
شبكة النبأ: فيما يؤكدون ويشددون على
انهم لا يريدون دولة او دستور اسلامي متعصب ولا يريدون منصبا في
الحكومة الجديدة لمصر (اذا ما اراد الشعب ذلك فهذا حديث اخر ورغبة
الشعب فوق كل شيء)، اما من جانبهم فأن السياسيين والنظام الامريكي يخشى
ويتخوف من الاسلاميين اذا استطاعوا ان يخطفوا منصبا كبيرا في الحكومة
المرتقب تأسيسها بعد سقوط مبارك.
وتأتي هذه المخاوف من الجانب الامريكي كونه يخشى العداء الذي له
تاريخ طويل مع الاسلاميين وليس في مصر فقط بل وحتى من ايران التي
تدعمهم في القاهرة بالإضافة الى ارتباطه بالعدو الاكبر والاكثر خطر
ومواجهة وهو حزب الله لذلك هو يخشى على مصالحه الكبيرة المتواجدة على
ارض مصر كما وانه يخشى ان يمس الاسلاميين طفلهم المدلل اسرائيل بشيء من
الازعاج او انه يتعدى الى ذلك ويصل الى الغاء المعاهدة السلمية التي
وقعتها من قبل الانظمة السابقة ما بين الطرفين، ويبقى الكونغرس يعمل
جاهدا لكي لا يعطي فرصة للإسلاميين من الوصول الى دفة الحكم وتصبح كل
الامور في ايديهم.
امريكا تتابع
فقد قال قادة بالمخابرات الامريكية ان الولايات المتحدة تتابع عن
قرب جماعة الاخوان المسلمين في مصر لترى مدى ما قد تكتسبه من نفوذ في
الحكومة المصرية القادمة وتعتقد أنها تعارض معاهدة السلام التي أبرمتها
مصر مع اسرائيل عام 1979.
وعبر اثنان من كبار مسؤولي المخابرات الامريكية في افادة أمام احدى
لجان مجلس الشيوخ بعد تنحي الرئيس حسني مبارك استجابة لمطالب انتفاضة
شعبية عن بواعث قلق بخصوص "عناصر متطرفة" في جماعة الاخوان المسلمين.
لكنهم قالوا ان وجهات نظر الجماعة غير موحدة وهي ليست الا مجرد صوت
واحد في الواقع السياسي الناشئ في مصر بعدما سلم مبارك السلطة للجيش.
وتسارع ادارة اوباما لتعديل استراتيجيتها بخصوص مصر والشرق الاوسط ككل
بعدما اكتسبت الاحتجاجات المناهضة لأنظمة الحكم المطلق قوة دافعة بعد
انتفاضتي مصر وتونس.
وذكرت تقارير أن اشتباكات وقعت للمرة الاولى في ليبيا التي تخضع
لسيطرة محكمة كما وقعت احتجاجات جديدة في البحرين واليمن وايران.
والتزمت واشنطن بنهج حذر حيث عبرت عن تضامنها مع تطلع المحتجين الى
الديمقراطية بينما تحاول تجنب اثارة قلق حلفاء اقليميين رئيسيين
كالسعودية واسرائيل.
وسعى وزير الدفاع روبرت جيتس لإبقاء الاضطرابات التي يتسع نطاقها في
الشرق الاوسط في اطارها المحدد مشددا على أنها أمر يخص العمل
الدبلوماسي وليس التدخل العسكري. وقال لأعضاء مجلس الشيوخ "تلك مشكلات
تنبع من داخل تلك البلدان وهو تحد دبلوماسي بالأساس بالنسبة لنا." لكن
الولايات المتحدة واسرائيل لم تخفيا قلقهما بشأن احتمال أن تستغل جماعة
الاخوان المسلمين في مصر أي فراغ سياسي هناك حيث انها الجماعة المعارضة
الاكثر تنظيما منذ سنوات رغم أنها لم تقم بدور قيادي في الانتفاضة
الاخيرة. بحسب وكالة الانــــباء البريـــــــطانية.
وقال مدير وكالة المخابرات المركزية ليون بانيتا ان الوكالة تراقب
عن كثب جماعة الاخوان المسلمين في مصر مع تشكل الوضع السياسي هناك.
واضاف أمام اللجنة الخاصة للمخابرات بمجلس الشيوخ "من الواضح انه في
داخل الاخوان المسلمين عناصر متطرفة علينا ان ننتبه لها وهذا أمر
نراقبه عن كثب لضمان الا يقدروا على ممارسة تأثيرهم على توجهات
الحكومات في تلك المنطقة."
وعبر مدير المخابرات الوطنية الامريكية جيمس كلابر عن بواعث القلق
الامريكية بشأن تنديد الجماعة بمعاهدة السلام التي ابرمت بين مصر
واسرائيل عام 1979. وقال في الجلسة "تقييمي هو أنهم لا يؤيدون المعاهدة".
وقال ان الاخوان المسلمين هم مجرد "صوت واحد في البيئة السياسية
الناشئة" في مصر بعد تنحي الرئيس حسني مبارك.
وأضاف متحدثا أمام اللجنة "الاخوان المسلمون تنظيم عالمي ضخم غير
متجانس يختلف جدول أعماله وتأثيره من بلد الى اخر." وتابع "وبه أيضا
أجنحة مختلفة بما في ذلك جناح محافظ يتعارض تفسيره للإسلام مع المشاركة
الانتخابية الواسعة وجناح اصغر سنا واكثر ليبرالية واكثر ميلا للعمل من
خلال عملية سياسية علمانية."
الكونجرس خائف
وفي السياق ذاته وبعد ساعات قليلة من تنحي الرئيس المصري حسني مبارك
عن السلطة سارعت الرئيسة الجديدة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب
الامريكي الى التحذير من السماح لجماعة الاخوان المسلمين بالظهور كقوة
مؤثرة.
وتعكس تعليقات النائبة الجمهورية ايلينا روس ليتينن قلقا في
الكونجرس من احتمال أن يقوم متطرفون اسلاميون بتحويل احد أهم حلفاء
الولايات المتحدة الى خصم يوفر مأوى لجماعات متشددة مصممة على الحاق
الضرر بالولايات المتحدة والغاء معاهدة السلام بين مصر واسرائيل.
وقالت ليتينن في بيان "يتعين علينا أيضا أن نحث على رفض لا لبس فيه
لأي مشاركة للإخوان المسلمين ومتطرفين اخرين ربما يسعون لاستغلال
واختطاف تلك الاحداث للحصول على السلطة وقمع الشعب المصري والحاق ضرر
كبير بالعلاقة بين مصر والولايات المتحدة واسرائيل والدول الحرة الاخرى."
واضافت أنه يتعين أن تركز الولايات المتحدة على المساعدة في ايجاد
ظروف من اجل "انتقال هادئ ومنظم تجاه الحرية والديمقراطية في مصر." ولم
تصدر تحذيرات علنية عن اعضاء اخرين بمجلس النواب ضد جماعة الاخوان
المسلمين التي حظرتها الحكومة المصرية وصورتها على أنها تسعي لاقامة
حكومة دينية. لكن كثيرين من اعضاء الكونجرس الامريكي اعربوا عن مخاوفهم
مما قد تتطور اليه الامور في مصر وقالوا انهم يأملون ألا تعقب
الاضطرابات الحالية ثورة اسلامية على غرار الثورة الايرانية. بحسب
وكالة الانباء البريطانية.
وقال جاري ايكرمان أبرز النواب الديمقراطيين في اللجنة الفرعية
للشرق الاوسط بمجلس النواب "لا اعتقد أن الشعب في مصر خاض تلك الثورة
المجيدة السلمية من أجل ابدال نظام مبارك الوحشي بنظام ديني قمعي
وزعزعة الاستقرار الاقليمي."
ويعتقد بعض المحللين أن المخاوف بشأن الاخوان المسلمين مبالغ فيها.
وينظر الى الجماعة على انها اكبر جماعة معارضة مصرية لكنها لم تكن في
مقدمة المشهد في الايام الاولي من الاحتجاجات.
وكانت الاستراتيجية القديمة للجماعة أن تستميل الغالبية المسلمة بين
سكان مصر تدريجيا لتحقيق رؤيتها لدولة تعددية ديمقراطية اسلامية. وكان
للجماعة جناح سري مسلح في الماضي لكنها تقول الان انها ملتزمة بالوسائل
السلمية.
وبينما تكن الجماعة عداء لإسرائيل وللسياسة الامريكية في المنطقة
فان لها جمع غفير من المتخصصين من ذوي المؤهلات الجامعية منهم مهندسون
وأطباء ومحامون واكاديميون ومعلمون. ويشكل ابناء الطبقة المتوسطة
والفقيرة العمود الفقري للجماعة.
واستبعد قمر الهدي خبير الشرق الاوسط بمعهد السلام الامريكي المخاوف
من أن رحيل مبارك سيفسح الطريق أمام صعود الاخوان المسلمين. وقال "انها
توقعات مبالغ بها... هناك حالة هيستريا لجعل اسوأ سيناريو هو الواقع
الوحيد. اظن ان المجتمع المدني في مصر سينتج بعضا من الاشخاص المحنكين
لقيادة احزابهم."
الإخوان المسلمين
بينما كان عصام العريان في السابعة والعشرين من عمره حين دخل السجن
لأول مرة وغادره آخر مرة وهو في السابعة والخمسين من عمره.
كانت جريمة الطبيب في كل مرة دخل فيها السجن هو الانتماء لجماعة
الإخوان المسلمين وهي أكثر الحركات المعارضة نفوذا وأفضلها تنظيما
والتي طالما كان يخشاها الرئيس المصري حسنى مبارك واسرائيل والولايات
المتحدة.
والان اختلف الوضع كثيرا عما كان على مدار العقود الثلاثة الماضية
حين كان أعضاء الاخوان يتعرضون للقمع والاعتقال والمحاكمة أمام محاكم
عسكرية فيما نبذتهم الحكومة المصرية. وبعد الاضطرابات التي شهدتها
الايام الاخيرة اثر انتفاضة شعبية ضد مبارك كانت الحكومة هي من تسعى
للحوار مع جماعة الاخوان المسلمين لمناقشة مستقبل مصر.
واجتمع نائب الرئيس المصري عمر سليمان مع جماعات معارضة وانضمت
للحوار لأول مرة جماعة الاخوان المسلمين. وأخيرا أضحت الجماعة المحظورة
في وضع يؤهلها للاضطلاع بدور بارز فيما تصارع حكومة مبارك للبقاء بعد
30 عاما في السلطة.
وقال العريان القيادي في الجماعة "دخلت السجن 7 أو 8 مرات منذ عام
1981 . وبالطبع تعرضت للتعذيب من ضرب وتعليق على الابواب و(الصعق)
بالكهرباء والوقوف في البرد لساعات. ولكن اتغير الوضع (في المعاملة)
بحكم السن."
وتابع العريان "أول مرة دخلت السجن كان عمري 27 عاما وآخر مرة 57
عاما كل هذا يزيدني إصرارا. نظام مبارك دكتاتوري مستبد من اجل السلطة
والثروة." وكان العريان ضمن 34 من أعضاء جماعة الاخوان فروا من سجن
وادي النطرون يوم الاحد الماضي بعدما اقتحمه أقارب نزلاء وحرروا من
بداخله خلال الاحتجاجات التي امتدت لجميع انحاء البلاد.
وكان العريان قد اعتقل الشهر الماضي خلال التحضير للاحتجاجات وتوجه
بعد خروجه من السجن مباشرة الى ميدان التحرير حيث يتمركز المحتجون ضد
مبارك. ونشطت جماعة الاخوان المسلمين خلال الانتفاضة ولكن الاخوان
تعلموا بعد عقود من القمع كيفية التواري في المقعد الخلفي وتحرص
الجماعة على الحفاظ على انطباع بان الاسلاميين جزء من حركة الاحتجاج
الاوسع.
وقال العريان "نحن شعارنا لا نسعى الى السلطة ولكن لا نرفض ان نشارك..
مشاركتنا واجب. نشارك مع الآخرين في ظل نظام ديمقراطي مستقل" وقال ان
جماعته تهدف لان تكون هوية المجتمع اسلامية تحترم الاقليات.
وتابع "من حق الجميع ان يشارك ومن حق الجميع ان ينافس واذا اعجب
الناس بنا اين المشكلة.. ... من حقنا ان نأخذ الاكثرية مثل تركيا وأي
بلد." ودقت الانتفاضة الشعبية ضد مبارك ناقوس الخطر في اسرائيل
والولايات المتحدة. وتخشى الدولتان ان ينتهي المطاف بتولي الجماعة
الاسلامية السلطة من خلال صناديق الاقتراع وان تنجح في النهاية في
تحقيق هدفها بتطبيق الشريعة الاسلامية في مصر.
وبالطبع تكن جماعة الاخوان المسلمين العداء لإسرائيل والسياسة
الامريكية في المنطقة. وترتبط بصلات تاريخية بحركة المقاومة الاسلامية
الفلسطينية (حماس) وتشاركها ايمانها بالكفاح المسلح ضد اسرائيل. بحسب
وكالة الانباء البريطانية.
وعلى عكس الجماعات المتشددة التي قاتلت ضد حكم مبارك في التسعينات
فان غالبية قيادات الجماعة مهنيون حاصلون على تعليم حديث من محامين
واطباء واكاديميين ومعلمين. واغلبية الاعضاء من الطبقتين المتوسطة او
المتوسطة الدنيا. ويمثل استعداد الحكومة لإجراء محادثات مع جماعة
الاخوان المسلمين تحولا سياسيا تاريخيا وشهادة بمثابرة الحركة التي رأى
محللون انها تلعب لعبة الانتظار منذ فترة طويلة.
وتفادت الحكومات الغربية حتى الان الاتصال المباشر مع الاخوان
المسلمين خشية اغضاب الحكومة ولكنها لم تستطع وصم الجماعة التي نبذت
العنف في الخمسينات بانها منظمة "ارهابية". وفي ظل هذا المناخ السياسي
المضطرب يصعب الحكم على الشعبية الحقيقية لجماعة الاخوان. ففي
الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2005 -التي شهدت جولاتها الاولى
نزاهة نسبية- فاز الاخوان بعدد 88 مقعدا من بين 165 مقعدا تنافسوا
عليها. وفي الجولات التالية حالت الشرطة دون وصول المواطنين لصناديق
الاقتراع.
وفشلت حملة القمع في وقف مساعي الحركة لتوسعة قاعدة شعبيتها من خلال
شبكة خيرية واجتماعية. وتسللت أيديولوجية الاخوان باطراد للمدارس
والاسر والاعلام ومتاجر بيع كتب بل ومتاجر بيع الملابس. وينبع كثير من
المد الاسلامي من الخلل الاجتماعي والمصاعب الاقتصادية والاحباط
السياسي.
وأعطت هزيمة العرب في حرب 1967 مع اسرائيل والفراغ السياسي عقب
انهيار القومية العربية للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في
السبعينات والسلام المفاجئ مع اسرائيل بعد سنوات من العداء زخما للمد
الاسلامي كأيديولوجية منافسة وبديلة.
والقضية بالنسبة للإسلاميين تذهب أبعد من المستقبل الفوري وتمتد الى
الخريطة السياسية التي يعتقدون انهم يهيمنون عليها بشكل متزايد من خلال
غرس شخصيات متمسكة بعقيدتها. ويعتقد كثيرون من قادة الاخوان الذين قضوا
سنوات في السجن ان المستقبل للإسلام طالما تحلوا بالصبر والعزيمة
والاصرار. ويثقون بأن الحكم سيكون في نهاية المطاف للإسلام والشريعة
الاسلامية ويعملون من اجل تحقيق هذا الهدف.
وتريد جماعة الاخوان المسلمين التي تأسست عام 1928 الديمقراطية ولكن
حسب ما تقضي به المبادئ الاساسية للشريعة. وتطالب منذ فترة طويلة بمزيد
من الحرية السياسية وحرية التعيير وانتخابات حرة ونزيهة بحيث يجري
تمثيل مواطنين من جميع الاطياف.
ويهيمن أنصار الجماعة على معظم النقابات المهنية في مصر وحضورها قوي
في الجامعات ويديرون الالاف من الانشطة الخيرية التي تقدم رعاية صحية
وتعليم . وربما يكون احدث العناصر في ميثاقها الدعوة "للاجتهاد" في
تفسير متجدد للقران كي تتمشى الشريعة الاسلامية مع متطلبات تغير الزمن.
ويشعر الليبراليون المشاركون في الانتفاضة بالقلق من طموحات الاخوان
خشية استغلال الانتفاضة التي بدأتها قوى سياسية وعلمانية والهيمنة
عليها كما حدث في الثورة الايرانية عام 1979 .
ويقول محللون ان آليات السياسة المصرية تغيرت عن التسعينات حين كان
طرفا اللعبة السياسية جماعة الاخوان المسلمين والحكومة. وكشفت انتفاضة
25 يناير كانون الثاني تنوعا في الحركات الليبرالية قد تؤدي الى تأسيس
احزاب سياسية جديدة.
ويقول ضياء رشوان الخبير بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية "
الوضع الحالي لا يقاس بالماضي. لا أظن ان نفس الشيء قابل للتكرار بنفس
الطريقة ولكن هناك بعض المخاوف." وتابع "التوقعات يصعب معرفتها ولكن
الاحتمالات مفتوحة وبالطبع لا احد يراهن على شيء ولا نستطيع ان نقول ما
هو ات افضل ولكن قد تدب الفوضى اذا ما حدث ما يشوه او يخرب الانتفاضة."
عمر سليمان
فيما كشفت برقيات دبلوماسية سربها موقع ويكيليكس ان عمر سليمان
النائب الجديد للرئيس المصري سعى دوما الى رسم صورة مخيفة لجماعة
الاخوان المسلمين المعارضة خلال اتصالاته مع المسؤولين الامريكيين.
وتثير هذه التسريبات الشكوك بشأن دوره كوسيط أمين في الازمة السياسية
الحالية في مصر.
وتضمنت برقيات للسفارة الامريكية سربها موقع ويكيليكس من بين 250
ألف وثيقة دبلوماسية أن سليمان رئيس المخابرات المصرية السابق اتهم
الاخوان بتفريخ المتطرفين المسلحين وحذر في 2008 من انه اذا قدمت ايران
الدعم للجماعة المحظورة فسوف تصبح "عدونا".
يأتي التسريب في الوقت الذي التقى فيه سليمان بممثلين لجماعات
واحزاب معارضة من بينهم ممثلون لجماعة الاخوان المسلمين المحظورة رسميا
بغرض بحث سبل انهاء أسوأ أزمة سياسية تشهدها مصر منذ عقود. وطرحت
واشنطن خيارات للتعجيل باستقالة الرئيس حسني مبارك ومن بينها سيناريو
يتضمن تخليه عن كافة سلطاته لحكومة انتقالية يرأسها نائبه ويدعمها
الجيش.
ولن يثير ما يبديه سليمان سرا من ازدراء للإخوان دهشة المصريين
الذين اعتادوا موقف حكم مبارك المناوئ للإسلاميين. غير ان الكشف عن هذه
البرقيات قد يثير الشكوك في الوقت الذي يسعى فيه سليمان الى جذب
الجماعة المحظورة منذ زمن طويل الى الحوار بشأن الاصلاح. والمؤشر
الواضح من البرقيات المسربة يتمثل في ان المسؤولين الامريكيين كانوا
متشككين في جهود سليمان لتصوير الاخوان المسلمين على أنهم "وحوش".
وقال بي.جي. كرولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية عند سؤاله
عن الوثائق التي اطلعت عليها رويترز "نحن نرفض التعليق على أي وثيقة
سرية منفردة." وفي برقية بتاريخ 15 فبراير شباط 2006 يقول السفير
الامريكي في القاهرة آنذاك فرانسيس ريتشاردوني ان سليمان "أكد ان
الاخوان المسلمين فرخوا 11 منظمة اسلامية متطرفة اهمها جماعة الجهاد
المصرية والجماعة الاسلامية."
وسحقت قوات الامن المصرية الجماعات الاسلامية التي استهدفت السائحين
والاقباط ووزراء في الحكومة ومسؤولين اخرين في التسعينات في حملتها
الساعية لإقامة دولة اسلامية وما زالت تحكم قبضتها عليها حتى الان.
بحسب وكالة الانباء البريطانية.
وشكلت جماعة الاخوان المسلمين جناحا عسكريا سريا من قبل لكنها تقول
الان انها ملتزمة بنشر سياساتها من خلال الوسائل السلمية والديمقراطية.
ولم تستطع الحكومة اثبات ضلوع الاخوان في تدبير أي عمل عنيف منذ ما
يزيد على 50 عاما.
وأنحى مبارك باللائمة في حديث أدلى به لقناة ايه.بي.سي على الاخوان
في اعمال العنف التي اندلعت خلال احتجاجات شهدها ميدان التحرير بوسط
القاهرة. وقال شهود عيان ان أنصار مبارك كانوا البادئين بالعنف. وتقول
برقية بتاريخ 2006 ان سليمان تحدث الى روبرت مولر مدير مكتب التحقيقات
الاتحادي الذي كان يزور القاهرة في فبراير شباط عام 2006. وتقول
البرقية ان سليمان قال انه اخبر مولر بأن الاخوان "ليست منظمة دينية
ولا منظمة اجتماعية ولا حزبا سياسيا وانما هي خليط من كل ذلك." ومضت
البرقية تقول "الخطر الرئيسي من وجهة نظر سليمان هو استغلال الجماعة
للدين في التأثير على الناس وحشدهم.
"وصف سليمان النجاح الاخير للإخوان المسلمين في الانتخابات
البرلمانية بأنه مؤسف مضيفا رؤيته بأنه على الرغم من أن الجماعة غير
شرعية رسميا الا ان القوانين المصرية القائمة لا تكفي لكبح الاخوان
المسلمين."
وفي برقية أخرى بتاريخ 2 يناير كانون الثاني 2008 قال ريتشاردوني ان
سليمان قال ان ايران ما زالت تمثل "تهديدا كبيرا لمصر." واعتبرت
الحكومات الامريكية المتعاقبة حكم مبارك درعا ضد توسع النفوذ الايراني
في العالم العربي وهو تصور استغله الرئيس المصري لصالحه في الحصول على
مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات.
ونقل السفير الامريكي عن سليمان قوله ان "ايران تدعم الجهاد وتفسد
جهود السلام وكانت تدعم المتطرفين في مصر من قبل واذا دعمت الاخوان
المسلمين فهذا سيجعلها عدوا لنا." وقال ريتشاردوني في برقية بتاريخ 25
أكتوبر تشرين الاول ان سليمان يتبع خطا متشددا على نحو خاص بشأن طهران
وانه يشير الى الايرانيين كثيرا بلفظ "الشياطين."
وتشير البرقيات الى أن المسؤولين الامريكيين ردوا دائما بتشكك في
التحذيرات المصرية بخصوص الاخوان المسلمين. وقال ريتشاردوني في برقية
بتاريخ 29 نوفمبر تشرين الثاني 2005 لمولر قبل زيارته لمصر ان
المسؤولين المصريين "لديهم تاريخ طويل من تهديدنا بوحش الاخوان
المسلمين."
وكتب يقول "ربما يحاول نظراؤك (المصريون) الاشارة الى أن اصرار
الرئيس (جورج بوش انذاك) على ديمقراطية اكبر في مصر هو السبب وراء
النجاح الذي حققه الاخوان المسلمون في الانتخابات.
"يمكنك أن ترد على ذلك بالقول أنه على العكس فان صعود الاخوان
المسلمين يشير الى الحاجة لمزيد من الديمقراطية والشفافية في الحكومة.
"صور التخويف والتزوير التي ظهرت من الانتخابات الاخيرة تصب في صالح
المتطرفين الذين نعارضهم نحن والحكومة المصرية. الطريقة المثلى للتصدي
للسياسات الاسلامية ضيقة الافق هي انفتاح النظام."
وفي برقية بتاريخ 29 يناير كانون الثاني 2006 بدا ان ريتشاردوني
يستشرف الاضطرابات الحالية عندما كتب لمولر يقول "لا نقبل الطرح بأن
الخيارات الوحيدة لمصر هي اما نظام مستبد بطئ الاصلاح واما نظام اسلامي
متطرف كما لا نرى أن المزيد من الديمقراطية في مصر سيؤدي بالضرورة الى
حكم على رأسه الاخوان."
القاعدة تكفرنا وصراع أجنحة حولنا
من جانبه أكد عصام العريان، الناطق الرسمي باسم حركة "الإخوان
المسلمين،" كبرى قوى المعارضة المصرية، أن الحركة لن تسعى خلال
الانتخابات المقبلة لتشكيل أكثرية نيابية، نافيا بذات الوقت تلقي قيادة
"الإخوان" ما يشير إلى عزم منسقة السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي،
كاثرين أشتون، لقاء ممثلين عنها في القاهرة قريباً.
وعلق العريان على الجدل بين قادة أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول
طبيعة "الإخوان" والتفاوت الكبير في وصم البعض لهم بالإرهاب، واعتبار
البعض الآخر بأنهم "حركة علمانية" بالقول، إنه يعكس صراع الأجنحة في
واشنطن، خاصة وأن تنظيم القاعدة "يكفر الإخوان."
ولدى سؤاله عمّا يتردد عن نيل الإخوان تراخيص للعمل كحزب سياسي
معترف به بمصر، قال العريان: "هذه المعلومات ليست صحيحة، لأنه ليس هناك
حالياً قانون للأحزاب، ونحن لم نتقدم بطلب لنيل رخصة."
وتابع: "ولكن عندما يقوم حزب ما بالاجتماع مع نائب الرئيس، فهذا
يكون بمثابة اعتراف فعلي وواقعي أهم من الكثير من وسائل الاعتراف
الأخرى،" في إشارة إلى فترة المفاوضات مع نائب الرئيس السابق، عمر
سليمان، الذي استقبل ممثلين عن الجماعة. بحسب وكالة انباء السي ان ان.
وشدد العريان على أن الجماعة تريد الشراكة في العمل السياسي في مصر،
مؤكدا أنها التزمت بعدم السعي للسيطرة على البرلمان من خلال الامتناع
عن ترشيح أعداد من النواب بشكل يمكن أن يضمن ذلك لها.
وحول ما دار في جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس مؤخراً مع قادة
الأجهزة الأمنية لتقييم الأوضاع في مصر، والخلاف في وجهات النظر حول
تحديد طبيعة الإخوان وارتباطهم بما يسمى بـ"الإرهاب"، قال العريان: "أعتقد
أن السبب هو وجود أجنحة مختلفة في الإدارة الأمريكية، وبعضها يخضع
لنفوذ صهيوني، وبعضها الآخر يقرأ الخريطة بشكل سليم."
وتابع: "من يقرأ الخريطة بشكلها الصحيح يدرك بأن تنظيم القاعدة
يكفرنا ويعتبر أننا جماعة متخاذلة لأننا نقبل العملية السياسية
والديمقراطية التي نصر عليها في كل مسارنا بالعمل السياسي."
إيران ودولة دينية
كما قال محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي باسم جماعة،
الإخوان، أن التنظيم لم يبدأ بعد الحوار مع النظام، وأن الجلسة التي
جرت مع نائب الرئيس عمر سليمان "لم تكن حواراً بمفهومه الصحيح، وإنما
خطوة لتدشين الحوار،" كما أشار التنظيم إلا معارضته لقيام دولة دينية
في مصر لأنها "ضد الإسلام،" ونأى بنفسه عن التصريحات الصادرة من إيران
وحزب الله لدعم المعارضة المصرية.
وفيما يتعلق بموقف الإخوان من معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل في
حال تغيير النظام، قال مرسي: "مصر دولة كبيرة، ولديها مؤسسات، وبرلمان
وبعد أن يكون البرلمان منتخب بإرادة الشعب وله حق تشكيل الحكومة،
وإسقاطها فإنه هو الذي يحدد الاتفاقات والمعاهدات الخارجية والتي ستكون
وفقًا للإرادة السياسية."
وتناول مرسي التصريحات الإيرانية والغربية بدعم الثورة المصرية،
فقال إن الإخوان "ليسوا مسؤولين عن التصريحات الخارجية سواء من إيران
أو لبنان أو غيرها ولا يريدون أن يتدخل أحد في شؤون مصر الداخلية."
بحسب وكالة انباء السي ان ان.
وأضاف أن ما يجري في مصر "ثورة شعبية مصرية خالصة ولا يستطيع أحد أن
ينسب الفضل لنفسه في القيام بها." وسخر من اتهام الأجهزة الأمنية
المصرية لحركة حماس بلعب دور في ما حصل قائلاً: "إن ذلك يمثل إساءة
بالغة لمصر.. كيف للمحاصرين في غزة أو غيرهم أن يحركوا 80 مليون مصري."
وفي رده على سؤال عن تخوف الغرب من سيطرة الإسلام قال عصام العريان،
الناطق الرسمي باسم التنظيم، إن المخاوف الغربية من الإسلام "كلام
مردود عليه، خاصة أن الإسلام يؤمن بحرية المعتقدات ولا يريد من أحد أن
يفرض على أحد معتقداته،" موضحًا أن الإخوان ضد "الدولة الدينية لأن
الإسلام ضدها، بينما هم مع الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية."
الاسلام دين الدولة
من جانب اخر وقبل أن تنهي لجنة تعديل الدستور المصري عملها دعا
مثقفون مصريون الى استلهام دستور 1923 الذي اعتبر المصريين متساوين في
الحقوق المدنية والسياسية على عكس الدستور الحالي الذي تنص مادته
الثانية على أن الاسلام دين الدولة.
والبيان الذي حمل عنوان (نحو دولة علمانية) شدد على ضرورة تعديل
المادة الثانية من الدستور الحالي وتنص على أن "الاسلام دين الدولة
واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي
للتشريع". وكان المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة
أصدر قرارا بتشكيل لجنة لتعديل الدستور على أن تنتهي من عملها خلال
عشرة أيام.
ويتولى المستشار طارق البشري وهو قاض متقاعد رئاسة اللجنة التي تضم
في عضويتها أساتذة القانون الدستوري عاطف البنا وحسنين عبد العال من
جامعة القاهرة ومحمد باهي يونس من جامعة الاسكندرية وصبحي صالح المحامي
بالنقض والمستشار ماهي سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا
والمستشار حسن البدراوي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والمستشار
حاتم بجاتو رئيس هيئة المفوضين في المحكمة الدســـــتورية العـــليا
وهو مـــقـــرر اللـــــجنة.
وقال القرار الصادر بتاريخ 14 فبراير شباط "تختص اللجنة بدراسة
الغاء المادة 179 من الدستور وتعديل المواد 88 و77 و76 و189 و93 وكافة
ما يتصل بها من مواد ترى اللجنة ضرورة تعديلها لضمان ديمقراطية ونزاهة
انتخابات رئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والشورى."
والمثقفون الموقعون على البيان اقترحوا استلهام الصياغة القديمة
لدستور 1923 الذي تقول مادته الثالثة "المصريون لدى القانون سواء وهم
متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات
والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الاصل أو اللغة أو الدين"
كما تنص مادته الثانية عشرة على أن "حرية الاعتقاد مطلقة". بحسب وكالة
الانباء البريطانية.
وشدد البيان على احترام حرية التعبير الديني وحرية ممارسة الشعائر
الدينية باعتبارها حقا مكفولا للجميع في ظل الدولة المدنية التي "يجب
أن تظل بمنأى عن التيارات والاهواء الدينية وأن تلتزم بالدفاع عن حقوق
المواطنة وأن تحث المواطنين جميعا على احترام القانون الوضعي الذي من
شأنه أن يعيد للدولة المصرية هيبتها ومكانتها بين دول العالم."
وأضاف أن مبدأ العلمانية في الدولة المدنية "ليس نفيا للدين أو نفيا
لحق المواطن في ممارسة الشعائر بل هو دعوة صريحة لفصل الدين عن الدولة
ومبادئ التشريع فيها بما يكفل لكل مواطن حقوقه الاساسية المشروعة"
ومنها حق التعبير والاعتقاد. والموقعون على البيان دعوا القائمين على
اعادة صياغة الدستور الى "تعديل المادة الثانية بما يتوافق مع متطلبات
التحديث والاصلاح التي نادى بها شباب ثورة 25 يناير عملا بمبدأ الدين
لله والوطن للجميع." |