يقال أن هارون الرشيد مات في الثانية والأربعين من عمره...
كل عمره كان اثنين وأربعين عاما...
هذا الرجل الذي حكم إمبراطورية مترامية الأطراف تتباين فيها الأشكال
والألوان والألسن والأديان والقوميات وترك بصمة واضحة في التاريخ
الإسلامي مات في هذا السن المبكر.
طفولته وصباه وولايته للعهد ومدة ملكه وكل الأحداث التي جرت في عهده
وكل ما مدحه به الشعراء المتملقون وافتاه به الفقهاء الانتهازيون
وجميع الحروب التي خاضها والإعدامات والقمع الذي مارسه جرى في اثنين
وأربعين عاما لا غيرها.
العقيد القذافي بلغت سني حكمه لحد الآن اثنتين وأربعين سنة بالتمام
والكمال ولا نعلم متى سيمل السلطة أو يزهق منها.
منذ انقلابه المشئوم في أيلول الأسود من عام 1969والى الآن وهو
يحتكر ليبيا شعبا وأرضا ومقدرات ويعمل لإعداد أبنائه ليخلفوه وكأنما
هي ملك أبيه أو ارث تركته له أمه.
كان انقلاب الفاتح من سبتمبر كما يسميه ويحتفل به نظامه كل عام
شؤما على ليبيا وشعبها بكل المقاييس.
والعقيد الذي جعل كتابه الأخضر قرانا يتلى قبل كتاب الله دوخ الناس
في معرفة ماهو وبم يفكر وماذا يعتنق من معتقدات.
هذا الرجل كان اشتراكيا أكثر من كارل ماركس أول ما استلم الحكم
وسرعان ما انقلب رأسماليا بشعا بعد تهاوي البيت السوفييتي وانهياره بعد
عام 1990.
هذا الرجل المهووس بفكرة الوحدة العربية أولا والأفريقية لاحقا كان
من اشد الراديكاليين واتجه بعد ذلك إلى أقصى اليمين في تحول فوري ودون
سابق إنذار.
مواقفه من القضية الفلسطينية تضحك الثكلى.
فبعد أن كان من اشد المنادين بالحرب ورفض المشاريع التفاوضية
باعتبارها لا تؤدي إلى نتيجة تذكر ها هو الآن يطلع علينا بنظرية الدولة
المدنية التي ينادي بها لتضم اليهود والعرب معا ويكون الفصل فيها
لصندوق الاقتراع في انتخابات حرة يختار فيها الناخبون من يريدون بغض
النظر عن الدين أو القومية.
معروف عن القذافي انه يفعل الشيء ونقيضه ويبرر كل منهما ويعتقد
بصحتهما معا دون أن يتوقف ليفكر لحظه ويسال نفسه أو يجيب على تساؤلات
غيره : أيهما كان صحيحا وأيهما كان خاطئا؟
فجر طائرة لوكريي ومن ثم دفع تعويضات باهضة لذوي ضحاياها وقدم
تسويات مذلة للسلطات البريطانية.
بنى برنامجا نوويا ومن ثم اعترف للغرب ( ودون أن يسأله احد) انه
يملك برنامجا نوويا سريا ودعاهم إلى تدميره فدمروه وبأموال ليبية دفعها
صاغرا.
كلمة مجنون هي اقل من أن تصف حال هذا الشخص الغريب الأطوار وكلمة
فوضى هي اقل من تصف طريقة إدارته للبلد.
منذ انقلاب سبتمبر وليبيا تعيش في كابوس اسمه معمر القذافي ,
الأحزاب السياسية محظورة والعمل السياسي خارج نطاق لجانه الشعبية ممنوع,
لا توجد صحافه مستقلة أو وسائل إعلام حرة في البلد الذي يحتكر القذافي
ولجانه الشعبية كل وسائل إعلامه المقروءة والمرئية والمسموعة, كل وسائل
الاتصالات الهاتفية مراقبة والانترنت عليه قيود ومحددات تمنع وتحظر كل
ما لا يريده النظام.
بعد ثورة الشعب التونسي وإسقاطه لنظام بن علي خرج علينا العقيد
القذافي بتصريح مضحك مفاده : لماذا تعجل الشعب في إسقاط بن علي ؟ أما
كان الأولى أن يتركوه ليتم ولايته الرئاسية وبعدها يرحل؟
في حينها كتبت مقالا اسمه (لا تقلق سيدي العقيد...الدور لك) توقعت
فيه أن شعب ليبيا لبطل سيصحو من سباته الطويل ويطيح بالقذافي ونظامه
الظالم المستبد وهاهي الأخبار تتحدث عن ذلك.
بعد رحيل بن علي وبعد سقوط مبارك وتزامنا مع الحركات الشعبية
المطالبة بالتغيير في اليمن والبحرين هاهو الدور الآن للقذافي ليذهب
إلى مزبلة الطغاة.
الشعب الليبي ينتفض , مستذكرا قيم الرجولة العربية , مستلهما بطولات
الأجداد الميامين الذين كتبوا صفحات بيضاء في تاريخ مقاومة الشعوب
للمحتلين والطامعين.
شعب عمر المختار ينتفض..
سهول ليبيا الشاسعة ورمالها المترامية الأطراف تنجب كل يوم ألف عمر
متعطش للموت في سبيل الحرية...
الشباب الليبي في الشوارع بمظاهرات عارمة مدوية تطالب بإسقاط النظام
الذي يقطع وسائل الاتصال ويفرض قيودا على التغطية الصحفية العربية
والأجنبية ويقابل المظاهرات السلمية بالنار والحديد.
عشرات الشهداء هم قرابين هذا الشعب المتعطش للحرية والانعتاق
وستتبعهم قرابين أخرى على الطريق.
مئات الجرحى والمصابين ومئات أخرى من المعتقلين والثورة في ازدياد
وازدياد حتى رحيل الجلاد
العالم الآن أعمى عن رؤية مشاهد الدماء التي تسيل في شوارع بنغازي
والبيضاء وأصم عن سماع صرخات الاستغاثة للمعتقلين منهم في سجون
ومعتقلات الطاغية وأبكم عن قول كلمة لا لعمليات القتل المنظم التي
ترتكبها سلطات النظام بحقهم.
هذه دعوة لكل الأحرار في العالم
ولكل الشرفاء الذين يفهمون معاني الإنسانية والتحضر
ولكل المسلمين
والعرب
أن يقفوا مع الشعب الليبي بكل ما يتمكنون من اجل الوصول إلى حقهم
المشروع في التغيير والانعتاق
ونصيحة لهذا المفتري الضال بان يرحل
الآن... |