(لن أتنازل عن الكرسي) قالها بلكنة دبلوماسية لم يمهله التيار
الجارف حتى أقتلعه كطوفان نوح، يكفي أن نقلب الأسماء لتتضح الحقيقة: (الرشيد،
الأمين، المأمون، المتوكل، المعتصم بالله،... وأخيرا وليس آخراً فرعون
مصر " مبارك " منزوع البركة)، يرغي بعدم الخيانة لشعبه، وجمعة الغضب
شاهد على شلال الدماء !
كان يخشى أن تنزلق البلاد إلى فوضى – كما يصرح - وهو الذي كرسها
بغروره وغطرسته، فمن يتحمل كل الخسائر غيره ؟!
إنها آلة الضعفاء، يرضخون للواقع في نهاية المطاف، لقد نزعت أظفار
الفرعون وأنيابه المرعبة، وتبخرت الاستخبارات الجاسوسية التي غرست في
كل شبر، واستسلم لإرادة الشعب بعد أن شاهد الموت الزؤام ولعق طعم
المنية وحل به الغرق، ولكن ما قيمة هذا التنازل والانسحاب؟! إنها حكاية
جبروت فرعون مصر ذاتها كررتها الأعوام وتشابهت بها الأيام، فإن كان
يستحق البقاء فليكن بدنه محنطاً ليتعظ به من يريد الاتعاظ !!
زعم أنه لن يهرب، ولكن الحقائب كادت أن تسبقه إلى بلاد العيش
الرغيد، إنها وسيلة الجبناء، ألم يسبقه صنم تونس من قبل؟!؛ ليهنأ ما
طاب له الرقاد، ظنون وأحلام الطفولة تهاوت من رأس الفرعون، لقد ظن أن
قطع الاتصالات؛ سيؤدي إلى قطع المدد، على العكس تضافرت الأعداد حتى غصت
بالملايين، وحينما حوصر المارد في قفص صغير، رفع رايته البيضاء وأشرق
الاحتفال البهيج..
لا يهم " الشيطان " حجر شطرنج واحد، ما دام في كنانته المزيد،
فالأحجار تتبدل سريعاً أسفل المنضدة وفي الخفاء، ويعلنون البراءة أمام
العلن وفي وضح النهار، ثم يزرقون العملاء كإبر الدواء، وما هي إلا السم
الزعاف، فإن سقطت عن إسرائيل ورقة، فإنها ستجير آلاف الأوراق المنافقة
لتتستر، وأنى لها بالستر والله قد فضحها للجميع..
والسؤال الحرج: لماذا تقام المحاكم لأناس دون آخرين؟! وكما حكم
البعثيون يجب إقامة المحكمة العادلة على رؤوس الأشهاد لكل جزار باغي،
لتحصى كل الجرائم التي ارتكبوها ومن يحيطون بهم، ويذوقوا بعدها أشد
العذاب؛ ليكون درساً قاسياً لم يشفط أموال الشعوب، ويهرق دماء
الأبرياء، ويملأ بآلاف المظلومين قعر السجون، وأن كانت شماعتهم تثبيت
العرش القذر..
الأيام دول، ولكل زمان دواليبه، فيوم يبتسم فيه الرئيس، ويوم تسقط
تماثيله وجبروته على أم رأسه، هكذا الحياة تكون إذا ثار الشعب، يصبح
الحاكم مطاعاً ويمسي خاتماً مخلوعاً لا قيمة له عند صاغة الذهب !
|