عن الثورات وخطباءها وامور اخرى

تقرير: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لكل ثورة شرارتها وخطيبها وشاعرها الذي يسجل احداثها او يستنهض همم القائمين بها.. وتختلف تلك الشرارات والشعارات من زمن الى اخر حسب اختلاف الاسباب المؤدية لقيام تلك الثورات.

نحن في روما في القرن الأخير قبل الميلاد حيث يقود سبارتاكوس العبيد في ثورته ضد الرومان التي سميت ثورة العبيد الثالثة(ت في عام 71 ق). حيث اسر وبيع كعبد لاحد الرومان الذي كانت لديه مدرسة لتدريب العبيد لاستخدامهم كمبارزين ومصارعين في حلبات خاصة تقام لاجل المتعة. ثار هو والعبيد الاخرين الذين كانوا معه. والحقو هزائم عديدة بالجيش الروماني إلى ان قتل في اخر معركة وبموتة انتهت الثورة وصلب العبيد الاخرون في الساحات العامة. سبارتاكوس ثأر لزوجته التي قتلت وهي في طريقها من سوريا وكانت جاريه وقد اشتراها والي سبارتاكوس وقتلها لكي يكون سبارتاكوس منشغل بالقتال وجلب الاموال للوالي الذي يرأس مدرسة تدريب العبيد وقد قتل سبارتاكوس واليه.

والإمبراطورية الرومانية في أبهى عصورها , تحكم جزءا كبيرا من العالم المعروف بحدوده انذاك، المجتمع الروماني محدد بشكل طبقي حاد: طبقة السادة، طبقة العامة (باقي الشعب) ثم.. طبقة العبيد..

تضخمت الثروات في هذا المجتمع، ونبلاؤه يعيشون حياة بالغة البذخ , يسكنون قصورا فاخرة , لا يملأ نهارهم سوى الإنشغال بإعداد الخطط لإزاحة منافسيهم , أو البحث عن أساليب جديدة للتسلية, لملأ أوقات فراغهم التي تعنى تقريبا معظم ساعات النهار.

من أساليب تسلية تلك الفترة , مشاهدة العبيد يقتتلون حتى الموت , حيث يبدأ عبدان فى الإقتتال حتى يقتل أحدهما الآخر , وقد تم بناء إستاد ضخم لإستيعاب الأعداد الغفيرة التى تزحف لمشاهدة مباريات الموت , و تم إنشاء مدارس خاصة , يتدرب فيها العبيد على فنون القتال , ويتم إعدادهم كمحترفين لخوض هذه المباريات الدموية , التي أصبحت بالتاي أطول وقتا، وأكثر قسوة , وأشد عنفا.

وفى عام 71 قبل الميلاد تمرد عبد من مصارعي إحدى هذه المدارس إسمه سبارتاكوس على هذه الحياة , وصرخ بأنه إنسان له كامل الحقوق والأحاسيس والأحلام والآمال التى لأى إنسان آخر , وليس من حق أي انسان أن يستعبد انسانا آخر , ووجدت دعوته صدى لدى كل العبيد , وتعاطفا من كل المضطهدين , وإنضم إليه الآلاف , وواجهوا أقوى جيوش الدنيا وقتها , وإنتصروا عليها فى عدة معارك.

أحست روما بالخطر , بل والخوف من الهزيمة أمام ثورة العبيد , فاستدعت أقوى فرقها المقاتلة , وأفضل قادتها العسكريين للقضاء على الثورة , وبالفعل فى معركة دموية بالغة الشراسة , إستعملت فيها الإمبراطورية كل أسلحتها بما فيها الخديعة وشراء ولاء الخونة من جيش سبارتاكوس , إنتصرت روما , وللإنتقام لكرامتها التى مرغها العبيد فى التراب , قاموا بصلب جثثهم فى الساحة العامة..

فى العام 1960 ,قرر الممثل الشهير كيرك دوجلاس أن يحولها إلى فيلم من أفلام الإنتاج الضخم بإسم قائد الثورة , سبارتاكوس.

وكان من إخراجالمخرج الكبير ستانلى كوبريك، وتمثيل: كيرك دوجلاس و لورانس أوليفبه وجين سيمونز وتشارلز لوتون وبيتر أوستينوف، وكتب السيناريو: هوارد فاست و دالتون ترمبو.

حاول الفيلم تتبع أحداث الثورة من خلال تتبع رحلة سبارتاكوس العبد الذى يعمل في أحد مناجم ليبيا , إلى روما بعد أن إشتراه أحد تجار العبيد , إلى مدرسة المصارعين التى باعه التاجر إلى صاحبها , ومراحل تدريبه , وقصة حبه لواحدة من النساء المستعبدات التى وعده صاحب المدرسة بها إن أجاد كمصارع (لأن العبيد ليسوا بشرا فليس من حقهم الزواج) , ثم إصرار نبيل كريه على سلب هذه الفتاة , مما يشعل غضبه لتتداعى الأمور وتبدأ أحداث الثورة

حصل الفيلم على أربع جوائز أوسكار وعلى جائزة جلوب ورشح للعديد من الجوائز الأخرى، وقد تم إختيار هذا الفيلم في أمريكا كواحد من أفضل 100 فيلم تم إنتاجها طوال تاريخ السينما، وهناك فيلم جديد لقصة سبارتاكوس 2010 قام ببطولته (Andy Whitfield) وممثلين أخرين.

ماذا عن الثورة الفرنسية؟

في فرنسا اعتبر فن الخطابة دوماً جزءاً من البانثيون الأدبي (مجمع الأرباب عند القدماء).. وفي سعيه إلى إعداد دراسة شاملة لكبار خطباء الثورة الفرنسية، حظي أستاذ الأدب الفرنسي الفذ، ألفونس أولار، بشهرة واسعة إلى درجة أن مدينة باريس قررت أن تؤسس له في عام 1885 أول كرسي تعود لتاريخ الثورة الفرنسية في جامعة السوربون، ومن هنا تبوأ فن الخطابة مكانة مرموقة في النظام الجمهوري كما كان لفن البلاغة تأثيره وحضوره الطاغي في بلاط قصر فرساي.‏

يتساءل لاكوردير، شاعر فرنسا العظيم: أين أصبح عليه فنّ الخطابة اليوم في مجتمع العروض الفنية، وماذا يعني أن الخطابة تجذب بقليل من الكلمات؟ ويتابع قائلاً لعل كل خطيب يتمتع بعبقريتين، إحداهما تنبع من ذاته، والأخرى من عصره فهل يناسب عصرنا هذه الموهبة؟ ألم يكن فن الخطابة مكرساً بالأحرى لتصوير الواقع والدعاية للشعب ومعرضاً للتشويه كالشعر تماماً؟‏

إن نشر الخطب الهامة والمعاصرة تشهد عكس ذلك على الغنى الذي يعزز هذا الفن الخاص جداً والذي يتكيف مع عصره والوسائل التي تنشره. الأديب كريستوف بونان يرى أن فن الخطابة يفسح المجال حتماً للدخول في فن الصياغة كمقولة ديغول (لقد فهمتكم) و(لدي حلم) لمارتن لوثر كينغ، (إنني في برلين) لكيندي، و(نعم أستطيع) لأوباما، والذي يتبين منه مدى أهمية القول المقرون بالفعل، أو أقله إعادة صنع العالم ومحاولة إنقاذه من جديد كما يقول أوباما: (هذا الأمل اللامتناهي الذي يلخص روح شعوب العالم كافة) وكل الذين يتأثرون بسحر الكلمات.‏

في العراق وفي ثورة العشرين الشهيرة يعتبر الشاعر العراقي محمد مهدي البصير اول شاعر دعا إلى ان تكون الثورة على المحتل البريطاني ثورة مسلحة لا مجرد خطب على المنابر واهازيج وخطب في الجوامع، بل كان من الدعاة الرئيسيين الذين اشعلوا ثورة العشرين، وقدم إلی بغداد في 1920م حيث کانت الثورة العراقية علی أشدّها، فشارك فيها مشارکة فاعلة من خلال الخطب والقصائد الحماسية في المناسبات الإجتماعية والدينية حتی اشتهر وسارت أشعاره وخطبه علی الألسنة حتى لقبته الجماهير بلقب (ميرابو الثورة) تشبيها بخطيب الثورة الفرنسية بعد إعلان البصير موعداً للثورة العراقية علي منابر بغداد...!

وقد مثل العراقيون لعرض مطالبهم أمام الملك فيصل الاول بعد تتويجه بيوم واحد وخطب ثائراً: (نقبل بك.. على أن.. ثم نقبل بك.. بعد أن...) وكان الحاكم البريطاني يستمع بتوجّع وغيظ، بينما أخذ البصير يصعّد من نبرته، وما ان خرج البصير من القصر حتي أصدر الحاكم البريطاني امراً فورياً باعتقاله ووضع في سجن إنفرادي كتب فيه البصير واحدة من أروع قصائده الثورية.

وشاركت الاهزوجة وفنون الشعر الشعبي في تسجيل حركة الثورة والدعوة اليها وصمودها من ذلك ما ردده احد العراقيين وهو يشاهد قائدا بريطانيا بعد انتهاء الثورة مذكراً هذا القائد بكثرة قتلى الانكليزوهو يردد:(من ذوله اتربّع واوينه).

وهوسة أحدى النساء العراقيات عندما شاهدت أبنها وقد طعنه جندي انكليزي بحربة بندقيته, ولكن أبنها عضّ الجندي من لوزته حتى ماتا سوية فأنشدت هذه الهوسة الرائعة:(عفيه أبني الجاتل جتاله).

وهوسة أحدى النساء العراقيات شاهدت أبنها مرمياً على الأرض هلهلت وقالت هوستها مفتخرةً: (كل جابت خابت بس آنه).

وهوسة الشاعرة العمارية انجيده تخاطب أبنها الشهيد ولم يمض ِ على عرسه سبعة أيام وهو شاب لم يتجاوز الثامنة عشر: (عربيد اسم أمك يالهيبه).

وعن الثورة العرابية كتب بهاء طاهر فى كتابه (أبناء رفاعة - الثقافة و الحرية) متحدثا عن عبد النديم خطيب تلك الثورة:

من حسن الحظ أن النديم كان خطيباً عبقريا، بل يرى بعض المؤرخين أنه كان أعظم خطيب عرفه الشرق. وقد استغل قدرته على الإقناع وجولاته فى انحاء البلاد ليجمع التوقيعات على المنشور الواحد الذى صاغه بنفسه وكان مما جاء فيه "لما كان لا ينتظم نظام العالم ولا يقوم قوام الهيئة الاجتماعية إلا بالعدل والحريه حتى يكون كل انسان آمنا على نفسه و ماله، حراً فى أفكاره و أعماله، مما فيه سعادته و حسن حاله (فإن) هذا لا يتأتى إلا بحكومة شورية عادله لا تشوبها شوائب الاستبداد ولا تتطرق إليها طوارق الفساد....."‏

في عصرنا الحالي لا تحتاج الثورات الى خطباء بليغين وحناجر قوية بل تحتاج الى صفحة في الفيس بوك فهو خطيب ثورات زمننا الحالي دون منازع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/شباط/2011 - 17/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م