زواج السلطة بالمال واستثنائية الطبقة الخارقة

 

شبكة النبأ: من الصفات الحميدة في ظل الحكومات الرشيدة الاستعانة بالخبراء والمختصين من اجل تسيير مؤسسات الدولة وفق رؤى مدروسة وواضحة، من اجل النهوض بواقع البلد المعني.

إن ظاهرة زواج المال بالسلطة ظاهرة عالمية. وقد كشف النقاب عن فضائح للفساد في الدول الرأسمالية المتقدمة، في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية واليابان طيلة عقدي الثمانينيات والتسعينيات.

وقد ترك ذلك آثارا اجتماعية ساهمت إلى حد لافت في تعظيم الشعور بالظلم والتهميش لدى قطاعات متزايدة من أبناء الشعب المصري.

وتمثل القوة العسكرية مصدرا مهما للتأثير والنفوذ، .. والثراء أيضا، فالقدرة على استخدام القوة مصدر فعال، وفي عالم اليوم فإن التهديد باستخدام القوة مصدر نفوذ فعال.

في دول الشرق الاوسط وبالخصوص الدول العربية  ثمة نماذج عديدة للعلاقة بين النخب الاقتصادية الخاصة مع السلطات، ابتداءا من تقديم المقترحات وانتهاءا بالتصرف المباشر في القرارات الرسمية حسب موقعهم في مراكز القرار .

 فعلى سبيل المثال ففي مصر كانت تجري عمليات احتواء لبعض كبار المستثمرين ومستحدثي الثراء  باستقطابهم للحزب الوطني الحاكم والأخذ بيدهم للوصول إلى منطقة السلطة من خلال ترشيحهم للبرلمان وتسليمهم مراكز قيادية ضمن المؤسسة الرسمية، حيث مارست السلطة عملية تبني لأصحاب رؤوس الأموال المشبوهة والغير مستقرة  والتي كانت تبحث عن غطاء رسمي وقانوني لها ولاستمرار تدفقها حيث ساعد في ذلك توفر بيئة سياسية ضبابية لمصر بحكم استحواذ الحزب الحاكم بشخوصه التقليديين ذوي المصالح الشخصية طويلي الأمد  على مصادر القرار ومقومات الدولة دون أي آلية لتفعيل الديمقراطية وممارسة الشفافية .

كانت المصلحة مشتركة بين رأس المال وشخوص السلطة حيث ساعد في ذلك اشتداد الحاجة للغطاء المالي لحساب المجموعة الشبقة للمال والسلطة والمتصدرة للمشهد السياسي في الدولة ، وكانت مصلحة النظام تكمن في استخدام رؤوس الأموال المشبوهة لتدعيم العمليات القذرة لمجموعة القرار في الحزب الحاكم مثل تزوير الانتخابات وشراء الذمم والعقول أحيانا والتغول على المشاريع العامة والتآمر المالي  في عمليات الخصخصة، حيث كانت  مهمة ضخ المال القذر تتم من  خلال مؤسسات وحسابات خاصة لرموز رأس المال الملتحق بالسلطة.

ويرى خبراء ان أصحاب رؤوس الأموال القادمين إلى السلطة يستغلون مراكزهم الحكومية الممنوحة لهم لتعويض ما تم دفعه من رشاوى وحصص شراكة لشخوص السلطة حيث كانت تمنح لهم الأراضي العامة بأثمان بخسه وتحال على مؤسساتهم العطاءات بقيم مضاعفة وتشطب الضرائب عنهم.

هذا التزاوج بين السلطة ورأس المال أدى بمصر إلى:

ديون متراكمة تقدر بـ 880 مليار جنيه أدت إلى رهن القرار السياسي المصري لصالح مراكز القرار الأمريكية والصهيونية بسبب اعتماد مصر الكلي على المساعدات الخارجية المشروطة.

- 42% من شعب مصر يعيشون تحت خط الفقر مما ساعد في زيادة الجريمة وبروز الجريمة المنظمة وذوبان الطبقة الوسطى.

- 23 مليون نسمة يعيشون في ما يسمى العشوائيات (بيوت من الصفيح تخلو من كل الخدمات الحكومية من ماء وكهرباء وصرف صحي) مما زاد في تجهيل فئة كبيرة من الجيل الجديد وانتشار المخدرات بشكل كبير جدا.

- انخفاض مستوى الديمقراطية إلى ما دون الحد الأدنى الإنساني بسبب لجوء السلطات إلى التصعيد البوليسي أمام أي محاولات لكشف أو الاعتراض على انهيار المنظومة الأخلاقية في ممارسة إدارة المقدرات المالية للدولة.

فيما سبق نرى أن الفساد المالي لمنظومة الحكم في مصر أدى إلى دمار اقتصادي وأخلاقي ووطني على الصعيد الداخلي مما اخرج مصر من صفوف الدول الواعدة اقتصاديا والرائدة إقليميا وخلقت مثالا فاسدا تبعته دولا أخرى في المنطقة.

وفي تونس ايضا، كثيراً ما ينطوي الفساد على تحويل أو تحريف وجهة الموارد المالية أو الخدمية من الاستفادة العامة إلى العائلات الخاصة النهابة، إذ غالباً ما يتطلب هذا التحريف تحويلاً للأموال إلى مصارف وبنوك أجنبية، ما سبب حدوث تسريبات ضارة بالاقتصاد الوطني تعمل على زيادة عرقلة التنمية الاقتصادية.

والفساد له علاقة بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن سياسة الخصخصة الرأسمالية، وانخراط تونس بالكامل في نظام العولمة الليبرالية التي بدأ النظام يطبقها منذ مجيء الرئيس بن علي إلى السلطة، وفي ظل غياب قوانين صارمة ضد الاحتكار تعني الخصخصة استبدال احتكار القطاع العام باحتكار القطاع الخاص، وهذا يؤدي إلى استشراء الفساد بكلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة، هناك حاجة إلى موازاة التخصيص مع وجود قوانين ضد الاحتكار لدرء الفساد، وهذه القوانين كانت علامات أساسية في التطور الاقتصادي في الدول الرأسمالية المتقدمة.

وبالتالي عمل ذلك على تقزيم التنمية الاقتصادية، ويعمل أيضاً على مفاقمة الفقر،  كما أن هذه الممارسات تتحرك من خلال أطر شبكية  ومافيات منظمة، وهكذا تكتسب ممارسات الفساد طابعاً مؤسساتياً في إطار تلك المنظومات الشبكية.

إن علاقة السلطة بالمال آثارة سلبية ومدمرة على الاستثمار، والتنمية الاقتصادية، حيث إن الفساد يعوق التنمية السياسية ويقوض الفعالية والكفاءة الإدارية، وشرعية القادة السياسيين والمؤسسات السياسية، غير أن الفساد ما كان له أن ينتشر في تونس، وينمو ويزدهر، لولا أنه لم يجد  بيئة حاضنة للفساد.

وحين تكون السلطة السياسية القائمة هي التي تحث على الفساد، لا بل، تدفع إليه دفعاً منظماً، كما هي الحال بالنسبة لسلطة السابع من نوفمبر في تونس، فإن الفساد يصبح مؤسسة.

يقول الخبير الاقتصادي في الوكالة الفرنسية للتنمية جان رافاييل شابونيير إن هؤلاء الناس عائلة الطرابلسي كانوا حاضرين في العديد من المجالات، حيث فرضوا إتاوات على أرباح الشركات وبالتالي قللوا من قدرتها على الاستثمار، ما يعني نموا أقل، وفرص عمل متناقصة.

من جهتها أفادت الخبيرة الاقتصادية في معهد الدراسات السياسية في باريس، بياتريس إيبو، بأنه هرباً من شراهة عائلتي بن علي والطرابلسي، اعتمد المقاولون شعار ابق صغيراً، حيث كان رجال الأعمال يخشون الاستثمار والنمو. وتوضح إيبو، أنه بعد 23 عاما من حكم الرئيس بن علي، تتميز تونس «بعدد ضئيل للغاية من الشركات الكبيرة (0.4 في المئة من مجموع الأعمال)، وحتى الشركات المتوسطة الحجم (0.3 إلى 1.7 في المئة)»، حتى إن كبرى المجموعات التونسية «بولينا»، وهي في الواقع عبارة عن تكتل من 71 شركة، تعد 6000 موظف فقط.

وتقدر برقيات ويكيليكس أن 50 % من النخبة الاقتصادية في تونس ترتبط بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بطريقة أو بأخرى، وتتباهى هذه النخبة بثرائها في العلن مما يثير حفيظة ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل. ولا تخفي البرقيات تفاصيل مظاهر الفساد في عائلتي الطرابلسي وبن علي وكيف تجر الاقتصاد التونسي نحو الهاوية من خلال نوع من الاتجار بالمعلومات الداخلية حيث يوافق بن علي على كل المشاريع الجديدة ليتولى أقاربه اختيار ما يريدونه منها لكسب هيمنة في كل القطاعات الاقتصادية المهمة في تونس من القطاع العقاري والاستيراد وحتى النظام المالي الذي أصيب بالشلل من خلال إجبار البنوك على تقديم قروض بشروط سخية لأعوان أفراد العائلة ممن لا يسددون أي قسط منها أبدا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/شباط/2011 - 12/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م