25 شباط : يوم الاختبار العراقي

محمد علي جواد تقي

أمامنا يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر شباط الجاري، موعد التظاهرات الجماهيرية في عموم العراق للاحتجاج على عجز الحكومة حل مشاكلها مع الشعب، وايضاً ليسجل الشعب العراقي اسمه في سجل الشعوب الثائرة على الفساد والطغيان والظلم، وهي مسألة جد مهمة وحساسة بالنسبة لنا، فالعراق ملهم للشعوب والأمم في الثورة على الظلم والطغيان وايضاً في الانتصار.

 وعليه فان العالم ينتظر ان يكون المشهد العراقي متميزاً، لأننا نتحدث كل عام في ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام عن الانتصار العظيم الذي يحققه الدم على السيف، ونتحدث ايضاً عن انتصار المقابر الجماعية وقوافل الشهداء في المعتقلات وتحت التعذيب على أقوى وأعتى قوة مخابراتية وأمنية كان يمتلكها نظام صدام البائد.

طبعاً الوضع العراقي لا يتجه بالضرورة نحو التغيير الشامل كما هي الظروف السائدة في البلاد العربية، إنما نحو التقويم وتذكير المسؤولين في الدولة بالعهد الذي قطعوه على انفسهم أمام الشعب العراقي بعد سقوط الديكتاتورية عام 2003، إذن؛ فمهمتنا ليست بالصعبة والمعقدة كما هو حال اخواننا في مصر وتونس وليبيا والبحرين وسائر البلاد التي تعاني منذ عقود من الزمن غدد سرطانية فتّاكة، لذا نرى ان التغيير هناك لا يتم إلا بعملية جراحية غاية في التعقيد والحساسية لا تخلو من نزيف دم واحتمالات بحصول مضاعفات على مناطق اخرى من كيان البلد وهويته.

من هنا فان يوم الجمعة، وهو يوم يحمل معه دلالته الدينية العميقة في الثقافة الاجتماعية، يجب ان يكون فرصة لنا لأن نوحد اهتمامنا في تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد نحو الافضل، وهناك اكثر من قضية يجتمع عليها العراقيون ليس اقلها الخدمات والفساد الاداري والبطالة والغلاء، وعلى كل مواطن عراقي ان يسأل نفسه اليوم؛ الى أي مستوى تم تقليل هذه الازمات والمشاكل المذكورة منذ الاطاحة بنظام صدام؟ وهل ان مشكلته كانت طوال الاربعين سنة الماضية مع شخص صدام او حزبه البائد؟ أم مع الاسباب – الفيروس- التي أتى بصدام وحزبه الى جسد العراق ليتحول الى غدة سرطانية؟

إن هذا ما فطن اليه الشعب المصري والشعب التونسي ويفطن اليه جيداً الشعب البحريني عندما يصر على تغيير النظام الحاكم برمته لأنه بكل بساطة مثل الغدة السرطانية تعيش على قتل الخلايا الحيّة في الجسم، فقد سئمت الشعوب من تفشي الفساد الاداري والمحسوبية السافرة وتكريس الطبقية الظالمة، والأهم من كل ذلك الحرب النفسية التي يمارسها الحكام بتكبيل الناس وتكميم أفواههم بوسائل من قبيل العطايا والهبات أو باثارة الحسّ الوطني والقومي أو تحريك وسائل اللهو وإشغال  الاذهان باهتمامات وهمية تافهة تارةً تكون من باب الفن وتارة من باب الرياضة وغير ذلك مما يبتكره الحريصون على كرسي الحكم.

ويجب ان نعرف حقيقة هامة؛ ان المتظاهرين في تونس ومصر، وكذلك اخواننا في البحرين وفي ليبيا والمغرب واليمن الذين ما يزالون يتحدون قمع الحكام بصدورهم، يحملون اهتمامات عائلية وشخصية، ولم يكونوا متخصصين في عمل التظاهرات او الاعتصامات، فبينهم الطالب والعامل والاستاذ الجامعي والاعلامي والمهني ورجل الدين، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، لكنهم عرفوا ان الحاكم الذي ينام مطمئناً بوجود شريحة متخمة بالاموال والامتيازات ومفرغة من الشعور بالمسؤولية الجماعية، لن يسمع شيئاً ما لم تصبح هذه الشريحة منبوذة وقليلة أمام سيل هادر من المتظاهرين المطالبين بالتغيير، حينها يعرف الحاكم ان القضية ليست شخصية او منبعثة من فئة او جماعة، إنما هو مطلب عام، ولن يكون أمامه سوى خياران: إما ان يثبت رجولته وشهامته ويستجيب لمطالب الجماهير، او ان تأخذه العزّة بالإثم ويحاول ان يعالج المشكلة برد فعل عنيف يسقط على اثره قناع حب الوطن وحب الناس!

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/شباط/2011 - 20/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م