
شبكة النبأ: بعد ان عانى ما عاناه
الشعب الجزائري من اعتقالات وكبش وقوة من قبل الاجهزة الامنية التي
كانت محكومة من قبل نظام دكتاتوري متسلط وبعد ان قيدت يداها منذ سنين
طوال ورفض فيها التعبير عن الرأي وغابت الحرية بالإضافة الى ان الشعب
لم يجد ما يحتاجه من خدمات او حياة رغيدة او حتى وظائف عمل ووصل بهم
الحال الى الهجرة والسفر الى بلدان اخرى للبحث عن المعيشة.
ها هي الان الجماهير الجزائرية تثور على انظمتها وتنهي صمتها الطويل
لما تحملت الكثير الكثير من الهموم والجراح معلنة وبأعلى صوتها انها لن
ترضى بعد اليوم بأقل من حقها والواجبات التي تترتب على الحكومة توفيره
لها، هذا ما اجبر الرئيس الجزائري ان يعيد حساباته ويبدأ بتخفيف قوة
قبضته التي كان يسجن بها الجزائر بتغييره لبعض القوانين والسياسة
القديمة القاهرة، بينما من جانبهم فأن المتظاهرين لم تنفعهم مثل هذه
الاجراءات قائلين اننا لن ننخدع بهذا كونه سبيل للتهدئة والغش سنبقى
نطالب بحقوقنا الى حين ان نحصل عليها.
قطار التغيير للحفاظ على النظام
حيث يبدو ان حكام الجزائر خلصوا لصحة ما قاله جوسيبي دي لامبادوسا
في روايته الفهد التي ترجع للقرن التاسع عشر "كل شيء ينبغي ان يتغير كي
تبقي جميع الامور على حالها."
أضحت الجزائر أحدث دولة عربية تعلن تغييرات سياسية تهدف للحفاظ على
نظام تهيمن عليه الاجهزة الامنية وتفادي احتجاجات مطالبة بالديمقراطية
أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي وتهدد الرئيس المصري.
وربما تنجح هذه الالية لان ثروة البلاد من النفط والغاز تتيح مهلة
للحفاظ على السلام الاجتماعي بينما المعارضة متشرذمة فيما لا تزال
ذكريات الحرب الاهلية في التسعينات التي راح ضحيتها 150 الف شخص تطارد
المواطنين.
وبشكل مفاجئ قررت السلطات رفع حالة الطوارئ التي فرضت في عام 1992
بعد الغاء انتخابات عامة كانت الحركة الاسلامية تتجه للفوز بها. وقاد
ذلك لعقد من اعمال العنف ارتكب خلاله الجانبان اعمالا وحشية لينتهي
بسحق جبهة الانقاذ الوطني.
والان يقول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الوجه المدني لنظام يهيمن
عليه الجنرالات والشرطة السرية انه سيخصص وقتا لجميع الاحزاب السياسية
القانونية في اجهزة الاعلام الرسمية وسيسمح بالتظاهرات في جميع انحاء
البلاد باستثناء العاصمة الجزائر والمنطقة المحيطة بها. ويقول بنيامين
ستوريا اكبر المؤرخين الفرنسيين لتاريخ الجزائر "من الواضح انه استجابة
للاحداث في تونس ومصر ومحاولة من السلطات الجزائرية تجاوز المنحني
وتفادي احتجاجات شعبية كما حدث في اليمن."
وتابع "لم يراودهم حلم رفع حالة الطوارئ على أي نحو اخر." كما يبدو
ان النظام ينتهج سياسة فرق تسد لبث الفرقة في صفوف الجبهة الوليدة
المطالبة بالديمقراطية المكونة من احزاب سياسية علمانية صغيرة والرابطة
الجزائرية لحقوق الانسان التي كانت تميل منذ فترة للحوار مع اسلاميين.
وقال فضيل بومالة احد منظمي مسيرة احتجاجية وجهت الدعوة لتنظيمها في
12 فبراير شباط "امل ألا تكون خدعة جديدة من جانب السلطات." وتابع "أعتقد
ان السلطات تحاول كسب الوقت بدلا من الوصول لجذور المشكلة. يريدون سحب
البساط من تحت قدم المعارضة بقولهم - طلبتم رفع حالة الطوارئ وقد تحقق."
الساسة المدنيين وكبح المشاريع
وتراقب الصفوة الحاكمة - التي تشكلت حول الضباط الذين حاربوا في حرب
الاستقلال عن فرنسا في الفترة من عام 1954 - 1962 - عن كثب الاحداث في
مصر ويحكمها نظام مماثل يتمثل في حكومة يسيطر عليها عسكريون ذات واجهة
مدنية.
ويتحدث كثير من الجزائريين عن (القوى المهيمنة) في اشارة لأجهزة
أمنية مبهمة تسيطر على الاقتصاد وعلى الجانب الاخر حكومة مشكلة من ساسة
مدنيين يشاركون في مناقشات في البرلمان ويحددون الوان اشارات المرور.
وعلى مدار ثلاثة عقود منذ الثورة الاسلامية في ايران في عام 1979 ضمن
حكام الجزائر ومعظم الدول العربية دعما دوليا بتصوير انفسهم كحصن اخير
في مواجهة مد اسلامي. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
وتحت مسمى الاستقرار غضت الحكومات الغربية الطرف عن المذبحة
الجزائرية في التسعينات ولخصها رئيس وزراء الجزائري الاسبق رضا مالك
بقوله ان الفزع ينبغي ان ينتقل للطرف الاخر.
وانتقل الفزع لطرف الاخر في تونس و مصر حيث تحدى محتجون خطر الموت
والاصابة للتظاهر من اجل الديمقراطية وضد حكامهم.
ولم تتضح التطورات في الجزائر بسبب "لعنة الموارد" في قطاع الطاقة
الذي مول الصفوة وشجع على قيام اقتصاد يعتمد على الواردات واضعف
الانتاج المحلي. وكبحت البيروقراطية قيام مشروعات ولم تترك للشبان
الجزائريين مفر سوي الاختيار بين الهجرة حتى أغلقت الدول الاوروبية
أبوابها أو البطالة. ولم تتواكب مشروعات بناء المساكن مع النمو السريع
للسكان.
وقادت الاحباطات الاجتماعية والاقتصادية التي اججت المد الاسلامي
لاحتجاجات محلية متكررة لم تدم طويلا في اغلب الاحوال. وعلى عكس تونس
حيث تصاعد حادث اضرام بائع خضروات محبط للنار في نفسه ليتحول الى حركة
احتجاج وطنية فان السلطات في الجزائر سريعا ما تتدخل بالمال لاحتواء
احتجاجات ضد الاسعار ونقص في المساكن لم تدم طويلا.
وقام حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على القمع السياسي
والمحسوبية ولكنه ساهم في ظهور طبقة متوسطة متعلمة وقطاع خاص مزدهر وضع
الاساس لحركة ديمقراطية. وربما يكون التحدي السياسي الذي تمثله الجبهة
الوليدة المطالبة بالديمقراطية اكثر صعوبة في المواجهة من الاضطرابات
الاقتصادية ولكن الصحافة الخاصة التي تعبر عن رايها ونوعا من المناقشات
في البرلمان كانت بمثابة وسيلة للتنفيث .
وتحكي مزحة شائعة في منطقة المغرب العربي مأخوذة عن الحقبة الشيوعية
في اوروبا تحكي عن كلبين التقيا على الحدود بين الجزائر وتونس. وسأل
الكلب التونسي الاخر "لماذا تريد المجيء الى تونس؟ " فأجاب الكلب
الجزائري "اريد ان اكل ولكن لماذا تريد انت القدوم الى الجزائر؟" فأجاب
الاول "كي أنبح."
دعوات التغيير
بينما قالت عضو بارزة بالنظام الحاكم الجزائري ان الوقت حان لتعديل
حكومي في نقد نادر من داخل الكيان الحاكم وفي ما يعد مؤشرا على أن
الانتفاضات المندلعة في شتى أنحاء العالم العربي تزيد الضغط من أجل
التغيير.
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تعهد في الفترة الاخيرة
بتوفير وظائف والسماح بمزيد من الحريات الديمقراطية ورفع حالة الطوارئ
المستمرة منذ 19 عاما في مسعى للحيلولة دون امتداد الانتفاضات التي
تشهدها تونس ومصر الى بلاده المصدرة للنفط.
الا أن ذلك فشل في تهدئة ائتلاف من هيئات المجتمع المدني وبعض
النقابات العمالية والاحزاب الصغيرة التي استلهمت الاحتجاجات في مناطق
أخرى في العالم العربي وتسعى لتحدي حظر مفروض لتنظم مسيرة احتجاجية في
العاصمة في 12 فبراير شباط.
وشنت زهرة ظريف بيطاط نائبة رئيس مجلس الامة الجزائري (مجلس الشيوخ)
التي عينها بوتفليقة هجوما على الحكومة قائلة انها عجزت عن ترجمة ثروات
الطاقة الهائلة الى حياة أفضل للمواطن العادي. وتساءلت في حديث اذاعي
هل سيكون هناك استمرار في التعامل مع مشاكل البلاد بنفس الشخصيات التي
فشلت مضيفة أليست هناك حاجة لدماء جديدة.. وأبدت أملها وتوقعها في أن
يكون هناك تغيير جذري في طريقة الحكم. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
وأفادت تقارير اعلامية محلية بأن بوتفليقة يستعد لإجراء تعديل وزاري
وربما يقيل رئيس الوزراء أحمد أويحيى الا أن ذلك لم يؤكده أي مسؤول.
وتحمل كلمات زهرة ظريف بيطاط ثقلا لأنها في قلب الكيان الحاكم الجزائري
الذي تشكل أثناء الحرب منذ عام 1954 الى عام 1962 من أجل الاستقلال عن
فرنسا.
وأبدت تشككها في برنامج حكومي لانفاق 286 مليار دولار بحلول عام
2014 لتحديث الاقتصاد واقامة بنية تحتية جديدة. وأضافت في المقابلة
الاذاعية أن أرقاما تطرح الا أن النتيجة على الارض لا تعكس ما ينفق.
وأشادت بتعهدات بوتفليقة برفع حالة الطوارئ في المستقبل القريب ولكنها
كررت مزاعم المعارضة بأنه جرى استغلال حالة الطوارئ لتقييد الحريات
السياسية.
وقالت ان هذه هي المرة الاولى في الجزائر وفي العالم العربي التي
يستجيب فيها رئيس لمطالب الشعب. وقال حسين زهوان رئيس الرابطة
الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان ان الجزائر بحاجة لثورة وليس فقط رفع
لحالة الطوارئ.
وأضاف أن الجزائر بحاجة الى بناء مؤسساتها وبحاجة الى مرحلة
انتقالية تستمر 18 شهرا مع اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة.
ولا تدعم النقابات الرئيسية في الجزائر المسيرة الاحتجاجية المزمعة كما
لا يدعمها حزب جبهة القوى الاشتراكية ولا الاحزاب الاسلامية المحظورة
منذ مطلع التسعينات لكنها ما زالت مؤثرة.
المعارضة
كما قالت جماعات المعارضة الجزائرية انها قد تمضي قدما في تنظيم
مسيرة احتجاجية مقررة مسبقا رغم وعود من الرئيس بالاستجابة لبعض
مطالبهم والسماح بمزيد من الحريات السياسية.
وقال رشيد معلاوي رئيس النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الادارة
العمومية وأحد منظمي الاحتجاج انه يعتقد ان الاحتجاج سيمضي قدما لان
الاجراءات التي اتخذها بوتفليقة ليست مقنعة وقال انه يعتقد ان الحكومة
ليست جادة في تحقيق الديمقراطية في الجزائر.
ولا تدعم النقابات الرئيسية في الجزائر المسيرة الاحتجاجية كما لا
يدعمها حزب جبهة القوى الاشتراكية ولا الجبهة الاسلامية للإنقاذ
المحظورة منذ مطلع التسعينات لكنها ما زالت مؤثرة. وقال المسؤولون انهم
لن يمنحوا المسيرة الاحتجاجية ترخيصا حفظا للنظام العام وهو ما يمكن ان
يؤدي الى وقوع مواجهات مع شرطة مكافحة الشغب. وقالت السلطات ان
المحتجين يمكنهم بدلا من ذلك ان ينظموا احتجاجا في مكان محدد. بحسب
وكالة الانباء البريطانية.
وقال محسن بلعباس المتحدث باسم حزب التجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية المعارض ان المسيرة ستخرج لان بوتفليقة لم يقبل المطالبات
برفع حالة الطوارئ بدون شروط وقال ان الجزائر العاصمة هي أكثر مناطق
البلاد أمنا ولكن بوتفليقة يمنع خروج المسيرات فيها. واستخدمت حالة
الطوارئ في حظر المسيرات في الجزائر لكن بوتفليقة قال ان حظر المسيرات
سيظل ساريا في العاصمة.
اشعال النيران
فيما حاول جزائري اشعال النيران في نفسه أثناء احتجاج للمطالبة
بتوفير المزيد من الوظائف أمام وزارة العمل في العاصمة.
وتقول جماعات المعارضة الجزائرية انها سترغم الحكومة على الاستقالة
الا أن محللين يقولون ان من غير المرجح أن يكون هناك تمرد لان
المسؤولين بإمكانهم استخدام عائدات صادرات الطاقة لحل المشاكل.
وأثناء الاحتجاج أمام مبنى وزارة العمل الذي شارك فيه نحو 30 شخصا
وصل رجل وسكب البنزين على جسده ثم حاول اشعال النيران في نفسه مستخدما
قداحة. وقال مصور رويترز الذي كان متواجدا في مكان الاحتجاج ان صحفيا
يقف بالجوار تمكن من اسقاط الرجل على الارض قبل أن يشعل النيران في
نفسه. وأدخلت الشرطة بعد ذلك الرجل داخل مبنى الوزارة. بحسب وكالة
الانباء البريطانية.
ووفقا للأرقام الرسمية فان معدل البطالة بالجزائر حوالي عشرة بالمئة
في حين أن نسبة العاطلين من الشبان أكثر من ضعف هذه النسبة. وتساءل أحد
منظمي الاحتجاج عما يفعله الموجودون بالسلطة موضحا أنهم لا يستحقون شغل
مناصبهم. واستطرد "اذا لم تبذل الحكومة جهدا بخصوص هذا الامر (تقليل
البطالة) فستقترب الكارثة. ما حدث في مصر وتونس يمكن أن يحدث هنا اليوم."
ويبلغ احتياطي الصرف الاجنبي بالجزائر نحو 150 مليار دولار وليست
لديها ديون خارجية وتتوقع أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي أربعة بالمئة
عام 2011 الا أن الاقتصاد الذي يهيمن عليه قطاع النفط والغاز لا يوفر
الا القليل من الوظائف.
وتعهد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يسعى للحيلولة دون
كسب دعوات المعارضة لتنظيم احتجاجات قوة دفع بمزيد من الحريات
والديمقراطية وأمر الحكومة باتخاذ خطوات لتوفير وظائف جديدة. وقال
ائتلاف من هيئات المجتمع المدني وبعض النقابات وبعض الاحزاب السياسية
الصغيرة انه لا يثق في تعهدات بوتفليقة وسيمضي قدما في الاحتجاج.
الأحزاب السياسية
في حين انقسمت الاحزاب السياسية حول اعلان الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة رفع حالة الطوارئ في الجزائر، كما جاء في بيان نشرته الصحافة.
وقد اعلن بوتفليقة رفع حالة الطوارئ المعمول بها منذ 19 عاما، "في اقرب
الآجال"، كما افاد بيان لمجلس الوزراء.
واعتبرت جبهة التحرير الوطني (قومية) ان هذا التدبير "ينسجم تماما
مع تطور المجتمع وديناميكية الشعب الجزائري الذي يطمح الى مزيد من
التقدم والرفاهية". واكد التجمع الوطني الديموقراطي (ليبرالي) بزعامة
رئيس الوزراء احمد اويحيى ان هذا القرار يؤكد نجاعة "النموذج
الديموقراطي التعددي المطبق في بلادنا".
ورحبت حركة المجتمع من اجل السلم (اسلامية) ايضا بهذا التدبير،
معتبرة انه "خطوة مهمة الى الامام". وجبهة التحرير الوطني والتجمع
الوطني الديموقراطي وحركة المجتمع من اجل السلم هي المكونات الثلاثة
"للائتلاف الرئاسي" الذي أنشئ لدعم برنامج بوتفليقة. بحسب وكالة انباء
فرانس برس.
وفي المقابل، رأى التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية (معارضة) في
القرار "مناورة" تهدف الى "التضليل". وذكرت جبهة القوى الاشتراكية
(معارضة) من جانبها ان هذا التدبير "يمكن اعتباره مؤشرا ايجابيا" لكن
مشروع اعداد قانون جديد يسمى قانون مكافحة الارهاب "يولد القلق
والشكوك".
واعتبرت الامينة العامة لحزب العمال (تروتسكي) لويزا حنون من جانبها
ان التدابير التي اعلنها مجلس الوزراء وخصوصا حول رفع حالة الطوارئ
وفتح وسائل الاعلام امام احزاب المعارضة "ايجابية جدا". وقالت في تصريح
صحافي "طالما ناضلنا من اجل متابعة التصدي للإرهاب ... التي لا تتعارض
مع الحق في حرية التعبير والتظاهر". وكلف الرئيس الجزائري "الحكومة
بالشروع (فورا) في صياغة النصوص القانونية التي ستتيح للدولة مواصلة
مكافحة الارهاب في إطار قانوني مما سيؤدي الى رفع حالة الطوارئ في اقرب
الآجال".
ودعا حزب الاصلاح الاسلامي من جانبه السلطة الى ان "تحدد بوضوح
مواقفها من خلال تحديد مهل واضحة لرفع حالة الطوارئ"، كما ذكرت وكالة
الانباء الجزائرية. وكان رفع حالة الطوارئ واحدا من مطالب المعارضة
والمجتمع المدني اللذين توحدا في تنسيقية جديدة. |