تونسيون يعبرون عن حريتهم بإطلاق النكات

 

شبكة النبأ: ذهب زين العابدين بن علي لشراء حذاء وبمجرد ان دخل المتجر قدم له البائع حذاء فسأله الرئيس كيف عرفت مقاسي فرد قائلا تدهسنا منذ 23 عاما فكيف لا نعرف.

وقبل اسبوعين كان الموقف الوحيد الذي تستطيع فيه تونس ذكر اسم بن علي هو الثناء عليه والان اصبح مادة للنكات والرسوم الكارتونية على الانترنت والاغاني حتى تلك التي يبثها التلفزيون الرسمي. وفر بن علي من تونس في 14 يناير كانون الثاني بعد اسابيع من الاحتجاجات المطالبة بالحرية بعد حقبة من الحكم البوليسي.

وعلى موقع فيسبوك وغيره من المواقع الالكترونية نشر على الفور نشطاء تعرضوا للقمع لفترة طويلة رسوما كارتونية للرئيس المخلوع وزوجته وافراد عائلته الذين يتهمهم العديد من التونسيين بجمع ثروات على حساب الشعب.

واظهرت احدى الرسومات بن علي في شكل حمار تقوده زوجته ليلى واخر يصوره وهو يحلب بقرة نقود وكأنها تونس.

وبث التلفزيون الحكومي الذي طالما كان بوقا لدعاية بن علي اغنية تقارن بينه وبين ادولف هتلر. بحسب رويترز.

وملئت الصفحة الاخيرة من صحيفة الصباح التي كانت مملوكة لصهر بن علي بالعديد من الرسوم الكارتونية لبن علي. وصورت احدى الرسوم الرئيس المخلوع يقول وهو يوشك على الغرق "الان أؤمن بالديمقراطية."

وأبلغ مهدي مبروك الخبير في علم الاجتماع "يعكس هذا حاجة الناس للانتقام من الرئيس السابق الذي حرمهم من حرية التعبير حتى في المقاهي وفي منازلهم. هذه السخرية من بن علي تكشف ان التونسيين استعادوا طابع الفكاهة الذي يتصفون به."

وفي العاصمة لم يعد الناس يخفون اراءهم. فيمكن للمرء أن يسمع النكات تروى في المقاهي والحدائق.

وفر بن علي من تونس الى السعودية وتعهدت السلطات التونسية باستعادة اية اصول اخذها معه. وتعهدت الحكومة الجديدة ايضا بحماية كل الحريات بما فيها حرية التعبير في ظل تقدم البلاد نحو اولى انتخاباتها الديمقراطية.

يعبرون عن ارائهم بحرية

الشعب التونسي متعلم .. لماذا لا يتطوع لشغل هذه الوزارات، هكذا تساءل رجل وهو يخطب في حشد من التونسيين. وبينما كان بعضهم يأكل الفشار وهم ينصتون للرجل التفت الحضور الى امرأة نحيفة وهي تخطب بصوت عال.

قالت المرأة وهي تشير الى رئيس الحكومة المؤقتة الذي يتعرض لضغوط للاستقالة "ساقول لكم لماذا.. لان هناك اتصالات من الخارج. محمد الغنوشي يتلقى الضوء الاخضر من أمريكا. اذا قالوا له ابق فانه سيبقى. واذا قالوا لا فانه سيرحل."

وتتعرض حكومة الغنوشي المؤقتة التي تشكلت بعد فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في 14 يناير كانون الثاني في وجه اضطرابات عنيفة لضغوط من جانب المحتجين المطالبين باستقالة شخصيات من الحرس القديم مازالت في السلطة.

وقبل أسبوع فقط كان التونسيون يتابعون العالم من خلال المقاهي المنتشرة على الارصفة ولا يجرؤون على الجهر بارائهم خشية أن يكون الجالس على الطاولة المجاورة أحد أفراد الشرطة السرية. أما اليوم فانهم يقفون على قارعة الطريق يتحدثون بصوت عال ويتجادلون عمن يجب أن يبقى أو يرحل من الوزراء.

وفي شارع الحبيب بورقيبة أكبر شوارع العاصمة التونسية تجمعت مجموعات من التونسيين للحديث في السياسة.

كان كل من الحاضرين يشير باصبعه الى الاخر ويرفعون أصواتهم غير مبالين بمن يستمع الى ما يقولون. وغير بعيد عنهم وقف رجال الشرطة بعضهم يستند الى الاشجار في حين كان اخرون يستمعون بدون اهتمام للجدل المحتدم.

وقبل بضعة ايام وقف رجل على صندوق أحمر وهو يعبر عن رأيه أمام المارة غير مبال بمن يهتم بالانصات اليه. وسخر اخر من الخطابات الجافة لبن علي أول زعيم في الشرق الاوسط تطيح به انتفاضة شعبية منذ عدة سنوات.

وقال رجل طويل القامة يرتدي معطفا رمادي اللون "نحن نرفض بقاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي) في السلطة لكن يجب أن نعي أنهم يريدون هذه الفوضى حتى يستولي الجيش على السلطة. الجيش لا يعمل لمصلحة الناس."

وشق رجل يرتدي الجينز ومعطفا من الجلد طريقه وسط الحشد معترضا وهو يقول "الجيش لا يمكنه اتخاذ أي قرار في تونس. 27 ألف جندي لا يمكن أن يهزموا 160 ألف شرطي." وقاطع رجل اخر المتحدث ليعبر عن رأيه.

كان التغيير مثيرا. كان الحديث همسا هو الامر المفضل في وجود شرطة أمن الدولة في عهد بن علي لانه كما يقول المثل الشعبي "الجدران لها اذان". وحتى داخل سيارات الاجرة التونسية ذات اللون الاصفر لم يكن أحد يجرؤ على الحديث في السياسة.

وغالبا ما كان رجال الشرطة السرية يستوقفون سائقي سيارات الاجرة لسؤالهم عن مكان اخر راكب استقل السيارة واين نزل منها. وكان السائقون لا يتحدثون مع الركاب خشية الوقوع في شرك رجال الشرطة.

وقال السائق الاسعد الطرابلسي "في ظل النظام القديم ما كنت أستطيع أن أتحدث معك في هذا الحوار".

وخارج مكتب رئيس الحكومة نصب شبان من المناطق المهمشة بوسط البلاد خياما وهم يحملون الاعلام واللافتات. وغطت الكتابات بعض جدران المباني في تونس. وكتب أحد المحتجين على حاجز معدني وضع لحماية فندق بوسط تونس العاصمة "الشرطة تقول لا للدكتاتورية".

وكتب اخر على قصاصة ورقة تدلت من غصن شجرة بشارع الحبيب بورقيبة "لا عودة للوراء.. نعم للحرية". بحسب رويترز.

التونسيون يصلحون وطنهم

وفي فيلا محترقة تعرضت للنهب في العاصمة التونسية لم يبخل اللصوص بالشتائم على الرئيس زين العابدين بن علي وزوجته وكتبوها على الجدران.

ويتجول الزائرون بين الانقاض في الطابق السفلي ويتفقدون حمام السباحة في الفناء الخلفي ويلتقطون صورا للذكرى. ويمزح احدهم مع صديقه "انه مزار سياحي".

هذا هو منزل عماد الطرابلسي ابن اخ ليلى زوجة بن علي وواحد من اكثر أفراد عائلة بن علي المكروهين. واستمر حكم بن علي للبلاد 23 عاما واتسم بالقمع.

وتزخر الضواحي الشمالية بالمنازل التي تعرضت للنهب والمؤسسات التجارية التي يملكها أفراد أسرة بن علي الذين التزموا بالعلمانية التي انتهجها زعيم تونس بعد الاستقلال الحبيب بورقيبة لكنهم احتلوا مكانا بارزا في الحياة السياسية والاقتصادية.

ومن الصعب تصديق أنه قبل شهر واحد كان الرئيس التونسي واحدا من اكثر الرؤساء المرهوبين في العالم العربي. اليوم تحتضن تونس امال النهضة الديمقراطية في منطقة تمتعت فيها الانظمة القمعية لفترة طويلة بمساندة القوى الغربية.

وقال فراس الهرماسي (19 عاما) وهو طالب "حررنا تونس من بن علي ومن اللصوص." وفي عام 2009 بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي 3800 دولار كما توفر تونس رعاية صحية مجانية لمحدودي الدخل مما يجعل أوضاعها أفضل من معظم الدول العربية. بحسب رويترز.

وتعاني البلاد البالغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة من أعمال الشغب منذ ذلك الحين لان المواطنين والنقابات العمالية وحتى الفقراء المهمشين الذين يعيشون في وسط البلاد يخرجون الى الشوارع في احتجاجات يوميا على استمرار الموالين لبن علي في حكومة انتقالية.

وتحول وسط تونس الى ساحة مفتوحة تتوافد عليها مجموعات من مختلف أطياف المجتمع على ناصية اي شارع للحديث عن قائمة طويلة من الشكاوى المتعلقة بالرواتب والمحسوبية والاوضاع الاخرى في مهن قوضت نزاهتها واستقلاليتها خلال سنوات من الحكم الشمولي تركزت حول بن علي وأسرته.

وتميزت الانتفاضة التونسية بطبيعتها الشعبية فلم يتلاعب بها اليساريون او الاسلاميون او غيرهم من القوى السياسية حين بدأت في ديسمبر كانون الاول بعد أن أشعل شابا في سيدي بوزيد النيران في نفسه بعد أن صادرت الشرطة عربة اليد التي تعتبر مصدر رزقه.

والان تجري عملية تطهير في الوقت الذي يبحث فيه التونسيون اصلاح المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ينظر اليها على أنها فسدت من جراء تجاوزات أسرة بن علي. وتم تشكيل لجان لتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الانسان ورصد سرقة أموال الدولة من قبل العائلة والحزب الحاكم.

وقال العربي صديقي استاذ العلوم السياسية التونسي "أعتقد أن حتى أوثق حلفاء بن علي لم يكن على دراية بحجم الفساد. انه يفوق عائلة ماركوس في الفلبين. هؤلاء الناس كانوا ينهبون الدولة فعلا."

يقبلون على المساجد بلا خوف

وعلى مدى 23 عاما كان التونسيون يؤدون صلاتهم في خوف. قللوا ترددهم على المساجد .. ولم يكن أحد يتحدث مع أحد. لم يكن بوسع النساء ارتداء الحجاب في الشارع ولم يكن يجرؤ الرجال على ترك لحاهم طويلة خشية الاعتقال.

ويوم الجمعة وللمرة الاولى منذ الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي حضر التونسيون الى صلاة الجمعة دون خوف من أن يكلفهم هذا وظائفهم أو حريتهم.

ويقول عبد القوى (57 سنة) الذي كان يتحدث أمام مسجد القدس في العاصمة تونس بينما تدفق مئات من التونسيين معظمهم يرتدون سترات او سراويل جينز على المسجد لاداء صلاة الجمعة "لم نكن نقدر على الصلاة بحرية من قبل."

وافترش بعضهم الفناء الخارجي للمسجد فيما ترجلت نسوة بالحجاب في هدوء عبر مدخل جانبي نحو مصلى النساء.

ومثل كثير من القادة العرب جعل بن علي نفسه حصنا ضد انتشار التطرف الاسلامي وضد القاعدة وتمتع بعلاقات جيدة مع الغرب حتى الايام الاخيرة قبل الاطاحة به في انتفاضة شعبية هذا الشهر.

وقال كثيرون ان الشرطة السرية كانت تتسلل الى المساجد في عهد بن علي وتكتب تقارير أمنية عن أولئك الذي كان يبدو عليهم المداومة في الصلاة بشكل لافت أو الخشوع فيها.

وقال رضا الحراثي الذي قال انه من الاسلاميين لرويترز بينما كان يدخل المسجد "في تونس لو أردت الحصول على وظيفة دائمة لابد أن تخضع لتحريات أمنية بشأن ارائك السياسية .. وما اذا كنت يساريا أو اسلاميا او قوميا."

وأضاف "طردت من عملي وعندما سألت عن السبب قالوا لي ان مشكلتك مع وزارة الداخلية ... اذا كنت صادقا مع نفسك .. وخاصة .. اذا كنت اسلاميا ستفقد وظيفتك أو لن يتم تثبيتك فيها."

وطبقت العلمانية بصرامة في تونس على مدى عقود. وكان الحبيب بورقيبة - زعيم الاستقلال والرئيس الاسبق لفترة طويلة - من دعاة القومية الذين اعتبروا الاسلام تهديدا للدولة ووصف الحجاب يوما بالخرقة البغيضة.

وصادر بورقيبة ممتلكات الصناديق الاسلامية وأغلق المحاكم الشرعية وكرس قوانين الاحوال الشخصية العلمانية. وفي عهد بن علي حرمت المحجبات من التعليم والوظائف.

وقالت كثيرات منهن ان الشرطة كانت تستوقفهن في الشوارع وتنزع حجابهن وتجبرهن على التوقيع على وثائق تنبذ الحجاب. كما كان الملتحون من الرجال يلقون معاملة مشابهة. وكان معظم الرجال خارج المسجد من حليقي اللحى.

وقال مؤذن المسجد الذي رفض ذكر اسمه "في الماضي كان على الخطيب ان يعرض خطبته (خطبة الجمعة) على السلطات مقدما". بحسب رويترز.

تضامن بلا حدود

فيما يقول التونسيون على سبيل الدعابة إن بن علي الذي أنشأ صندوق التضامن الوطني خلال التسعينات، سرق عند هروبه الصندوق وترك لهم التضامن، حيث اكتشفوا بعد ثورتهم عليه أنهم أفراد شعب يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.

كأن التونسيين كانوا في حاجة إلى انقلاب على نظام زين العابدين بن علي لاكتشاف بعدا إنسانيا جديدا لديهم وتضامنا بين أفراد الشعب لم يكونوا على علم به...مظاهر جديدة من التآزر والتعاون قطعت مع الصورة المعهودة لدى التونسي.

التونسي اليوم استبدل المقولة الشعبية الشهيرة " أخطى راسي واضرب" ما معناه : "دعني في حالي وافعل ما تريد" ، بمثل شعبي قديم جديد هو " حمل الجماعة ريش"...

في هذا الظرف الصعب طالعنا على صفحات فايس بوك ومن خلال شهادات حية مشاهد ومواقف كانت قبل مدة قصيرة غير مألوفة بين التونسيين...

من بينها، تشكيل لجان أحياء شعبية منذ أول يوم تلا سقوط نظام بن علي، لجان شكلت بشكل عفوي للحفاظ على أمن السكان بعد فرار الشرطة من مراكزها وشيوع الفوضى وتزايد المخاوف من دخول البلاد نفقا يصعب الخروج منه..

ويقول محمد وهو من بين الناشطين في لجنة حي بالكرم الغربي، إن مجموعة من السكان شكلت عفويا لجنة لحماية أمن المواطنين في حيه المتاخم لمنطقة قرطاج حيث القصر الرئاسي، وذلك للتصدي في البداية إلى عمليات النهب والسلب التي تفشت في الحي ولمنع الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة. وكذلك للتصدي إلى الميليشيات المحسوبة على بن علي.

وبعد مرور عاصفة الأيام الأولى من سقوط النظام، اضطلعت لجان الأحياء بمهام أخرى منها التنسيق مع لجان الأحياء المجاورة، وإزالة الآثار التي خلفتها المواجهات بين الأمن والمحتجين ومخلفات اعتداءات البعض على الممتلكات من حرق لمتاجر، والإدارات ومؤسسات الدولة.

 ويؤكد محمد أن الأولوية اليوم هي إعادة تأهيل مؤسسات الدولة الإدارية كمقر البلدية والشرطة ومركز الضرائب ..فالمواطن اليوم في حاجة لهذه الإدارات لتصريف أموره اليومية ويفيد محمد بأن اللجان اتصلت بشركة مقاولات للمساهمة في القيام بعمليات البناء والدهن للمتاجر التي حُرقت وهُدمت.

هيكل التليلي صحفي تونسي، يقول إنه فوجئ منذ سقوط النظام بتغير كبير في تعامل الناس بين بعضهم البعض، فغابت الخصومات بين الأفراد أو غُيّبت..لتعلو الابتسامة محيا الناس أينما حلوا، وكأن الشعب لا يستطع إخفاء فرحته بالثورة على نظام بن علي رغم الظرف الصعب الذي تمر به البلاد ورغم ضبابية المشهد العام في البلاد .

ويفسر التليلي ذلك بكون ما حدث في تونس كان أمرا غير مسبوق، وتخلص الشعب بين ليلة وضحاها من نظام بن علي الديكتاتوري مما أعاد إحياء آماله بمستقبل مشرق.

 هكيل قال إن مظاهر التضامن ومساعدة السكان لبعضهم البعض شملت الأحياء الشعبية والراقية على حد السواء وانتفت الفوارق الاجتماعية بين المواطنين والتف التونسيون حول بعضهم البعض في مواجهة عصابات المخربين وميليشيات بن علي.

ويبارك هيكل قرار مجموعة مبروك المالكة لمركز جيان التجاري الذي حُرق مؤخرا حين قررت دفع رواتب العاملين لشهر يناير/كانون الثاني رغم إغلاق المركز بسبب التخريب والحرق الذي أصاب المكان.

حميدة وهي مدرسة في معهد ثانوي في مدينة تونس، أكدت لنا أنه ومنذ الجمعة الماضي عاشت عمليا هذا التضامن بين التونسيين، حيث اقترح عليها الجيران ضمان أمن عائلتها ووفر لها البعض منهم مواد غذائية مجانا في وقت فقدت فيه من الأسواق. وتستشهد حميدة بفيديو انتشر على فايس بوك لرجل من مدينة صفاقس قام بجلب كميات كبير من الخضر والغلال وتوزيعها بالمجان على المواطنين في هذا الظرف الطارئ الذي تعيشه تونس.

وتتفق حميدة مع هيكل في أن التونسي أصبح اليوم أكثر بشاشة وانفتاحا وكرما..فالفرحة بإزاحة بن علي لم يخفها المواطن العادي الذي يكتشف اليوم عبر وسائل الإعلام حجم السرقات والظلم الذي عاشه التونسيون طيلة 23 عاما تحت وطأة نظام بن علي...

مظاهر التضامن والتآزر انتشرت أيضا على فايس بوك حيث ظهرت مجموعات ضمت أعداد كبيرة وصلت إلى 11 ألف عضو، ويطالب الأعضاء بجمع تبرعات مالية، تتراوح بين 5 و10 يورو. لإعادة بناء تونس في عهد ما بعد الثورة وإعمار المناطق التي طالها التخريب، كما يطالبون الأعضاء التونسيين في الخارج باستهلاك مواد محلية وعدم جلب مقتنيات من الخارج حين يعودون إلى تونس، لما في ذلك من دعم للاقتصاد الوطني واسترجاع للنسق الاقتصادي القديم .

كما أنشأوا صفحة خاصة على فايس بوك تدعو للتبرع بالدم  خاصة أن المستشفيات في بعض المدن تسجل نقصا في كميات الدم لمواجهة الحالات الطارئة. وأنشأوا أيضا صفحات لجمع ما زاد عن الحاجة من ملابس وأدوية لتوزيعها على من فقد كل شيء في الحرائق التي التهمت منازل البعض وممن وجد نفسه عرضة للعصابات المسلحة التي سطت خاصة في الليلة الأولى على الممتلكات الخاصة.

عربة محمد البوعزيزي "ليست للبيع" 

من جهته قال سالم البوعزيزي ان عربة اخيه محمد الذي اضرم النار في جسده فوقها في كانون الاول/ديسمبر الماضي مشعلا "ثورة الياسمين" التي اطاحت بنظام بن علي، "ليست للبيع".

واكد سالم (30 عاما) وهو يعمل نجارا انه رفض عرضا من رجلي اعمال خليجيين للتخلي عن عربة شقيقه الذي اضرم النار في جسده عليها في 17 كانون الاول/ديسمبر الماضي، مقابل مبلغ يساوي قيمتها عشرات المرات.

واوضح "لقد اتصل بي رجلا اعمال احدهما من السعودية والثاني من اليمن. عرض علي اليمني عشرة آلاف يورو للتخلي عن عربة بيع الفواكه التي كان يعمل عليها المرحوم اخي، لكني لن ابيعها ابدا".

وعاد سالم البوعزيزي ليوضح انه تلقى عرضا من شخص يمني آخر للتخلي عن العربة لقاء 20 الف دولار، مشيرا الى انه لا يفقه شيئا في تحويل العملات الاجنبية.

وقال "ظننت ان 20 الف دولار تساوي 10 آلاف يورو، انا لا اعرف الا الدينار التونسي". بحسب فرانس برس.

وعن العرض السعودي قال سالم "لم اترك لصاحبه الفرصة لعرض اي مبلغ، وحال ما قال انه يريد شراء العربة، اغلقت الخط في وجهه من شدة الغضب".

واضاف "مستحيل ان ابيع العربة، ليفهم الجميع انها ليست للبيع، اريد ان احتفظ بها كذكرى من اخي".

بيد انه اشار الى ان ما قد يقبل به في يوم ما "هو ان يتم وضعها في احد الساحات كمعلم" في المدينة التي تقع في منطقة الوسط الغربي الفقيرة على بعد 260 كلم جنوب غرب العاصمة التونسية.

وكان محمد البوعزيزي (26 عاما) احرق نفسه في 17 كانون الاول/ديسمبر على هذه العربة التي كان يعيل بها اسرته، بعد ان رفض المسؤولون المحليون الاستماع الى شكواه اثر مصادرة بضاعته ولطمه وشتمه من عناصر من الشرطة البلدية، بداعي بيع بضاعته بدون ترخيص.

ووضعت اسرة البوعزيزي العربة التي استردتها من الشرطة، في مخزن تابع للعائلة. وكانت لا تزال آثار حرق بادية عليها في المخزن الذي وضعت فيه، وتناثرت بقايا قشور برتقال كان يبيعه صاحبها.

وبدت آثار الحرق جلية خصوصا على صندوق فاكهة احمر من البلاستيك كان بجانب البوعزيزي حين وقف على العربة وسكب قاروة بنزين على راسه وجسده واضرم النار مستخدما ولاعته.

وبدت آخر علبة سجائر دخنها البوعزيزي مرمية فارغة على العربة ذات العجلات الثلاث التي كان يدفعها بقوة جسده في حين رصفت صناديق فارغة عديدة في المخزن الذي كان يستخدمه لعمله في حي النور الغربي بمدينة سيدي بوزيد.

وقالت امه منوبية (49 عاما) "كان يذهب كل يوم في الساعة الواحدة صباحا لاحضار الفواكه من سوق الجملة، ثم يجهزها ليبيعها في اليوم التالي ثم يعود ليدفع ثمن البضاعة لمزوديه، ويعود بربحه ليسهم به في اعالة اسرته".

واكد زياد الغربي (26 عاما) الذي قال انه عمل مع البوعزيزي خمس سنوات في السوق، "لم يكن لديه راس مال لكنه كان صاحب كلمة ويزوده التجار بالبضاعة دون ان يدفع وحين يبيع بضاعته ياتي ليدفع لهم".

واشارت خالته راضية (34 عاما) التي بدت شديدة الانتقاد للسلطات المحلية التي لم يات احد منها للتعزية في وفاة محمد، الى انه كان يكدح بامل ان يقتني سيارة للتخلص من عناء دفع العربة.

وصبت جام غضبها على قنوات التلفزيون المحلية التي قالت ان احدا منها "لم يكلف نفسه عناء القدوم الينا لتصوير معاناتنا"، وكذلك "على المثقفين والسياسيين وخصوصا الذين يطلون عبر الفضائيات، هؤلاء الذين وجدوا المال للسفر والعيش في الخارج".

وتساءلت "لماذا لم يفعلوا مثل البوعزيزي الذي اقدم وحده على حرق نفسه دفاعا عن كرامته حين اهين هو الذي لم يكن ينتمي الى اي حزب سياسي ولا اي تنظيم"، مفجرا بذلك انتفاضة شعبية انهت في شهر استبدادا استمر 23 عاما في تونس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/شباط/2011 - 15/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م