لم اشأ ان اكتب ما يجب وما لا يجب على العراقيين فعله وقوله في يوم
الغضب، فالمكتوون بنار الفساد المالي والاداري والسياسي اعرف بمصالحهم،
واقدر على التخطيط السليم والتنفيذ الصحيح.
الا ان سيل الرسائل الاليكترونية والاتصالات الهاتفية التي تلقيتها
من العراقيين في الداخل والخارج، شجعني على ان ادون ما يلي كجدول عمل
للشارع الملتهب.
وقبل ذلك، اود ان اثبت الحقائق التالية التي لا ينبغي لنا ان نتغافل
عنها ابدا:
اولا: ان يوم الغضب العراقي يختلف جذريا عن يوم الغضب في اي بلد
عربي آخر، ففي العراق لا احد يرفع الشعار الشعبي الذي باتت عواصم
البلاد العربية تتغنى وتتزين به والذي يقول {الشعب يريد اسقاط النظام}
وذلك لسبب بسيط الا هو ان العراق لا يحكمه ديكتاتور.
مشكلتنا في العراق اننا ابتلينا بقادة فاسدون وزعماء لصوص وسياسيين
مزدوجو الولاء.
كما اننا ابتلينا بوكلاء عن الشعب خانوا الامانة ولم يقدروا تضحيات
الشعب ولم يعيروا اهمية لثقة الناخب، ولم يحترموا الفرصة التاريخية،
ولم يقدروا التضحيات الجسام، واثروا ثراءا فاحشا على حساب قوت الشعب
المستضعف، بعد ان سرقوا لقمة العيش واستحوذوا على الفرصة واستأثروا
بالفئ.
في يوم الغضب ستكون شعارات الشارع العراقي هي {نعم للديمقراطية
الحقيقية} {لا للفساد بكل اشكاله} {لا للارهاب والعنف} {لا للعودة الى
الديكتاتورية}.
ثانيا: علينا جميعا ان نحذر من تسلل جماعات العنف والارهاب وايتام
النظام الشمولي البائد الى صفوفنا، ويلزمنا ان نحول فيما بينهم وبين
الرقص على جراحاتنا ومعاناتنا.
فهم ليسوا الحل، كما انهم ليسوا جزءا منه، بل انهم عين المشكلة،
كانوا ومازالوا وسيبقون كذلك، فالحذر الحذر منهم ومن شعاراتهم البراقة
وجلودهم التي يبدلونها بحسب حاجة الظرف كما تبدل الحية جلدها.
ثالثا: كما ينبغي ان تكون فعالياتنا حضارية ومدنية وسلمية، لا
تشوبها حواسم ولا يتخللها عدوان ولا يختلط معها عنف بكل اشكاله.
يجب ان نحمي الممتلكات العامة والخاصة فلا نتجاوز على حق ولا نتغافل
عن حد من حدود الله تعالى.
ويلزمنا، لتحقيق ذلك، ان تتشكل لجانا كثيرة لتنظيم انفسنا وحماية
الشارع من اي خطا او تجاوز او تسلل، ففي الوقت الذي يجب ان نعي فيه
اهمية تحرك الشارع، علينا كذلك ان نتذكر دائما مدى خطورة مثل هذا
التحرك، بسبب ما يحيط العراق من مخاطر جمة، فحوله وفيه ذئاب كثيرة
تتحين الفرصة للانقضاض على مكتسبات الشعب العراق التي حققها بالدم
والتضحيات الجسام، سواء في عهد الطاغية الذليل صدام حسين او ما بعده
على يد الارهابيين والتكفيرين الذين ارادوا تدمير الحلم العراقي في
بناء الديمقراطية.
رابعا: ان القضية اليوم لم تعد تحتمل اية قرارات ترقيعية وارتجالية
ومتسرعة، كما تفعل الحكومة والبرلمان، فخطواتهما اليوم ردود افعال
مجبرون عليها وليست افعالا بقناعة تامة، انهم يحاولون الانحناء امام
العاصفة فقط، بل ان القضية اليوم بحاجة الى قرارات جذرية، كما انها لم
تعد قضية كهرباء وخدمات وما الى ذلك، فلقد اتسع الخرق على الراقع،
ولذلك يلزم ان يبلور الشارع الثائر رؤية شاملة وحقيقية وفي نفس الوقت
واقعية، بما يضمن له تحقيق تغيير جذري يقضي على كل ما شاب العملية
السياسية من اخطاء واخطار، ويساهم في حماية كل ما حققه الشعب لحد الان
من نظام سياسي ديمقراطي ودستور عصري، على الرغم من كل المؤاخذات
والاشكالات.
يلزم ان يفضي تحرك الشارع الى تغيير حقيقي يقلع الفساد واسبابه
والفاسدين من جذورهم.
اما جدول العمل الذي اقترحه، والذي يسمى في هذه الحالة بمطالب
الثوار، فهو كما يلي:
اولا: دعوة مجلس النواب العراقي الى تعديل قانون الانتخابات فورا
بما يضمن افساح المجال لكل مواطن عراقي مؤهل دستوريا وقانونيا لترشيح
نفسه، بما يساعد على كسر احتكار السلطة من قبل ثلة من المتنفذين
والمنتفعين، احزابا كانوا ام افراد.
ثانيا: الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، تعتمد القانون الجديد، بما
يساعد العراقيين على اسقاط العناصر الفاشلة وتلك التي خانت الامانة
فسرقت وافسدت وتاليا فشلت.
ثالثا: حل الحكومة الحالية والطلب من شخصية وطنية غير حزبية وغير
سياسية مشهود لها بالصدق والنزاهة والكفاءة والخبرة والحزم والحرص على
العراق وشعبه وخيراته لتشكيل حكومة انتقالية يختار وزراءها على اساس
الكفاءة والخبرة والمهنية والنزاهة، بعيدا عن المحاصصة والحزبية، وان
لا يكونوا من السياسيين او من قادة الاحزاب، على ان لا يستوزر فيها اي
نائب في البرلمان او وزير شارك في اية وزارة من الوزارات التي تشكلت
منذ سقوط الصنم ولحد الان.
ثالثا: تشكيل لجنة من الخبراء والمختصين من منظمات المجتمع المدني
ومن الشارع الثائر مهمتها اعادة جرد حسابات الميزانية العامة لكل
مؤسسات الدولة، خاصة الرئاسات الثلاث، منذ سقوط الصنم ولحد الان.
رابعا: تشكيل لجنة اخرى وبالطريقة عينها المشار اليها للاطلاع على
الحسابات الشخصية لكل من تسنم موقعا في الدولة العراقية منذ سقوط الصنم
ولحد الان، على ان تقارن بين ما كان يمتلكه وما يمتلكه الان، وملاحقة
اللصوص الذين حمتهم المحاصصة فيما مضى.
خامسا: تشكيل لجنة اخرى للاشراف على تطبيق الدستور، خاصة المواد
المغيبة والمرحلة، بتشديد الحاء، كقانون ازدواج الجنسية بالنسبة
للمسؤولين وغير ذلك.
وتتحمل هذه اللجنة مسؤولية تحقيق عملية اعادة نظر شاملة بمواد
الدستور الملغومة، بعد ان فشلت اللجنة البرلمانية في تحقيق هذا الامر
الهام جدا.
سادسا: تشكيل لجنة اخرى للاطلاع على نتائج اللجان التحقيقية الخاصة
التي تشكلت لاسباب مختلفة منذ سقوط الصنم ولحد الان، مثل اللجنة الخاصة
التي تشكلت للتحقيق في حادثة جسر الائمة، واللجان التي تشكلت في
التحقيق بالعمليات الارهابية النوعية وغير ذلك.
قد يطعن بعض المسؤولين في شرعية مثل هذه المطالب ودستوريتها، واقول
جوابا على ذلك:
ان انعدام الثقة بالمسؤولين هي التي تدفعنا الى التفكير بهذه
الطريقة، فبعد هذا الكم الهائل من الوعود التي لم ينفذوا منها شيئا، لم
يعد الشارع يثق بهم، ابدا، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان كل مؤسسات
الدولة العراقية تجاوزت الدستور بشكل او بآخر، خاصة البرلمان، ولذلك
فليس من حق اي مسؤول ان يورد مثل هذا الاشكال على مطالب الشارع، خاصة
واننا جميعا نؤمن، كما ان الدستور نص على ان الشعب هو مصدر السلطات،
فكيف يجيز احد لنفسه ان يسال الشعب عن مصدر شرعيته؟ ثم ماذا ابقى
المسؤولون والسياسيون من شرعية ودستورية ليحتجوا بها على الشارع
الغاضب؟.
اتقدم بمقترحاتي هذه متمنيا على كل من يقرأها ان يدرسها بتاني قبل
ان يقبلها او يرفضها، بعيدا عن الاحكام المسبقة وبعيدا عن تاثير
الاجواء المشحونة وبعيدا ان المحاصصة وكل انواع الفساد، وبعيدا عن
العواطف والارتجال والتسرع فالمرحلة تحتاج الى العقل والحكمة والتدبير
والمشورة والعقل الجمعي اكثر من حاجتها الى العواطف والمشاعر الجياشة
والفردية.
[email protected] |