التظاهرات وحقيقة قلق الحكومة العراقية منها

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أكد عدد من المسؤولين في الحكومة العراقية، وأولهم رئيس الوزراء نوري المالكي، أن التظاهرات التي حدثت في مدن وأقضية عراقية لا تثير قلقهم، وقدموا أسبابهم التي تبرر حالتهم المستقرة حيال ما يحدث من ردود أفعال للمتظاهرين المطالبين بحقوقهم، عبر لافتات رفعوها وأهازيج رددوها بصوت عال.

والمقصود بتصريحات المسؤولين حول نفيهم لحالة القلق كما يبدو، أنهم لايخشون التظاهرات ولا المتظاهرين، طالما أنهم يطالبون بالاصلاح، ولا يطالبون بتغيير المنهج الديمقراطي، الذي وصلت من خلاله الحكومة الحالية، الى مناصبها لكي تدير شؤون الناس وتقدم ما عليها من واجبات تنفيذية تجاههم.

بهذا المعنى نفهم أن المسؤولين الحكوميين طالما ظلوا في مناصبهم، فإن القلق لن يساورهم مما يحدث من تظاهرات تتزايد يوميا، وهذا المنطق يبدو غير سليم ولا يستند الى رؤية تهتم بمصالح الشعب اولا، لأن الصحيح كما نعتقد هو أهمية أن يشعر المسؤولون، وأولهم رئيس الوزراء بالقلق حيال المظاهرات، لأنها لم تأت من فراغ، وليس مصدرها (حصرا) جهات تخريبية تحاول أن تعيد العراقيين الى المربع الاول او الى الدكتاتورية، واذا وضعنا في الحسبان تسلل مثل هؤلاء المخربين المعادين للتجربة العراقية كالارهابيين ومن لف لفهم بين المتظاهرين، فإن هذا التوقع والاحتمال مهما اقترب من الواقع، فإنه لايمكن أن يلغي واقع الحال الذي دفع بالشعب الى التظاهر والمطالبة بحقوقه.

وقد تبدو من السماجة أن نكرر ما تحفل به المدن وساحاتها وشوارعها واحيائها، من سوء في الخدمات تجاوز الصفر الى ما ادناه، فالحفر تملأ الشوارع والاحياء والساحات حتى بات السير في شارع نظيف داخل المدينة يشبه الحلم، والحجة انها حملة إعمار، لكن الواقع يشير الى مشاريع طال عمرها كثيرا وامتد بعضها لسنوات ولم يُنجز منها الا نسبا قليلة، والاسباب تعددت بين هروب المقاولين وتلكؤ الشركات، ولم يذكر احد من المعنيين، صفقات الفساد بين الشركات والمقاولين من جهة وبين المسؤولين الحكوميين من جهة اخرى، أما الحديث عن الكهرباء والبطاقة التموينية والبطالة، فهو حديث يومي بل لحظوي ممل لم يعد أحد يستسيغه او يتمنى سماعه، وكل هذا يحدث في ظل حكومتنا الديمقراطية التي لاتقلق من المظاهرات، لأن انتخابها حدث بطريقة شرعيها تبعد عنها شبح السقوط او التغيير، وهكذا يبدو هذا المنطق قاصرا ومجافيا لواقع الحال حتما.

الصحيح أن يؤكد المسؤولون، واولهم رئيس الوزراء، قلقهم الواضح حيال المظاهرات، وأن يعطوها جانبا مهما من اهتمامهم وتفكيرهم واجراءاتهم العملية السريعة التي تدلل على قلقهم وحرصهم لتنفيذ المشاريع التي ترفع الظلم عن الناس، فسقف المطالب الشعبية لا يتجاوز إنعاش الخدمات، وتوفير الرغيف، وسلة البطاقة التموينية، وتوظيف الخريجين والحد من البطالة، وهي كما تبدو مطالب بسيطة جدا ومشروعة جدا ولا تنطوي على مطامع ومطامح للتغيير السياسي او الاسقاط الحكومي.

ومع ذلك لابد من حضور القلق في عقول وتفكير القادة السياسيين حيال التظاهر، لأن غيابه بحجة الديمقراطية، تعني غيابا للخدمات وتجاوزا على حقوق الناس واستمرارا للفساد المالي والنهب المنظم لثروات البلد، وترك الفقر المدقع يعيث فسادا بالطبقات الفقيرة التي تفترش التراب وتحتمي بأكواخ الصفيح المتداعية ازاء البرد والمطر.

إن مواجهة الحقائق والاخطاء هو السبيل الى تجاوز نتائجها التي تلوح بالافق، وان التغاضي والمكابرة وغض الطرف وتغيير مسارات الكلام والتعامي عمّا يحدث على الارض، سيؤدي الى تفاقم المخاطر المتوقعة، واذا كانت الديمقراطية تدعو الى الاصلاح ولا تدعو الى تغيير النظام الديمقراطي، فإن الدعوة الى اسقاط الحكومات يكفلها الدستور، وهو ماحدث في الكوت وفي غيرها من مدن واماكن العراق الاخرى.

على من يهمه الامر أن يقلق بقوة ووضوح مما يحدث في الشارع العراقي، حفاظا على التجربة العراقية، ولعل أفضل الطرق في التعامل مع التظاهرات هو استيعابها وتحقيق مطالبها وعدم الاعتداء عليها، وحسنا فعل رئيس الوزراء حين اصدر أمره الواضح الى جميع الاجهزة الامنية بعدم التعامل العنيف من التظاهرات، وكان امره واضحا لا لبس فيه، حين اكد على حتمية التعامل مع الشغب بوسائل التفريق السلمي المعمول بها، وهو امر ينبغي أن يطبقه المعنيون افرادا واجهزة امنية، أما من يطلق النار على المتظاهرين، فسوف يعرّض نفسه للمقاضاة التي يستحقها حتما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/شباط/2011 - 16/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م