هل تنحني حكومة بغداد لنداء الاصلاح؟

علي اللأسدي

" لا تختفي الحقائق عندما يتم تجاهلها "

،، ألدوس هسكلي،،

 

خلال لقائه وجهاء من محافظة بابل قال رئيس الوزراء: " ان الواقع الخدمي لن يتحسن قبل نهاية العام الجاري بسبب قلة التخصيصات المالية، لكن في الوقت ذاته نقر بأن هناك نقصا في الخدمات سببه هو ان عائدات الدولة لا تكفي لهذه التخصيصات. ان الازمة المالية في العراق ستزول في العام المقبل لان الانتاج النفطي سيتضاعف وسيغطي الكثير من احتياجات العراق في مجالات البناء والاعمار والاستثمار. وان مشكلة شح الكهرباء لا تنتهي بشكل كلي الا بعد فترة تتراوح بين 12و15 شهرا. وجاءت تصريحات رئيس الوزراء بعد أن شهدت مدن العراق مظاهرات مطالبة بتوفير فرص العمل، وتحسين الخدمات، ومحاربة الفساد والمفسدين، والحد من غلاء المعيشة.

لقد أمضى رئيس الوزراء ولايته الأولى، وها هو يستعد لبدء العام الثاني من ولايته الثانية، والخدمات والكهرباء لم تتحسن بل ساءت اكثر فأكثر، وعلى عكس ما يدعيه رئيس الوزراء فان الموارد المالية من النفط زادت ولم تتناقص، ولعلمه أيضا، فهي لن تتضاعف في العام القادم.

وبعد أربع سنوات من وجوده على رأس الحكومة لم يتحدث عن أزمة الخدمات والكهرباء إلا هذه الأيام، عندما تظاهرت شعوب مصر وتونس والجزائر والبحرين واليمن ضد الفساد والتمييز والقهر والفقر. لقد خرج عن صمته ليعلن ان قلة الموارد هي سبب مشكلة الكهرباء، وانه يعول على زيادة موارد النفط للقضاء على المشكلة. لكن رئيس الوزراء لم يسأل نفسه أو مستشاريه، ماذا لو بقيت الموارد المالية على حالها، أو انخفضت لأي سبب، فهل سيطلب من الناس العيش بدون كهرباء وماء صالح للشرب.

لم يتحدث رئيس الوزراء عن أي امكانيات أخرى، او اجراءات لتعويض قلة موارد النفط، كما تفعل الحكومات الأخرى عندما تمر بحالة كحالتنا، بل ترك الأكثرية الساحقة من العراقيين أمام خيارين لا ثالث لهما، أما الموت وأما الحياة بدون كهرباء. خيارا كهذا لم تأخذ به دول فقيرة كالمملكة المغربية التي ليس لها موارد نفطية، ولم تضطر اليه حتى دولة الصومال الخاضعة لعصابات قطاع الطرق. كان على رئيس الحكومة البحث عن موارد في كل مكان لانقاذ شعبه من معاناته، لكنه لم يفعل، وكل ما فعله هو ايراد الأعذار والمبررات لشحة الكهرباء وانعدام الخدمات، ولم يضطر الى هذا الا بعد أربع سنوات من وجوده في الحكم. ففي نهاية 2009 فقط بدأ بالتفكير في معضلة الكهرباء، حيث أعطى الضوء الأخضر لوزيره السابق للكهرباء ليبرم أول عقد لبناء محطات كهربائية جديدة مع شركة جنرال أليكتريك الأمريكية وسيمنس الألمانية بتاريخ 1 / 10 / 2009. وقبل هذا التاريخ وبدء من حكومة سلفه الجعفري كان العراق يدفع ملايين الدولارات لاستيراد الكهرباء من دول الجوار وبالأخص من ايران، فلم تفكر لا حكومة الجعفري ولا حكومة المالكي بالبديل لهذا الهدر في أموال الدولة، وهو ببناء محطات كهربائية حديثة بطاقات هائلة تكفي الطلب المتزايد عليها في العراق.

لقد تحدث نواب بمجلس النواب السابق عن هذا الموضوع بالذات بتوسع أكثر من مرة، لكن من دون جدوى في حين كانت الناس تعاني من حر الصيف وزمهرير الشتاء بسبب انعدام الكهرباء، وليس فقط شحته. كان أحد النواب الذين تحدثوا عن فضيحة استيراد الكهرباء بدلا من بناء محطات كهربائية هو النائب عن التحالف الكردستاني السيد سامي الأتروشي. لقد تحدث النائب المحترم في 31/7/2009 لوكالة الأنباء المستقلة (ايبا) قائلا: " ان الاموال التي خصصت لوزارة الكهرباء لم تذهب الى المشاريع الحقيقية لخدمة المواطن العراقي في تقديم مشاريع إستراتيجية، وأن اكثر الاموال ذهبت الى شراء الكهرباء من دول الجوار، او القيام ببعض الإصلاحات الجزئية، ولا توجد حتى الان اية مشاريع حقيقية إستراتيجية لمعالجة أزمة الكهرباء عدا المشاريع الأخيرة التي تم الاتفاق عليها مع شركة سيمنز."

وبصرف النظر عن قلة موارد النفط أو زيادتها لمعالجة شحة الخدمات الحكومية، كان على الحكومة اتباع سياسة مالية رشيدة تقتصد في النفقات العامة، وتقف موقفا حازما ضد البذخ المنفلت في مؤسسات الدولة، وخاصة في المؤسسات التابعة للرئاسات الثلاث، والوزارات الحزبية، وفي أمانة بغداد. فهذه الأخيرة تقود حملة انفاق باذخة واستعراضية تهدر فيها مئات الملايين من الدولارات على مشاريع عبثية بغرض تجميل العاصمة. أمانة بغداد المتهمة بالفساد والتبذير من قبل، استغلت الاستعدادات لمؤتمر قمة لرؤساء وملوك منتهية صلاحياتهم، بعضهم هرب بأموال شعبه، وآخرون يحزمون أمتعتهم خوفا من عقاب شعوبهم. كان مطلوبا من رئيس الوزراء ووزرائه أيضا أن يضعوا سبلا لضبط الموارد الضريبة والرسوم، واتباع سياسة تقشف تجاه نفقات البعثات الدبلوماسية في الخارج التي أصبحت مفرخة للفساد المالي، هذه وغيرها من السبل تخلق موارد قد تكفي لمعالجة أزمة الخدمات أو جزء مهما منها.

 الادعاء بأن قلة التخصيصات المالية كان السبب وراء عدم كفاية التخصيصات المالية لصالح الخدمات هو ادعاء غير دقيق، انما الفساد المالي والتبذير هو الذي استنزف الجزء الأكبر من موارد الميزانية الحكومية على حساب الخدمات والكهرباء، وفي مقدمة ذلك رواتب ومخصصات ومكافئات الفئة الحاكمة، وهو ما يجب على رئيس الوزراء العمل على تغييره فورا، فالرواتب والمكافئات غير مقبولة حتى في أكثر الدول فسادا.

فنظام الرواتب الحالي المنفذ فقط على أعضاء الحكومة والرئاسات والنواب والبعثات الدبلوماسية لا يتناسب مع دولة ليس لها موارد تنفقها لتلبية أهم الضروريات لحياة الناس. ان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يعرفان جيدا أن نظاما لرواتب المسئولين كهذا لا تأخذ به حتى الدول المتطورة اقتصاديا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. فراتب رئيس وزراء بريطانيا العظمى السيد ديفيد كاميرون هو 18.5 ألف دولارا شهريا، أما راتب رئيس جمهوريتنا كما يتردد في وسائل الاعلام فهو 700000 ألف دولارا شهريا، أي أكثر من 39 ضعفا للراتب الشهري لرئيس وزراء بريطانيا. هذا عدا مخصصات سكنه وطعامه وحمايته ومستشاريه، مضافا اليها نفقات سفره سواء كانت ضمن واجباته الوظيفية، أو غير الوظيفية، كعلاجه ونفقات سفره من والى الدولة التي يذهب للعلاج فيها. هذا عدا نفقات خدمته في مقرات سكنه في بغداد وكوردستان في أي وقت يشاء، هذا عدا المخصصات المالية التي تخولها صلاحياته لتعيين ما يشاء من المستشارين والمترجمين والصحفيين وغيرهم.

 كان على رئيس الوزراء أن يبحث عن الموارد هنا، في مكتبه ومكاتب المسئولين الآخرين، لا أن ينتظر موارد تأتي أو لا تأتي من مبيعات النفط، كان عليه أن يوقف هذه الرواتب الخيالية، هذا الهدر الفاضح للمال العام في مجتمع يعيش أكثر من نصفه على دولار واحد في اليوم، وأن أكثر من ثلت تعداد سكانه يعتمد على البطاقة التموينية التي تناقصت مفرداتها إلى أقل من عشر ما كانت عليه إبان نظام صدام حسين، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها وهي كافية لتشعر بالعار وزيرا التجارة السابق والحالي اللذان أشرفا على تجويع واذلال العراقيين.

نظام الرواتب البريمري يرهق كاهل الشعب، لأنه ببساطة يفقره حتى العظم في حين يغتني وتتضاعف ثروات أعضاء حكومته مع كل يوم يقضونه في مناصبهم، ولا يصح أبدا أن يجوع الشعب ليشبع قادته الذين وضعهم هو في مناصبهم لخدمته وتطوير حياته. فنظام الرواتب الحالي مستنسخ من النظام العنصري الذي كان سائدا في اتحاد جنوبي أفريقيا وروديسيا الشمالية قبل تحررهما، حيث كان مخصصا للعنصريين البيض فقط، كونهم هم السادة والأكثرية السوداء عبيدا لهم، فما الفرق بيننا وبين أولائك العبيد؟؟

 المطلوب من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس النواب الموقرين مع كل تقديرنا واحترامنا، أن يستجيبوا لارادة الشعب، ويلغوا نظام الرواتب، ويسارعوا لاعادة أموال الشعب التي استلمت دون حق خلال وجودهم في مناصبهم، وأن يتخلوا عن كافة الامتيازات التي أجازها النظام لهم. وينبغي وقف مهزلة الوزارات الوهمية ومجلس السياسات الاستراتيجية الذي لن ينفع شعبنا بشيء غير إرضاء أعضاء القوائم الانتخابية العاطلين عن العمل. إن رياح الثورة قد هبت وما علينا إلا الانحناء لها، فالأرض تهتز تحت أقدامنا، لقد تحرر العبيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/شباط/2011 - 19/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م