فجر ميدان التحرير

صلاح عليوة

ماذا قال الفجرُ لميدَانِ التحرير؟

ماذا؟..

وحشودُ الشهداءِ تشقُ الليل

وظلُ الموت يرفرفُ مشدوهاً

ما بين شهيقٍ وزفيرْ

 

ماذا قال الفجرُ لميدان التحرير؟

قال الظلم يزولُ.. يزولُ

وليل الظالم مهما اشتدّ

ومهما امتدّ قصيرْ

 

قال: الثوارُ يديرون الدفةَ..

يختارون الوجهةَ..

ينسون كلامَ الصمتِ

ويطوون نعاسَ المقهى

ويسوقون نهاراً سحرياً

ويشقون طريقاَ براقاَ

ويصوغون شروقاً

من مجدٍ وسرورْ

 

قال: قلاعُ الظالم تهوي

والشعبُ يرجّ بروجَ التاريخِ

وجيلُ الثورة يطلق فوق عروشِ الظلمِ

أعاصيرَ التغييرْ

 

ماذا قال الفجر لميدان التحرير؟

قال سيهوي السورُ وراء السورِ..

ويومُ الظالم آتٍ

رغم أقاويلِ الحراسِ

وأحجارِ المتراسِ

وأبراجِ حديدٍ ونحاسٍ

وخداعِ حُمَاةِ الطغيان المقبورْ

 

قال بأن اليأسَ خرافيٌ

يهتزُ كأحجارِ الوهمِ

وحين يحينُ الوقتُ

يصير الخوفُ حشوداً وصموداً

ورعوداً

وهديراً يتهاوى

في صمتِ القصر المهجورْ

 

ماذا قال الفجرُ لميدان التحرير؟

قال سيبقى الشهداءُ نجوماً

ويصير الدمعُ غيوماً

ويصير الثوارُ شموساً

ويصير الغدُ مدائنَ أملٍ

وتصير الأيامُ ضفافاً

لبريقِ الدرِ المنثورْ

 

قال: ندائي أعلى من برج اليأسِ

وأمضي من حد الفأسِ..

وأقوى من موج الخوفِ

وأنقى من صوت العصفورْ

 

قال: الشعبُ يعودُ لمنبعهِ..

ينقشُ مجدَ ملامحهِ..

يلقي فوق الريح وصاياه..

يقول إذا أصبحتُ غضوباً

تتهاوى حممٌ من غضبي وتطيرْ

 

قال: سكتُّ.. سكتُّ.. سكتُّ

وعاثَ الذئبُ وماجَ الضبعُ

ومرّ الثعلبُ مَزهوّاً

وأنا الأسدُ الصامتُ

أقعي في قفصي وأدورْ

 

قال: الشهداءُ يطوفونَ الأرجاءَ

يصيرونَ لآلئَ نبلٍ ووفاءٍ

ويصوغونَ على مهلٍ أسماءَ الأشياءِ..

وقال: الثوارُ يزيحونَ الأصفادَ..

يمرون كنهرٍ أزلي يتأرجحُ

في كف النورْ

 

قال سمائي غطاها الحزنُ

وطال الليل, كنت حزيناً

أتأمل أمجادي, أحزن عبثاً

أرزحُ رهنَ القاتلِ والمتآمرِ

أعبرُ بين سماسرةِ الطغيانِ

وأبواقِ السلطانِ

وسيفِ السفاحِ المأجورْ

 

قال: سأفتح أبهى أبوابي

أخرجُ من ليل غيابي

أجعلُ كفي مأوى المجد..

وصوتي ورقاً ذهبياً

يتألقُ في شجرِ النورْ

 

قال الشهداءُ وجوهٌ تبقى

هم أقمارُ الذكرى..

هم مدوا أطواقاً للغرقى

مدوا الغد سماءا وغناءاً..

جعلوا الأفقَ فضاءاً

لرفيف الطيرِ المأسورْ

 

ماذا قال الفجر لميدان التحرير؟

قال ثقيلاً كان القيدُ..

طويلاً كان الليلُ

قصياً كان المرسى

وبعيداً كان الأملُ.. بعيداً

يتلوى كسرابٍ خدّاعٍ

يترحّلُ في الأفقِ المغدورْ

 

ماذا قال الفجرُ لميدانِ التحرير؟

قال سيبقى الشهداءُ نجوماً

ويصير الدمعُ غيوماً

ويصير الثوارُ شموساً

ويصير الغد مدائنَ أملٍ

وتصير الأيامُ ضفافاً

لبريق الدر المنثورْ

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/شباط/2011 - 15/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م