موسوي ايران واختبار ثورة شباب مصر

محمد علي جواد تقي

ماذا كان شعور المعارضة الايرانية وهي تتابع مسلسل الاحداث الكبيرة في مصر والتجمعات الجماهيرية في القاهرة والمدن المصرية؟ وماذا كان توقع أروقة الحكم الايرانية وهي تراقب وتتابع مواقف نظام حكم حسني مبارك إزاء ما يحدث؟ هل يصمد المصريون؟ وهل تستخدم تصدر السلطات الحاكمة أمراً باطلاق الرصاص على المحتجين في ميدان التحرير؟ والسؤال الكبير؛ كيف تمت قيادة تيار التغيير الجارف لنظام حكم عسكري ديكتاتوري عمره ثلاثون عاماً من دون وجود قائد او رمز وكذلك من دون وجود دعم خارجي؟

لقد تحقق التغيير في مصر من دون هذين العاملين، فيما نجدهما متوفرين في ايران، ولم يتحقق شيء، بل ان الايرانيين المعارضين ارادوا في الرابع عشر من شباط الجاري التضامن مع نظرائهم في تونس ومصر بتنظيم تظاهرات جماهيرية كبيرة تعطيهم زخماً ثورياً جديداً بعد تراكم الاقوال بانطفاء شعلة ما يسمى في ايران بـ (الحركة الخضراء) المنطلقة من اعتراض المرشح لانتخابات الرئاسة مير حسين موسوي على نتائج الانتخابات واتهام القيادة الايرانية بالوقوف وراء عملية تزوير لصالح منافسه محمود احمدي نجاد، بمعنى ان الاحداث في البلاد العربية كانت بالحقيقة فرصة للمعارضين الايرانيين بان يبعثوا الحياة في حركتهم المعارضة، في حين كان الاجدر بهم أن يواصلوا نشاطهم وحركتهم اعلامياً وثقافياً واجتماعياً، ليكونوا الملهم دائماً لبقية الشعوب، كما كانت ايران في الايام الاولى من ثورتها الاسلامية عام 1979 أملاً وإلهاماً لجميع الشعوب الاسلامية الطامحة للخلاص من الديكتاتورية والطغيان.

والسبب كما يبدو للمتابع والمراقب، يكمن في جوهر عقيدة المعارضة الايرانية للنظام الحاكم، فمنذ تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية في ايران على انقاض النظام الملكي الذي دام حوالي 2500 عاماً، لم تنجح أية جهة سياسية او تيار ثقافي وفكري بان يكرر تجربة الامام الخميني الراحل بتكريس فكرة قلب نظام الحكم في نفوس الشعب الايراني. ومنذ السنوات الاولى من ظهور النظام الجديد في ايران وحتى اليوم، حصل كل شيء من افعال المعارضة، بل حصل ما لم تشهده الكثير من بلاد العالم، مثلاً؛ تصفية رئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء الى جانب مدير الأمن العام مرة واحدة بعبوة ناسفة داخل غرفتهم، او حصول معارك مسلحة في شوارع العاصمة طهران بين قوى الأمن وافراد منظمة (مجاهدي خلق) فيما كان الجيش العراقي يحتل مناطق ومدن عديدة منها (خرمشهر) المدينة التجارية المهمة في جنوب البلاد، وذلك خلال عام 1980. هذا الى جانب أحداث جسام حصلت كالحصار الاقتصادي القاسي والضغوط الدولية وغير ذلك.

لكن الشيء الوحيد الذي لم يحصل هو زعزعة هذا النظام من مكانه قيد أنملة، بل أكد الخبراء في حينها إن كل تلك المحاولات فشلت في قتل الأمل بوجود مستقبل لهذا النظام، إنما حصل العكس تماماً، حيث بدأت ايران تتدرج نحو التكامل الاقتصادي والعودة الى الساحة الاقليمية والدولية بدور فاعل وكبير.

ولعل هذا الواقع الذي لا يجهله مير حسين موسوي، دفعه لأن يتعكّز على الدور الخارجي في دفع تيار المعارضة الى الامام، فهو مهما اعلن براءته من المواقف الامريكية والغربية بشكل عام والمباركة لأي حركة داعية الى تكريس حرية التعبير – حسب رأيهم طبعاً- فان مشكلته مع القاعدة الجماهيرية تجعله وحيداً أمام الاتهامات الحكومية القاسية التي كادت ان تزجّ به في صفوف أعداء ايران، وهي التهمة التي تجلب له حكم الاعدام.

لذا يمكن القول إن التحرك الذي حصل يوم الاثنين الرابع عشر من هذا الشهر، لو لم يكن متزامناً مع زيارة رئيس الجمهورية التركية عبد الله كل، لكان أفضل بكثير لموسوي وأنصار التغيير في ايران، على المدى القريب والبعيد، لا أن يعرض مشكلته ومطالب أنصاره أمام ضيف حلّ في بلده، وهذا قطعاً ما تطرق عليه وسائل الاعلام الايرانية الرسمية وتعد هذا التزامن بانه محاولة جديدة ليس لاضعاف النظام الحاكم وإنما لإلحاق الضرر بسمعة ايران اقليمياً ودولياً، ثم هل ان المعارضة الايرانية بحاجة الى تصريح من مسؤول اقليمي او دولي بضرورة افساح المجال أمام حرية التعبير وغير ذلك كما صرح بذلك الرئيس التركي...؟

لنقل إن هذا التزامن بين الزيارة وبين تجمعات المحتجين جاءت صدفةً، ولم تكن هنالك توقيت او وصول معلومات ما الى المعارضة الايرانية بهذا الشأن، لكن شحة منسوب التيار الجماهيري المعارض هذه الايام يُنبئ عن وجود تصور خاص في ايران عن عملية التغيير تختلف بكثير عما عليه الحال في البلاد العربية، أهم ملامحه الحسّ القومي المرهف لدى الشعب الايراني وشعورهم الدائم بانهم الافضل بين شعوب المنطقة، وانهم الملهم والنموذج، فبعد تجربة (الثورة الاسلامية)، جاءت تجربة النهوض الاقتصادي والعمراني الهائل، ولا نجانب الحقيقة ونشطّ عن الموضوع أن هناك محاولات واضحة جداً على تصدير نمط السلوك الاجتماعي ايضاً من خلال الاعمال التلفزيونية او الفنية او وسائل اخرى.

إن المشكلة الحقيقية للمعارضة الايرانية بشكل عام منذ ظهورها بعد انتصار الثورة الاسلامية، وبشكل خاص ممثلاً بتيار موسوي ومعه خاتمي وكروبي، أنهم نسوا أو لنقل تناسوا الوضع النفسي والاجتماعي للشعب الايراني برمته، وركزوا كل جهدهم على الوضع السياسي لرموز الحكم، وهذا مأخذ كبير على شخصية مثل موسوي وكروبي وخاتمي الذين يُعدون من ابناء الثورة الاسلامية، وقد افنوا عمرهم في معارضة نظام الشاه البائد وفي معتقلاته، ثم في المشاركة بادارة الدولة الجديدة في مراكز حساسة وكبيرة، إنهم يحاولون حالياً اللعب ببعض الاوراق لكسب الامتيازات، من قبيل وجود فقرة في الدستور تسمح لهم بالتظاهر دون الحصول على ترخيص حكومي، بدعوى انها لتأييد حركة جماهيرية في بلد اسلامي، او احراج المسؤولين في طهران أمام الرأي العام العالمي بعد ظهور مفردة جديدة على الساحة الاعلامية والسياسية وهي (الشرعية الثورية)، رغم ذلك اعترف كبير مستشاري موسوي ضمناً بشحة منسوب التيار الجماهيري المعارض في ايران، والمثير ان اردشير امير ارجمند الذي كان يتحدث لـ (بي بي سي) باللغة الفارسية، ألقى باللائمة في ذلك على المسؤولين بانهم لو كانوا افسحوا المجال امام الناس وضمنوا سلامة المتظاهرين لكانت الشوارع تمتلئ بالملايين من المتظاهرين!!

لنعد قليلاً الى ما حصل في مصر وما يُراد له أن يحصل في ايران ليتبين لنا الفرق بين سلوك الشباب المصري وسلوك الشباب الايراني. ان الشباب المصري وسائر شرائح المجتمع المصري الذي نزل الى الشوارع دون اعلان مسبق، وقبل أن يفعل أي شيء مدّ يده الى قوى الجيش ليعلن صدقاته ووطنيته، ولو كانت قوى الامن الاخرى قريبة من المتظاهرين لفعلوا معهم الشيء نفسه، لكنهم انفصلوا وفضلوا مواصلة اعمالهم الاجرامية بالدهس واطلاق الرصاص، وبعد التجمع ليل نهار وفي ظل الطقس البارد وعلى مدى حوالي اسبوعين، بادرت مجاميع من الشباب بتنظيف الشوارع التي كانوا متحصنين فيها، وازالة بقايا اللافتات والاعواد والشوائب ، وأروع ما يمكن وصفه من منظر في تغيير ثوري جماهيري، قيام عدد من الشباب بتنظيف واجهة عربة مصفحة للجيش المصري من الشعارات الثورة العنيفة الداعية الى السقوط والموت. بمعنى انهم لم يكونوا يريدوا الموت لاصحاب هذه الآلة العسكرية ولا حتى لقادتهم، إنما لرموز الفساد والطغيان حصراً والذين اذاقوهم مرارة العيش.

 بينما نلاحظ اول عمل يقول به المحتجون في طهران هو حرق الاطارات وسط الشارع واحداث أعمدة من الدخان الاسود لسد الطريق الجهة المقابلة من أن تتقدم عليهم، وهي طريقة غير حضارية بالمرة، وتشيع الهلع والاضطراب في نفوس افراد المجتمع، لنقل: ان هذا اسلوب النظام الحاكم في طهران بأن يفصل المعارضين عن أية جهة أو مؤسسة في الدولة، لكن اين نداءات المتظاهرين واستنجاداتهم بهذه المؤسسات الوطنية والمخلصة ومنها الجيش أو الاعلام وحتى المؤسسات الاكاديمية ؟ كان بامكانهم اثارة الروح  الوطنية التحررية في هذه المؤسسات ليُصار الى مد جسور العلاقة والصداقة، فالجيش الايراني يكاد يكون مجمّداً وغائباً في مقابل تصاعد نمو قوات (حرس الثورة) وسيطرتها على ملف التسلّح والدفاع والتدريب، فيما الاعلام بكل اصنافه لاسيما المرئي والمقروء، هو بالحقيقة صورة وصوت للحكم القائم.

إن الوضع في ايران يتأرجح حالياً بين جيل فاقد للهوية والجذور ويريد ان يثور على واقعه ويخرج من الطريق المسدود الذي وصله، في دراسته الاكاديمية و في ثقافته وفكره وحتى في نظامه الاجتماعي، وبين أخطاء النظام الحاكم المستمرة مع أي صوت معارض، فهي تفتقر دائماً لروح الاستيعاب لهذه الاصوات بحيث توحي لمن يخرج الى الشارع ويصرخ بالموت لرموز النظام بان هذا النظام حقاً يحمل عوامل سقوطه معه من شدة التأثر والحساسية. وهذا بحد ذاته يؤكد الحاجة لايران بان تعيد النظر في منهج الحكم دون أية ضجة داخلية او تدخلات وتطفلات خارجية، وقد جربت ايران ذلك بنجاح في انتقال قيادة الثورة الاسلامية بعد وفاة الامام الخميني الراحل الى السيد علي الخامنئي وبكل هدوء وكأن شيئاً لم يحصل، كما تمكن الشيخ هاشمي رفسنجاني من تحويل نظام الحكم من برلماني الى رئاسي لاغياً خلال (جرة قلم) منصب رئيس الوزراء.

وإذن؛ هنالك الكثير من الفرص امام ايران لأن تتجنب الفوضى والاضطرابات وانفلات الاوضاع الامنية الذي لاشك يترك أثره على المحيط الاقليمي وايضاً على الوضع النفسي في البلاد الاسلامية، وهذا هو الأهم بأن تبقى ايران بلداً اسلامياً مستقراً ومتماسكاً في نظامه السياسي وفي اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/شباط/2011 - 13/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م