من يسقط من بعد مجموعة 14 فبراير

كريم المحروس

من هي مجموعة شباب 14 فبراير، وما علاقة الجمعيات السياسية بها ؟.. وهل التقت هذه المجموعة مع الجمعيات السياسية على هدف واضح محدد ؟.. إلى أين ستصل النهضة الشعبية الحالية بمطلب "إسقاط النظام"، وهل سيستجيب ولي العهد لهذا المطلب من خلال حوار يضمه وينتهي به إلى القبول بتنحية والده عن الملك أو الحد من صلاحيته ووالده الملك في أحسن الأحوال؟.. ما هي الخطوات التي يتوقع إتباعها إذا ما نكص الملك وابنه بعهديهما ؟.. هذه تساؤلات تأتي في المقام الأول في الوسط الشعبي العام قبل أن تدور على عجل في أوساط المهتمين في المحيط الإقليمي والدولي.

حتى الآن لم تُظهر مجموعة شباب 14 فبراير نفسها على ملأ، ولكنها تعتقد في نفسها مجموعة إعلامية مدعومة بمجموعة أخرى من مهمتها الحض على تسيير المظاهرات وقيادتها حتى الشهادة تحت شعارات واعدة متفوقة على ما كان يجول إلى وقت قريب في الساحة السياسية من شعارات تقليدية قادتها الجمعيات السياسية تحت ضغط قانون الجمعيات سيئ الذكر.

ثم أن المجموعة لم ترغب الآن في التصدي لأداء أي دور سياسي بديل عن دور كل أطراف المعارضة القائمة، بحكم اقتباس المجموعة نفسها لتجربة مصر المثيرة التي كشفت عن هوية المجموعة الإعلانية في وقت متأخر جدا من نجاح التجربة المصرية.

يضاف إلى ذلك تماس مجموعة 14 فبراير بخبرات واسعة أحاطت بها المعارضة ولا يمكن تخطي مراسها أخلاقيا. فكان من شأن ذلك أن فضلت مجموعة 14 فبراير التواري خلف "دور سحري" محدد واحد فقط، وفي اعتقادها أن هذا التواري لن يمكّن سلطات البحرين من الحد من نشاط هذه المجموعة، وربما تستطيع به تشكيل الدور الضامن في مراحل الحوار وتنفيذ مراحله اللاحقة.. "الدور السحري" لهذا المجموعة هو إعلامي، محرض على تسيير مظاهرات حاشدة بقيادة الشباب الإستشهادي في حال فشل الأداء السياسي للجمعيات أمام ولي العهد.

وقد ثبت هذا الدور حتى الآن فعاليته في إيصال واقع الحال إلى ما هو عليه، فهل يثبت دوره في حال تجدد ساعات الصراع السياسي؟!

الاجتماع الكبير في دوار الشهداء "اللؤلؤة" لم تخضعه مجموعة 14 فبراير حتى الآن لإدارتها وإشرافها بشكل مباشر كما أشيع ذلك كثيرا في الإعلام الخارجي وأثبتته الوقائع الملموسة في ساحات دوار الشهداء حيث اجتمعت عناصر مؤيدة لجمعية الوفاق على العمل من أجل السيطرة على مقاليد الأمور حول الدوار، لما تملكه هذه الجمعية من إمكانيات مادية وبشرية مناسبة، بينما استحسنت مجموعة 14 فبراير من جهة أخرى إخضاع مطالبها السياسية رهن ما يقرره الجمع الشعبي الكبير في الدوار حتى حين.

الجمعيات البحرانية السياسية اكتشفت نفسها فجأة واقعة في وسط فراغ سياسي كبير لم تستطع مجموعة 14 فبراير ملأه، لكون المجموعة الشبابية نفسها لم تتوقع حضورا شبابيا وشعبيا عاما بهذه الإعداد الهائلة نسبيا في الساعات المتأخرة من يوم 14 فبراير. وهالها ما لمست من استجابة كبيرة مساندة وممهدة لعصيان مدني قابل لأن يكون شاملا بعد الإعلان عن شهيدين قتلا برصاص قوات الأمن. حتى أن الجمعيات السياسية أخفقت في عقد اجتماع بينها لدراسة كيفية ملئ هذا الفراغ الكبير وكانت الحوادث تجري سريعا، ثم اتخذت جمعية الوفاق إجراء سريعا على مراحل بالانسحاب من البرلمان واتبعته باتصالات مكثفة مع جهات رسمية لحثها على التدخل وإيقاف الإجراءات الأمنية العنيفة المتخذة ضد المتظاهرين.

 وأخيرا تم التوصل إلى عقد اجتماع بين الجمعيات السياسية في غياب لمجموعة 14 فبراير للاتفاق على إصدار إعلان بتسيير تظاهرة لم يصمد وقت تعينها أمام تطور الحوادث فأجلته.

مجموعة 14 فبراير اكتشفت لاحقا وفي زحمة تطور الوضع السياسي والأمني أنها أمام عدد هائل من النشاطات الإعلامية والشعبية لمجموعات أخرى مستقلة لا تقل أهمية عنها، ومتبنية لمطالب لا تختلف كثيرا عما عرضته مجموعة 14 فبراير في بادئ عملها الإعلامي ولكنها أقل تنظيما.

في وقت نجحت السلطات في فرض سيطرتها على الوضع الأمني بأدوات لم تكن متوقعة نسبة لحجم مظاهر الاحتجاج، كالأسلحة الثقيلة المجهزة برشاشات ذات تقنية عالية التطور وكأن البلاد قد شهدت تدخلا إقليميا مباشرا. وبكل الحسابات السياسية الإستراتيجية أن إنزال الجيش إلى الشوارع لم يكن له من تأويل غير اتخاذ الملك قرار بتنفيذ حركة استعراضية للجيش وليس هناك من أمر فوق هذا التأويل مطلقا.

فالحركة الاحتجاجية محدودة العدد، ومجتمعة في منطقة الدوار التي يسهل السيطرة عليها ومحاصرتها أمنيا بعدد قليل جدا من قوات الشغب، والمحتجون مجموعة ضمت عائلات بنسائها وأطفالها وشيوخها وهم اقرب إلى المستحيل حين يتوقع قيامهم بأي دور استفزازي للشرطة، مخافة الضرر على عائلاتها المسالمة.. يضاف إلى كل ذلك، أن المراهنة على حركة استعراضية للجيش نهارا وفي منطقة منفتحة إعلاميا ستُخسر موقف الملك بلا أدني شك، حتى بدت الناس تتساءل عن مستوى الكفاءة السياسية للملك التي ضج بها إعلامنا طوال عقد من الزمن.

فوقع ما لم يصدق أحد وقوعه مطلقا. فقد ارتكبت قوات الجيش التي ظُن أنها استعراضية حماقة رهيبة في الدوار فأسقطت معها هيبة النظام الملكي كله، غير أن الجيش لم يترك دليلا ملموسا على فعلته التي فعل ودبرها بليل. وتوجهت الأنظار دوليا إلى خطأ تكتيكي ارتكبته قوات الأمن والشغب، الأمر الذي دعا واشنطن ودول غرب أوربا إلى تنبيه الملك إلى أهمية مواصلة الحكومة في تنفيذ خطوات إصلاحية كانت ألزمت نفسها بتنفيذها في عام 2001م. فلم توجه واشنطن إنذارا شديد اللهجة إلى أي جهة سيادية حتى جرت وقائع مذبحة قوات الجيش أمام المدخل الجنوبي لدوار الشهداء "اللؤلؤة" في دليل صارخ عم صفحات وكالات الأنباء والنشرات الإخبارية الدولية، ولا يمكن إنكار ضلوع الجيش في تنفيذ هذه المذبحة أو القول بتدابير استعراضية انشغل الجيش بها عن عمل قوات الأمن والشرطة والشغب.

ارتبكت السلطات الملكية عند هذا الحادث الخطير، وازداد حرج ولي العهد سلمان الذي تلقى ووالده مكالمة مباشرة من أوباما حث فيها على محاكمة المتسببين في جرائم قتل المتظاهرين المحتجين كافة حتى يؤول الأمر إلى مستقر، وترتفع خطورته عن منطقة النفط التي تنتج 40% من حاجات المستهلكين في العالم.

فبدأت عند تلك اللحظة خطوات الحل السياسي السريع لدرء تبعات المحاكمات التي أيدت إقامتها عواصم أوروبا كافة، وأصبح رأس الملك وولي عهده مطلوبين، فهما القائدان المباشران لقوات الجيش، وهما المقرران لتنفيذ جريمتي الدوار وقتل المتظاهرين، والإدارة الأمريكية تعلم ذلك وتدرك المعنى الحقيقي لدعوة أوباما وما ستتركه من أثر على الملك وولي عهد.

تلقت الجمعيات اتصالا من ولي العهد يدعو فيها إلى التدخل للتهدئة الوضع العام والبدء في حوار فوري معه على مسمع من كل وكالات الإنباء والإعلام المحلي، فعقدت الجمعيات على أثر ذلك اجتماعها الثاني لتقرير مصير الوضع السياسي بعيدا عن أي مشاركة لمجموعة 14 فبراير أو مجموعات نظيرة لها، ودون أن يعتني أحد من هذا الجمعيات بما تشكله هذه المجموعات من مستوى في الفعل السياسي إن هي غامرت بتصعيد الموقف إعلاميا - فلم يجر الاتصال بالمجموعات.

وجاء إجماع أكثرية الجمعيات في لقائها على قرار الاستجابة لدعوة ولي العهد بعد تعهد من ولي العهد بإلزام نفسه بثلاث: حل الحكومة، الالتزام بمبدأ إقامة ملكية دستورية وفق ما نصت عليه المواد الأولى من "الميثاق الوطني"، والإفراج عن المعتقلين السياسيين. بينما رفضت جمعية العمل الإسلامي إدراج المطلب الثاني وأصرت على التقيد بالمطلب الشعبي العام القاضي بإسقاط النظام بأكمله بلا مراحل حوار معقدة قد تطول بلا فائدة، فناقشت رفضها أمام نظرائها ثم هددت أخيرا بإصدار بيان توضيحي والانسحاب من تكتل الجمعيات إذا لم يُعتن بحق الشعب في تقرير مصيره بنفسه وتقدير الجمعيات للموقف بما يناسبه. فاستدرك المجتمعون الأمر سريعا بعقد الإجماع على حل وسط أفاد بتأجيل مناقشة مبدأ الحوار إلى حين استجابة ولي العهد لمطلب حل الحكومة والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتم الإعلان عن ذلك ببيان.

حتى الآن يبدو أن تكتل الجمعيات أقرب إلى الانفلات منه إلى الوحدة إذا لم تتخذ مجموعة 14 فبراير وبقية المجموعات الأخرى وأطراف معارضة أخرى مقرها العاصمة البريطانية مازالت مشككة في جدوى الحوار - قرارا بالإعلان عن تفويض الإجماع الشعبي في الدوار نفسه بتحديد موقف حاسم بين خيارين: الحوار السياسي لإقامة "ملكية دستورية" أو "إسقاط النظام".

مرجع التوقع بانفراط الإجماع بين الجمعيات السياسية: أن خطوات سياسية منفردة على الأرض بدت واضحة، ويستشف منها تقريرا باستجابة جهة معارضة أو اثنتين معا لعقد حوار منفرد مع ولي العهد حول مطلب رئيسي واحد هو: استبدال حكومة جديدة بالحكومة الحالية، التزاما بـ"الملكية الدستورية" التي نص عليها الميثاق الوطني، واستكمالا لمشروع حوار عام 2002م الذي انقلب عليه الملك، على أن لا تَمس الحكومة الجديدة صلاحيات العائلة الحاكمة أو تحد منها في شيء.

ويعزى تخريج هذا التقرير المنفرد إلى الضغوط التي يشكلها المحيط الإقليمي على خيار "إسقاط النظام" سلبا، والمراهنة على تحصيل التوازن بين الضغط الشعبي المتحقق في مرجعية سياسية واحدة مع جهة السلطات الملكية في جميع الأحوال.

حتى اللحظة الراهنة لا يبدو على السلطات الملكية أي جدية في اتخاذ تدابير متقدمة من شأنها التمهيد للخضوع عند مطالب المجاميع الشعبية المحتشدة في دوار الشهداء، وغير مبالية بالمطلب الشعبي العام: "إسقاط النظام". وعلى العكس من ذلك، هناك استعدادات واسعة واتصالات شاملة لبناء جبهة سياسية عريضة موالية لسلطات الملك ومؤيدة لإطلاق صلاحياته التي نصت عليها مواد الميثاق بما يكرس مبدأ "الملكية الدستورية" في إطار ما كان معمولا به قبيل تطور الحوادث الراهنة. ما يؤكد على أن مبدأ الحوار الذي تسعى لعقده بعض الجمعيات السياسية منفردة بعد الوصول إلى وضع أمني طبيعي خال من أي مظاهر شعبية معارضة في دوار الشهداء وفي بقية مناطق البحرين؛ لن يكون متكافئا ألبته، ولن يكون في وسع المحاور أو المفاوض عند حلول تلك الساعة التمسك بالخيارات الضاغطة الممهدة للكسب السياسي الكبير. وأما التوازن المدعى فغير متحصل الآن، فكيف به بعد استقرار الوضع العام لصالح الملكية الدستورية التي يكون فيها الملك مصدر السلطات جميعا، ويكون الجميع بما فيهم الشعب مسئولا أمام الملك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/شباط/2011 - 18/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م