هل كسب البحرانيون الجولة؟

ياسر محمد

لم يكن متوقعاً يوماً أن بلداً بحجم البحرين الصغير تتخذ فيها قرارات تفوق قرارات الملك نفسه، فبعد أن ألقى ملك البحرين خطابه بعد استشهاد المناضل علي مشيمع وحاول فيه امتصاص غضب الشارع، توقع الجميع قيام الحكومة باتخاذ إصلاحات سريعة لاحتواء الأزمة والقيام بتحقيق ولو بعض متطلبات الشعب الأقل مستوىً معيشياً بين أقرانه الخليجيين حتى تهدأ الأمور.

إلا أن ما حصل من هجوم على المعتصمين في دوار اللؤلؤة بعد منتصف ليل الخميس السابع عشر من فبراير لم يكن بالأمر العقلائي المفترض تحلي دولة ذات سيادة وقانون به وبعد كلمة حاكم البلاد. واستمر الاعتداء على المتظاهرين ومشيعي الأبرياء واختلاق التبريرات من أن الهجوم الليلي جاء لإطفاء نار الطائفية تارة ولفتح حركة المواصلات السياحية تارة أخرى في تصريحات متضاربة.

إن الحالة المأساوية التي يمر بها الوضع في البحرين ويتعرض فيها المواطنون لشتى صنوف الإيذاء لهي دلالة على تأثير الكلمة والمطلب رغم سلميتها وعدم رفع سلاح واحد تجاه قوات الأمن، وهنا نشد على يد كل الأحرار في العالم بأن تكون ثوراتهم سلمية لا عنف فيها حتى يتعاطى معها شعوب العالم وصناع القرار العالمي ولو خلت من دعم دولي.

ومما يدلل على حقوقية الحركة الشعبية في البحرين إيعاز ملك البحرين ولي عهده للقيام بحوار وطني مع قوى المعارضة لمناقشة المطالب التي تتبناها والعمل من أجل إعلان يوم حداد على أرواح الشهداء الذين سقطوا والذين حاول الإعلام التعتيم على شهادتهم.

لقد كانت شعوب المنطقة والخليج بصفة خاصة تتوقع وقفة إعلامية حرة من قبل القنوات المستقلة مع الشعب البحريني كما وقفوا مع تونس ومصر وكما يقفون اليوم مع ليبيا واليمن، إلا أن معيار المصالح كان حاضراً وبقوة في حركة البحرين المطلبية التي لم تهدف لقلب حكم أو اسقاطه كما كان واضحاً من شعاراتها قبل الهجوم على المتظاهرين وإصابة المئات منهم ومنع إسعاف العشرات والتي تبدلت بعد ذلك إلى شعارات نارية بحسب تتابع الأحداث وتدليس الإعلام لحقيقة مطالب المتظاهرين وشعاراتهم.

فبقي شعب البحرين الأبي مستمراً في مطالبه ويدير إعلامه بطريقته الخاصة من خلال التوثيق المصوَر المستمر بالصوت والصورة ومشاركة الكثير من شهود العيان بنقل الصورة الحية للأحداث عبر مختلف الفضائيات والأهم من كل ذلك أنهم كسبوا جيشاً إعلامياً مستقلاً من أبناء الخليج في تبادل الأخبار وإيصال الصورة الدامية للعالم بواسطة المقاطع المرئية المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وموقع اليوتيوب وهي مترجمة باللغتين العربية والإنجليزية.

كان على الحكومات العربية أن تتعظ من الأحداث الساخنة الأخيرة في تونس ومصر وأن تأخذها فرصة لمعالجة الأوضاع وتحقيق آمال الشعوب المكبوتة في الصدور وأقلها توفير مستوى من العيش الكريم وإيجاد الوظائف للجيل الشاب الذي أصبح قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت. فليس من القوة لأي دولة بأن تكمم الأفواه وتقمع أي صوت مطالب بما يراه حقاً من حقوقه لأن في ذلك تفجير الأوضاع وتأزيمها خصوصاً في هذه المرحلة التي تمر بها الدول العربية والتي تسيّد فيها الشباب وعلا صوتهم.

كنت أعتقد بأن الجيل الحالي ذو العقدين من العمر بأنه جيل لا يحمل من الوعي إلا القليل وقد أعطي في وريده إبرة التخدير بثقافة اللامبالاة وإشباعه حتى التخمة بالثقافة الرياضية وهوس عشق المباريات الرياضية حتى الجنون، إلا أنه اتضح بأنه بات أكثر ثقافةً ومتابعة لما يجرى من أحداث متسارعة هي في جلها أحداث مطلبية كما جرى في مصر وما يجري اليوم في البحرين.

فقد أصبح هذا الجيل بوعيه يشارك في مختلف النقاشات ويقوم بدور إعلامي متميز في نقل الصورة الحقيقة وتفنيد الإدعاءات والأباطيل، وهذا يشير إلى أن الجيل الأوسع على مستوى الدول يتطلع بنظرة إيجابية لمطالب الآخرين ويراها حق من حقوقهم ويتبناها ضمنياً.

إن الحركة السلمية في البحرين عليها ألا تنجر إلى أساليب العنف التي تستخدمها قوات الأمن بل عليها تكثيف شعاراتها الوطنية والمطلبية بكل اللغات وتزويد كل وسائل الإعلام الممنوعة من نقل الحدث بها وإن صاحب ذلك خسائر في الأرواح والتي ستكون في نهاية الأمر ضريبة الحرية والتقاسم العادل للثروات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/شباط/2011 - 17/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م