حكمه؛ لتأتي بحكومة معارضة ربما تنجح في تضميد جراح ثوار 2005.

أقصد من هذا الكلام أن الإرادة للقيام بثورة في هذه المنطقة تسبقها عقبات كثيرة تتلخص في صعوبة حشد الأعداد المليونية الكبيرة للخروج للشارع، أو الإضراب؛ للخوف الشديد الذي يسيطر على المواطن هناك، كذلك عدم النضج السياسي للكثير من هذه الحركات المعارضة، نظرًا للتضييق عليها في ممارسة العمل العام، والاحتكاك بالمواطنين، وكذلك التعتيم الإعلامي الكبير الذي تمارسه سلطات آسيا الوسطى تجاه شعوبها، فمن العجب أن تسمع أن نسبة كبيرة من المواطنين هناك مثلاً لا يعرفون أن فلسطين محتلة، أو لا يعرفون أن هناك ثورة في تونس ومصر، وهذا ما يجعل هناك صعوبة تواصل مع هذه الفئة الكبيرة سواء من المعارضة، أو من الإعلام الحر الذي يعرض الحقائق، فالقنوات هناك تنقل تحركات الرئيس وجولاته وإنجازاته حتى يحفظها المواطن، وإن خرجت بعيدًا عن هذا، فإلى الأفلام والمسلسلات التي تعمل على نشر الانحراف الأخلاقي والاجتماعي، ما عمل على حالة "تغييب" للعقل والفكر.

كذلك غياب وسائل التكنولوجيا الحديثة، وأهمها الإنترنت، أو صعوبة الحصول عليه، والمراقبة الشديدة من أجهزة الدولة على استخدام هذه التكنولوجيا، ما يجعل إمكانية قيام ثورة عن طريق هذه التكنولوجيا عبر بوابات التواصل "تويتر والفيس بوك" صعبة جدًا؛ للخوف الذي يسيطر على مستخدميها.

أضف إلى ذلك أيضًا أن هذه الانظمة رغم استبدادها وقمعها للحريات والحركات المعارضة، خاصة الإسلامية منها، إلا أنها تسعى في كثير من الأحيان إلى إصلاحات اقتصادية كبيرة يلمسها المواطن على أرض الواقع وإن كان هو بعيد عنها إلا أنه يرى بلاده في تطور مستمر، وهذا لا ينفي وجود نهب وسرقة لثروات هذه البلاد، لكن جزءًا من هذه الثروات يوظف في الإصلاحات الاقتصادية، وهو ما أسميه "رشوة اقتصادية لاسترضاء طبقة كبيرة من المواطنين".

خلاصة القول، أن عدوى الثورات القائمة حاليًا في المنطقة العربية– تونس ومصر وقريبًا الجزائر واليمن والأردن- يمكن انتقالها إلى منطقة آسيا الوسطى، لكن ليس الآن، لكن يمكن لرجالات المعارضة هناك أن يستثمروا هذه الأحداث، وهذا الجو الثوري المسيطر على المنطقة العربية في محاولة الضغط لأخذ صلاحيات أكثر، وتكوين أحزاب رسمية، وجمعيات مدنية تستخدم فيما بعد للتوعية الشعبية بالحقوق، وتعميق الثقافة السياسية، ورفض الاستبداد، وتكوين مجتمع ناضج سياسيًا حتى يمكن استخدامه فيما بعد كأوراق ضغط على الأنظمة الحاكمة؛ لإجبارها على القيام بإصلاحات أكثر، وإلا فالثورة والإطاحة بها، وهذا ربما يحتاج إلى سنوات.

فعلى رجال المعارضة والمثقفين والمشتغلين بالسياسة الشعبية استثمار مثل هذه الثورات في تربية مجتمعاتهم سياسيًا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/شباط/2011 - 20/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م