شبكة النبأ: قال المرجع الديني سماحة
آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله علينا أن نصمّم
ونعزم على التأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله في كل شيء وعلينا أن
نتعلّم اسلوب وطريقة تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله بصفته كابن
وأب وزوج، وكيف كان يتعامل صلى الله عليه وآله مع أرحامه الذين أحسنوا
إليه ومع أرحامه الذين أساءوا إليه، ويجدر بنا أولاً نحن أهل العلم،
وثانياً يجدر بالمؤمنين كافّة أن يراجعوا سيرة رسول الله صلى الله عليه
وآله ويطالعوها بتأمّل وبدقّة وتدبّر، ويصمّموا على العمل بها
وبالتأسّي بأخلاق وتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن يسعوا
جاهدين إلى نشر وبيان سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتعامله مع
القريب والغريب، ومع الصديق والعدوّ، وأن يدعوهم إلى العمل والتأسّي
بها، حتى يعلم الناس ويعرفوا إنموذج الإنسان الكامل ويقتدوا به.
جاء ذلك عشيّة حلول ذكرى مولد سيد الكائنات، حبيب إله العالمين،
مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وذكرى مولد ناشر علوم الإسلام
مولانا الإمام جعفر الصادق صلوات الله، حيث تطرّق المرجع الشيرازي دام
ظله إلى هاتين الذكريين العظيمتين، خلال درسه خارج الفقه، في مسجد
الإمام زين العابدين صلوات الله عليه بمدينة قم المقدسة، صباح يوم
الأحد الموافق للسادس عشر من شهر ربيع الأول 1432 للهجرة، وألقى كلمة
قيّمة (بسحب نقل موقع مؤسسة الرسول الاكرم الثقافية)، قال فيها:
يصادف يوم غد مولد أشرف الأنبياء وأشرف الأولين والآخرين نبي
الإسلام صلى الله عليه وآله، وكذلك يصادف مولد مولانا الإمام الصادق
صلوات الله عليه.
ابارك لكم أنتم أيها الأفاضل هاتين الذكريين العظيمتين والمباركتين،
واُبارك أيضاً لجميع المؤمنين والمؤمنات في العالم كلّه.
إن التعبير بالمصادف أو الموافق هو تعبيرنا العرفي نحن، حيث إننا
نجهل الحكمة والسرّ من تقارن ذكرى مولد رسول الله ومولد الإمام الصادق
صلوات الله عليهما وآلهما في يوم واحد. فالله تعالى المحيط علماً بكل
شيء أراد وشاء منذ الأزل أن يكون يوم 17 ربيع الأول في عام الفيل يوم
مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يكون في اليوم نفسه وبعد 134
سنة مولد الإمام الصادق صلوات الله عليه. ولعل أحد أسباب ذلك هو أن ما
وصلنا من الإسلام من الأخلاق والعقائد والأحكام وباقي الأمور بواسطة
الإمام الصادق صلوات الله عليه هو أكثر من باقي المعصومين صلوات الله
عليهم أجمعين. فالإمام الصادق صلوات الله عليه اُتيحت له الفرص لنشر
الإسلام وأحكامه أكثر من باقي المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
بعدها أشار المرجع الشيرازي إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو
أفضل أسوة للعالمين وبالأخصّ لأهل العلم والفضلاء والمثقّفين وقال:
يقول القرآن الكريم: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ». وهذا معناه أن تعلّموا من رسول الله صلى الله عليه
وآله واجعلوه قدوة لكم وأسوة. وهذا الأمر ضروري لنا نحن أهل العلم أكثر
من غيرنا، حيث إن دائرة استيعابنا ودركنا وفهمنا وعلمنا أكثر من سائر
الناس، ولأن مسؤوليتنا أكبر من غيرنا، ولأن الناس يتعلّمون منّا.
فعلينا أن نصمّم ونعزم على التأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله في
كل شيء.
علينا أن نتعلّم اسلوب وطريقة تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله
بصفته كابن وأب وزوج، وكيف كان يتعامل صلى الله عليه وآله مع أرحامه
الذين أحسنوا إليه ومع أرحامه الذين أساءوا إليه وكانوا يستهزئون به
ويؤذونه كأبي لهب مثلاً ومن شابهه. فإنني لم أجد في كتب التاريخ
والروايات الشريفة أن النبي صلى الله عليه وآله قد تكلّم بالسوء عليهم،
فضلاً عن التعامل معهم بالسوء.
نعم إن القرآن الكريم قد ذمّ أبي لهب وتوعّدوه بالعذاب، أما رسول
الله صلى الله عليه وآله فإنه لم يردّ عليه ولا على غيره، ولم يتعامل
معهم بالسوء أبداً حتى بكلمة واحدة.
لذا علينا أن نتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله، ونجعله قدوة
لنا ونتأسّى به صلى الله عليه وآله، ثم نعمل على نشر ذلك بين الناس
وندعوهم إلى التعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو القدوة
الأفضل والأحسن للبشرية جمعاء.
ثم ذكر سماحة نماذج من تعامل وسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله
وقال: روى أنس بن مالك الذي كان خادماً لرسول الله صلى الله عليه وآله
لعدّة سنوات، وقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله شربة يفطر عليها،
وشربة للسحر، وربما كانت واحدة وربما كانت لبناً وربما كانت الشربة
خبزاً يماث. فهيأتها له صلى الله عليه وآله ذات ليلة فاحتبس النبي صلى
الله عليه وآله فظننت أن بعض أصحابه دعاه، فشربتها حين احتبس، فجاء صلى
الله عليه وآله بعد العشاء بساعة، فسألت بعض من كان معه هل كان النبي
صلى الله عليه وآله أفطر في مكان أو دعاه أحد؟ فقال: لا. فبت بليلة لا
يعلمها إلاّ الله من غمّ أن يطلبها منّي النبي صلى الله عليه وآله ولا
يجدها فيبيت جائعاً، فأصبح صلى الله عليه وآله صائماً وما سألني عنها
ولا ذكرها حتى الساعة . فهل نتعامل نحن مثل هذا التعامل من رسول الله
صلى الله عليه وآله في بيوتنا مع الوالدين أو مع الزوجة أو مع غيرهم؟
وقال سماحته: وذكرت الروايات الشريفة عن الإمام الصادق صلوات الله
عليه أنه قال: «مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خُبْزَ
بُرٍّ قَطُّ، وَلا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ قَطُّ».
وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله لم يذق الخبز المصنوع من
الحنطة أبداً، بل ولم يشبع من الخبز المصنوع من الشعير أبداً. علماً
بأن خبز الحنطة هو ألين وألذ وأفضل وأسهل هضماً من خبز الشعير الذي لا
يستسغيه أكثر الناس. وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه
أيضاً. فالنبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما لم
يشبعا قطّ في حياتهما لا من خبز الشعير ولا من أيّ طعام آخر. فهل
بمقدورنا نحن أن نعمل مثل عمل رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام
أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ وإذا لم نقدر على ذلك فعلينا أن نحاول
ذلك أو أن نسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وآله على أقل التقادير.
إذن يجدر بنا أن لا نصب جلّ اهتمامنا على أن نأكل أطيب الطعام
وأفخره وألذّه، حتى لا نكون يوم القيامة خجلين أمام الله تعالى.
وأضاف سماحته: وذكرت الروايات الشريفة أيضاً أنه: «ما ذمّ رسول الله
صلى الله عليه وآله طعاماً قطّ».
إذن ألا يجدر بنا أن نكون كرسول الله صلى الله عليه وآله؟ أو نكون
كالعلماء من السلف الصالح الذين اقتدوا بالنبي وساروا على نهجه ونهج
الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.
لقد ذكروا في أحوال أحد المراجع الأعلام من السلف الصالح رضوان الله
تعالى عليهم أن أولاده قالوا بعد وفاته: لقد عشنا مع أبينا سنين عديدة
ولم نعرف أنه أيّ طعام كان يحبّ وأيّ منه كان يذمّه.
إن ذلك المرجع كان مثلنا من أهل العلم، فلنصمّم إذن على الزهد في
المعيشة بأن نكون مصداق الحديث الشريف: «الزهد أن لا يملكك شيء».
وأشار المرجع الشيرازي إلى نموذج آخر من سيرة رسول الله صلى الله
عليه وآله بصفته كقائد وزعيم، وقال: جاء في التاريخ أنه بعد أن خسرت
قريش الحرب في معركة بدر، تّم أسر بعضهم، وكان أحدهم جريحاً وكان يئنّ
ويتأوّه الليل كلّه، وعندما حان وقت صلاة الصبح، جاء النبي صلى الله
عليه وآله ليصلّي بالمسلمين فقال: ما نمت الليل كله لأنين ذاك الأسير!!
أي أنه صلى الله عليه وآله كان متألماً على ما يعانيه ذلك الأسير من
الألم وهو من عدوّه. فهل تجدون مثل هذه الرأفة ومثل هذه الرحمة ومثل
هذه الأخلاق العظيمة تجاه العدوّ عند غير رسول الله صلى الله عليه وآله؟
وأكّد دام ظله: علينا أن نكون مصداق الحديث الشريف المروي عن الإمام
الرضا حيث قال صلوات الله عليه: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس». فيجدر
بنا أولاً نحن أهل العلم، وثانياً يجدر بالمؤمنين كافّة أن يراجعوا
سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ويطالعوها بتأمّل وبدقّة وتدبّر،
ويصمّموا على العمل بها وبالتأسّي بأخلاق وتعامل رسول الله صلى الله
عليه وآله، وأن يسعوا جاهدين إلى نشر وبيان سيرة رسول الله صلى الله
عليه وآله وتعامله مع القريب والغريب، ومع الصديق والعدوّ، وأن يدعوهم
إلى العمل والتأسّي بها، حتى يعلم الناس ويعرفوا إنموذج الإنسان الكامل
ويقتدوا به.
وختم المرجع الشيرازي كلمته بقوله: إن مولانا رسول الله صلى الله
عليه وآله هو الأسوة والقدوة الأحسن والأفضل للعالمين، وإن الاقتداء
والتأسّي به يوجب نيل رضوان الله تعالى.
مظلومية النبي وآله اليوم أكبر من الماضي
هذا وكان المرجع الشيرازي قد تحدث سابقا في جموع غفيرة من المؤمنين
في يوم الثامن والعشرين من شهر صفر المظفر 1432 للهجرة، حول سيرة رسول
الله العظيمة قائلا:
يوجد في العالم اليوم أكثر من مليار ملحد، وإذا أردنا أن ندعوهم إلى
الإسلام، فأيّ إسلام ندعوهم إليه؟ هل ندعوهم إلى الإسلام الذي كان
أوّله قتل الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وحرق باب بيت بضعته
السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها واستشهاد سيدنا المحسن واستشهاد
سيدتنا الزهراء صلوات الله عليها، واستمر ولا يزال بقتل الأبرياء من
محبّي وزوّار أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله؟
وأشار سماحته إلى ضرورة تعريف الإسلام إلى العالم عبر تعريف السيرة
المشرقة للنبي صلى الله عليه وآله وقال: إن رسول الله صلى الله عليه
وآله بتعامله جذب إلى الإسلام الكثير والكثير من الناس، بالأخص من
كانوا من المنافقين. وهنا ندرك مدى عظمة فقدان رسول الله صلى الله عليه
وآله، وأن فقده كان مصيبة عظمى وكبرى. وهذه المصيبة كبرت وعظمت عندما
جعلوا الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه وهو نفس رسول الله صلى
الله عليه وآله، جليس البيت لخمس وعشرين سنة.
نعم، كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قادراً على كسر
الحصار الذي فُرض عليه، كما ذكرت العديد من الروايات المتواترة من
الشيعة والعامّة، ولكنه صلوات الله عليه لم يقم بذلك، لأن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال له: «يا عليّ أنت محكّ هذه الأمة». فكان لابد
للأمة أن تمتحن من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فامتحنت وسقطت في
امتحانها.
وقال سماحته: إننا اليوم إذا عرّفنا سيرة رسول الله صلى الله عليه
وآله وتعامله وأخلاقه للدنيا فسيدخل في الإسلام الكثير من اليهود
والنصارى وغيرهم كما حصل في زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن مما
يدعو إلى الأسف أن معظم الدول التي تدّعي الحكم باسم الإسلام لا تقصّر
في ذلك فحسب بل تقدّم للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام. ففي العراق وقبل
50 سنة تقريباً وقع انقلاب، وغُرّر الشعب بشعارات الانقلابيين، فقاموا
يدعمونهم، ووصلت بهم الحال أن أحد كبار الشخصيات أبرق إلى قائد
الانقلاب وخاطبه بالآية الكريمة التالية: «وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى»، ولكن بعد فترة من الزمن قام ذلك القائد باقتراف المظالم، وقام
أيضاً بمحاربة الشعائر الحسينية، واعتقلوا بأمره الكثير من المعزّين
وقاموا بتعذيبهم بأنواع التعذيب.
كما أني أذكر أن أخي الراحل (المرجع الديني سماحة آية الله العظمى
السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته) أرسل رسالة إلى أحد
الرؤساء ممن كان يدّعي الحكم بالإسلام وكتب له فيها أن يقتدي بتعامل
النبي صلى الله عليه وآله بأن لا يقدم على إعدام حتى شخص واحد كي لا
تحدث المشاكل، فالدم لا يُغسل بالدم، ولئلا يكون بيد العدو ذريعة، فغسل
الدم بالدم له عواقب ونتائج سيئة؛ لكن ذلك الرئيس لم يعمل بذلك وسفك
الكثير من الدماء ولا تزال.
وقال سماحته: لقد عاش النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 23 سنة بعد
البعثة الشريفة، عاش 13سنة منها في مكّة و10في المدينة، وخلال 13 سنة
في مكّة بذل صلوات الله عليه وآله قصارى جهده لهداية الناس لكن لم يؤمن
به سوى 200 شخص كان فيهم المنافقون، إلاّ أن الأوضاع في المدينة كانت
تختلف عمّا كانت في مكّة حيث بلغ الحال أنه في بعض الأيام كان يتشّرف
بالإسلام 200 شخص، علماً أن الرسول نفسه والكلام الذي كان يقوله في
مكّة كان يقوله في المدينة، ولم يتغيّر شيء سوى أن الحرية في المدينة
أتاحت الفرص له صلى الله عليه وآله، على خلاف ما كان عليه من الكبت
والاضطهاد في مكّة.
إنّ الظروف في المدينة أتاحت للناس كي يعايشوا أخلاقيات وسيرة النبي
صلى الله عليه وآله العطرة، ومنها تعامله مع الأسرى الذين لا والي لهم،
وإيثاره وتضحياته، كما عايشوا ولمسوا خصائصه وشمائله العظيمة صلى الله
عليه وآله حتى تيقّنوا أنه جاء لسعادتهم، وقد قال الله تعالى عن إقبال
الناس على الإسلام: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً».
وأضاف سماحته: إن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرّض في مكّة
وغيرها ولمدة عشرين سنة إلى أنواع الظلم والأذى، من قريش ومن المشركين
ومن اليهود وغيرهم، ولكنه صلى الله عليه وآله عندما دخل مكّة فاتحاً
أعلن العفو العام بقوله: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». بل إنه صلى الله عليه
وآله عندما سمع أن أحد المسلمين كان يصيح: «اليوم يوم الملحمة»، أمر
الإمام أميرالمؤمنين صلوات الله عليه أن يأخذ منه الراية ويعلن: «اليوم
يوم المرحمة». فكم هو عظيم هذا الخلق وهذا التعامل.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله صنع سياسة الأخلاق، أي جعل الأخلاق
أساس السياسة، وليس سياسة الحكم والتحكّم مهما كان الثمن ومهما كانت
الوسيلة. فالناس لو اتّبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله واتّبعوا
الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وساروا على نهجهما وتعاملهما
لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
تقع في الدول الإسلامية مظالم كثيرة فتحدث الثورات، ويظن الناس أن
الثورة الجديدة ستخلّصهم من المظالم، ولكن بعد فترة ولكثرة المظالم من
قبل الحكّام الجدّد يصل الحال بالناس أن الكثير منهم يرتدّ حتى عن
الدين. فأوصيكم أيها الشباب أن لا تغرنّكم الشعارات وأن لا تكونوا
كآباء بعضكم الذين غرّهم الحكّام وشعاراتهم وتظاهرهم وادّعاؤهم باسم
الدين.
وذكر سماحته نموذجاً على أخلاق وتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله
وقال: إن يهود بني قينقاع كانوا في أطراف المدينة فعاهدوا النبي صلى
الله عليه وآله على أن لايحاربوا ولا يعينوا أعداء الإسلام، لكنهم
نقضوا عهدهم وكانوا يرسلون الإعانات إلى المشركين بالخفية، فافتضح
أمرهم، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله خمسة عشر يوماً، فجاء إلى
النبي رئيس المنافقين عبد الله بن أبي سلول وقال: يا رسول الله هؤلاء ـ
أي يهود بني قينقاع ـ أصدقاء لي فاعفو عنهم لأجلي. فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله له: هم لك! فلم يحاربهم النبي ولكن أمر بأن يرحلوا إلى
مكان آخر.
لاحظوا عظمة خلق وتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه قَبِل
وساطة حتى المنافق، وهذه هي سياسة الأخلاق التي أسّسها النبي صلى الله
عليه وآله.
وقال سماحته: ذكر التاريخ أن جمعاً من أعداء الإسلام جاءوا من مكّة
إلى المدينة وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن خسروا
المعركة، تّم أسر بعضهم، وكان أحدهم جريحاً وكان يئنّ ويتأوّه الليل
كلّه، وعندما حان وقت صلاة الصبح، جاء النبي صلى الله عليه وآله ليصلّي
بالمسلمين فقال: ما نمت الليل كله لأنين ذاك الأسير!! أي أنه صلى الله
عليه وآله كان متألماً على حال ذلك الأسير وهو من عدوّه.
وعقّب سماحته: هل تجدون مثل هذه الرأفة ومثل هذه الأخلاق العظيمة
عند غير رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ألا يجدر بالفنانين الشيعة بأن
يقوموا بعرض هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله في عمل فني
كأن تكون قصّة أو فلماً سينمائياً، حيث الآن هنالك نسبة من الحرية
خصوصاً في مجال الإعلام والقنوات الفضائية.
إن هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله هو التعبير الصادق
عن حقوق الإنسان، وليس ما يدّعيه الغرب وما يدّعيه حكّام الدول
الإسلامية، فادّعاؤهم ليس إلاّ كذب في كذب. فلاحظوا كيف يتعامل الحكّام
مع شعبوهم فضلاً عن عدوّهم. إنهم يقمعون شعوبهم حتى لأبسط مظاهرة. |