الثقافة العربية والتعاطي مع الثورات الشعبية

شبكة النبأ: يرى معظم المتابعين للشأن العربي، وخصوصا الانتفاضات الشعبية القائمة الان،  ان معظم المؤسسات الثقافية والاعلامية لم تكن بمستوى ما حققته الشعوب الثائرة، خصوصا وحسب رأي المختصون ان الكثير من تلك المؤسسات كانت في مواقف مترددة وخجولة في معظم البلدان العربية، ولم تساهم بالشكل المطلوب في دعم الاحتجاجات المليونية التي حدثت في تونس ومصر، وبقية البلدان.

حيث تعاطى المثقف العربي خصوصا ما يصطلح عليه بتسمية المثقف الرسمي مع مجريات الاحداث في سياق ردة الفعل فحسب، بعد ان غابت المبادرة عن مفرداته لشكل ملحوظ.

نوعا جديدا للخطاب الثقافي

فيرى مثقفون أردنيون أن ما يحدث من انتفاضة شعبية فى ميدان التحرير ومحيطه فى القاهرة، سيتعدى تأثيرها مصر بكاملها، لتنعكس على مجمل مساحة الوطن العربى، وربما أبعد من ذلك بكثير، مشيرين إلى أن التأثيرات لا يمكن اختزالها فى البعدين السياسى والاجتماعى فقط، وإنما بدأت الانتفاضة الشعبية تكرّس نوعا جديدا من الخطاب الثقافى العربى، الذى انطلق من وعى الأجيال الشابة ومنظومة أفكارهم المتحررة من كل عقد الماضي وتأثيراته السلبية.

كما يرى المثقفون الأردنيون أن شباب مصر، بخطابهم الثقافى الجديد، حطموا كثيرا من التابوهات التى كانت مغلقة بتأثير منظومة الأفكار السائدة، وهو أمر يتطلب حشد طاقات المثقفين العرب لمواكبة الخطاب الثقافى الجديد الذى يتردد صداه اليوم فى شوارع مصر كلها منطلقا من ميدان التحرير.

وحسبما جاء بجريدة الدستور التى قامت باستطلاع آراء مجموعة من المثقفين الأردنيين حيث يرى سلطان القيسى أن أقطار العالم الثالث، وفى ظل القمع الممارس عليها ضد الحريّات بأشكالها ، فلا يجد المثقف سوى أن يلجأ للمجاز المكثّف حين يتحدث فى أمور السياسة مراهنا على أن الرقيب لن يتمكن من فهمه حتى ينجو من سطوة الجلاد، لكن يفوت المثقف أن المواطن البسيط أيضا لن يفهم مدلولات مجازاته المكثفة فلن يكترث سلبا ولا إيجابا، مشيرا إلى أن ذلك ينتفى دور المثقف العربى فى إعادة بناء المجتمع كما يجب.

وأكد أن الثورة المصرية وثورة الياسمين من قبل فى تونس فتحتا الأبواب والنوافذ أمام المثقف العربى لكسر سوط الرقيب ووجهتا الخطاب فى اتجاه البناء، مشيرا إلى أنه حين يرى الشاعر العامل يهتف فى الشارع مطالبا بإسقاط الرئيس، لا يجد من المناسب إلا أن يهتف مثله فى القصيدة داعيا للتحرر والديمقراطية كل هذا من شأنه أن يرفع سقف الخطاب إلى أعلى درجات الحرية ما يعزز مساحة الحريات، ولعلها تكون فرصة للمثقف ليمسك الدور الحقيقى من يده ويسير معه متصالحا فى طريق الحرية والإنجاز المنشود. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

بينما قال عماد ملحس إن انتفاضة الشعب العربى فى مصر ليست مجرد حركة احتجاجية مطلبية، بل إنها حركة تغيير عميقة فى النهج والسياسات، ستنعكس آثارها على الوطن العربى بأسره، فمصر كانت دوما مركز الثقل فى حركة النهوض العربى والإسلامى، وستبقى كذلك.

مطالبا من المثقفين العرب أن يقفوا إلى جانب الانتفاضات المباركة لجماهير الأمة العربية فى تونس ومصر ، وفى كل بقاع الوطن العربى المرشحة للانتفاض، وأن يمدوا انتفاضة شعب مصر بكل ما يمكن أن يجعلها تستمر فى الصمود وفى طرح القضايا الجذرية ، ورفض المناورات التى تستخدم من أجل تفريغ الانتفاضة من مضمونها.

وقال ربحى حلوم إن الثلاثة عقود من القهر والفقر والحرمان التى عانى منها الشعب المصرى ومازالت تعانى منها بقية شعوب أمتنا، جاءت بهذه الانتفاضة المليونية التى رسمت فى الفضاء الرحب لميادين مصر تماثيل للحرية ستمتد شعلتها لتنشر الضوء على امتداد الوطن العربى بمجمله، مطالبا المثقفين العرب أن يرتقوا إلى مستوى شعوبهم وأن ينسلخ بعضهم عن التزلف لهذه الأنظمة ويبادرون إلى الوقوف مع شعوبهم التى هى المحرك الرئيس للثورة، من أجل أن يكونوا فى مقدمة الامتدادات المنتظرة والمؤكدة التي تنتظرها أمتنا.

تناول الوضع في السعودية

من جهته دعا الاعلامي المصري حافظ الميرازي قناتي "الجزيرة" و"العربية" الى تناول الوضع في السعودية وقطر كما تتناولان الوضع في مصر.

وقال الميرازي، الذي عمل سنوات في "الجزيرة" القطرية "قبل ان يتحرر الاعلام المصري كنا مضطرين للعمل في الجزيرة او العربية لاننا لم نكن نستطيع ان نتحدث في الاعلام الخاص او الحكومي".

واضاف "الان وقد تحرر الاعلام المصري فان اي زميل يتحدث عن الاوضاع في مصر يجب ان يتمكن من الحديث ايضا عن الاوضاع السياسية في قطر على قناة الجزيرة او عن الاوضاع في السعودية على قناة العربية".

وكان الميرازي انتقد بحدة الاعلام السعودي في حلقة من "استوديو القاهرة" الذي تذيعه قناة العربية والتي تناول فيها تغطية الصحافة السعودية للثورة التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك في مصر.

وقال خلال الحلقة التي استضاف فيها الإعلامي المصري حمدي قنديل "هل تجرؤ الصحف السعودية ان تقول كلمة على الملك عبد الله او على النظام السعودي".

واضاف قائلا "ان لم نستطع ان نقول راينا فلنتوقف، الحلقة القادمة سنجرب ذلك سنتحدث عن تاثير الاحداث في مصر على الوضع في السعودية، اذا تم ذلك فالعربية قناة مستقلة واذا لم يتم فاودعكم واشكركم على متابعتكم معي خلال هذه الفترة من استوديو القاهرة". بحسب وكالة انباء البي بي سي.

وفي تصريحه لفرانس برس قال الميرازي انه فوجىء بعدم اعادة بث هذه الحلقة في موعدها المعتاد في الثانية عشرة من بعد منتصف الليل, مضيفا "بدلا من ذلك اذاعوا برنامج ستديو بيروت الذي كان متوقفا منذ بداية الاحداث في مصر".

واضاف "في اليوم التالي ابلغانهم باننا جاهزون للحلقة الجديدة من البرنامج الا انهم ردوا قبل ساعتين فقط من التصوير بان القناة قررت خفض حجم تغطيتها للوضع في مصر بسبب تحسن الاوضاع ولذلك ستعود الى برامجها العادية وبالتالي يعود البرنامج الى موعده الاسبوعي".

وكانت عدة مواقع عربية نشرت غداة الحلقة ان الوليد بن إبراهيم رئيس مجلس إدارة مجموعة "ام بي سي" المالكة لقناة "العربية" اصدر قرارا عاجلا بإعفاء الميرازي من العمل في القناة. لكن الميرازي نفى تبلغه بهذا القرار. وقال "لن اتوقف عن تقديم البرنامج حتى اذا ارادوا ان يكون شهريا او حتى سنويا. انا حريص على البقاء معهم لانها محطة

جديرة بالاحترام واذاعتها لبرنامجي ستؤكد ذلك".

تنعم بالحرية لكنها تخشى المستقبل

في مقر نقابتهم بوسط تونس تجمع صحفيون اعتادوا الرقابة الصارمة كي يتأملوا معنى عصر الحرية الذي لم يتوقعوا قدومه قط.

وقال الصحفي زهير طابة بصحيفة الحرية المملوكة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي هيمن على السياسة في البلاد لعقود الى ان اطاحت الثورة الشعبية بالرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من يناير كانون الثاني "تغمر مشاعر السعادة المواطنين ولكنها تمتزج بالقلق." واضاف "ثمة مخاوف كبرى من ان تستثني الصحافة من الثورة وان تنتهج الجمهورية الجديدة نفس مسلك سابقتها تجاه الاعلام."

وعلى مقربة من مقر النقابة في فيلا صغيرة ترجع للحقبة الاستعمارية تسمع هتافات محتجين على مشاركة حزب التجمع الدستوري في حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت عقب فرار الرئيس بن علي من البلاد.

وحين غادر بن علي البلاد اثر احتجاجات شارك فيها الالاف في شوارع العاصمة استشعر الصحفيون ان الية السيطرة التي اوجدت ثقافة الخوف على مدار الاعوام الثلاثة والعشرين الماضية بدأت تنهار اخيرا.

وادرك الصحفيون في وسائل الاعلام المكتوبة انهم اضحوا احرارا في كتابة ما يرغبون. وبعدما ادان التلفزيون الحركة لاسابيع ووصفها بالعنف والشغب صارت يوم الاحد "ثورة". وغيرت محطة التلفزيون اسمها من المحطة السابعة - تيمنا باليوم الذي تولي فيه بن علي السلطة في نوفمبر تشرين الثاني عام 1987 - الى التلفزيون التونسي وبدأت تذيع برامج حوارية لا تنقطع تشارك فيها شخصيات معارصة ونشطاء حقوقيون ومفكرون لم يسبق لهم الظهور على شاشات التلفزيون للاحتفال بانتهاء الحقبة الدكتاتورية. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

واشيد بالجيش بوصفه منقذ الامة لقمعه ميليشيات على صله ببن علي وسرعان ما تحول الوصف الرسمي من انتفاضة الى "ثورة الشعب من اجل الحرية والكرامة". بيد ان صحفيين اشاروا الى ان شبكة كبار الصحفيين والمديرين والرقباء التي شكلها بن علي للسيطرة على وسائل الاعلام لا تزال قائمة في مكانها لذا فلا يمكن البدء الان في اي تغييرات.

وقال طابة ان صحيفة الحرية توقفت فجأة عن الصدور في اليوم التالي لمغادرة بن علي. واضاف "جهزنا عدد يوم السبت لكن اليوم التالي لم يطبع ولم نعرف من كان صاحب القرار. في العدد الاخير ايدنا الثورة ونشرنا أن ارادة الشعب تحققت."

وفي صحيفة الصباح التي اشتراها صخر الماطري زوج ابنه بن علي في عام 2008 قال الصحفي صالح عطية ان الصحفيين ازاحوا الشخصيات التي تنتمي للنظام واعادوا تنظيم السياسة التحريرية. وقال "اصبنا بصدمة تامة في أول يومين. كنا فخورين لكن خشينا عودة بن علي. خشى الصحفيون ان يتعرضوا للعقاب على ما يكتبونه ان هو عاد."

واعلن تعيين رئيس مؤقت مما بث في وسائل الاعلام ثقة أكبر. وابلغت الصباح الرقيب الذي يعمل داخل الصحيفة والذي عينه الماطري شخصيا ان خدماته لم تعد مرغوبة. ونشرت الصحف تقارير يومية عن فضائح السيدة الاولى السابقة ليلى الطرابلسي وهي شخصية يمقتها كثيرون بسبب نفوذها الواسع ونمط حياتها المترف.

ونشرت صحيفة في صدر صحيفتها صورة تم تعديلها باستخدام برنامج فوتوشوب تصور بن علي وزوجته يملان صناديق الاقتراع بالدولارات. وقال صحفيون ان بن علي سيطر على وسائل الاعلام من خلال شبكة من الموالين والانصار يوجههم مستشاره السياسي عبد الوهاب عبد الله. واختفى عبد الله وحرقت الفيلا التي كان يقطنها بإحدى الضواحي الراقية.

وقال عطية "جعل عبد الوهاب عبد الله من وسائل الاعلام التونسية صحراء جرداء لا يهم فيها الا راي بن علي. كانت فكرته انه لا ينبغي سماع سوى صوت بن علي." وكان يجري وقف الصحفيين عن العمل او ينقلون للعمل في وظائف اخرى داخل وسائل الاعلام المملوكة للدولة عقابا لهم عل عدم انتهاج الخط الموضوع. وقال الصحفيون ان شرائح الهاتف المحمول التي وزعتها النقابة مجانا كانت حيلة للتجسس عليهم. ورغم الحرية المفاجئة يخشى عطية من الاتجاه الذي ستتخذه الانتفاضة. وقال ان ابواب البلاد مفتوحة امام محرضين عملاء وتدخل من دول عربية تحرص على فشل التجربة الديمقراطية وأشار الى ليبيا والسعودية حيث يوجد بن علي حاليا.

وقال عطية "يمكن ان تصبح تونس منارة للصحافة في العالم العربي. نحتاج الان لكتابة منطقية. لا يمكن ان تعكس احاديث الشارع. ينبغي ان نتحرك نحو بناء المستقبل." وتمتد حالة عدم وضوح الرؤية لجميع الجهات.

ولا يزال مبنى تلفزيون الدولة يخضع لحراسة مشددة. ويقول العاملون ان كبار المسؤولين التنفيذيين في داخله الذين كانوا ينفذون تعليمات النظام من قبل قلقون بشأن مستقبلهم. وقالت سلوى رزقي ووظيفتها متابعة وسائل الاعلام والانترنت "لا يزال المسؤولون الذين اعتادوا تلقي التعليمات بشان ما سوف يذاع في الاخبار موجودين. لكن يعملون تحت ضغط من الصحفيين الذين يريدون مزيدا من الحرية."

وتعترف رزقي بانها كانت عضو بحزب التجمع الدستوري الذي يضم مليوني عضو لكنها استبعدت لارتدائها الحجاب. لكن الصحفيين الذين عانوا من تجارب مريرة في وسائل الاعلام قالوا انهم يخشون ان قوى غير مرئية تحرك الاحداث.

وقال وليد برهام وكان محررا في مجلة مملوكة للدولة وفصل لرفضه نشر مقالات تمتدح النظام السابق "ثمة حرية صحافة الان نتيجة الضغط الشعبي. الرؤساء لايزالون على رأس العمل ويحق للحكومة استبعادهم."

الكتب الممنوعة تطرح بأسعار رمزية

وقبل ان تحقق العدالة التي انتفض من اجلها المصريون على مدى الايام التي استمرت الحشود تطالب بحقوقها كانت هناك العديد من التغيرات تحدث في الشارع المصري.

ففي اليوم السادس عشر للاحتجاجات المطالبة باسقاط حكم الرئيس المصري حسني مبارك طرحت على جانب من ميدان التحرير بوسط القاهرة مجموعة من الكتب التي تمثل نبوءة بما حدث.

وحملت رفوف الكتب مؤلفات منها (الايام الاخيرة) و(الرئيس البديل) (كارت أحمر للرئيس) وهي لعبد الحليم قنديل و(جمهوركية ال مبارك) لمحمد طعيمة. وتباع النسخة الواحدة بعشرة جنيهات مصرية (1.7 دولار) بدلا من 25 جنيها "تضامنا مع شباب 25 يناير" الذي انطلقت فيه الاحتجاجات في القاهرة ومعظم المحافظات المصرية.

وشغل قنديل منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي تأسست نهاية عام 2004 وأصبح لها في الشارع تأثير يفوق احزاب المعارضة المعترف بها وظلت ملتقى مقبولا لالوان الطيف السياسي والفكري والثقافي والنقابي. وأعلنت الحركة منذ البداية شعار "لا للتجديد (لمبارك) لا للتوريث (لابنه جمال)."

وكان قنديل في مقدمة الكتاب الذين حذروا من سيناريو التوريث في كتب ظلت توزع توزيعا محدودا عن طريق دور نشر صغيرة. أما كتاب (جمهوركية ال مبارك) لطعيمة فصدرت طبعاته الاولى على نفقة مؤلفه الذي كان يوزعه بنفسه. وعنوان الكتاب نحت لغوي مبتكر يجمع الجمهورية والملكية معا في اشارة الى اختلاط الامور وتحول الجمهورية الى حكم ملكي يتوارثه الابناء. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

ولكن الطبعة الخامسة التي صدرت قبل تفجر الاحتجاجات المطروحة ميدان التحرير أصدرتها (دار الثقافة الجديدة) بالقاهرة وتقع في 200 صفحة متوسطة القطع وحذف منها المؤلف العنوان الفرعي للطبعات السابقة وهو (صعود سيناريو التوريث).

ويقول المؤلف انه "في ظل حكم الاب ثم بالشراكة مع الابن تآكل الرصيد الاقتصادي والسياسي والاقليمي والاجتماعي والثقافي والانتمائي للبلد. فاذا كان الاب لم يع معنى.. رجل دولة.. فالابن وفريقه يتصرفون وكأنها مخطوفة" ولكنه يرجح أن قوى في النظام أوقفت سيناريو التوريث.

وقال الروائي المصري صنع الله ابراهيم المعروف بانتقاده الحاد للنظام الحاكم في مقدمة الكتاب "فيما بعد. عندما ينجلي غبار المعركة ويفوز الشعب المصري بحقه في اختيار حكامه" سيكون القارئ بحاجة الى سجل بأعمال أعاقت "فضيحة التوريث" منها هذا كتاب (جمهوركية ال مبارك) وكتابات اخرين منهم محمد حسنين هيكل ودور الحركة المصرية.

النموذج التركي

بعد ان أذعن الرئيس المصري حسني مبارك لصرخات الشارع ورحل، يتطلع المصريون وغيرهم من العرب الساعين الى طي صفحة الحكم المطلق الى تركيا بحثا عن توجهات لاحداث تزاوج بين الاسلام والديمقراطية.

وتركيا دولة مستقرة نسبيا تتمتع باقتصاد مزدهر وتقودها حكومة محافظة تتبنى نهجا عمليا وعلى رأسها اسلاميون سابقون. ويشار اليها دائما على أنها نموذج للديمقراطية الاسلامية وركيزة للنفوذ الغربي في المنطقة.

وفي ظل موجة من الاضطرابات الاخذة في الانتشار من الاردن وصولا الى اليمن يحول محللون متخصصون في الشرق الاوسط انتباههم الى تركيا القوة الدبلوماسية المتنامية في المنطقة.

وقال فواز جرجس أستاذ سياسات الشرق الاوسط والعلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد "النموذج الوحيد الفعال والناجح في الشرق الاوسط هو النموذج التركي. لا يوجد نموذج اخر." واضاف "يشكل النموذج التركي أساسا لمجتمعات مماثلة لذا أعتقد أنه في أعقاب الاحتجاجات سينظر العرب بتمعن الى النموذج التركي الذي يمزج بين القيم الاسلامية والديمقراطية كشكل عالمي للحكومة."

غير أن محليين حذروا من أن الاختلافات العميقة بين تركيا - العضو في حلف شمال الاطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي - والعرب الذين يفتقرون الى ثقافة الحرية السياسية يعني أنه لا يمكن نسخ النموذج التركي سريعا.

وقال فادي هاكورا الاستاذ المساعد بمعهد تشاتام هاوس البحثي في لندن "لاشك في ان المثال التركي يمكن أن يكون مصدر الهام في تونس ومصر.. لكن اذا قررت أي دولة عربية أن تتبنى النموذج التركي فسيستغرق الامر عقودا لمحاكاة التطورات السياسية والاقتصادية في تركيا."

وخلال السنوات القليلة الماضية نمت الديمقراطية التركية بشكل أشد جرأة بعدما تقلصت سلطات جنرالات الجيش بسبب الاصلاحات التي قام بها حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في اطار مساعي بلاده للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي. وأشار بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الاوسط في بيروت الى أن الامر مختلف في مصر حيث كان الجيش في قلب السلطة منذ الاطاحة بالنظام الملكي عام 1952 . بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وقال سالم "على الجيش المصري أن يتخذ قرارا أساسيا اقدم عليه الجيش التركي بنجاح وحقق نتيجة طيبة .. وهو التراجع والتركيز على حماية سيادة الدولة وحماية الدستور والسماح بنمو السياسة المدنية.

"هذا بالضبط هو ما طلب من الجيش في مصر وتونس وفي الاردن .. لكن لم يتحقق هذا بعد."

ويقول محللون ان الجماعات الاسلامية ستلعب على الارجح دورا بارزا في تونس عقب سقوط الرئيس السابق زين العابدين بن علي ورحيل مبارك. ومثل هذه الاحتمالات مبعث قلق للولايات المتحدة التي أيدت حكومات عربية تتبنى الحكم المطلق باعتبارها درعا ضد تهديد المتشددين الاسلاميين.

كما أن دعم الولايات المتحدة لاسرائيل واعتمادها على امدادات النفط من الشرق الاوسط جعل العرب لا يثقون في دوافع واشنطن. وشبه الزعيم الاسلامي التونسي راشد الغنوشي العائد مؤخرا الى البلاد حزبه بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أكثر منه بجماعة الاخوان المسلمين المحظورة في مصر أكبر جماعات المعارضة في البلاد. وخرج حزب العدالة والتنمية التركي من حركة اسلامية محظورة ليصبح حزبا معتدلا يدعم الاستثمار الاجنبي.

واعتبر فوزه في الانتخابات عام 2002 انتصارا لنموذج من الاسلام السياسي يركز على تشجيع القيم الاسلامية بشكل ديمقراطي بدلا من فرض نموذج صارم من الشريعة الاسلامية. وتقول جماعة الاخوان المسلمين في مصر انها ستحمي الديمقراطية لكن الخبراء منقسمون بشأن النهج الذي قد تتبناه.

وقال لورينزو فيدينو الخبير في شؤون الجماعة لدى مؤسسة راند ان التجربة التركية هي السيناريو الافضل لوصول حكومة اسلامية الى السلطة في مصر لكنه قال انه لا يتوقع حدوث ذلك.

واضاف "لم تشهد جماعة الاخوان المسلمين التطور الذي حدث في تركيا حيث قام اردوغان و/الرئيس عبد الله/ جول بالتخلص من الحرس الاسلامي القديم في البلاد والذين كانوا مناهضين للديمقراطية.

"هذا التغير من جيل الى جيل لم يحدث في جماعة الاخوان المسلمين التي تشهد صراعا بين المدرسة القديمة والجيل الثاني من الاسلاميين .. ولذا لم يحسم الامر بعد." وقال فيدينو أيضا ان النهج العلماني التركي منذ أسس مصطفى كمال اتاتورك تركيا الحديثة في عام 1923 يجعل الاتراك أشد ميلا الى الفصل بين الدين والدولة.

لكن جرجس قال انه يرى أن جماعة الاخوان -التي تدرك أن الاحتجاجات جزء من حركة ذات قاعدة أوسع- "ماضية في مسيرة مشابهة لما قام به الاسلاميون الاتراك". واضاف "هذه الثورة هي من اجل اعادة بناء المؤسسات الفاشلة في الدول العربية واعادة بناء الديمقراطية .. ولذا يجري الاخوان نقاشا واسعا."  ويقول خبراء انه مهما كانت التطورات على الارض في الشرق الاوسط فسوف يتعزز على الارجح النفوذ الدبلوماسي التركي.

واتصل الرئيس الامريكي باراك أوباما باردوغان لبحث الاضطرابات في مصر وشدد على أهمية دوره كزعيم منتخب في المنطقة. لكن تركيا حليف لا يمكن التكهن بما سيفعله. ويتزايد النهج التركي الحاسم حيث رسمت أنقرة لنفسها منهجا مستقلا في السنوات الاخيرة. واختلفت تركيا مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين بشأن بعض قضايا السياسة الخارجية لاسيما بخصوص ايران.

وتسببت ادانات اردوغان الشديدة لاسرائيل بعد هجومها على قطاع غزة في اواخر 2008 في انهيار علاقة الصداقة بين تركيا واسرائيل لكنها أكسبت الاتراك اعجابا في انحاء الشرق الاوسط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/شباط/2011 - 13/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م