
شبكة النبأ: بعد ما يناهز الثلاثين
عاما قضاها مبارك في سدة الحكم، بات في حالة ترثى بعد ان طوى الشعب
الثائر حقبته تلك بشكل غير مشرف، تتقاذفه الحسرة والندامة على ما
اقترفت يداه بحق شعبه ووطنه من خطايا لا تغتفر.
فيما لم تشفع له اسطورة الابطال التي طالما تشدق بها مناصروه طيلة
فترة حكمه في ان تشفع لمبارك تمنياته في الخروج المشرف، بعد ان راهن
طيلة الفترة السابقة على تاريخه العسكري في حرب اكتوبر مع اسرائيل،
متناسيا انه افسد ما انجز من شجاعة في تلك المعركة عندما قرر الاصطفاف
ومناصرة اسرائيل في الكثير من القضايا المناهضة للحقوق العربية في
المنطقة، ورعايته لطيلة فترة بقائه في السلطة لاتفاقية كامب ديفيد سيئة
الصيت.
الى جانب كل ذلك لعبت عائلته دورا مشبوه ومفضوح ساعد على تنامي
الفساد السياسي والمالي في مصر، بعد ان قرر مبارك وعائلته مزاوجة المال
بالسلطة، وسرقة المال العام مما تسبب بغياب التنمية الاقتصادية واتساع
الفجوة بين طبقات المجتمع المصري بشكل لافت.
مبارك يحمّل جمال وسوزان المسؤولية
فقد ذكرت صحيفة «القبس» الكويتية أن سجالاً حاداً جرى بين الرئيس
المصري حسني مبارك وزوجته سوزان ونجله جمال، وحمّلهما المسؤولية عن
مجمل حالة التدهور الحاصلة في وضعه. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة في
القاهرة ما وصفته بالقصة الحقيقية لليوم الأخير الذي أمضاه مبارك قبل
أن يحسم موقفه ليلاً، ويعلن التنحي الكامل عن السلطة.
وأوضحت المصادر أن الأسرة كاملة (بمن فيهم زوجتا ابني الرئيس
وأحفاده) «التقوا لتناول طعام الفطور صباح الجمعة، وعلى الفور أشرفت
السيدة سوزان على جمع أغراض زوجها الشخصية، وكلفت (خادمتين خاصتين بها،
وتنتميان الى إحدى دول المغرب العربي) بالتعجيل في جمع المقتنيات
الشخصية للرئيس، التي تضم هدايا قيمة وثمينة تلقاها الرئيس وزوجته من
ملوك ورؤساء دول عربية وأجنبية، وذلك في ثماني حقائب كاملة».
وأضافت أن خلافاً شديداً وقع بين مبارك ونجله جمال «إذ قال له
الوالد بالحرف الواحد: أنت ورّطتني، أنت وأمك، لقد قضيتما على تاريخي
في مصر». وقالت المصادر إن «مبارك كان في حالة نفسية يرثى لها، وبعدها
اجتمعت الأسرة بأكملها وغادروا القصر في ثلاث سيارات، متوجهين إلى مطار
ألماظة القريب من القصر، حيث استقلوا الطائرة الرئاسية وتوجّهوا إلى
شرم الشيخ».
وذكرت الصحيفة أن الرئيس السابق كان قد تعرّض لحالة إغماء أثناء
جلوسه مع عائلته في وقت سابق. وكان مطلبه من رجال المجلس الأعلى للقوات
المسلحة، بعد تلبية جميع مطالبهم، هو المحافظة على خروجه الكريم من
الحكم.
مشادة عنيفة بين نجلي مبارك
قالت صحيفة الاخبار الحكومية المصرية إن خلافا حادا نشب بين نجلي
الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عقب تسجيل مبارك لخطابه الاخير في
محاولة للبقاء في السلطة.
وقالت الاخبار إن علاء مبارك اتهم شقيقه الاصغر جمال -الذي كان
يتولى رئاسة لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم - بأنه افسد الايام
الاخيرة للزعيم البالغ من العمر 82 عاما عندما فتح الطريق امام اصدقائه
للمشاركة في الحياة السياسية.
وقال علاء حسبما ذكرت الصحيفة إن هذا حول المصريين ضد والدهما الذي
تولى السلطة في عام 1981. ونقلت الصحيفة عن علاء قوله "لقد افسدت البلد
عندما فتحت الطريق أمام اصحابك وهذه هي النتيجة بدلا من أن يتم تكريم
أبيك في نهاية حياته ساعدت على تشويه صورته على هذا النحو."
ولم تفصح الصحيفة عن مصادرها وقالت فقط انها "علمت" التفاصيل. وقالت
الصحيفة إن المشادة جرت في قصر الرئاسة بالقاهرة بينما كان مبارك يسجل
خطابه الاخير على امل اقناع المتظاهرين بالتخلي عن مطالبهم واعطاء
الفرصة للإصلاحات التي وعد بها خلال الاشهر الاخيرة من فترة رئاسته.
واشارت الصحيفة إلى أن بعض الشخصيات الكبرى تدخلت للفصل بينهما. بحسب
وكالة الانباء البريطانية.
وأكتسب جمال مبارك (47 عاما) الذي عمل ببنك أوف أمريكا في القاهرة
ولندن لمدة 11 عاما نفوذا كبيرا في الحكومة بعد ان عينه مبارك رئيسا
للجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم في عام 2002.
ويقول محللون إن جمال مهد الطريق لأصدقائه في مجال الاعمال لتولي
مناصب بارزة في الحزب الحاكم وفي حكومة رئيس الوزراء أحمد نظيف الذي
اقاله مبارك بعد ايام من الاحتجاجات التي اندلعت يوم 25 يناير كانون
الثاني. وينظر الى الفساد بين النخبة الحاكمة باعتباره احد أسباب الغضب
الشعبي من مبارك رغم أن القمع السياسي ووحشية الشرطة من العوامل
الرئيسية ايضا.
وكان مصريون كثيرون يشعرون بان مبارك يعد جمال ليخلفه. وقبل أن يظهر
جمال على الساحة ترددت تكهنات في التسعينيات أن مبارك يريد أن يخلفه
نجله علاء رجل الاعمال. وذكرت صحيفة الاخبار أن علاء كان غاضبا ايضا
لان التسجيل الاول لخطاب مبارك قد تغير وكان سيقوم مبارك بنقل سلطاته
المدنية لنائبه عمر سليمان وسلطاته العسكرية للقوات المسلحة.
وكان خطاب مبارك قد فوض سلطاته لسليمان الذي تراه الثورة من رجال
مبارك وغير مقبول.
وبعد أن خرج المحتجون بمئات الالاف في كل انحاء مصر ظهر سليمان على
التلفزيون ليقول في خطاب مقتضب ان مبارك قد تخلى عن منصبه وسلم سلطاته
للمجلس الاعلى للقوات المسلحة.
المصريون يزيلون صور مبارك
فيما يزيل المصريون صور الرئيس المصري السابق حسني مبارك التي كانت
معلقة في المؤسسات العامة والخاصة على مدى ثلاثة عقود من الزمان قضاها
في السلطة. وقال شاهد من رويترز ان صورة مبارك (82 عاما) ازيلت في مقر
رئاسة الوزراء.
وذكر موظف في المركز الصحفي التابع للدولة ان صورة منسوجة كبيرة
للرئيس السابق ازيلت.
كما اختفت صور مبارك من الفنادق الكبرى. ورغم ان صور مبارك كانت
مشهدا مألوفا في القاهرة الا ان معالم تمجيده لم تصل الى الحد الذي وصل
اليه زعماء مستبدون اخرون بالمنطقة مثل الرئيس العراقي الراحل صدام
حسين الذي ملا العراق بتماثيله وصوره وحتى الاوراق المالية.
كما تبنى شبان مصريون حملة تهدف الى ازالة اسم مبارك من المؤسسات
وتستبدل به "شهداء الثورة" التي استمرت 18 يوما.
وقال محمد سعيد ان (جروب حركة شباب التحرير) على الفيسبوك "يتبنى
دعوة لإزالة اسم مبارك مع على أي مبان أو ميادين أو مدارس أو غير ذلك
واستبدال بها أسماء شهداء ثورة 25 يناير" حيث انطلقت الاحتجاجات التي
شملت معظم المدن المصرية. بحسب وكــــالة الانـــــباء البــريطانية.
وكان مثقفون مصريون طالبوا بتغيير اسم (جائزة مبارك) وهي أكبر جائزة
في البلاد وقيمتها 400 ألف جنيه مصري (نحو 68 ألف دولار) وتمنحها وزارة
الثقافة سنويا للشخصيات البارزة في ثلاث مجالات هي الفنون والآداب
والعلوم الاجتماعية منذ عام 1999 وكان أول الحاصلين عليها في الآداب
الروائي الراحل نجيب محفوظ الحائز أيضا على جائزة نوبل.
وطالبوا بإلغاء اسم الجائزة وأن تحمل اسما اخر "يليق بكرامة شعب مصر
العظيم وثورة 25 يناير المباركة بعد الجرائم التي ارتكبها مبارك بحق
الشعب وشباب الثورة."
تجميد أصول آل مبارك
من جانبها أفادت صحيفة «صندي ميرور» ان رئيس الوزراء البريطاني
ديفيد كاميرون يواجه ضغوطاً لتجميد ما قيمته 5 مليارات جنيه استرليني
من أصول الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في المملكة المتحدة.
وقالت الصحيفة ان عائلة مبارك ومن ضمنها ابنه جمال تردد بأنها جمعت
ثروة مقدارها 43.5 مليار جنيه استرليني، وأعلنت سويسرا أنها جمّدت
الأموال التي أودعها مبارك وحاشيته سراً في مصارفها ما أدى الى مطالبة
رئيس الوزراء البريطاني كاميرون بمحاكاة هذه الخطوة.
وأضافت ان مارك مالوك براون وزير الدولة البريطاني السابق للشؤون
الخارجية في حكومة حزب العمال اتهم حكومة كاميرون ب «عدم ادانة مبارك
بما فيه الكفاية، والمبادرة الى تجميد أمواله وأصول ابنه جمال، والذي
تردد بأنه كان يسهر قبل أيام في الملهى الليلي (ترامب) وسط لندن وانفق
16 ألف جنيه استرليني على الشمبانيا». بحسب وكالة انباء الشرق الاوسط.
وأشارت الصحيفة الى ان هناك مخاوف من ان عائلة مبارك ستفرّ الى لندن
حيث تملك منزلاً فخماً قيمته عدة ملايين من الجنيهات الاسترلينية في
منطقة بلغريفيا الواقعة بوسط لندن. وقالت «صندي ميرور» ان أي تأخير في
تجميد أصول عائلة مبارك في المملكة المتحدة سيجعل من السهل عليها نقل
هذه الأصول الى الخارج، فيما رجح الخبراء احتمال ان تدير عائلة مبارك
هذه الأموال من خلال المراكز المالية في لندن.
وذكرت ان ممتلكات عائلة مبارك تشمل عشرات المنازل والفنادق في جميع
أنحاء العالم وتُقدر قيمتها بنحو 10 مليارات و500 مليون جنيه استرليني.
وأضافت الصحيفة ان متحدثاً باسم وزارة الخارجية البريطانية رفض التعليق
على امكانية تجميد أصول مبارك في المملكة المتحدة.
مبارك بين الكافيار وشبح العزلة
وفي تحقيق لمراسلتها في شرم الشيخ المصري، تحاول صحيفة الجارديان
البريطانية رصد الملامح الأولية للمحطة الجديدة من حياة الرئيس المصري
السابق محمد حسني مبارك المتواجد في المنتجع الواقع على البحر الأحمر
منذ تنحيه عن الحكم.
ففي تقرير بعنوان "الرئيس المهزوم يتكيَّف مع حياة العزلة على
الواجهة البحرية"، تروي لنا المراسلة، هارييت شيروود، كيف نجحت بالوصول
إلى مدخل الفيلا الخاصة بعائلة الرئيس في المنتجع الهادئ، والذي يبعد
مئات الأميال عن ميدان التحرير في العاصمة القاهرة، مركز الزلزال الذي
أطاح بنظام مبارك.
وتروي لنا كيف أنها علمت يقينا بأن مبارك موجود بالفعل في شرم الشيخ،
وذلك من خلال دردشة قصيرة مع أحد ضباط الأمن في المقر الذي يخضع لحراسة
أمنية مشددة.
تسأل المراسلة: هل مبارك موجود في الداخل؟
تأتيها الإجابة بشكل عفوي ومقتضب على لسان ضابط الأمن الذي ارتدى
زيا مدنيا: "نعم هو موجود". خوف وحذر "ترتسم فجأة علامات الخوف والحذر
على وجه الضابط الذي ربما أحس بأنه تبرَّع بتقديم أكثر مما ينبغي من
المعلومات المتعلقة بصاحب البيت"، تقول المراسلة.
تفاوتت التقديرات بشأن ثروة أسرة مبارك التي يسعى ناشطو الثورة الآن
لملاحقتها.
- هل يحب الرئيس أن يتحدث إلى الصحافة؟
- لا.
- هل عائلته معه؟
- لا تعليق.
- هل يستقبل زوارا؟
- لا تعليق.
- هل يمكنني أن التقط بعض الصور؟
- كلاَّ.
- هل يمكنني أن أتجول في المكان لبعض الوقت؟
- لا.
هكذا يدور بعدئذٍ الحديث المتحفظ للغاية بين المراسلة، التي تجرَّأت
واقتحمت مقر الشخص الذي كان حتى الأمس القريب رئيسا لأكبر دولة عربية:
محمد حسني مبارك. حراسة أمنية مشددة وتعتيم إعلامي كامل على كل ما يحيط
بسكن الرئيس السابق وخطط تحركاته للمرحلة المقبلة: كلاب بوليسية، تفتيش
لكل شخص أو شيء يقترب من المكان.
تقول المراسلة إنها قصدت المكان سعيا للحصول على إجابات تتعلق
بالرئيس السابق، فوجدت نفسها مضطرة لتقديم إجابات على الكثير من
الأسئلة التي انهال بها عليها ضباط الأمن: اسمك، جنسيتك، اسم مؤسستك
الإعلامية، سبب مجيئك إلى هنا، وأسئلة كثيرة أخرى.
تعود بعدها المراسلة "بخيبة أمل" لتصف لنا كيف وجدت منتج شرم الشيخ
شبه المهجور، رغم أنه يعج عادة بآلاف السياح الذين ينشدون شمسه الدافئة
وشواطئه الجميلة في مثل هذه الأيام من كل عام.
سجين أم في عطلة؟
وتنقل عن إحدى السائحات البريطانيات في المنتجع، واسمها مورين كوك،
قولها: "هم لا يريدون أي مشاكل هنا، فهم يعتمدون على السياحة".
أمَّا الناطور ناصر، فله رأي بالساكن الجديد في المنتجع، أي مبارك،
إذ يقول: "نحن حزينون للغاية أن نراه يرحل. لقد كان رجلا صالحا. وعلى
الحزانى منَّا على فراقه أن يظلوا صامتين".
صحيفة التايمز هي الأخرى تحاول رصد تحركات مبارك في المنتجع، فتنشر
تقريرها عن الموضوع تحت عنوان مثير اقتبسته من عبارة جاءت على لسان
إحدى العاملات في مطبخ "الفندق" (الفيلا) الذي يقيم فيه الرئيس المصري
السابق، إذ تقول: "لسنا متأكدين إن كان مبارك سجينا هنا أم يمضي عطلة".
تقول العاملة: "لقد وصل إلينا طعامه المفضَّل، والذي يأتينا التموين
منه فقط عندما يتواجد هنا في شرم الشيخ، ويشمل ذلك أشهى الأغذية
الأوروبية والكافيار، وأجود أنواع اللحوم وعلب الشوكولا السويسرية".
وبعد الحديث المقتضب عن حياة البذخ، التي تقول التايمز إن مبارك لا
يزال يواظب عليها في شرم الشيخ، رغم أنها كانت أحد الأسباب التي حدت
بشباب الثورة للإطاحة بحكمه بعد ثلاثين عاما من وجوده في السلطة،
تنقلنا الصحيفة إلى عالم التكهنات بشأن الوجهة المقبلة للرئيس المصري
السابق.
تقول الصحيفة إنها علمت أن من بين تلك الخيارات المطروحة أمامه
إمارة دبي، أو مدينة العين، في الإمارات العربية المتحدة أو مدينة بادن
بادن بألمانيا حيث قد يضطر للذهاب إلى هناك لمتابعة علاجه الطبي الذي
كان قد بدأه في أعقاب إجرائه عملية جراحية فيها العام الماضي.
تنقل الصحيفة عن عمال "الفندق" تأكيدهم إنهم شاهدوا مبارك في المبنى،
لكن جرى تحذيرهم بشدة من مغبة مناقشة أي أمر يتعلق بوجوده هناك.
ملاحقة ثروة مبارك
ويخشى البعض من عودة الجيش لإحكام قبضته على مقاليد الحكم في البلاد
ومصادرة الثورة. صحيفة الفايننشال تايمز تهتم اليوم بمتابعة ملف ثروة
عائلة مبارك ومتابعة القائمين على الثورة لها بعد إسقاطهم لنظام مبارك
في الحادي عشر من الشهر الجاري.
تقول الصحيفة إن تركيز نشطاء الثورة ينصب الآن على هدف رئيسي: إسقاط
امبراطورية المال والفساد الضخمة التي أشادها النظام السابق وأعوانه
خلال الثلاثين سنة الماضية، وإعادة إعمار البلاد وبنائها من جديد.
وتضيف أن البداية هي ملاحقة وتعقب ثروة عائلة الرئيس التي يقدِّرها
الثوار والمقربون منهم بحوالي 70 مليار دولار، ويرى الخبراء المستقلون
أن الرقم مبالغ به للغاية، طالما يعتقد هؤلاء أن ثروة مبارك وأفراد
أسرته لا تتجاوز في أحسن الأحوال حاجز الثلاثة مليارات دولار.
هذه التفاصيل تكشف عنها الصحيفة في تقرير لمراسليها، تشارلز كلوفر
ومايكل بيل، يلقيان الضوء من خلاله على ثروة أسرة مبارك وصفقات الأراضي
والعقارات التي كان يبرمها أفراد العائلة أو رجال الأعمال المقربون من
النظام السابق.
يقول التحقيق إن القائمين على الثورة يعكفون الآن على التدقيق
بصفقات الأراضي التي أُبرمت خلال العقود الثلاثة المنصرمة التي أمضاها
مبارك في الحكم، والتي تقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات، وتشمل المدن
التي تم بناؤها على مشارف العاصمة القاهرة، والمنتجعات والمشاريع
العملاقة على شواطئ البحر الأحمر، وفي مناطق أخرى من البلاد.
الأراضي تُباع بسعر دولار أمريكي
وترى الصحيفة أن أي قيادة جديدة للبلاد قد تعيد النظر بالكثير من
تلك العقود والصفقات، إذ ستنصب جهود الناشطين وخبراء القانون ممن
شاركوا في الثورة على التدقيق بكل ملفات الفساد في البلاد، وبالتالي
بإعادة رسم تلك الصفقات بناء على أسس جديدة تقوم على الشفافية والعدالة
والصالح العام.
تقول الصحيفة إن معظم المشاريع وصفقات الأراضي الكبرى في مصر كانت
تتم بتلزيمها بشكل مباشر من قبل الحكومة لرجال أعمال لديهم حظوة لدى
القيادة، ولقاء أسعار بخسة، وبدون إتاحة فرص متساوية لمنافسيهم عبر طرح
تلك الأراضي والمشاريع في مناقصات عامة.
وينقل التقرير عن حمدي الفخراني، وهو محامٍ في القاهرة سبق له أن
تقدم بالعديد من الطعونات بعدم قانونية مثل تلك الصفقات، قوله: "كانت
الأراضي تُباع بسعر دولار أمريكي للمتر المربع الواحد".
ويدلل التقرير على مثل تلك الصفقات "الجائرة" بمشروعي "مدينتي"
و"الرحاب" شرقي القاهرة، واللذين كانت قد طورتهما مجموعة هشام طلعت
مصطفى، رجل الأعمال البارز والقيادي في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم
سابقا، والذي يمضي حاليا عقوبة بالسجن بعد إدانته بمقتل المطربة
اللبنانية سوزان تميم عام 2008.
ومن المسارات الهامة الأخرى التي يرى التحقيق أن الثورة سوف تدقق
بها وتسعى لتصحيها أيضا، تقول الصحيفة، ملف ثروة عائلة الرئيس السابق،
بما في ذلك العقارات والشركات والأرصدة في المصارف الوطنية والعالمية.
ومن أهم الشركات التي ترى الصحيفة أنها ستكون محل تدقيق وملاحقة
خلال الفترة المقبلة شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك)،
وهي إحدى شركات التطوير العقاري الكبرى فى مصر ويملكها والد زوجة علاء
مبارك، النجل الأكبر للرئيس المصري السابق.
لا تزال الهزات الارتدادية لثورة مصر تتوالى في المنطقة العربية
والعالم.
وتنقل الفايننشال تايمز عن هشام قاسم، وهو محلل وناشر، قوله: "إن
نظام مبارك كان يستخدم الأراضي كأداة ليس فقط لكسب ود حلفائه، بل من
أجل التحكم بالقطاع الخاص الذي كان يخشى أن ينمو نفوذه السياسي إلى
درجة تصعب معها السيطرة عليه في حال تمتع بالاستقلالية عن الحكومة".
لكن أحد مدراء الصناديق السيادية، الذي تحدث إلى الصحيفة بشرط عدم
الكشف عن اسمه، يحذر القائمين على الثورة من مغبة اتخاذ إجراءات صارمة
إلى درجة قد يتسببون من خلالها بهروب رأس المال والمستثمرين من البلاد،
إذ يقول:
"عليهم تحقيق نوع من التوازن ما بين عملية لا بد من القيام بها وبين
المطاردة. فإذا ما بدأوا بالمطاردة، فإن الناس قد يأخذون أموالها
ويمضون بها إلى مكان آخر".
أسطورة ترفض أن يطويها النسيان
ولطالما كان الرئيس حسني مبارك في قمة الهرم المصري أو بالقرب من
القمة منذ عام 1975 عندما عيّنه صديقه ومعلمه الرئيس أنور السادات
نائباً له.
وكطيار مقاتل، خضع مبارك للتدريب في أكاديمية سلاح الجو السوفييتي
في بشكيك بقيرغيزستان السوفييتية آنذاك. وكرئيس أركان القوات الجوية
المصرية عام 1971، خدع مستشاريه السوفيات في سلاح الجو وقادهم الى
هزيمة مذلة.
وكان ذلك خلال حرب الاستنزاف 1971-1969 التي تلت هزيمة مصر الكاملة
في حرب الأيام الستة عام 1967. يومها أمطرت الطائرات الاسرائيلية
بالقنابل ثلاث مدن رئيسية مصرية على طول القناة وهي السويس
والاسماعيلية وبورسعيد.
وكان حوالي 18 ألف مستشار عسكري سوفييتي في مصر من باب المجاملة
للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وقاموا بنشر بطاريات صواريخ سام 2
مضادة للطائرات لتغطية قناة السويس التي يبلغ طولها 103 أميال ضد
الهجمات الجوية الاسرائيلية.
وكرئيس أركان القوات الجوية المصرية، أبلغه مستشاروه السوفيات انهم
اكتشفوا وجود ثغرة في تغطية الرادارات الاسرائيلية لشبه جزيرة سيناء
التي كانت تحتلها اسرائيل. وقالوا له ان هذا كان بمثابة فرصة ذهبية
للتحليق من خلالها واسقاط بعض القنابل على شرم الشيخ التي كانت تحتلها
اسرائيل لرفع معنويات الشعب المصري المتشائم. ولكن مبارك رفض ذلك نظراً
لكونه شكاكاً.
وصعد خمسة طيارين سوفيات على متن طائرات مصرية من طراز ميغ 21
واخترقوا الثغرة لقصف شرم الشيخ وكانت المقاتلات الاسرائيلية في
انتظارهم. فأسقطت أربعة منها يقودها طيارون روس واستطاعت واحدة فقط
العودة الى القاعدة. واستدعي جنرال روسي الى موسكو بعد ذلك.
وتشكلت أسطورة مبارك. وتمت ترقيته الى نائب وزير دفاع بعد «حرب يوم
الغفران» أي حرب 1973 قبل ان تتم ترقيته الى قائد لسلاح الجو وعندها
وجد السادات من يخلفه. ولعل أكثر النصائح حكمة التي قدمها مبارك
لأمريكا جاءت بعد أقل من أسبوع على هجمات 11 سبتمبر الارهابية.
يومها قال مبارك «أعرف أن الأمريكان سوف يردون (على الهجمات) على
نطاق واسع ولكن هناك شيء واحد يجب ألاّ يفعلوه وهو عدم ارسال قوات
أمريكية لخوض حرب جديدة ضد نظام طالبان في أفغانستان. يجب ان تتم هذه
العملية على يد قوات مسلمة فقط». بحسب وكالة انباء الشرق الاوسط.
وأضاف انه اذا أرسلت قوات أمريكية وغيرها من وحدات حلف شمال الأطلسي
الى أفغانستان ستجد أمريكا نفسها عالقة في حرب شريرة ضد الاسلام «وهو
بالضبط ما تريده طالبان»، واقترح بدلاً من ذلك ارسال «قوات مصرية
وأردنية ومغربية على سبيل المثال»، مضيفاً «ولا ننسى الباكستانيين فقد
فعلوا الكثير لدعم طالبان بعد انسحاب السوفيات بعد 10 سنوات من
العمليات الفاشلة». يشار الى ان مبارك ساهم بفرقتين مصريتين لتحرير
الكويت في حرب الخليج الأولى (1991-1990).
تغيير الحال
وها هو مبارك يدفع اليوم ثمناً كونه حليفا وثيقا للولايات المتحدة،
وهي ظاهرة حققت له وضعاً مبتذلاً. وكان يجلس بجوار السادات عندما مزق
رصاص متطرفين اسلاميين جسده واغتيل لتوقيعه معاهدة سلام مع اسرائيل.
بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، تأرجحت مصر بين الاستعمار
المزيف والديموقراطية المزيفة، أي بين السيئ والأسوأ. ولم تعرف سوى ست
سنوات من الديموقراطية الحقيقية بين عامي 1946 و1952 في تاريخها منذ
5000 عام.
كُتب الكثير عن الثورات التي تحدث لأن الجماهير فقيرة وأحوالها أقل
من مقبولة، وعلى مصر ان تنتج مليون فرصة عمل جديدة سنوياً لمواكبة
النمو السكاني وأكثر من نصف من سكانها البالغ عددهم 83 مليون نسمة
يتقاضون دولارين يومياً.
وكانت المظاهرة المليونية المناهضة لمبارك في ميدان التحرير في
القاهرة هي قضية «خبز وتسلية (bread and circuses) تطالب برأس مبارك (التي
تشير الى سياسة أباطرة روما القديمة التي كانت تنطلق من فكرة أنه لكي
تبقى الناس راضية ومنشغلة عما يفعل الامبراطور عليه ان يوفّر لها الحد
الأدنى من أسباب المعيشة «الخبز» والحد الأدنى من أسباب التسلية «سيرك»).
ووصف محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي يمكن ان يرى
نفسه خليفة مؤقتا، الرئيس مبارك بأنه بطة عرجاء ورجل يمشي ميتاً. وكان
الأخير تعهد بأنه لن يترشح للرئاسة مرة أخرى في الخريف المقبل، وهي
كانت رغبته منذ وقت طويل، لأنه هيأ ابنه جمال (48 عاماً) للحصول على
هذا المنصب. ولكن كلاهما الآن خارج اللعبة من دون امكانية للرجوع.
ومع احباط حيلة جمال، عبر تويتر وفايسبوك ومراسلي قناة الجزيرة
الاستراتيجيين المنحازين علناً للمتظاهرين الذين يزيدون عن المليون،
حشر مبارك في الزاوية الالكترونية.
وفي حين ان الجيش هو المؤسسة الأكثر احتراماً والأكثر شعبية في مصر،
الاّ انه حين استدعي بعد الشرطة بدا غير قادر على التأقلم. وهرب سجناء
من أربعة سجون في القاهرة بسبب الارتباك وخربت المتاجر والمنازل والشقق.
وبقيت الحشود الضخمة تحت السيطرة بفضل وجود دبابات الجيش وناقلات
الجند المدرعة وكلها من الولايات المتحدة التي تقدم ميزانية سنوية تبلغ
1.2 مليار دولار من مساعدات وزارة الدفاع الأمريكية كتعويض عن اتفاقات
كامب ديفيد عام 1978 التي أقامت بموجبها مصر علاقات دبلوماسية طبيعية
مع اسرائيل.
ومصدر القلق الرئيسي في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون
والحكومات في جميع أنحاء العالم العربي والمسلم هي حركة الاخوان
المسلمين السيئة السمعة لأنها تنادي بالشريعة الاسلامية وتشبه حزب الله
الذي تموله ايران في لبنان.
في 26 يناير 1952، اتهمت عناصر الاخوان بحرق حوالي 300 مبنى بما في
ذلك فندق شيبرد القديم والعديد من المتاجر الفاخرة في القاهرة. وأدى
هذا الى فرض قانون طوارئ وبعد ستة اشهر نفذ انقلاب ابيض للجيش أنهى
الحكم الملكي وجلب ناصر الى السلطة حيث مكث طوال 18 عاماً.
وحاولت جماعة الاخوان المسلمين قتل جمال عبد الناصر عام 1954 ولكنها
فشلت. وخلال الحرب العالمية الثانية، تعاطف الاخوان المسلمون مع
النازيين ضد ما وصفوه الاحتلال الاستعماري لمصر.
وتحولت الحركة المحظورة رسمياً، في السنوات الأخيرة، الى حزب سياسي
منظم وحصلت على نحو %20 من الأصوات الشعبية. علماً ان فلسفتها السياسية
هي أقرب بالتأكيد الى الثيوقراطيين في ايران منهم الى ما يعتبرونه
الاستعمار الأمريكي. الديموقراطية في مصر اليوم هي نقيض الاستقرار. |